سؤال الناقوسيرحل الدكتور قادة جليد و هو يتناول الفكر الجابري إلى عالم المفاهيم، فينتقل من مفهوم إلى آخر، إذ نجده يوظف الألفاظ في مكانها الصحيح ، دون تلاعب بها كما يفعل السفسطائيون، حاله كحال الفيلسوف الذي يبحث عن الجوهر بعيدا عن السفسطة، و بحكم تخصصه كأستاذ في الفلسفة بجامعة وهران يحاول الدكتور قادة جليد أن يفكك ما يأتي به المفكرون التنويريون، من أفكار و مفاهيم ، يقولبها (أي الأفكار) بأسلوب فلسفي يقود الإنسان إلى تصور معنى من المعاني، خاصة المفاهيم النابعة من ثقافة معادية كالأصالة و الحداثة
عندما قرأت مقدمة الدكتور قادة جليد و هو يتناول في كتابه فكر محمد عابد الجابري حول التراث، نلاحظ كيف يوظف المفاهيم في مكانها الصحيح و بمنهج علمي فلسفي، عكس الذين يتلاعبون بالمفاهيم و يوظفونها لأغراض سياسية يستعملونها في خطبهم، كما نجده يبتكر مفاهيم جديدة لم نكن نقرأها في كتابات الآخرين، إذ تأخذ القارئ بعيدا، فتجعله يجول بخياله ليعرف معنى تلك المفاهيم على غرار كلمة يؤشكل ( وتعني يطرح إشكالية) ، يؤفهم ( بمعنى إفهامه أي يحاول ان يوصل الفهم الى المستمع أو القارئ) ، و كلمة "المغايرة" كهمٍّ معرفي، و تجدنا نتساءل هل للمعاني و المفاهيم همومًا معرفية؟، هل هو الهمّ الذي يتصوره القارئ العادي، ثم ماهي المغايرة؟ و ماذا يُرادُ بها؟ و هل هي همٌّ معرفيٌّ أيضا؟ و همٌّ ثقافي حضاري؟، بحثت في محرك البحث عن معنى التغاير، و وقف على ان هذا المفهوم يستعمل بكثرة في مجال الأدب و الفيزياء، و لكن اين موقعه في الجانب الفلسفي أو في عالم الأفكار؟ هل المغايرة تعني التضاد؟ أو الإختلاف، وهل هي نقيض التنوّع؟، هل التغاير هو الانتقال من القديم إلى الجديد، بمعنى الانتقال من الأصالة الى الحداثة ، و بتعبير آخر هل هي تحويل الثابت الى متغير؟، طالما الثابت قابل للكسر أو الهدم، هذه تساؤلاتي فقط لمعرفة المعنى الحقيقي لهذه الكلمة.كمثال نقول إن المغترب، يحاول أن يتكيف مع وضعه الجديد و هو يعيش في البلد الذي انتقل اليه، نجده يبحث عن طريقة يوحد بها بين تراثين مختلفين، و كيف يعيش بفكرين متناقضين ( غربي عربي)، فهو في هذا الحالة يعيش صراعا هوياتيا، أو كما يقول الدكتور قادة جليد ، جيل تائه بين ماضيه و حاضره ، يجهل مستقبله و مصيره ، لا يعرف كيف يخرج من هذا التيه و أيّ درب يختار، قد يضيع إن كان فاقدا للتاريخ، و لا يملك منهجا و لا مخططا و لا برنامجا، و لا يعرف حتى لماذا يعيش؟ و لمن؟ و لذا نجده كالبهيمة يأكل و يشرب و ينام و يتناسل فقط ، ليس له هدف، لأنه فقد المعنى، هذه الأسباب لا تنطبق فقط على الشخص المغترب، بل هناك فئة أكثر ضياعا و هي تعيش في بلدها و بين اسرتها و ، هي تلك التي تقمص الآخر في فكره و ثقافته، و حتى في طريقة عيشه، و تحاول أن تنقل تقمصها لأبنائها، إنه كما يقول الدكتور قادة جليد سؤال الناقوس، الذي ينذر بالخطر القائم و القادم الداهم.
علجية عيش