الى نجيب ..
و لو بعد حين
تحت شجرة السدر و قرب (صخرة هند) ـ كما يسميها المجنون ـ التي تشبه حبة كمثرى مائلة ، شكل الفتيان حلقة يقترعون بارقام الزهر مقامرين باوراق لعب مطبوعة لعملات نقدية.. كان هو الوحيد بينهم يراهن باوراق نقدية حقيقية ، يضعها بين طيات اوراق كتاب ممزق بلا ملامح فهو مصدر عملاته و موردها ، يحمله دائما ، لانه لا يملك جيوبا في سرواله و قميصه الطويل الذي فقد الوانه .. تعوّد النظارة وجوده لاعبا بين الصبيان و الاطفال رغم عمره الذي تجاوز الخمسين عاما ، وقد وضح الشيب و التجاعيد التي سامت وجهه و التي تتزايد مع ابتسامته البلهاء ..
صاح صبي معتليا الصخرة :
ـ جاء المسلحون .. لقد جاء المسلحون .
انتشر الاطفال و هربوا الى منازلهم .. كانوا يتوقعون وصولهم ، وحذرهم اهلهم الذين لم يهاجروا او ينزحوا عن دورهم ، من البقاء في الشوارع او الفضاء الذي يكون تحت مرأى عيونهم و سلاحهم .. كان موكبا طويلا من سيارات حمل مسلحة وبينها ناقلات اشخاص مدرعة و اخرى غير مدرعة ..
اعتلى المجنون الصخرة بعد ان جمع كومة من الحجارة ، قاذفا بها نحو الموكب البعيد لذلك الرتل المرعب ، و هو ينادي :
ـ شاهت الوجوه .. شاهت الوجوه .. لعن الله حنش و اولاده ..
و رغم بعد الطريق عن الصخرة الا ان احدى عجلات المسلحين انعطفت باتجاهه حيث صاده احد ناظوراتهم و القي القبض عليه ، و رمي بين ارجلهم في حوض السيارة الخلفي .
و عندما وصلوا بناية دائرة المسلحين السابقين التي هزمت ، رمي به في احدى الغرف مع مجموعة معتقلين آخرين و اغلق الباب عليهم تحت مراقبة عدة مسلحين ..
و بعد يومين من الاستيلاء على هذه المدينة الصغيرة ، أمر قائد المسلحين ان يقدم المعتقلون الى القاضي لتحديد مصيرهم في محاكمة عاجلة .. جلس القاضي في غرفة قائد المسلحين لتكون المحاكمة الاولى ضمن لجنة متابعة يرأسها القاضي و باشراف القائد .. و عندما جاء دور المجنون للمحاكمة قدم احد اعضاء اللجنة تقريرا ممهدا للقاضي :
ـ لقد جمعنا معلومات عنه حيث اكدت ان اسمه رافع او رفاعي و كان يعمل في المدينة الكبرى خلف الجبل امينا في احدى مكتباتها ، لكنه قبل حوالي عشرين سنة قد اصابه خلل في عقله و جنّ ، و هرب من هناك و جاء الى هذه المدينة و عاش بين الناس بعقلية طفل و لكنه لطيف و مسالم .
ـ و ما سبب جنونه ؟
ـ اختلفت الاراء ؛ بعضهم يقول بسبب حبه لامراة لكنه لم يحصل عليها ربما تزوجت او ماتت و غيرهم يقولون انه تأثر بسحر عملته امرأة من اقاربه في مكان يستحيل وصول احد اليه و آخرين يقولون انه حصل على كتاب سحر و تعاويذ و طلاسم و اندمج به و حصل خلل في عقله و لكن احد الاراء يقول ان هيكل احدى المكتبات في المكتبة العامة سقط على راسه و كان جالسا تحته يعالج في صيانة احد الكتب ...
قاطعه القاضي : و هل عرفت لماذا يشتم و يرمي الاحجار صوب مقدمنا ؟
ـ لا اعرف ..
يأمر القاضي احد حرسه بدخول المجنون . فدخل المجنون بين اثنين من المسلحين محتضنا كتابه ، و هو يدردم : (( شاهت الوجوه .. لعن الله حنش و اولاده .. لعن الله حنش و اولاده ))
و بعد ان وقف بين يدي القاضي ، بدا يضحك بجنون و يقهقه ثم اشار له بسبابته متسائلا :
ـ هل انت حنش ؟
ثم اشار الى قائد المسلحين :
ـ أم انت ؟
ثم استأنف مع نفسه :
ـ شاهت الوجوه .. فكلكم حنش .
