137 -أ- مصطفى الكرد : " إو ع فيوم عن أرضك ترحل "
في حرب أكتوبر ١٩٧٣ توفي طه حسين فأقيمت له ، إن لم تخني الذاكرة ، جنازة عادية ، وإن لم تخني الذاكرة أيضا فإن أحد أساتذتنا ، في قسم اللفة العربية في الجامعة الأردنية ، أتى في المحاضرة على ذكره قائلا إن جنازته كان يمكن أن تكون مختلفة ، لولا أن وفاته وقعت في أجواء حرب عظيمة .
وفي كانون الأول من العام ٢٠٠٣ توفيت الشاعرة فدوى طوقان ، وكانت الأجواء مطيرة وحصار نابلس في أوجه ، ولما سألت عن جنازتها التي لم أشارك فيها ، لأنني كنت في المحاضرة ، أجبت بأن عدد المشاركين فيها قليل .
في حرب ٧ أكتوبر هذه توفي الفنان الفلسطيني المغني المقيم في القدس مصطفى الكرد ( أبو درويش ) .
القدس محاصرة والطرق في الضفة غير سالكة بسهولة والعيون كلها نحو غزة ، والشمال الفلسطيني / الحنوب اللبناني الذي اشتعل القتال فيه أمس ، كما لم يكن من قبل ، يوحي ببوادر حرب قادمة كما في غزة .
إسرائيل توسع مجلس حربها المصغر وتضم إليه ( ايتمار بن غفير ) وغيره من المتطرفين .
التقيت بمصطفى الكرد مرات قليلة ، هنا وفي ألمانيا التي أقام فيها مدة من الوقت ، حيث كان متزوجا من الألمانية ( هيلجا باومجارتن ) التي صارت لفترة من الوقت مسؤولة شؤون البعثات في مؤسسة ال DAAD الألمانية التي درست في ألمانيا على نفقتها .
ولكن ما لا أنساه هو أن هذا الفنان الوطني الملتزم كان يضيق عليه بسبب أغانيه الوطنية .
في صيف العام ١٩٧٦ أرادت القوى الوطنية في نابلس إحياء حفل يغني فيه أبو درويش ، ولما علمت إدارة الحكم العسكري في المدينة أرسلت دوريات جنودها ليحاصروا المكان ويحولوا دون الحفل .
" هات السكة وعدي المنجل
إو ع فيوم عن أرضك ترحل "
ويبدو أن الكلمات قيد على صاحبها ، فالفنان الذي سافر إلى ألمانيا لفترة ، سرعان ما عاد إلى القدس ليموت فيها ويدفن في ترابها .
ما زالت المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة في ، غزة ، مستمرة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٢ / ٢٠٢٤
فجر اليوم ( ١٣٧ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
> 137 -ب- " من يستطيع البحث عن أمم أتانا صمتها عبر الخيول الفاتحة وتزوجت لغة العدو ، تعلمت أديانه واستسلمت لغيابها "
إن كان يجوز تفسير الشعر بالشعر ، فإن الأسطر السابقة من قصيدة محمود درويش " من فضة الموت الذي لا موت فيه " من ديوان " هي أغنية .. هي أغنية "( ١٩٨٥ ) تفسرها أفضل تفسير أسطره في قصيدته " مديح الظل العالي " ( ١٩٨٢ ) :
" عرب وباعوا روحهم
عرب وضاعوا " .
و
" لغة تفتش عن بنيها تموت ككل من فيها وترمى في المعاجم "
وليست هناك مسافة زمنية واسعة بين كتابة القصيدتين .
صمت العرب أمام الغزاة وتزوجوا لغتهم وخضعوا لروايتهم وقبلوا بأساطيرهم وغابوا عن المشهد فلم يعد لهم حضور . أطاعوا غزاتهم وباعوا الروح العربية وضاعوا . ماتت لغتهم كما ماتوا وألقيت في المعاجم.
لا أعرف سبب عدم لمس رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) يد المسؤول الإماراتي ورفض أخذ الميكروفون منه . هذا ما بدا في الشريط الأكثر تداولا منذ مساء أمس ، أو على الأقل هذا ما لاحظته أنا ، وقد يكون غيري التفت إلى مشاهد أخرى ، كالرغيف الغزاوي في شكله الأخير . قرص من التبن والشعير يبدو مثل رغيف خبز حمص لاقتراب تاريخ صلاحيته . يا ليته كان كذلك !!
ما السبب الحقيقي حقا لحركة ( أبو يائير ) ، علما بأن بعض الحاخامات اليهود في فترة انتشار الكورونا بخروا سياسيين من الإمارات ! ( في التعليقات نبه الصديق Saadeh Soudah إلى أن الشريط يعود إلى فترة سابقة هي فترة انتشار الكورونا . لاحظوا تأثير اللحظة )
" بستاهلوا " - أي الإماراتيين . عقب صديق على الشريط .
قبل شهر تقريبا أوقف جندي إسرائيلي سائق سيارة فلسطيني من إحدى قرى نابلس القريبة وسأله :
- انت خماس ؟ هل تؤيد خماس ؟
والسائق يريد أن يمر فنفى ، ولنفيه أحضر الجندي له ظرف شيبس وأطعمه ليمر بسلام ، وأما ابو مريم فقد روى لي أن الجنود سألوه إن كان خماس فأجابهم بأنه يحب الانبساط وشرب الفودكا !
الإسرائيليون يعلنون أن عملياتهم في شمال قطاع غزة توشك أن تنتهي فلم يبق الكثير للنصر الكبير ، وخماس ترد بأن هذا النصر يلعب في عقل " أبو يائير " ووزير حربه ، واليوم أعلن الإسرائيليون أن عدد جرحى معارك ال ٢٤ ساعة الأخيرة بلغ ٤٦ ضابطا وجنديا ، وجنديا قتيلا .
ما زالت الخضار والفواكه تصل إلى الإسرائيليين عبر أراضي دول عربية . هذا ما يقوله الإسرائيليون ليهزموا الشعب الفلسطيني :
- موتوا بغيظكم . لقد صمت العرب وتزوجوا لغتنا وتعلموا ديننا واستسلموا لغيابهم .
موتوا بغيظكم أيها الفلسطينيون وظلوا رددوا :
" وامعتصماه "
و ... و ... و ... واقرأوا أشعار نزار قباني ومحمود درويش ومظفر النواب وأشعار غيرهم . ألم يكتب نزار " متى يعلنون وفاة العرب ؟ " .
عرب وطاعوا رومهم
عرب وضاعوا .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٣٧ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
138 -أ- فجر اليوم ( ١٣٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : عائلات بأكملها تباد
ما إن انتهيت من إدراج قصيدة الشاعر نزار قباني " متى يعلنون وفاة العرب ؟ " حتى أعلمني صديق أن جارهم في حي الجنينة شرق رفح الدكتور ناصر أبو النور ارتقى وعائلته قبل نصف ساعة ، والدكتور أصلا من مخيم الشابورة غادره يوم تحسنت أوضاعه المادية . لجأ والده في العام ١٩٤٨ من قرية حتا بين غزة والخليل .
ارتقى الدكتور ناصر وزوجته مجدة يحيى وأبناؤهما نور ومنى وآيات وعبد الرحمن ، وحفيدتهما كنزي عبد الرحمن جمعة .
درس الدكتور بالمعمداني وأكمل دراسة التمريض في أمريكا وحصل على الدكتوراه ، وقد ارتقى أبوه في العام ١٩٥٦ ، وهو وحيد أمه التي لم تتزوج حتى تربيه ، فكانت تبيع في الأسواق وكانت ملكة جمال في كل شيء .
هل بدأ فايز الدويري يدرك الحقيقة حين قال مؤخرا إن الهدف من العدوان هو إبادة الفلسطينيين ؟
منذ البداية قالها الإسرائيليون : لنعتبر المخطوفين قتلى حرب ونضرب غزة بالنووي .
هكذا كتب إلي الصديق ، وما كتبه كان شاعرنا إبراهيم طوقان قاله في ثلاثينيات القرن ٢٠ :
" أجلاء عن البلاد تريدون فنجلو أم محونا والإزالة " ؟
كم مرة ، في هذه المقتلة ، كررت هذا البيت ؟!
تصبحين على خير يا غزة !!
لك الله .
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 138 -f- مساء اليوم ( ١٣٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : إشاعات ... إشاعات :
وأنا جالس في مقهى الهموز في نابلس في الأجواء المشمسة في هذا النهار أصغيت إلى حلقة عما نقلته وكالة أنباء إيلاف السعودية اعتمادا على مصادر إسرائيلية . موصوع الحلقة هو أن يحيى السسنوار ترك قطاع غزة مع الأسرى الإسرائيليين ، وهو الآن في سيناء .
