ليلة 15 أيّار 1948 قامت القوّات المصريّة في غزّة بحملات اعتقال شملت العشرات من أبناء غزّة المخلصين أطلق سراح معظمهم بعد سجنهم والتّحقيق معهم، وذلك بموجب قائمة أسماء كانت معدّة سلفًا. وتركّزت هذه الحملات في النّهاية ضدّ أعضاء عصبة التّحرّر الوطنيّ ومؤتمر العمّال العرب الذين أعدّت لهم معتقلًا كبيرًا في أبو عجيلة في صحراء سيناء...
ارسل إليّ صديقي الباحث والنّاقد البارز أ.د عادل الأسطة يسألني: "ما مدى دقّة المعلومة الآتية من كتاب معين بسيسو "دفاتر فلسطينيّة: "علي عاشور عضوّ اللجنة المركزيّة لحزب راكاح الآن (طبعًا 1979) كان أوّل مسؤول لي في منطقة الرّمال في غزّة، اعتقله المصريّون ثمّ جاء الإسرائيليّون واخذوه معهم في احدى غاراتهم وأصبح في حيفا – ص28".
يبدو أنّ الصّديق عادل الأسطة لاحظ عدم البراءة في جملة "ثمّ جاء الإسرائيليّون وأخذوه معهم في احدى غاراتهم وأصبح في حيفا" ولذلك طرح عليّ سؤاله.
اعترف أنّه لم يخطر على بالي موضوع انتقال علي عاشور ورفاقه من غزّة إلى حيفا على الرّغم من علاقتي المتميّزة طيلة سنوات مع الرّفاق علي عاشور (الذي عملت معه في صحيفة الاتحاد) وسليم القاسم (الذي عملت معه في العمل النّقابيّ) وعودة الأشهب (الذي كان مديرًا لمطبعة الاتّحاد) وهم ثلاثة من سبعة رفاق "أخذتهم" إسرائيل في احدى غاراتها والأصحّ أنّها اختطفتهم أو أسرتهم.
اتصلتُ بثلاثة رفاق شيوعيّين قدامى من نشيطي الحزب في تلك الفترة وهم اليوم في العقد العاشر من العمر فلم تسعفهم الذّاكرة كي يرووا لي ما حدث، كما اتّصلت بالشّيوعيّ العريق توفيق كناعنة الذي يتمتّع بذاكرة قويّة وكان قد انتسب للحزب الشّيوعيّ في خمسينات القرن الماضي كما كان أصغر السّجناء عقب مظاهرة أيّار 1958 ولم أجد عنده الجواب الشّافي. واعترف أنّه كان من المفضّل أن أعود أيضًا إلى صحيفتي الحزب الشّيوعيّ " الاتّحاد" و "كول هعام" في تلك الفترة لعلّي أجد ذكرًا للموضوع.
أشار عليّ النّائب أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة أن أعود إلى كتاب د. أحمد سعد "جذور من الشّجرة دائمة الخضرة" الصّادر عن معهد إميل توما في العام 1996 فبحثت عن الكتاب ولم أتمكّن من الحصول على نسخة منه ولكنّ الرّفيق عصام مخّول مدير معهد إميل توما صوّر لي الفصل الخاصّ بذكريات علي عاشور بعنوان "من الذّاكرة المدوّنة " ص 65 – ص 76 وأرسله لي مشكورًا.
يذكر علي عاشور في هذه المذكّرات أنّه ولد في عشرين أيلول 1926 في مدينة غزّة وكان والده الشّيخ إبراهيم عاشور من كبار علماء المسلمين في المدينة، وأنّه تلقّى علومه في مدينة غزّة وحصل على شهادة الدّراسة الثّانويّة من الكليّة الرّشيديّة في القدس في العام 1944 وعمل معلّمًا في مدرسة خان يونس الإبتدائيّة ثمّ في مدرسة الإمام الشّافعيّ في مدينة غزّة وعلى الرّغم من أنّ خاله أسعد مكّيّ كان يُعتبر القائد الأوّل للحركة النّقابيّة في غزّة إلّا أنّه يعتبر فهمي السّلفيتيّ أحد أبرز القادة الشّيوعيّين في فلسطين والأردن الأبّ الرّوحيّ له.