قاطعه القاضي بعد ان نظر الى قائد المسلحين :
ـ دعنا من حنش الآن .. و اخبرنا من دفعك الى اعتراض سبيلنا ، و قال لك ارم الحجارة في وجوهنا ؟!
ـ انه كتابي هذا (رفع الكتاب) يأمرني بهذا .
ـ اي كتاب هذا .. اعطني اياه ..
احتضن الكتاب قائلا :
ـ انه كتابي المخلّص .. و لايمسه الا الطيبون .
غضب القاضي وأمر حرسه ان يجلبوا الكتاب . فانتزع المسلحان الكتاب من المجنون و وضعاه بين يدي القاضي .. قلب اوراقه التي كانت محشوة بعملات ورقية نقدية حقيقية و اخرى مطبوعة ـ سقطت كلها على المنضدة ـ وتمعن في سطوره ، ثم قال له :
ـ اي كتاب هذا ؟! .. بلا ملامح .. اوراقه ممزقة .. الخطوط و الهوامش شوشت وضوحه .
ـ انه كتابي ، منزل من حارس ذلك الجبل .
كتب القاضي على ورقة صغيرة و اعطاها الى احد المسلحين ، قرأها و خرج من الغرفة ، و عاد بعد قليل ومعه مسلح آخر ، وقف بين يدي القاضي .. فقال القاضي له :
ـ باعتبارك مبرمج في دولتنا الجديدة .. ابحث لي في هذا الكتاب ، انا ارى انه رواية و هذا المجنون يقول انه كتابه الـ ...... ، انه كتاب مشوش و ممزق .
ـ نعم مولانا .. سابحث عن قراره و اعود لكم في لحظات .
فصرخ المجنون مع خروج المبرمج :
ـ اتركو كتابي .. اعطوني اياه ... ألا شاهت الوجوه .. يا اولاد حنش ...
غضب القاضي ، و صاح به متسائلا :
ـ و من هو حنش ، هذا الذي يلازم لسانك ؟
ـ انه حنش ..
ـ عرفنا انه حنش !
ـ كما جاء اسمه في كتابي .. و اولاده ..
ـ وماذا جاء فيه ؟
ـ (( و حدث ان اخذ الشباب من حارتنا يختفون تباعا ، و قيل انهم اهتدوا الى مكان حنش و انضموا اليه و انه يعلمهم السحر استعدادا ليوم الخلاص الموعود )) هذه فقرة من صفحته الاخيرة .
فقال قائد المسلحين :
ـ اكاد اقترب من عنوان هذا الكتاب ، لقد قرات هكذا عبارة سابقا .. لكنه ليس كتابا مقدسا .
فقال المجنون :
ـ هذه وجهة نظر .. و ليس تعمق في القراءة ..
فقاطعهما القاضي :
ـ ارايت يارافع ، اعتقد هذا اسمك ، حنش و اتباعه جاءوا مخلصين و محررين .
ـ نحن بحاجة الى حفلة زار لنتطهر من العفاريت و ليس باستخدام زجاجات متفجرة تنحر الاجساد و الارواح معا .
القاضي مع نفسه : (( لغز آخر ! ))
ثم استدرك :
ـ لا بد من قوة .. حتى يسود الخلاص ..
تجاهل المجنون الكلام وبدأ يتكلم مع مجهول :
ـ بركاتك ياست يا (ام بخاطرها ) ياسيدة النسوان ، اخرجي من ارواح هؤلاء العفاريت و الجان ..
يدخل المبرمج ، و يعيد الكتاب الى يد القاضي ، مع ورقة يناقشانها بهمس ، تظهر الدهشة على وجه القاضي ، ويشير الى المبرمج بالخروج ، ثم ينهض ويقترب من قائد المسلحين ويتداولان في الورقة التي كتبها المبرمج فيها تقريره .. فانترى قائد المسلحين بسؤال الى المجنون اشبه بالصفقة :
ـ ساعطيك اي مبلغ تطلبه مقابل كتابك هذا بشرط التنازل عنه و نسيان مضمونه .
ـ انا لا ابيع .. لا ابيع ..
ـ حسنا اشتر غيره كتاب انيق و جديد وطبعة جديدة ..
ـ في هذا الكتاب تجسدت روح حارس الجبل ، و عشرتي معه طويلة ،و تخللت رائحة اوراقه في خلايا جسدي و روحي و ما الطبعات الاخرى الا كنقود طبعت من اجل اللعب بلا روح و لا رصيد .