قبل حوالي أسبوعين تكلم أبو حمزة الناطق باسم سرايا القدس وقال إن الجيش الإسرائيلي لو فتش غزة كلها ذرة ذرة فلن يعثر على الأسرى ، فتساءلت :
- هل صار الأسرى الآن في إيران ؟
المخيلة تشت وتشط أيضا ، ونحن الآن في اليوم ١٣٨ من بداية ٧ أكتوبر ، ولم تحرر القوات الإسرائيلية سوى اثنين من ١٣٦ والأوضاع تزداد قسوة وسوءا والكنيست الإسرائيلي صوت اليوم بالأغلبية الواضحة ضد إقامة دولة فلسطينية .
هل يمكن أن يكون السسنوار غادر ؟ وهل تخطر الفكرة أصلا في ذهنه ؟
أنا كاتب قرأ روايته " الشوك والقرنفل " ( ٢٠٠٤ ) وكتب عنها ، وعندما طلب مني أن أتحدث عن التشبث بالوطن في الرواية الفلسطينية لم أغفل ما ورد فيها بهذا الموضوع .
إن إبراهيم الذي تضيق به سبل الحياة في قطاع غزة يرفض الهجرة ويصر على البقاء فيها ولو عاش على " الرغيف وحبة الزيتون " وفي الرواية يرتقي .
هل يمكن تخيل خروج " أبو إبراهيم " من غزة ؟
شخصيا أرجح أنه لن يخرج حتى لو أسر أو ارتقى أو ... ؟
المدينة تسعى والحصار يشتد ولكن ما نحن فيه وعليه لا يكاد يذكر ، بل إنه لا يذكر ، أمام ما يعيشه أهل غزة .
إن كان محمود درويش في " حالة حصار " ترك يهوددي " تاجر البنندقية " ( شايلللوك )يتساءل :
" أليس لليهوودي قلب ؟
فإن ما يجري في غزة يقول :
- ليس للصهيوني قلب !!
لم يكن وزير الحرب الإسرائيلي يهدد حين قال :
- لا كهرباء لا ماء لا بنزين وسولار ولا طعام .
وكان يجب أن نتأمل ملامحه ونسترجع ملامح ( أدولف ) وهو يخطب ضد اليهود .
هل انحدر ( يوآف غالانت ) من أصول ألمانية جرمانية ؟؟!!
( والداه يهوديان بولنديان هاجرا إلى يافا في العام ١٩٤٨ ) .
مساؤك هدوء يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٢ / ٢٠٢٤
***
139 -أ- صباح اليوم ( ١٣٩ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : هل سينجح سلاح التجويع؟
نمنا على أخبار معارك ضارية أمس وصحوت على مشاهدة شريط فيديو من مخيم جباليا يتحدث فيه مواطن غزاوي عن جوع الصامدين هناك وثورتهم على حركة حماااس ويحيى السسنوار ؟
الناس جاااعت ، وسلاح الجوع هدد به وزير الحرب الإسرائيلي ( غالانت ) منذ أعلن الحرب حين قال جادا والكشرة والشعور بالهزيمة على محياه :
- اين خشمان . اين مازوت ... اين ديلك ... اين مايم ..
وقد طبق ما قال ولم يكتف بالمنع ، فقد أرسل طائراته تهدم البيوت وجيشه البري يدك المباني ويقتل ويروع و ... .
هل هو شريط للسياسة أيضا فيه أصابع أم أنه خال منها ؟
منذ أشهر ونحن نشاهد أشرطة فيديو تدرج تحت اسم موقع صوت المواطن يعبر فيها قسم من الناس عن استيائهم مما جرى .
سبعة عشر عاما من الانقسام بين فتح وحماس لم تكن خالية من خصومات بلغت حد التخوين وأكثر .
الأوضاع في غزة غير محتملة وحرب التجويع بدأت منذ ٢٠٠٧ ، وها هي تبلغ ذروتها .
التاريخ الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني عرف كثيرا من الخصومات التي صارت تتكرر بشكل أو بآخر.
في إحدى قصائد مظفر النواب قرأنا :
" لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر
فالحوع أبو الكفار "
وأعلن موقفه :
" مولاي أنا في صف الجوع الكافر
ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار " .
صباح الخير يا غزة والخير شحيح
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 139 -ب- جوع السبعينيات في غزة وجوع العقد الثالث من القرن ٢٠:
في سبعينيات القرن ٢٠ كتب غريب عسقلاني ( إبراهيم الزنط ) قصته " الجوع " عن مناضل ضاقت بوجهه الدنيا في غزة بعد أن أجهضت إسرائيل المقاومة بقتل من استطاعت قتله وسجن من ألقت القبض عليه حيا .
أحد المناضلين بحث عن عمل في مدينته فلم يجد لأن أصحاب العمل خافوا منه ومن تشغيل فدائي . جاع المناضل وسرى إلى المصانع الإسرائيلية بعد أن كان يمنع العمال من التوجه إليها للعمل فيها . لقد أراد أن يطعم زوجته وأطفاله . وجد عملا ليعتاش منه وعمل على مضض .
في رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " معالجة لموضوع الفقر في غزة وتبحبح الأحوال بعد انفتاح فرص العمل في الأرض المحتلة في ١٩٤٨ . لقد تنفس الناس الصعداء .
منذ ٢٠٠٧ وإسرائيل تحاصر قطاع غزة حصارا قاتلا ، ومنذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وهي تلاحقهم وتقصف بيوتهم وتجوعهم والكل يتذكر " لاءات " ( يوآف غالانت ) الأربعة ، وقد ذكرتها صباحا .
صار رغيف الخبز عزيزا وحين عز وجود الطحين تشكل العجين من أعلاف الدواب . جاع البشر وجاعت الحيوانات والأخيرة لا تعرف ما الذي جرى ويجري ، وهناك من أنصارها من يفكر في أمرها . ماذا تقول جمعيات الرفق بالحيوان في أوروبا ؟ هل تعنيها حيوانات غزة أم أنها عالم ثالث لا يستحق .
الصديق همام أرسل إلى هدية مواطن غزاوي لزوجته التي ولدت في شمال قطاع غزة منذ أسبوع وأنجبت طفلهما علي . مرت أيام خمسة على الزوجة لم تأكل وأراد زوجها أن يكافئها ، فحصل على صحن أرز وقطعة لحم بسعر ٩٥ دولارا . قطعة اللحمة ب ٧٠ والرز ب ٢٥ . وهذه أجمل هدية . أنظر صفحة حمزة مصطفى أبو توهة
حصار . تضييق فرص عمل . قطع كهرباء . قطع ماء . قطع سولار . قطع الطعام ، وممن ؟
من شعب الله المختار الذي تعرض في القرن ٢٠ على يد النازيين للإبادة من المريض ( أدولف ) .
عندنا مثل يقول " كول من إيد شبعانة ولو جاعت ولا توكل من إيد جوعانه شبعت " وعليه قس .
أحيانا الخطر الحقيقي يأتي من الضحايا !!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٣٩ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
140 -أ- فجر اليوم ( ١٤٠ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " لا تلتمس منهم رجاء "
صارت الحرب عادة يومية . عندما انفجرت الحرب الأهلية في لبنان استمرت ١٥ عاما وآلت البلاد إلى خراب . هاجر من هاجر وبقي من بقي ونحن الذين كنا في خارج لبنان تابعناها في البداية متابعة حثيثة ثم صرنا ننصرف إلى أعمالنا وشؤون حياتنا .
بعد انتهاء الحرب صارت موضوعا للروائيين الذين استحضروها في رواياتهم وصرنا نقرأ عتها وندرسها ولم يكتو بها إلا ضحاياها الذين ما زالوا أحياء . ربما بكينا ونحن نقرأ رواية جبور الدويهي " شريد المنازل " أو رواية ربيع جابر " الاعترافات " . ربما ضحكنا ونحن نقرأ رواية علوية صبح " مريم الحكايا " أو رواية إلياس خوري " سينالكول " ! ربما !
غير أن هناك في لبنان الآلاف من الضحايا الذين ما زالوا يعانون من ويلاتها .