يذكر علي عاشور أنّه انتسب إلى عصبة التّحرّر الوطنيّ في أيّار 1945 بعد وفاة والده وفي اليوم الذي رفرفت فيه فوق عدد من أبنية المدينة أعلام النّصر على النّازيّة.وتركّز نشاطه بين المعلّمين. ويذكر أيضًا أنّه انتخب عضوًا في هيئة العصبة في أوّل انتخابات لفرع العصبة في غزّة وأنّ الهيئة انتخبته سكرتيرًا لها في حين انتخبت المدرّس فائق ورّاد مسؤولًا عن التّثقيف للفرع. ويذكر "كان من طلّاب فائق ورّاد الشّاعر الشّابّ معين بسيسو".
ويكتب عاشور أنّ المؤتمر الوطنيّ الكبير للعصبة عقد في قاعدة سينما "السّامر" بغزّة في يوم الأحد 25 آب 1946 وافتتحه فؤاد نصّار وتحدّث فيه حمدي الحسيني وفائق بسيسو ويعقوب سابا والأستاذ إميل توما، عضوّ مكتب رئاسة عصبة التّحرر الوطنيّ وألقى الشّاعر عبد الرّحيم محمود قصيدة. ويضيف عاشور "طلب معين بسيسو وهو من شباب غزّة الأدباء أن يسمح له بإلقاء مقطوعة شعريّة فتقدّم وألقى قصيدة تلتهب بالوطنيّة نشرتها الاتّحاد بتاريخ 8 أيلول 1946 بعنوان: يا عدوّ السّلام".
ويذكر عاشور في مذكّراته أنّ قوى غزّة الوطنيّة قرّرت تأليف "إتّحاد عام" في 15 تشرين الثّاني 1947 ممثلًا حقيقيًا للمدينة ويضيف: أثبت الإتحاد وجوده وخاصّة عندما أصبح واضحًا أنّ القوّات البريطانيّة ستنسحب نهائيًّا من فلسطين في 15 أيّار 1948 ولعدم وجود أي بديل أمامها اضطرّت سلطات الانتداب البريطانيّة الموافقة على أن يتسلّم هذا الاتحاد مسؤوليّة المحافظة على الأمن في المدينة بعد انسحابها وبالفعل تمّ اختيار مائة شابّ لهذا الغرض معظمهم من مؤيّدي الاتحاد وخاصّة من مؤيّدي مؤتمر العمّال العرب وعصبة التّحرّر الوطنيّ ليكوّنوا قوّات الأمن في المدينة بعد انسحاب القوّات البريطانيّة منها. ويضيف علي عاشور "قامت هذه المليشيا الوطنيّة بواجبها إلى أن دخلت القوّات المصريّة "على ضوء القمر" كما كتبت الصّحف المصريّة في حينه " وبدون مقاومة" في ليلة الخامس عشر من أيّار 1948 وكان أوّل عمل قامت به القوّات المصريّة في غزّة هو حلّ الاتّحاد العامّ الوطنيّ وميليشيّاته المسلّحة وتشكيل لجنة قوميّة من أعيان غزّة ورجالاتها التّقليديّين وأرفقت ذلك بسلسلة من حملات الاعتقال شملت العشرات من أعضاء الاتّحاد وغيرهم من أبناء غزّة المخلصين (أطلق سراح معظمهم بعد سجنهم والتّحقيق معهم) وذلك بموجب قائمة أسماء كانت معدّة سلفًا. وتركّزت هذه الحملات في النّهاية ضدّ أعضاء عصبة التّحرّر الوطنيّ ومؤتمر العمّال العرب الذين أعدّت لهم معتقلًا كبيرًا في أبو عجيلة في صحراء سيناء" ويضيف: كان من بين المعتقلين بالإضافة إليه أسعد مكّيّ، محمّد خاصّ، سليم القاسم، صبحي بلال وهم من غزّة وحسن أبو عيشة وعودة الأشهب من الخليل.