تدخل القاضي :
ـ اعلم ياهذا ، لقد اقام اسلافنا حدّ القتل على مؤلف هذا الكتاب و حاولوا تنفيذه لكنه نجا ، ثم اهلكه الله الى جحيمه وفلت منا ..و لن يسلم حامل افكار هذا الكتاب من يدينا الا ان يتوب ..
فرد المجنون متجاهلا تهديده :
ـ حنش .. حنش .. نعم انت حنش ..
ـ لنكن حنش و اولاده ما دمنا نحن الخلاص ...
فتح القاضي الكتاب عشوائيا فوقعت عينه على احدى صفحاته ، ثم قال :
ـ يجب ان يحرق الكتاب و انت معه امام الناس ، لتكون عبرة ..
فقال احد مستشاريه :
ـ لكنه مجنون و معروف في هذه المدينة بجنونه !
ـ لقد حكمت بما ظهر لي من كلمات من كتابه هذا .
ـ وماذا تقول الكلمات ؟
ـ تقول : (( فقال عم شافعي : حرفتنا النجارة ، لا الهداية ، هات الغرا ..))
و قرب صخرة هند المتميزة في المدينة و التي تشبه حبة الكمثرى المائلة نصب القفص الحديدي الذي سيحرق جسده و كتابه .. حيث سمح له بتحقيق امنيته باختيار المكان ، و اجتمع الكبار والصغار وامام الات التصوير حيث تنقل القنوات للحدث بعضها قدمته صامتا و اخرى شوشت على صياحه بتعليقات مراسليها و البس بدلة منسوجة من مادة سريعة الاشتعال . و مع قذف الشعلة الى ملابسه من خارج القفص ، كانت مواقع الكتب الرقمية تزداد ارقام المتابعين لها في تحميل و تنزيل الرواية الى الحاسبات و الجوالات .. الرواية التي احرق المجنون من اجلها و الذي كان يصيح :
ـ شاهت الوجوه .. شاهت الوجوه .. وجوه حنش و اولاد حنش ..
......................................................
الاقتباسات و اسماء (حنش و صخرة هند و ام بخاطرها ) من رواية اولاد حارتنا .
و لو بعد حين
تحت شجرة السدر و قرب (صخرة هند) ـ كما يسميها المجنون ـ التي تشبه حبة كمثرى مائلة ، شكل الفتيان حلقة يقترعون بارقام الزهر مقامرين باوراق لعب مطبوعة لعملات نقدية.. كان هو الوحيد بينهم يراهن باوراق نقدية حقيقية ، يضعها بين طيات اوراق كتاب ممزق بلا ملامح فهو مصدر عملاته و موردها ، يحمله دائما ، لانه لا يملك جيوبا في سرواله و قميصه الطويل الذي فقد الوانه .. تعوّد النظارة وجوده لاعبا بين الصبيان و الاطفال رغم عمره الذي تجاوز الخمسين عاما ، وقد وضح الشيب و التجاعيد التي سامت وجهه و التي تتزايد مع ابتسامته البلهاء ..
صاح صبي معتليا الصخرة :
ـ جاء المسلحون .. لقد جاء المسلحون .
انتشر الاطفال و هربوا الى منازلهم .. كانوا يتوقعون وصولهم ، وحذرهم اهلهم الذين لم يهاجروا او ينزحوا عن دورهم ، من البقاء في الشوارع او الفضاء الذي يكون تحت مرأى عيونهم و سلاحهم .. كان موكبا طويلا من سيارات حمل مسلحة وبينها ناقلات اشخاص مدرعة و اخرى غير مدرعة ..
اعتلى المجنون الصخرة بعد ان جمع كومة من الحجارة ، قاذفا بها نحو الموكب البعيد لذلك الرتل المرعب ، و هو ينادي :
ـ شاهت الوجوه .. شاهت الوجوه .. لعن الله حنش و اولاده ..
و رغم بعد الطريق عن الصخرة الا ان احدى عجلات المسلحين انعطفت باتجاهه حيث صاده احد ناظوراتهم و القي القبض عليه ، و رمي بين ارجلهم في حوض السيارة الخلفي .
و عندما وصلوا بناية دائرة المسلحين السابقين التي هزمت ، رمي به في احدى الغرف مع مجموعة معتقلين آخرين و اغلق الباب عليهم تحت مراقبة عدة مسلحين ..