غالبا ما يتحدثون عن اليوم التالي للحرب . غالبا ما يقدمون اقتراحات . وأطرف ما قرأته للتو أن جنرالا إسرائيليا ينصح إسرائيل بعدم البقاء في غزة بعد انتهاء الحرب ، لأنها ستجد نفسها تحكم ٢ ، ٢ مليون فلسطيني وبلادا تحتاج إلى إعادة إعمار لا قدرة لإسرائيل عليها ، ولذلك يجب الانصياع إلى الإدارة الأمريكية ، فحلفاء هذه ، مثل السعودية وأبو ظبي ، هم من يملكون الموارد المالية . يعني ليس ( بنيامين ) ولا ( ايتمار ) ولا ( بتسلئيل ) ولا ( يوآف ) ولا ( بنيامين / بن جانتس ) قادرين على اليوم التالي للحرب .
عندنا مثل يقول " بردان وبضرط لحف " .
من سيقدر على حكم غزة إن بقي سكانها فيها ؟
ربما استيقظ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ( إسحق رابين ) من قبره ، ليجدد أمنيته ، وهي أن يصحو من منامه ويرى البحر قد ابتلع غزة وسكانها .
يبدو أن غزة ستظل شوكة في خاصرة الدولة العبرية ، وأما الشعوب العربية - وكان الله في عونها - فإنها بعد انتهاء صلاة الجمعة ستعود إلى ممارسة حياتها العادية . هل نلومها ؟ نحن في الضفة الغربية أيضا نمارس حياتنا العادية ، وكذلك أهلنا في فلسطين ١٩٤٨ .
أكرر قول شاعر فلسطين ، على رأي الناقد المصري زكي المحاسني ، إبراهيم طوقان :
" لا تلتمس يوما رجاء عند من جربته فوجدته لا يشعر "
حالة تعبانة يا ليلى . قدرة ما فيش . حالة خربانة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 140 -ب- مساء اليوم ( ١٤٠ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : د. آلاء القطراوي تكتب شعرا جميلا
مع أنني منذ زمن ما عدت أهتم بالشعر إلا أنني في هذه المقتلة والمهلكة وجدتني أقرأ ما يكتبه شعراء عديدون : المتوكل طه وغسان زقطان وصلاح أبو لاوي وخالد جمعةوعثمان حسين وهيا فريج وغيرهم وغيرهم ، وصرت أهتم بقصائدهم وأرسلها إلى موقع " Creativepalestiniansمبدعون فلسطينيون الصفحة الرسمية
والمشرفة عليه الفاضلة Rawd Dibs علها تولي ما أقترحه عليها للصفحة قدرا من الاهتمام .
هناك أصوات عديدة قرأتها لأول مرة والذنب في التقصير ذنبي أنا المهتم بالرواية والشعراء السابقين أكثر .
هناك قصائد لصوتين من غزة راقت لي قصائدهما ، وهما صوتان نسويان : مريم قوش وآلاء القطراوي ، وقد يعود السبب إلى أنهما كتبتا عن غزة الآن وإلى غنائيتهما التي ذكرتني بغنائية محمود درويش .
اليوم أدرجت على جداري ثلاث قصائد لآلاء التي قرأت أنها فقدت أبناءها الأربعة في الحرب ، حيث هدم منزل والدهم عليهم . ( كما عرفت فإنها حصلت قبل عام على درجة الدكتوراه في الأدب العربي وأنها منفصلة ) .
عبرت آلاء عن أجواء الحرب ما لم أقرأه في أية قصائد أخرى ، ولها ابن اسمه يامن ارتقى مع إخوته ، وقد أدرجت آلاء صورته على جدارها الفيسبوكي ، ويامن جميل جدا مثل يوسف ابو شعر كيرلي .
غزة ولادة ، وأرجو الانتباه إلى هذين الصوتين الشعريين .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
نابلس ٢٣ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
141 -أ- اليوم ( ١٤١ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " أيها الملك اهدأ "
أطرف ما سمعته اليوم من إسرائيلي هو اعتراضه على تحذير الأردن لإسرائيل مما قد يحدث في شهر رمضان إن تواصلت الحرب فيه .
أتى الإسرائيلي على حرب حزيران ١٩٦٧ واحتلال " جبل الهيكل " في أثنائها والانتصار على الأردن ، مذكرا الملك الأردني بالهزيمة ، كأنما يهدد في الوقت نفسه بإمكانية حرب ثانية تنتهي بهزيمة ثانية .
عندما تحرد زوجة ويسألها أهلها عن الأسباب تبكي وتعدد لهم ما تفعله لزوجها من أجل أن ترضيه وتختتم كلامها بالقول :
" والله لو أضأت له أصابع يدي العشرة شموعا ما عجبه " .
ويخيل إلي أن إسرائيل لن يرضيها أي شيء يقدمه العرب لها ولو أضاؤوا لها الدنيا شموعا . هل أكرر عنوان قصة ( فرانز كافكا ) " بنات آوى وعرب " وما ورد فيها عن العداوة التي تقع في الدم ؟ لقد كتبت هذا غير مرة .
منذ أيام المرحوم الملك حسين والاتهامات توجه للأردن إزاء موقفه من إسرائيل ، وهي اتهامات تصل حد التخوين ، ولا أظن أن هذا يخفى على المتحدث الإسرائيلي ، ومع ذلك فإنه بوقاحة لا حدود لها يخاطب الملك الأردني كما لو أنه - أي المتحدث - ربكم الأعلى :
" أيها الملك اهدأ " .
ويصفق له الحضور .
منذ بداية الحرب وبعض السياسيين الإسرائيليين يتحدثون بفظاظة ووقاحة عن الزعماء العرب إذا ما خالفوا إسرائيل ، علما بأن مواقف هؤلاء الزعماء لا ترضي الحد الأدنى من رغبات شعوبهم .
أردت أن أكتب عن فقدان د.آلاء القطراوي أبناءها الأربعة ، إذ لم تسمع ، منذ أكثر من أربعين يوما ، عن مآلهم ومصيرهم شيئا . هل هم ما زالوا أحياء ؟ هل هم أسرى مع أبيهم ؟ هل .. هل .. هل . ؟
ومن مظاهر هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة ظاهرة الفقدان ، وغالبا ما نقرأ في صفحات النشطاء الفيسبوكيين عنها ، وهي ظاهرة لافتة في الحروب .
الله المستعان وفرعون هذا العصر طغى وتجبر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 141 -ب- سميح القاسم " ضوء جديد لقصر عتيق " :
في نهاية سبعينيات القرن ٢٠ وبداية ثمانينياته كتب المرحوم الشاعر سميح القاسم قصيدة عنوانها " ضوء جديد لقصر عتيق " نطق فيها باسم الفقراء وحثهم على الثورة على ما هم عليه ، فالفقراء أقوى وهم إن ثاروا سيدور الدولاب وسوف يحققون خلاصهم من الرأسمالية المتوحشة .
في ذلك الزمن لم يكن اليمين الإسرائيلي المتطرف غارسا جذورا عميقة ، وكان اليسار العالمي في ذروة قمته ، وكانت الأحلام كبيرة والآمال بتحقيقها أكبر .
عندما أصدر الشاعر أعماله الكاملة في العام ١٩٩٣ ، وكان الاتحاد السوفيتي انهار ، صغرت الأحلام وتضاءلت الآمال ، فحذف الشاعر كل ما كتبه بتأثير الفكر الاشتراكي ؛ حذف قصائده في مديح لينين والثورة الحمراء وماركس وإنجلز وهلم جرا ، وعندما كتب سيرته الذاتية " إنها مجرد منفضة " دعا إلى تعايش الاشتراكية مع الدين والعرب مع اليهود وآكل السمك واللبن في الوجبة نفسها .
أين هو الضوء الجديد للقصر العتيق ؟
صار الإسرائيليون يتعاملون مع الفلسطينيين بروح العهد القديم ويستحضرون الأسفار والمزامير ، ولو كان الشاعر على قيد الحياة لربما جعل عنوان قصيدته " ضوء قديم لناطحات السحاب في تل أبيب " ، فكم من أقوال العهد القديم استحضرت في هذه الحرب ، واستحضرها يهود ، مثل أبو يائير ، وهم يرتدون زيا عصريا .
لعل أمهات الجنود الإسرائيليين القتلى والمشوهين والجرحى مع الأمهات الفلسطينيات يشكلن حزبا واحدا معا ويوقفن الحرب ويعلن تأسيس دولة النساء ، فتسود المحبة ويسود الوئام ويا دار ما دخلك لحى وسوالف وشوارب و " خالفوهم " !!
الأوضاع في أرض السلام والمحبة ؛ أرض الأنبياء ، تزداد بؤسا .
دبرها ياللي فوق وارحم شعبك وأرسل المسبح وعجل بالخلاص قال جد الجندي الإسرائيلي القتيل .
حربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٤١ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
142 - فجر اليوم ( ١٤٢ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " أصيح بالخليج "
أمس مات بعض أهل غزة فيها من الجوع . ماتوا حقيقة لا مجازا ، ولما كتبت الخبر نقلا عن صفحة الصديق محمود جودة علق صديق ان خاله قضى أيضا جوعا في مخيم اليرموك ، وصار أكل لحم الدواب قدرنا حتى يساوينا العدو بها ، فيحلل قتلنا لأن أجدادنا قبل ألفي عام قتلوا حمار بلعام ، ولأننا أبناء الخادمة / الضرة ، ومرة كتب الشاعر محمود درويش إلى سميح القاسم يطلب منه، إن زار القدس والتقى بالشاعرة الإسرائيلية سارة كوفمان التي قرأ معها في هيلنسكي شعرا عن القدس ، أن يبلغها سلامه ويقول لها " اللعنة على سارة هاجر " .
فجرا وجدتني أكرر قول بدر شاكر السياب في " أنشودة المطر " :
" أصيح بالخليج :
يا خليج
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى ،
كأنه النشيج " .
ما تندهي ! ما في حدا صاروا صدى .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ٢ / ٢٠٢٤
***
143- غزة في يومها ( ١٤٣ ) :
أمس وأنا أغادر نابلس عشت معاناة أهل الضفة الغربية في تنقلهم منذ بداية الحرب ، وعلى الجسر في الطرف الفلسطيني مررت بتجربة الانتظار ولم أشك ولم أهمس بأي حرف ، فقد انصرف ذهني إلى معاناة أهل غزة وتمنيت لو كانت معاناتهم الآن هناك على شاكلة معاناة أهل الضفة الغربية ، إذ لا تذكر معاناة الأخيرين بمعاناة أهل غزة منذ ٢٠٠٧ حيث الحصار .
بعيدا عن الضفة الغربية أيضا يتلاشى الاهتمام بالأخبار إذ ستنصرف إلى تصريف شؤونك والإصغاء إلى السائق يتحدث عن همومه اليومية وأزمة السير الخانقة وقد يسترجع ماضيا ما .
هل يحدث شيء في غزة ؟
يشغلك الشاحن الذي ما عاد يشحن فتتذكر لماذا لم يكتب خضر محجز الكثير ، وقد عبر عن معاناته هذه ، وتتذكر قصر النصوص التي يكتبها أدباء غزة ، ومعاناتهم في شحن هواتفهم والطرق التي يلجأون إليها ، وتجرب أن لا تأكل لتشعر بمعاناة الجوعى وقلة الطعام وندرته وشحه وتقول :
لعل المسلمين في شهر رمضان يشعرون فلا يتخمون بطونهم بالطعام وأصنافه و ..
أمس أرسل إلي الشاعر خالد جمعة Khaled Juma خبر وفاة الفنان التشكيلي فتحي غبن الذي لم يطلب ، في أيامه الأخيرة ، من هذه الفانية ، شيئا سوى أن يتنفس هو العجوز الذي يعاني من أزمة صدرية وضيق تنفس .
حتى الهواء منعه عنه الإسرائيليون ، وتتساءلون لماذا حدث في ٧ أكتوبر ما حدث !!
سبعة عشر عاما من الحصار !
٧٥ عاما من اللجوء والإقامة في الخيام وبيوت الصفيح والبيت القديم على مرمى بضعة كيلومترات .
ما زلت أذكر هوس قسم من شباب غزة بالهجرة والرحيل ووداع أهلهم لهم يغادرون كما غادر الحسن بن زريق بحثا عن رزق في هذا العالم .
كلما سألني شخص عن التهجير ذكرته بما كتبه معين بسيسو في كتابه " دفاتر فلسطينية " عن مشروع الرئيس الأمريكي ( ايزنهاور ) في العام ١٩٥٥ وفكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء في العام ١٩٥٥.
بعيدا عن البيت تتكاثر الأوجاع وغالبا ما أشعر بالندم حين أسافر .
صباح الخير يا غزة
والرحمة للفنان فتحي غبن .
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ٢ / ٢٠٢٤
***
144-أ- غزة في يومها ( ١٤٤ ) : رثاء المكتبات و...
بعيدا عن غزة وفلسطين تسير الحياة بشكل طبيعي . المطارات تكتظ بالمسافرين والناس يهرولون نحو حقائبهم وينظرون إلى مواعيد سفرهم ليقلعوا إلى هذا البلد أو ذاك ؛ مغادرين أو عائدين ، ولا أعرف كم منهم من فكر فيما يجري في غزة . حتى نحن أبناء فلسطين المغادرين المقلعين أيضا ننشغل بمواعيد إقلاع الطائرة وهبوطها والبحث عن فندق أو مطعم ونسأل عن العملات وأسعارها ونبحلق في صالات الانتظار ننظر إلى المسافرين من أقطار العالم .
" المطار هو برج بابل " أقول حين أصغي إلى كلمات عابرة من مسافرين أشكالهم مختلفة وجنسياتهم متعددة متذكرا التعدد اللساني الذي كتب عنه المنظر للغة الروائية ( ميخائيل باختين ) مميزا بين لغة الشعر ولغة الرواية، وهذا التعدد يذكرني ب ( أبو يائير ) رئيس الوزراء الإسرائيلي وأحزاب دولته التي تنادي بدولة يهودية. هل يخلو مطار دولته ؛ مطار اللد ، من تعدد لساني.
ماذا سأكتب ، وأنا بعيد عن الضفة الغربية وفلسطين التي نتعرض فيها لاحتلال ينوي تهجيرنا ليقيم دولته اليهودية العبرية الإسرائيلية النقية من الأغيار التي لا تخلو من مطار لا يختلف عن مطارات العالم من حيث تحقق التعدد اللساني فيه، فليس كل من يطأ أرضه يتقن العبرية ليتكلم بها.
بعيدا عن فلسطين تقل متابعتي لما يجري فيها هناك في غزة ، فهل كنا في داخلها أسوياء حين شتمنا شعوبنا العربية وهاجمنا صمتها ؟
في الثمانية والأربعين ساعة الأخيرة وجدتني مثل ملايين المواطنين أفكر في شؤوني اليومية الخاصة ولولا أنني أخذت أقرأ ما يكتبه ناشطو الفيس بوك من أصدقائي لما عرفت شيئا عما يجري هناك .
فجر اليوم ( ١٤٤ ) ، وأنا في فندق هرمز في مسقط ، قرأت ما كتبه الشاعر الغزي ناصر عطالله [ Nasser Atallah ] الذي وجد نفسه ، يوم اندلاع الحرب ، في الشام يزور أخته ، عن مصير مكتبته . هدم منزله الذي بناه طوبة طوبة وضاعت مكتبته التي جمعها كتابا كتابا واهتم بها وخصص لها ركنا من منزله أنفق فيه جل أوقاته وتبعثرت كتبه .
دمرت غزة ودمرت مكتباتها وأعاد الإسرائيليون سكانها إلى العصر الحجري يطبخون على الحطب والكتب أيضا ويقيمون في الخيام أو في الشوارع ، ولا يبقى إلا وجه الله .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ٢ / ٢٠٢٤
مسقط التي أزورها لأول مرة . هل سأبحث فيها عن محمد علي أكبر بطل قصة غسان كنفاني " موت سرير رقم ١٢ " . لعل لذلك كتابة أخرى !
***
> 144 -ب- لوكللوس الإسرائيلي : ( برتولد بربخت )
في الحرب الدائرة حاليا يتذكر المرء غير مسرحية للكاتب الألماني ( برتولد بربخت ) صاحب المسرح الملحمي .
قد تتذكر " دائرة الطباشير القوقازية " وقد تتذكر " محاكمة لوكللوس " وقد تتذكر " الأم الشجاعة وأطفالها " وقد تتذكر أيضا قسما من قصائده ، ولا أظن أن خربشاتي في الأشهر السابقة عن هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة قد خلت من الإتيان على ذكر بعضها .
وأنا أتأمل صورة ( أبو يائير ) أو ( يوآف غالانت ) أو ( بني غانتس ) أتذكر ( لوكللوس ) العظيم ومحاكمته وبائعة السمك التي ذهب ابنها إلى الحرب ولم يعد . أتذكر محاكمات الله للوكللوس في يوم القيامة . طالت محاكمته وقصرت محاكمات الآلاف .
كثيرون في هذه الفانية إن ارتكبوا خطأ أو إثما لا يؤذون إلا أنفسهم ويمرون يوم القيامة دون محاكمة فذنبهم لا يذكر أمام ما ارتكبه القادة العظام المسؤولون عن عشرات الآلاف ممن أزهقت أرواحهم من أجل مجد يبحث القادة عنه .