ويذكر علي عاشور أن القوّات الإسرائيليّة احتلت معتقل أبو عجيلة الصّحراويّ في نهاية العام 1948 ونقلتهم مع آلاف الجنود والضّباط المصريّين الأسرى إلى المعتقلات الإسرائيليّة" ويذكر أيضًا أنّه تمّ إطلاق سراح هذه المجموعة من الرّفاق: علي عاشور وأسعد مكّيّ ومحمّد خاصّ وسليم القاسم وصبحي بلال وحسن أبو عيشة وعودة الأشهب بعد سبعة أشهر من الاعتقال وبعد نضال طويل شنّه الحزب الشّيوعيّ الاسرائيليّ وحصلوا بعد ذلك على الجنسيّة الإسرائيليّة بقرار من محكمة العدل العليا (ص 65).
اعتقد أنّ الحزب الشّيوعيّ شنّ هذا النّضال لإطلاق سراح هذه المجموعة من رفاق عصبة التّحرّر الوطنيّ لأنّ عودتهم إلى مصرّ سوف تعرّضهم إلى السّجن طويل الأمد وربّما الإعدام بتهمة الشّيوعيّة.
اختار علي عاشور بعد إطلاق سراحه الإقامة في مدينة حيفا فيما اختار آخرون الإقامة في النّاصرة أو الرّملة وعمل علي عاشور في أعمال يدويّة مختلفة ثمّ عمل في جمعية قوت الكادحين التّعاونيّة في حيفا ثمّ محترفًا حزبيًّا في مدينتي يافا والرّملة ثمّ محرّرًا في صحيفة الاتّحاد وانتخب عضوًا في اللجنة المركزيّة للحزب في العام 1969 وشارك في منتصف العام 1977 ضمن وفد عن الحزب الشّيوعيّ الإسرائيليّ في أوّل لقاء رسميّ وعلنيّ مع وفد من م.ت.ف عقد في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا. وخرج للتقاعد بناء على طلبه في العام 1991 وبقي عضوًا في اللجنة المركزيّة للحزب حتّى المؤتمر الثّالث والعشرين.
صديقي ورفيقي أبو إبراهيم علي عاشور (1926-1997) الغزّيّ الحيفاويّ من محرّري صحيفة "الاتّحاد" الذين ارتبط اسمهم باسمها، وكان الرّوح اللطيفة الخفيفة المرحة التي تضفي على هيئة التّحرير جوّاً من المرح حتّى في أشدّ الظّروف حلكة، وما زال أبناء جيلي يذكرون سلسلة مقالاته التي نشرها في "الاتّحاد" بعد زيارة الرّئيس أنور السّادات للقدس، وكان ينهي كلّ مقال منها بأن السّادات لن يحصل من الرّئيس الإسرائيليّ مناحم بيغن إلا على الإصبع الوسطى.
كان أبو إبراهيم إنسانا متواضعاً محبوباً سلاحه السّخرية قولاً وكتابةً. روى لي صديقي الصّحفيّ نظير مجلّي وكان محرّرًا في الاتحاد أنّ النّقاش احتدّ في جلسة من جلسات هيئة التّحرير بين إميل حبيبي، رئيس التّحرير، وبين علي عاشور، نائبه، فحاول إميل إسكاته فاتهمه عليّ بكمّ الأفواه فغضب إميل وقال: هل تتّهمني يا رفيق عليّ بأنّي لستُ ديمقراطياًّ؟ فردّ علي عاشور: معاذ الله. أنت يا أبا سلام ديمقراطيّ وديمقراطيّتك هي أعلى مراحل الدّكتاتوريّة. وهذا الرّدّ يذكّرنا بمقال لينين الشّهير: الامبرياليّة أعلى مراحل الرّأسماليّة.
حينما وقّع الرّئيس أبو عمّار، رحمه الله، اتّفاق أوسلو وبوشر في تطبيق مرحلة "غزّة وأريحا أوّلاً" كان علي عاشور حزيناً ولمّا سألناه عن سرّ حزنه أجاب: أخشى أن تقوم دولة فلسطين في قطاع غزّة فقط. (هل تنبّأ بإمارة غزّة؟) وبعد لحظات صمت أضاف: وعندئذ يكون شعار الدّولة غصنيّ ملوخيّة أخضرين وقرنين من الفلفل الحارّ. وسكت ثم قال: ويضع الواحد منّا قرناً في فمه والقرن الثّاني ...