و بعد يومين من الاستيلاء على هذه المدينة الصغيرة ، أمر قائد المسلحين ان يقدم المعتقلون الى القاضي لتحديد مصيرهم في محاكمة عاجلة .. جلس القاضي في غرفة قائد المسلحين لتكون المحاكمة الاولى ضمن لجنة متابعة يرأسها القاضي و باشراف القائد .. و عندما جاء دور المجنون للمحاكمة قدم احد اعضاء اللجنة تقريرا ممهدا للقاضي :
ـ لقد جمعنا معلومات عنه حيث اكدت ان اسمه رافع او رفاعي و كان يعمل في المدينة الكبرى خلف الجبل امينا في احدى مكتباتها ، لكنه قبل حوالي عشرين سنة قد اصابه خلل في عقله و جنّ ، و هرب من هناك و جاء الى هذه المدينة و عاش بين الناس بعقلية طفل و لكنه لطيف و مسالم .
ـ و ما سبب جنونه ؟
ـ اختلفت الاراء ؛ بعضهم يقول بسبب حبه لامراة لكنه لم يحصل عليها ربما تزوجت او ماتت و غيرهم يقولون انه تأثر بسحر عملته امرأة من اقاربه في مكان يستحيل وصول احد اليه و آخرين يقولون انه حصل على كتاب سحر و تعاويذ و طلاسم و اندمج به و حصل خلل في عقله و لكن احد الاراء يقول ان هيكل احدى المكتبات في المكتبة العامة سقط على راسه و كان جالسا تحته يعالج في صيانة احد الكتب ...
قاطعه القاضي : و هل عرفت لماذا يشتم و يرمي الاحجار صوب مقدمنا ؟
ـ لا اعرف ..
يأمر القاضي احد حرسه بدخول المجنون . فدخل المجنون بين اثنين من المسلحين محتضنا كتابه ، و هو يدردم : (( شاهت الوجوه .. لعن الله حنش و اولاده .. لعن الله حنش و اولاده ))
و بعد ان وقف بين يدي القاضي ، بدا يضحك بجنون و يقهقه ثم اشار له بسبابته متسائلا :
ـ هل انت حنش ؟
ثم اشار الى قائد المسلحين :
ـ أم انت ؟
ثم استأنف مع نفسه :
ـ شاهت الوجوه .. فكلكم حنش .
قاطعه القاضي بعد ان نظر الى قائد المسلحين :
ـ دعنا من حنش الآن .. و اخبرنا من دفعك الى اعتراض سبيلنا ، و قال لك ارم الحجارة في وجوهنا ؟!
ـ انه كتابي هذا (رفع الكتاب) يأمرني بهذا .
ـ اي كتاب هذا .. اعطني اياه ..
احتضن الكتاب قائلا :
ـ انه كتابي المخلّص .. و لايمسه الا الطيبون .
غضب القاضي وأمر حرسه ان يجلبوا الكتاب . فانتزع المسلحان الكتاب من المجنون و وضعاه بين يدي القاضي .. قلب اوراقه التي كانت محشوة بعملات ورقية نقدية حقيقية و اخرى مطبوعة ـ سقطت كلها على المنضدة ـ وتمعن في سطوره ، ثم قال له :
ـ اي كتاب هذا ؟! .. بلا ملامح .. اوراقه ممزقة .. الخطوط و الهوامش شوشت وضوحه .
ـ انه كتابي ، منزل من حارس ذلك الجبل .
كتب القاضي على ورقة صغيرة و اعطاها الى احد المسلحين ، قرأها و خرج من الغرفة ، و عاد بعد قليل ومعه مسلح آخر ، وقف بين يدي القاضي .. فقال القاضي له :
ـ باعتبارك مبرمج في دولتنا الجديدة .. ابحث لي في هذا الكتاب ، انا ارى انه رواية و هذا المجنون يقول انه كتابه الـ ...... ، انه كتاب مشوش و ممزق .
ـ نعم مولانا .. سابحث عن قراره و اعود لكم في لحظات .
فصرخ المجنون مع خروج المبرمج :
ـ اتركو كتابي .. اعطوني اياه ... ألا شاهت الوجوه .. يا اولاد حنش ...
غضب القاضي ، و صاح به متسائلا :
ـ و من هو حنش ، هذا الذي يلازم لسانك ؟
ـ انه حنش ..
ـ عرفنا انه حنش !
ـ كما جاء اسمه في كتابي .. و اولاده ..