هل ستطول ، يوم القيامة ، محاكمة ثلاثي الحرب ؟
لوكللوس القائد العظيم وبائعة السمك التي لم يعد ابنها من الحرب موجودان في العصور كلها وهذه الأيام يخرجان من رحم المسرحية ويتجسدان على أرض الواقع هنا في فلسطين .
هل من حق المرأة أن تتحدث في شأن الحرب أم أنها لا تفهم فيه ، فهو من اختصاص ذوي الأمر ؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ٢ / ٢٠٢٧
مساء اليوم ( ١٤٤ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
145 - فجر اليوم ( ١٤٥ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة : حروب اليوم التالي للحرب
كم حربا ، لدى الطرفين ، ستبدأ في اليوم التالي للحرب ؟
من أكثر العبارات التي تكررت ، في هذه الحرب ، الجملة " غزة بعد اليوم التالي للحرب " .
هل سيحل ، في اليوم التالي للحرب ، السلام والمودة والوئام أم أن أهل غزة سيكررون ، وقد بدأت حروبهم مع الإعمار وتفقد بقايا الأهل والمعارف والجيران والبيوت وما تبقى منها و ... و ... سيكررون ما قاله الشاعر سميح القاسم ، في ستينيات القرن ٢٠ ، وتخلى عنه مع السلام الذي حل في العام ١٩٩٣ ، إثر اتفاقية أوسلو ، وهو :
" ليغن غيري للسلام
ليغن غيري للمودة والوئام
فعلى ربى وطني وفي وديانه
قتل السلام " ؟ .
منذ ١٩٤٨ والحرب تلد الحرب واللجوء يرث اللجوء والكراهية تولد الكراهية ، وكما كتب محمود درويش :
" لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد " .
ومنذ ١٩٤٨ ونحن نعيش القلق والانتظار والترقب ونحلم بالعودة إلى الفردوس المفقود ، فلا نجني إلا المزيد من البؤس ، ولا يدوم سوى المؤقت ، ولا نجتر إلا الماضي البعيد والماضي القريب . ننسى كلمة " عيدنا يوم عودتنا " ونتساءل :
إلى أين سيهجروننا ويطردوننا ؟
لم تنجح أمس عملية إنزال عيسى العوام ورفاقه إلى أهل غزة ، فقد أخطأت الاتجاه وافتقدت الدقة التي أعوزتها - كما في أشرطة فيديو والله أعلم - وابتلعتها الأسماك ، وما تمكن بعض الغزيين من اصطياده صار محل تندر وفكاهة . كم من حدث منذ بدء الحرب صار كذلك ؟ هل أحصى متابع ما الشخوص الذين شتموا وهوجموا وصاروا موضع هجاء وسخرية وتهكم وتندر و ... ؟ هل أحصاهم شخص ما ، وما أكثرهم من محوري المقاومة والمساومة ؟
أمس وأول أمس بدأت السخرية وحس الفكاهة والتندر تعود و ..
شر البلية ما يضحك .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ٢ / ٢٠٢٤
***
146 -أ- فجر اليوم ( ١٤٦ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: "الموت جوعا"
بدأ في وسائل التواصل الاجتماعي إدراج أخبار عن موتى من غزة قضوا جوعا ، وأصبحنا نقرأ لافتات يحملها الأطفال تعبر عن اقترابهم من الموت لفقدان الطعام ، وكاتب القصة القصيرة والرواية يسري الغول يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة ، مدفوعا بقناعته أن لا وطن لنا سوى هذا الوطن ، حتى لو متنا جوعا ، وراغبا في الوقت نفسه - إن تمكن - أن يرصد ما يجري ، ليكون كاتبا وساردا وشخصية ، من الداخل .
في خمسينيات وستينيات القرن ٢٠ كتب توفيق زياد قصيدته " هنا باقون " وقال فيها إننا نستف ترب الأرض ولا نرحل ، وقد أدرجت الكاتبة حنان باكير سطره في صفحتها ، والمعنى كان قاله الشاعر الجاهلي الشنفرى في لاميته ليعبر عن عزة نفسه :
" وأستف ترب الأرض كي لا يرى له علي من الطول امرؤ متطول
وأطوي على الخمص الحوايا
كما انطوت خيوطة ماري تغار وتفتل " .
قال توفيق زياد ما قال ولم يكن مر بالتجربة القاسية نفسها التي يمر بها أهل غزة الآن ، وكررنا نحن قوله ، والآن هناك من شعبنا من هو في الامتحان يلتزم بالقول .
اليوم صباحا وأنا أتصفح الفيس بوك رأيت صورة امرأة فلسطينية من شمال القطاع قضت جوعا ولم ترحل ، وأمس وأنا في معرض الكتاب في سلطنة عمان أجرى التلفاز العماني معي مقابلة سألتني فيها السيدة أمل السعيدي عن الأدبين ؛ الفلسطيني والصهيوني ، وعما يجري في غزة وجدوى ما جرى في ٧ أكتوبر أمام ما نشاهده من دمار .
الصحيح أنني ارتبكت في الإجابة قليلا ، علما بأنني أكتب في الموضوع منذ بداية الحرب ، وكتبت عن خسائرنا وخسائرهم مرارا .
هل أكرر مع شاعر الرفض العربي أمل دنقل :
" هي أشياء لا تشترى "
وقوله :
" كن يا أمير الحكم "
وسطره :
" ولكن خلفك عار العرب " ؟
أم تراني أكرر ما قرأته في قصة غسان كنفاني " الصغير يذهب إلى المخيم / زمن الاشتباك " :
إن الفضيلة الأولى هي أن نبقى على قيد الحياة " وكل شيء يأتي لاحقا .
في الأمر وجهات نظر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ٢ / ٢٠٢٤ .
[ مسقط . سلطنة عمان ]
***
146 -ب- في مسقط " سوق مطرح " وبناية " المرواني " :
كتب إلي ابن خالتي منير القوقا Muneer Quqa ، حين علم إني في مسقط ، أنها أجمل مدينة عربية.
لو كتبت هذا الكلام دون إسناد لقيل لي إني منافق ، أطعموا فمي فاستحت عيني .
شخصيا لم أزر مدنا عربية كثيرة لكي أصدر حكما، بخلاف ابن خالتي الذي جاب العالم.
أمس زرت المتحف الوطني وسوق مطرح وشاهدت من بعد بحر عمان / بحر العرب وهو جزء من المحيط الهندي على ذمة غوغل ، وأحس أن العمانيين يزعلون إن عددته من المحيط.
إنني أعرف أنني فأر تجارب منذ ١٩٩٠ وغالبا ما أكرر قول محمود درويش في قصيدته "رحلة المتنبي إلى مصر " :
" والقرمطي أنا
أبيع القصر أغنية
وأهدمه بأغنية
ولا أباع " .
أعتقد أن الفلسطينيين منذ زمن أدركوا أن عليهم أن يقتلعوا شوكهم بأيديهم، ولذلك كتبت في بداية الحرب عن ذاكرتتا العذراء.
إن كانت المقاومة الفلسطينية أركنت وهي تخوض الحرب على محور مقاومة أو ممانعة أو ... فقد أخطأت التقدير . علينا أن نتحمل قدرنا حتى لو أبدنا كلنا وفقدنا فلسطين كلها.
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
صباح ٢٩ / ٢ / ٢٠٢٤
مسقط / فندق هرمز
سلطنة عمان
***
147 - اليوم ( ١٤٧ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: " في غزة: على الرغم من الخيبة والمأساة يغنون "أناديكم".
أمس انتقم الإسرائيليون أيضا من الفلسطينيين ، لأن المقاومة أوقعت بالجيش الإسرائيلي خسائر فادحة ، وصارت هذه هي القاعدة وغير ذلك هو الاستثناء .
١٠٩ وأكثر ، من المدنيين ، ارتقوا والجرحى كثر ، مقابل ضابطين إسرائيليين قتلا و ٤٦ جريحا . وفي هذه الأثناء شاهدنا بعض الدول العربية تسقط المساعدات بالطائرات على أهل غزة ، ولا كلام ، فقد أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أمس تمشيت في مسقط على شاطيء البحر وجلست في مقهى رصيف ( سلايدر ستيتشن Slidersstation ) ، فقد استضافنا الكاتب العماني محمود الرحبي ، وأنا على الشط تذكرت شاطيء يافا مدينة أهلي المنكوبة ، وتذكرت شاطيء غزة وما ألم بحي الصيادين في الأخيرة وما قاله صيادوها عن قواربهم ومحلاتهم .