نشر علي عاشور عدّة قصائد في مجلة "الجديد" فيها سخرية مُرّة، فبعد أن احتلّت إسرائيل سيناء وقطاع غزّة والقدس والضّفّة والجولان كتب قصيدة اسمها "رفرف يا علم":
يا علماً يزرق بخطّين ونجمة
رفرف ما شئتَ وما شئنا أن نبقى في الظّلمة
رفرف في الجولان وفي سيناء وفي أعلى قمّة
نحن الأحرار ولكنّا دسنا حريّتنا بالصّرمة
وفي قصيدة أخرى يسخر من البقرة الإسرائيليّة المقدّسة فيكتب: "باسم الأمنِ، وحفظ الأمنِ، يدوس الأمنَ، رجال الأمنِ. باسم الأمنِ، فقدنا الأمنَ، وصار الأمنُ عدوّ الأمنِ".
وكان من عادة علي عاشور نظم القصائد والاسكتشات الظّريفة التي تغيظ الشّعراء والصّحفيين من زملائه، فعندما احتفلت مجلّة "الجديد" الثّقافيّة الأدبيّة في احدى السّنوات بعيد ميلادها وغاب عن الاحتفال رئيس التّحرير الكاتب صليبًا خميس قال علي عاشور:
إنّ "الجديد" مجلّةٌ شهريّةٌ فيها أدبْ
ورئيسها الغالي صليبا يوم حفلتها هربْ
وإميلُ توما كاتبٌ فيها وأتعب ما كتبْ
فمقالهُ عن عشر صفحات يزيدُ إذا اقتضبْ
عيدٌ لِبيتِ ثقافةٍ حُيّيتَ يا بيت الأدبْ
وفي تلك السّنوات صدر "مع الفجر" للشّاعر راشد حسين و"مواكب الشّمس" للشّاعر سميح القاسم و"عصافير بلا أجنحة" للشّاعر محمود درويش و" أشدُ على أيديكم" للشّاعر توفيق زيّاد فكتب علي عاشور ساخراً:
"مواكبنا" التي سارت مع الشّمسِ
بلا شمسٍ ولا "فجرٍ"
تُحيّيكم.
ويضيف أبو ابراهيم ساخراً مداعباً:
"عصافيري" التي طارت
بلا ريش وأجنحة،
سأمعطها وأذبحها وأشويها
وأطعمكم وأسقيكم
"أناديكم"
أشلّحكم أواعيكم.
ارسل إليّ صديقي الباحث والنّاقد البارز أ.د عادل الأسطة يسألني: "ما مدى دقّة المعلومة الآتية من كتاب معين بسيسو "دفاتر فلسطينيّة: "علي عاشور عضوّ اللجنة المركزيّة لحزب راكاح الآن (طبعًا 1979) كان أوّل مسؤول لي في منطقة الرّمال في غزّة، اعتقله المصريّون ثمّ جاء الإسرائيليّون واخذوه معهم في احدى غاراتهم وأصبح في حيفا – ص28".
يبدو أنّ الصّديق عادل الأسطة لاحظ عدم البراءة في جملة "ثمّ جاء الإسرائيليّون وأخذوه معهم في احدى غاراتهم وأصبح في حيفا" ولذلك طرح عليّ سؤاله.
اعترف أنّه لم يخطر على بالي موضوع انتقال علي عاشور ورفاقه من غزّة إلى حيفا على الرّغم من علاقتي المتميّزة طيلة سنوات مع الرّفاق علي عاشور (الذي عملت معه في صحيفة الاتحاد) وسليم القاسم (الذي عملت معه في العمل النّقابيّ) وعودة الأشهب (الذي كان مديرًا لمطبعة الاتّحاد) وهم ثلاثة من سبعة رفاق "أخذتهم" إسرائيل في احدى غاراتها والأصحّ أنّها اختطفتهم أو أسرتهم.