ـ وماذا جاء فيه ؟
ـ (( و حدث ان اخذ الشباب من حارتنا يختفون تباعا ، و قيل انهم اهتدوا الى مكان حنش و انضموا اليه و انه يعلمهم السحر استعدادا ليوم الخلاص الموعود )) هذه فقرة من صفحته الاخيرة .
فقال قائد المسلحين :
ـ اكاد اقترب من عنوان هذا الكتاب ، لقد قرات هكذا عبارة سابقا .. لكنه ليس كتابا مقدسا .
فقال المجنون :
ـ هذه وجهة نظر .. و ليس تعمق في القراءة ..
فقاطعهما القاضي :
ـ ارايت يارافع ، اعتقد هذا اسمك ، حنش و اتباعه جاءوا مخلصين و محررين .
ـ نحن بحاجة الى حفلة زار لنتطهر من العفاريت و ليس باستخدام زجاجات متفجرة تنحر الاجساد و الارواح معا .
القاضي مع نفسه : (( لغز آخر ! ))
ثم استدرك :
ـ لا بد من قوة .. حتى يسود الخلاص ..
تجاهل المجنون الكلام وبدأ يتكلم مع مجهول :
ـ بركاتك ياست يا (ام بخاطرها ) ياسيدة النسوان ، اخرجي من ارواح هؤلاء العفاريت و الجان ..
يدخل المبرمج ، و يعيد الكتاب الى يد القاضي ، مع ورقة يناقشانها بهمس ، تظهر الدهشة على وجه القاضي ، ويشير الى المبرمج بالخروج ، ثم ينهض ويقترب من قائد المسلحين ويتداولان في الورقة التي كتبها المبرمج فيها تقريره .. فانترى قائد المسلحين بسؤال الى المجنون اشبه بالصفقة :
ـ ساعطيك اي مبلغ تطلبه مقابل كتابك هذا بشرط التنازل عنه و نسيان مضمونه .
ـ انا لا ابيع .. لا ابيع ..
ـ حسنا اشتر غيره كتاب انيق و جديد وطبعة جديدة ..
ـ في هذا الكتاب تجسدت روح حارس الجبل ، و عشرتي معه طويلة ،و تخللت رائحة اوراقه في خلايا جسدي و روحي و ما الطبعات الاخرى الا كنقود طبعت من اجل اللعب بلا روح و لا رصيد .
تدخل القاضي :
ـ اعلم ياهذا ، لقد اقام اسلافنا حدّ القتل على مؤلف هذا الكتاب و حاولوا تنفيذه لكنه نجا ، ثم اهلكه الله الى جحيمه وفلت منا ..و لن يسلم حامل افكار هذا الكتاب من يدينا الا ان يتوب ..
فرد المجنون متجاهلا تهديده :
ـ حنش .. حنش .. نعم انت حنش ..
ـ لنكن حنش و اولاده ما دمنا نحن الخلاص ...
فتح القاضي الكتاب عشوائيا فوقعت عينه على احدى صفحاته ، ثم قال :
ـ يجب ان يحرق الكتاب و انت معه امام الناس ، لتكون عبرة ..
فقال احد مستشاريه :
ـ لكنه مجنون و معروف في هذه المدينة بجنونه !
ـ لقد حكمت بما ظهر لي من كلمات من كتابه هذا .
ـ وماذا تقول الكلمات ؟
ـ تقول : (( فقال عم شافعي : حرفتنا النجارة ، لا الهداية ، هات الغرا ..))
و قرب صخرة هند المتميزة في المدينة و التي تشبه حبة الكمثرى المائلة نصب القفص الحديدي الذي سيحرق جسده و كتابه .. حيث سمح له بتحقيق امنيته باختيار المكان ، و اجتمع الكبار والصغار وامام الات التصوير حيث تنقل القنوات للحدث بعضها قدمته صامتا و اخرى شوشت على صياحه بتعليقات مراسليها و البس بدلة منسوجة من مادة سريعة الاشتعال . و مع قذف الشعلة الى ملابسه من خارج القفص ، كانت مواقع الكتب الرقمية تزداد ارقام المتابعين لها في تحميل و تنزيل الرواية الى الحاسبات و الجوالات .. الرواية التي احرق المجنون من اجلها و الذي كان يصيح :
ـ شاهت الوجوه .. شاهت الوجوه .. وجوه حنش و اولاد حنش ..
......................................................
الاقتباسات و اسماء (حنش و صخرة هند و ام بخاطرها ) من رواية اولاد حارتنا .