هل كان ثمة متسع أو هامش في غزة للفرح ؟
مجموعة من الشباب والأطفال جلسوا على الأرض غير عابئين برمل البحر يغبر ملابسهم ؛ جلسوا يغنون قصيدة الشاعر توفيق زياد " أناديكم " ، فتساءلت :
- على من يعود الضمير ؟ وهل من كانوا في ذهن الشاعر هم الذين في ذهن الشباب والشابات ؟
وقد كررت بتلقائية :
- ما في حدا صرنا صدى . لا تندهي !
صار كثير من الغزيين في ملكوت الله ، وصرنا نحن عجزة ، فهل نستحق أن تباس الأرض من تحت نعالنا ؟ هل نبالغ في جلد الذات ؟
بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ بسنوات كتب عبد الرحمن منيف روايته " حين تركنا الجسر " وقرأنا نحن شتائم بطلها زكي نداوي لنفسه . لم تبق شتيمة في سب الذات إلا استخدمها ، وقد أحصاها جورج طرابيشي وهو يكتب عن النزعة المازوخية في الرواية . وقبل منيف كتب في جلد الذات مظفر النواب ونزار قباني .
وأنا أشاهد الصور التي تبثها قناة الجزيرة لمصرع المدنيين الفلسطينيين كررت : إنه قدرنا مع الدولة المريضة .
اليوم يبدأ شهر آذار ، وفي مثلنا نقول " آذار أبو الزلازل والأمطار " وأما محمود درويش في قصيدته " الأرض " فكتب : " آذار أقسى الشهور " ، والمغني يغني ولم يجدوا في صوته ، حين فتشوه ، غير حزنه ، ولم يجدوا في حزنه سوى قيده ، ولم يجدوا في قيده سوى وطنه ، ولم يجدوا في وطنه سوى الإسرائيليين في القيود ، ومنذ ٧٦ عاما واليهود يعيشون في دبابة .
كان المطر في مسقط أمس غزيرا جدا ، وكانت الحياة تواصل روتينها ، وهكذا هي الدنيا .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١ / آذار ٢٠٢٤ .
***
148-أ- اليوم ( ١٤٨ ) للحرب والمهلكة وحرب الإبادة: "إنزال أمريكي جوي"
ما شاء الله على أمريكا ! ما شاء ! هل سيقول الرئيس الأمريكي الحالي ( جو بايدن ) ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق ( جون كنيدي ) في ستينيات القرن ٢٠ ؟
الرئيس ( بايدن ) يريد إرسال مساعدات إنسانية لأهل غزة - ما دامت إسرائيل تواصل حصارها وحربها وترقض إدخال المساعدات برا - يريد إرسالها عبر إسقاطها من الجو . هل يريد أن يبيض صفحة وجهه أمام هذا الدمار العظيم ؟ هل بدأ يشعر بتأنيب ضمير وهو يرى حليفته تمعن في القتل ، بعد أن زودها بالسلاح ؟
في ذروة الحرب الباردة ، في ستينيات القرن ٢٠ ، فرض الاتحاد السوفيتي حصارا على مدينة برلين الغربية ، ما دفع الرئيس الأمريكي في حينه ( جون كنيدي ) إلى تحدي الاتحاد السوفيتي والقول :
- أنا مواطن برليني . I'm Berliner .
الحصار على غزة بلغ أشده وبدأ الغزاويون يموتون جوعا ، فهل سيقول ( بايدن ) : أنا مواطن غزاوي؟
" شر البلية ما يضحك " . أي والله .
المشهد حقا مأساوي وسيريالي معا وتتخلله حالات قليلة تجعل المرء يبتسم ابتسامة حزينة . تزويد الإسرائيليين بالسلاح وإسقاط أكياس الطحين للقتلى بالسلاح الأمريكي . إنه سم الأفعى فيه الموت والعلاج ، وهذه هي أمريكا ، ولكن سمها مثل سم الأسود الخبيث وسم أفعى فلسطين وسم الأفعى المجلجلة . لقد دمرت غزة ويبدو أن شفاءها ميؤوس منه ، إلا إن كان جسدها منيعا قويا بما يفوق الخيال.
انتظروا غدا أو بعد غد مقولة ( جو بايدن ) : " أنا مواطن غزاوي " .
ما شاء الله ! ما شاء الله !
أنا بدأت أهذي .
ماذا سأقول عن رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " ؟ .
هل مات شيء فينا ؟
ترى لو بعث محمود درويش من قبره وكان في غزة ، أو تابع ما يجري فيها ، ترى هل كان سيكتب " على هذه الأرض ما يستحق الحياة " ؟
العبرة في النهايات . ومثلنا يقول " الأشياء بخواتيمها " ، وأما الألمان فيقولون " Ende Gut , Alles Gut " - يعني إذا كانت النهاية جيدة فالأمور جيدة ، وها نحن نصغي إلى أخبار المعارك وننتظر . ها نحن ننتظر ونتمنى أن لا يكون حالنا حال حفار القبور في قصيدة بدر شاكر السياب " حفار القبور " . ظل الحفار ينتظر جنازة ، لكي يأخذ أجرة حفر القبر ، ولما وصلت كانت الجنازة جنازة زوجته .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
عمان ٢ / ٣ / ٢٠٢٤
***
> 148 -ب- تفصيل ثانوي : عدنية شبلي واغتصاب الفلسطينيات
هل سنقرأ بعد ٧٠ عاما من حرب ٢٠٢٣ رواية على غرار رواية عدنية شبلي " تفصيل ثانوي " عن اغتصاب الفلسطينيات في غزة إبان حرب ٢٠٢٣ ؟
كتبت شبلي روايتها بعد سبعين عاما من ضياع فلسطين عن اغتصاب فلسطينية بدوية في العام ١٩٤٨ ، واغتصاب الفلسطينيات كتبت عنه في أثناء كتابتي عن رواية أكرم مسلم " بنت من شاتيلا " . Akram Musallam .
لم تتكشف بعد جرائم الحرب التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة وإن رشحت بعض المعلومات عنها .
لا أعرف لماذا أتطرف أحيانا فأصل إلى تصور هو إما أن يبيدوننا ، نحن الفلسطينيين ، أو ننتصر عليهم ، فيهاجر منهم من يهاجر ويبقى منهم من يرغب في أن يعيش معنا مثلنا تماما : أكنا بشرا أم كنا حيوانات مسرورين بما هم عليه .
في سلطنة عمان هناك مليونا هندي وثلاثة ملايين عماني قسم منهم من زنجبار ، وفي الفنادق والمطاعم والمقاهي وعلى متن الطائرات ؛ مضيفين ومضيفات ، ما يشبه برج بابل : بشر ذوو سحنات مختلفة ولغات مختلفة و ...
لقد حصلت أخيرا على نسخة أصلية من رواية شبلي التي أملك منها نسخة مصورة بشكل دوسيه وكنت قرأتها لأكتب عنها ثم ..
أذكر أنني أشرت إليها في مقالي عن رواية مسلم الوارد ذكرها .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢ / ٣ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٤٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
149 -أ- فجر اليوم ( ١٤٩ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: "ادفنوا أمواتكم وانهضوا"
شريطا الفيديو اللذان شاهدتهما أمس كان أحدهما لشاب دفن أمه وأخاه وأطفاله معا ؛ أخاه كرم وزوجته أمونة وأطفالهما سيدرا وسوزان ومالك . حمد الله أنه دفنهم فثمة موتى آخرون نهشتهم الكلاب حيث لم يجدوا من يدفنهم ، وثمة موتى لم يجدوا قبرا . وكان ثانيهما للطائرات الأمريكية تلقي المساعدات لأهل غزة لكي تنقذ من لم تقتله الطائرات الإسرائيلية المهداة لإسرائيل من أمريكا . الأمريكان يقتلون الفلسطيني ويبكون عليه .
ذكرني الشريط الأول بقصيدة الشاعر توفيق زياد " ادفنوا أمواتكم وانهضوا " . هل تذكرونها ؟
" وعلينا كان أن نشربه
حتى الزجاج
كأسنا المر المحنى
وعلينا كان أن نذبح
ذبحا كالنعاج
ساعة التاريخ جنا
إنما لا بأس !
هذا لحمنا جسر
.. على البحر الأجاج
لضفاف لم تخنا أو نخنها
يا ترابا كله تبر وعاج
حبنا أقوى من الحب وأغنى
فادفنوا أمواتكم وانهضوا
لن يفلت منا
نحن ما ضعنا .. ولكن
من
جديد
قد
سبكنا " .
هل بالغ الشاعر ؟
وذكرني الشريط الثاني بمثلنا الشعبي " بقتل القتيل وبمشي بجنازته " وبقول محمود درويش :
" أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا
لأمريكا سنحفر ظلنا ونشخ مزيكا ".