اتصلتُ بثلاثة رفاق شيوعيّين قدامى من نشيطي الحزب في تلك الفترة وهم اليوم في العقد العاشر من العمر فلم تسعفهم الذّاكرة كي يرووا لي ما حدث، كما اتّصلت بالشّيوعيّ العريق توفيق كناعنة الذي يتمتّع بذاكرة قويّة وكان قد انتسب للحزب الشّيوعيّ في خمسينات القرن الماضي كما كان أصغر السّجناء عقب مظاهرة أيّار 1958 ولم أجد عنده الجواب الشّافي. واعترف أنّه كان من المفضّل أن أعود أيضًا إلى صحيفتي الحزب الشّيوعيّ " الاتّحاد" و "كول هعام" في تلك الفترة لعلّي أجد ذكرًا للموضوع.
أشار عليّ النّائب أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة أن أعود إلى كتاب د. أحمد سعد "جذور من الشّجرة دائمة الخضرة" الصّادر عن معهد إميل توما في العام 1996 فبحثت عن الكتاب ولم أتمكّن من الحصول على نسخة منه ولكنّ الرّفيق عصام مخّول مدير معهد إميل توما صوّر لي الفصل الخاصّ بذكريات علي عاشور بعنوان "من الذّاكرة المدوّنة " ص 65 – ص 76 وأرسله لي مشكورًا.
يذكر علي عاشور في هذه المذكّرات أنّه ولد في عشرين أيلول 1926 في مدينة غزّة وكان والده الشّيخ إبراهيم عاشور من كبار علماء المسلمين في المدينة، وأنّه تلقّى علومه في مدينة غزّة وحصل على شهادة الدّراسة الثّانويّة من الكليّة الرّشيديّة في القدس في العام 1944 وعمل معلّمًا في مدرسة خان يونس الإبتدائيّة ثمّ في مدرسة الإمام الشّافعيّ في مدينة غزّة وعلى الرّغم من أنّ خاله أسعد مكّيّ كان يُعتبر القائد الأوّل للحركة النّقابيّة في غزّة إلّا أنّه يعتبر فهمي السّلفيتيّ أحد أبرز القادة الشّيوعيّين في فلسطين والأردن الأبّ الرّوحيّ له.
يذكر علي عاشور أنّه انتسب إلى عصبة التّحرّر الوطنيّ في أيّار 1945 بعد وفاة والده وفي اليوم الذي رفرفت فيه فوق عدد من أبنية المدينة أعلام النّصر على النّازيّة.وتركّز نشاطه بين المعلّمين. ويذكر أيضًا أنّه انتخب عضوًا في هيئة العصبة في أوّل انتخابات لفرع العصبة في غزّة وأنّ الهيئة انتخبته سكرتيرًا لها في حين انتخبت المدرّس فائق ورّاد مسؤولًا عن التّثقيف للفرع. ويذكر "كان من طلّاب فائق ورّاد الشّاعر الشّابّ معين بسيسو".
ويكتب عاشور أنّ المؤتمر الوطنيّ الكبير للعصبة عقد في قاعدة سينما "السّامر" بغزّة في يوم الأحد 25 آب 1946 وافتتحه فؤاد نصّار وتحدّث فيه حمدي الحسيني وفائق بسيسو ويعقوب سابا والأستاذ إميل توما، عضوّ مكتب رئاسة عصبة التّحرر الوطنيّ وألقى الشّاعر عبد الرّحيم محمود قصيدة. ويضيف عاشور "طلب معين بسيسو وهو من شباب غزّة الأدباء أن يسمح له بإلقاء مقطوعة شعريّة فتقدّم وألقى قصيدة تلتهب بالوطنيّة نشرتها الاتّحاد بتاريخ 8 أيلول 1946 بعنوان: يا عدوّ السّلام".