بكى الشاب وخاطب أمه متحدثا عن علاقته بها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . هل الشاب هو نفسه من أدرج الشريط ؟ إن كان هو فهو فادي شناعة ! fadi shanaa .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
الأحد ٣ / ٣ / ٢٠٢٤
***
> 149-ب - لسان حال أهل غزة الآن هو قول محمود درويش في ستينيات القرن ٢٠: "إنا نحب الورد
لكنا نحب القمح أكثر".
كان أهل غزة يزرعون الورد ويصدرونه إلى أوروبا . الآن لا ورد ولا فراولة ولا بطيخ أصفر .
الآن يرى أهل غزة القمر رغيفا ، وهذه أيضا لمحمود درويش " يصير البدر رغيفا في عيوني " ، فقد تتبعت دال القمر في شعره وشعر ( لوركا ) وشعر وليد سيف .
المرأة الغزية في شريط الفيديو الذي أدرجه علي مواسي تبكي والسبب هو حصولها على رغيف ، فمنذ شهرين لم تأكل الخبز .
العطشان يرى السراب ماء ومثلنا الشعبي يقول " اللي عبال أم حسين بتحلم فيه بالليل " .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢ / ٣ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٤٩ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة.
***
150 - فجر اليوم ( ١٥٠ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " اعتذار للآباء والأجداد "
هل كنا نبالغ حين كنا نلوم آباءنا على خروجهم في العام ١٩٤٨ ؟
غالبا ما توقف دارسو رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " أمام عبارة دوف يخاطب أباه سعيد . س الآتية:
" كان عليكم ألا تخرجوا ، وكان عليكم ألا تكفوا عن محاولات العودة "
وغالبا أيضا ما توقفوا من قبل أمام عبارة " أبو الخيزران " :
" لماذا لم تدقوا جدران الخزان ؟" .
ترى لو مر دوف بالظروف التي مر بها أبوه أكان يمكن أن يخاطبه بما خاطبه به ؟
وماذا لو بعث أبو الخيزران من قبره وعرف أن شعبه دق جدران الخزان بقوة وظل منذ العام ١٩٦٧ يقرع ويقرع ويقرع ويحاول العودة ، ودفع لذلك ثمنا باهظا ، وكلما قرع وقاوم ازداد المنفى اتساعا وكبرت الآلام ؟
في الثانية صباحا صحوت وهاتفت المسؤول في الفندق ، فالتدفئة في الغرفة تحتاج إلى معاينة . في البرد في غرفة تذكرت أهل غزة في الخيام . تذكرت كبار السن والأطفال والنساء المرضعات وضعاف البنية . ماذا يفعل هؤلاء الآن ؟
ليس لهذا العالم قلب ، وليس للصهيوني قلب أيضا ؟
ولا رغبة في الكتابة أيضا .
كان الجو أمس ماطرا والسماء رمادية .
أمس حاضرت ، في مقهى الشوكو هولك ، في رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " . هل من جدوى للكتابة والقراءة والمحاضرة ؟
ولكن " وتستمر الحياة " !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٤ / ٣ / ٢٠٢٤
***
151- فجر اليوم ( ١٥١ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : "الجوع أبو الكفار"
أمريكا ، بمساعداتها التي ألقتها على غزة ، ينطبق عليها المثل الشعبي " بضرب كف وبعدل الطاقية " ، أما النظام العربي فما زال يمدح اتفاقات السلام ووجهة نظره ، إن ألمحنا إلى عجزه ، أنه ما كان ليستطيع أن يقدم لأهل غزة المساعدات لولا اتفاقات السلام - يعني لمات أهل غزة جوعا . هل نقول بارك الله في اتفاقات السلام وفي الحاكم العربي الرشيد وإلا لمات أهل غزة كلهم جوعا؟
الشريط الذي شاهدته هذا الصباح يري أهل غزة ضائعين في الشوارع جوعى بائسي الملامح متسخي الملابس حفاة أو شبه حفاة يقتلهم البرد يتوسل قسم منهم جنديا إسرائيليا يوزع عليهم بعض أكياس حليب أو طعام ويقول لهم :
- وينها حكومتكم تركتم في الشوارع و اختبأت ؟
وكان الرجلان الغزاويان الستينيان السبعينيان بملابس رثة ، وقد أنهكهما الجوع ، يبكيان ويشتمان ويخاطبان الجندي بالعربية والعبرية . كانا يلعنان العرب والحكومة في غزة ويتفوه أحدهما ب :
- والله بنحبكم أكثر منهم !
فيما تكلم الثاني بعبرية لم أتمكن من فهم ما تلفظ به بها ، وأما أنا البعيد الجالس في شقتي لا أعاني من برد أو جوع ف ... .
لقد رددت قول الشاعر مظفر النواب :
" لا تلم الغزاوي في هذا الزمن الكافر ، فالحوع أبو الكفار ،
مولاي أنا في صف الجوع الكافر ما دام الصف الآخر يرزح تحت الأوزار " .
وأنا أتجول أول أمس في مكتبات عمان أبحث عن كتاب عماد الطراونة " محمود درويش : كلام من ذهب " دخلت إلى مكتبة فرأيت رئيس الوزراء الأردني الأسبق السيد عبد الرؤوف الروابدة جالسا . تحدثنا لمدة خمس دقائق ظهرت فيها روحه المرحة وميله إلى الدعابة والمزاح وأتينا على أحداث غزة و ... و ... وذهب إلى طبيب الأسنان حيث حان الوقت المحدد ، وأما أنا فواصلت تسكعي في الأماكن المحببة إلى قلبي هناك . قلب عمان النابض وسطها وجامع الحسيني ومقهى السنترال ، وكانت السماء تمطر مطرا خفيفا المشي فيه محتمل جدا .
منذ كتبت نصي " ليل الضفة الطويل " وأنا أسمع من بعض من أتحدث معهم هذه العبارة :
" مش تكتب حوارنا . انس كل ما قيل " وأنا ألبي لهم رغبتهم .
صباح الخير يا غزة
خربشات
عادل الاسطة
٥ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
> 152-أ- اليوم ( ١٥٢ ) : هل انتهت الحرب ؟
يوم الأحد الماضي أصغيت إلى سياسي سابق أتى في كلامه على طوفان الأقصى ، ولما سألني عن رأيي فيما ستؤول إليه الأمور أجبته إجابتي المعهودة :
- الميدان هو ما سيقرر ، ولن نعرف إلا حين تنتهي الحرب .
السياسي قال لي :
- الحرب انتهت .
والحرب انتهت تعني أن إسرائيل حسمتها .
أمس كرر الإسرائيليون في وزارة الحرب الإسرائيلية أيضا أن الحرب انتهت وأن ما يجري في الميدان هو عمليات ملاحقة وتصفية جيوب . كم ستستغرق تصفيات الجيوب وعمليات الملاحقة هذه ؟
ما قاله أمس أسامة حمدان المسؤول في حركة خماس كان مختلفا ويوحي بأن المقاومة الفلسطينية بخير ولما تنته .
وأمس اشتعلت الجبهة الشمالية وبدأت الصواريخ من جنوب لبنان تهطل على المغتصبات الإسرائيلية .
رمضان في طريقه إلينا ومنذ أيام وأنا أقرأ ما يدرجه بعض أهل غزة معبرين فيه عن حنينهم إلى أيام ما قبل رمضان في السنوات السابقة .
الأيام في غزة الآن تمر بطيئة ثقيلة تخلو تماما من أي شكل من أشكال الحياة . لا أسرة تجتمع على طاولة ولا بهجة ولا فرح ولا زينة ولا طعام ولا شراب ولا ولا ولا ولا ، وحتى الطاولة التي كتب عنها الروائي عاطف ابوسيف في جنته المقفلة - أي في روايته " الجنة المقفلة " ما عادت موجودة ؛ الطاولة التي صنعت في يافا ثم اشتراها أصحابها ثانية ونقلوها إلى غزة .
عاد أهل غزة يعيشون نكبة آبائهم وأجدادهم من جديد . يعيشون في الخيام ويأكلون الطعام وهم جاثون على ركبهم والطعام - إن توفر - مبسوط على قطعة خيش أو على قطعة كرتون ، فحتى الطبلية عزت .
هل غزة قطعة من فلسطين التي وعد ( ثيودور هرتسل ) بأنه سيجعلها أرض لبن وعسل ؟
في فترة الحرب غالبا ما خاطبته :
- انهض من قبرك وأنظر جنتك الموعودة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٦ / ٣ / ٢٠٢٤
***
152-ب- الخبز بالخبز يذكر : هل كان للخبز في غزة قبل طوفان الأقصى هذا الطعم ، هذا الدم؟
بكت المرأة الفلسطينية الغزاوية حين حصلت على رغيف . مر شهران عليها لم تأكل الخبز .