ويذكر عاشور في مذكّراته أنّ قوى غزّة الوطنيّة قرّرت تأليف "إتّحاد عام" في 15 تشرين الثّاني 1947 ممثلًا حقيقيًا للمدينة ويضيف: أثبت الإتحاد وجوده وخاصّة عندما أصبح واضحًا أنّ القوّات البريطانيّة ستنسحب نهائيًّا من فلسطين في 15 أيّار 1948 ولعدم وجود أي بديل أمامها اضطرّت سلطات الانتداب البريطانيّة الموافقة على أن يتسلّم هذا الاتحاد مسؤوليّة المحافظة على الأمن في المدينة بعد انسحابها وبالفعل تمّ اختيار مائة شابّ لهذا الغرض معظمهم من مؤيّدي الاتحاد وخاصّة من مؤيّدي مؤتمر العمّال العرب وعصبة التّحرّر الوطنيّ ليكوّنوا قوّات الأمن في المدينة بعد انسحاب القوّات البريطانيّة منها. ويضيف علي عاشور "قامت هذه المليشيا الوطنيّة بواجبها إلى أن دخلت القوّات المصريّة "على ضوء القمر" كما كتبت الصّحف المصريّة في حينه " وبدون مقاومة" في ليلة الخامس عشر من أيّار 1948 وكان أوّل عمل قامت به القوّات المصريّة في غزّة هو حلّ الاتّحاد العامّ الوطنيّ وميليشيّاته المسلّحة وتشكيل لجنة قوميّة من أعيان غزّة ورجالاتها التّقليديّين وأرفقت ذلك بسلسلة من حملات الاعتقال شملت العشرات من أعضاء الاتّحاد وغيرهم من أبناء غزّة المخلصين (أطلق سراح معظمهم بعد سجنهم والتّحقيق معهم) وذلك بموجب قائمة أسماء كانت معدّة سلفًا. وتركّزت هذه الحملات في النّهاية ضدّ أعضاء عصبة التّحرّر الوطنيّ ومؤتمر العمّال العرب الذين أعدّت لهم معتقلًا كبيرًا في أبو عجيلة في صحراء سيناء" ويضيف: كان من بين المعتقلين بالإضافة إليه أسعد مكّيّ، محمّد خاصّ، سليم القاسم، صبحي بلال وهم من غزّة وحسن أبو عيشة وعودة الأشهب من الخليل.
ويذكر علي عاشور أن القوّات الإسرائيليّة احتلت معتقل أبو عجيلة الصّحراويّ في نهاية العام 1948 ونقلتهم مع آلاف الجنود والضّباط المصريّين الأسرى إلى المعتقلات الإسرائيليّة" ويذكر أيضًا أنّه تمّ إطلاق سراح هذه المجموعة من الرّفاق: علي عاشور وأسعد مكّيّ ومحمّد خاصّ وسليم القاسم وصبحي بلال وحسن أبو عيشة وعودة الأشهب بعد سبعة أشهر من الاعتقال وبعد نضال طويل شنّه الحزب الشّيوعيّ الاسرائيليّ وحصلوا بعد ذلك على الجنسيّة الإسرائيليّة بقرار من محكمة العدل العليا (ص 65).
اعتقد أنّ الحزب الشّيوعيّ شنّ هذا النّضال لإطلاق سراح هذه المجموعة من رفاق عصبة التّحرّر الوطنيّ لأنّ عودتهم إلى مصرّ سوف تعرّضهم إلى السّجن طويل الأمد وربّما الإعدام بتهمة الشّيوعيّة.
اختار علي عاشور بعد إطلاق سراحه الإقامة في مدينة حيفا فيما اختار آخرون الإقامة في النّاصرة أو الرّملة وعمل علي عاشور في أعمال يدويّة مختلفة ثمّ عمل في جمعية قوت الكادحين التّعاونيّة في حيفا ثمّ محترفًا حزبيًّا في مدينتي يافا والرّملة ثمّ محرّرًا في صحيفة الاتّحاد وانتخب عضوًا في اللجنة المركزيّة للحزب في العام 1969 وشارك في منتصف العام 1977 ضمن وفد عن الحزب الشّيوعيّ الإسرائيليّ في أوّل لقاء رسميّ وعلنيّ مع وفد من م.ت.ف عقد في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا. وخرج للتقاعد بناء على طلبه في العام 1991 وبقي عضوًا في اللجنة المركزيّة للحزب حتّى المؤتمر الثّالث والعشرين.
صديقي ورفيقي أبو إبراهيم علي عاشور (1926-1997) الغزّيّ الحيفاويّ من محرّري صحيفة "الاتّحاد" الذين ارتبط اسمهم باسمها، وكان الرّوح اللطيفة الخفيفة المرحة التي تضفي على هيئة التّحرير جوّاً من المرح حتّى في أشدّ الظّروف حلكة، وما زال أبناء جيلي يذكرون سلسلة مقالاته التي نشرها في "الاتّحاد" بعد زيارة الرّئيس أنور السّادات للقدس، وكان ينهي كلّ مقال منها بأن السّادات لن يحصل من الرّئيس الإسرائيليّ مناحم بيغن إلا على الإصبع الوسطى.
كان أبو إبراهيم إنسانا متواضعاً محبوباً سلاحه السّخرية قولاً وكتابةً. روى لي صديقي الصّحفيّ نظير مجلّي وكان محرّرًا في الاتحاد أنّ النّقاش احتدّ في جلسة من جلسات هيئة التّحرير بين إميل حبيبي، رئيس التّحرير، وبين علي عاشور، نائبه، فحاول إميل إسكاته فاتهمه عليّ بكمّ الأفواه فغضب إميل وقال: هل تتّهمني يا رفيق عليّ بأنّي لستُ ديمقراطياًّ؟ فردّ علي عاشور: معاذ الله. أنت يا أبا سلام ديمقراطيّ وديمقراطيّتك هي أعلى مراحل الدّكتاتوريّة. وهذا الرّدّ يذكّرنا بمقال لينين الشّهير: الامبرياليّة أعلى مراحل الرّأسماليّة.
حينما وقّع الرّئيس أبو عمّار، رحمه الله، اتّفاق أوسلو وبوشر في تطبيق مرحلة "غزّة وأريحا أوّلاً" كان علي عاشور حزيناً ولمّا سألناه عن سرّ حزنه أجاب: أخشى أن تقوم دولة فلسطين في قطاع غزّة فقط. (هل تنبّأ بإمارة غزّة؟) وبعد لحظات صمت أضاف: وعندئذ يكون شعار الدّولة غصنيّ ملوخيّة أخضرين وقرنين من الفلفل الحارّ. وسكت ثم قال: ويضع الواحد منّا قرناً في فمه والقرن الثّاني ...
نشر علي عاشور عدّة قصائد في مجلة "الجديد" فيها سخرية مُرّة، فبعد أن احتلّت إسرائيل سيناء وقطاع غزّة والقدس والضّفّة والجولان كتب قصيدة اسمها "رفرف يا علم":
يا علماً يزرق بخطّين ونجمة
رفرف ما شئتَ وما شئنا أن نبقى في الظّلمة
رفرف في الجولان وفي سيناء وفي أعلى قمّة
نحن الأحرار ولكنّا دسنا حريّتنا بالصّرمة
وفي قصيدة أخرى يسخر من البقرة الإسرائيليّة المقدّسة فيكتب: "باسم الأمنِ، وحفظ الأمنِ، يدوس الأمنَ، رجال الأمنِ. باسم الأمنِ، فقدنا الأمنَ، وصار الأمنُ عدوّ الأمنِ".
وكان من عادة علي عاشور نظم القصائد والاسكتشات الظّريفة التي تغيظ الشّعراء والصّحفيين من زملائه، فعندما احتفلت مجلّة "الجديد" الثّقافيّة الأدبيّة في احدى السّنوات بعيد ميلادها وغاب عن الاحتفال رئيس التّحرير الكاتب صليبًا خميس قال علي عاشور:
إنّ "الجديد" مجلّةٌ شهريّةٌ فيها أدبْ
ورئيسها الغالي صليبا يوم حفلتها هربْ
وإميلُ توما كاتبٌ فيها وأتعب ما كتبْ
فمقالهُ عن عشر صفحات يزيدُ إذا اقتضبْ
عيدٌ لِبيتِ ثقافةٍ حُيّيتَ يا بيت الأدبْ
وفي تلك السّنوات صدر "مع الفجر" للشّاعر راشد حسين و"مواكب الشّمس" للشّاعر سميح القاسم و"عصافير بلا أجنحة" للشّاعر محمود درويش و" أشدُ على أيديكم" للشّاعر توفيق زيّاد فكتب علي عاشور ساخراً:
"مواكبنا" التي سارت مع الشّمسِ
بلا شمسٍ ولا "فجرٍ"
تُحيّيكم.
ويضيف أبو ابراهيم ساخراً مداعباً:
"عصافيري" التي طارت
بلا ريش وأجنحة،
سأمعطها وأذبحها وأشويها
وأطعمكم وأسقيكم
"أناديكم"
أشلّحكم أواعيكم.