هل تتذكرون قصة سميرة عزام " خبز الفداء " ؟
حوصر المقاتلون في العام ١٩٤٨ وجاعوا ، وحين غامرت الشابة الفلسطينية لتحضر لهم الخبز قنصها القناص فاختلط دمها بالخبز .
محمود درويش :
مقطع من " قصيدة الخبز "
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة ؟
كنت تعرف
أن بيروت الفوارق
هي بيروت الحرائق
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة ؟
إنهم يغتصبون الخبز والإنسان
منذ الخامسة .
لم يكن للخبز في يوم من الأيام
هذا الطعم ، هذا الدم
هذا الملمس الهامس
هذا الهاجس الكوني
هذا الجوهر الكلي
هذا الصوت هذا الوقت
هذا اللون هذا الفن
هذا الاندفاع البشري ، السر ، هذا السحر
هذا الانتقال الفذ
من كهف البدايات إلى حرب العصابات
إلى المأساة في بيروت
من كان يموت
في تمام الخامسة "
اليوم ( ١٥٢ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
خربشات عادل الاسطة
..
في حرب أكتوبر ١٩٧٣ توفي طه حسين فأقيمت له ، إن لم تخني الذاكرة ، جنازة عادية ، وإن لم تخني الذاكرة أيضا فإن أحد أساتذتنا ، في قسم اللفة العربية في الجامعة الأردنية ، أتى في المحاضرة على ذكره قائلا إن جنازته كان يمكن أن تكون مختلفة ، لولا أن وفاته وقعت في أجواء حرب عظيمة .
وفي كانون الأول من العام ٢٠٠٣ توفيت الشاعرة فدوى طوقان ، وكانت الأجواء مطيرة وحصار نابلس في أوجه ، ولما سألت عن جنازتها التي لم أشارك فيها ، لأنني كنت في المحاضرة ، أجبت بأن عدد المشاركين فيها قليل .
في حرب ٧ أكتوبر هذه توفي الفنان الفلسطيني المغني المقيم في القدس مصطفى الكرد ( أبو درويش ) .
القدس محاصرة والطرق في الضفة غير سالكة بسهولة والعيون كلها نحو غزة ، والشمال الفلسطيني / الحنوب اللبناني الذي اشتعل القتال فيه أمس ، كما لم يكن من قبل ، يوحي ببوادر حرب قادمة كما في غزة .
إسرائيل توسع مجلس حربها المصغر وتضم إليه ( ايتمار بن غفير ) وغيره من المتطرفين .
التقيت بمصطفى الكرد مرات قليلة ، هنا وفي ألمانيا التي أقام فيها مدة من الوقت ، حيث كان متزوجا من الألمانية ( هيلجا باومجارتن ) التي صارت لفترة من الوقت مسؤولة شؤون البعثات في مؤسسة ال DAAD الألمانية التي درست في ألمانيا على نفقتها .
ولكن ما لا أنساه هو أن هذا الفنان الوطني الملتزم كان يضيق عليه بسبب أغانيه الوطنية .
في صيف العام ١٩٧٦ أرادت القوى الوطنية في نابلس إحياء حفل يغني فيه أبو درويش ، ولما علمت إدارة الحكم العسكري في المدينة أرسلت دوريات جنودها ليحاصروا المكان ويحولوا دون الحفل .
" هات السكة وعدي المنجل
إو ع فيوم عن أرضك ترحل "
ويبدو أن الكلمات قيد على صاحبها ، فالفنان الذي سافر إلى ألمانيا لفترة ، سرعان ما عاد إلى القدس ليموت فيها ويدفن في ترابها .
ما زالت المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة في ، غزة ، مستمرة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٢ / ٢٠٢٤
فجر اليوم ( ١٣٧ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
> 137 -ب- " من يستطيع البحث عن أمم أتانا صمتها عبر الخيول الفاتحة وتزوجت لغة العدو ، تعلمت أديانه واستسلمت لغيابها "
إن كان يجوز تفسير الشعر بالشعر ، فإن الأسطر السابقة من قصيدة محمود درويش " من فضة الموت الذي لا موت فيه " من ديوان " هي أغنية .. هي أغنية "( ١٩٨٥ ) تفسرها أفضل تفسير أسطره في قصيدته " مديح الظل العالي " ( ١٩٨٢ ) :
" عرب وباعوا روحهم
عرب وضاعوا " .
و
" لغة تفتش عن بنيها تموت ككل من فيها وترمى في المعاجم "
وليست هناك مسافة زمنية واسعة بين كتابة القصيدتين .
صمت العرب أمام الغزاة وتزوجوا لغتهم وخضعوا لروايتهم وقبلوا بأساطيرهم وغابوا عن المشهد فلم يعد لهم حضور . أطاعوا غزاتهم وباعوا الروح العربية وضاعوا . ماتت لغتهم كما ماتوا وألقيت في المعاجم.
لا أعرف سبب عدم لمس رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) يد المسؤول الإماراتي ورفض أخذ الميكروفون منه . هذا ما بدا في الشريط الأكثر تداولا منذ مساء أمس ، أو على الأقل هذا ما لاحظته أنا ، وقد يكون غيري التفت إلى مشاهد أخرى ، كالرغيف الغزاوي في شكله الأخير . قرص من التبن والشعير يبدو مثل رغيف خبز حمص لاقتراب تاريخ صلاحيته . يا ليته كان كذلك !!
ما السبب الحقيقي حقا لحركة ( أبو يائير ) ، علما بأن بعض الحاخامات اليهود في فترة انتشار الكورونا بخروا سياسيين من الإمارات ! ( في التعليقات نبه الصديق Saadeh Soudah إلى أن الشريط يعود إلى فترة سابقة هي فترة انتشار الكورونا . لاحظوا تأثير اللحظة )
" بستاهلوا " - أي الإماراتيين . عقب صديق على الشريط .
قبل شهر تقريبا أوقف جندي إسرائيلي سائق سيارة فلسطيني من إحدى قرى نابلس القريبة وسأله :
- انت خماس ؟ هل تؤيد خماس ؟
والسائق يريد أن يمر فنفى ، ولنفيه أحضر الجندي له ظرف شيبس وأطعمه ليمر بسلام ، وأما ابو مريم فقد روى لي أن الجنود سألوه إن كان خماس فأجابهم بأنه يحب الانبساط وشرب الفودكا !
الإسرائيليون يعلنون أن عملياتهم في شمال قطاع غزة توشك أن تنتهي فلم يبق الكثير للنصر الكبير ، وخماس ترد بأن هذا النصر يلعب في عقل " أبو يائير " ووزير حربه ، واليوم أعلن الإسرائيليون أن عدد جرحى معارك ال ٢٤ ساعة الأخيرة بلغ ٤٦ ضابطا وجنديا ، وجنديا قتيلا .
ما زالت الخضار والفواكه تصل إلى الإسرائيليين عبر أراضي دول عربية . هذا ما يقوله الإسرائيليون ليهزموا الشعب الفلسطيني :
- موتوا بغيظكم . لقد صمت العرب وتزوجوا لغتنا وتعلموا ديننا واستسلموا لغيابهم .
موتوا بغيظكم أيها الفلسطينيون وظلوا رددوا :
" وامعتصماه "
و ... و ... و ... واقرأوا أشعار نزار قباني ومحمود درويش ومظفر النواب وأشعار غيرهم . ألم يكتب نزار " متى يعلنون وفاة العرب ؟ " .
عرب وطاعوا رومهم
عرب وضاعوا .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٣٧ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
138 -أ- فجر اليوم ( ١٣٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : عائلات بأكملها تباد
ما إن انتهيت من إدراج قصيدة الشاعر نزار قباني " متى يعلنون وفاة العرب ؟ " حتى أعلمني صديق أن جارهم في حي الجنينة شرق رفح الدكتور ناصر أبو النور ارتقى وعائلته قبل نصف ساعة ، والدكتور أصلا من مخيم الشابورة غادره يوم تحسنت أوضاعه المادية . لجأ والده في العام ١٩٤٨ من قرية حتا بين غزة والخليل .
ارتقى الدكتور ناصر وزوجته مجدة يحيى وأبناؤهما نور ومنى وآيات وعبد الرحمن ، وحفيدتهما كنزي عبد الرحمن جمعة .
درس الدكتور بالمعمداني وأكمل دراسة التمريض في أمريكا وحصل على الدكتوراه ، وقد ارتقى أبوه في العام ١٩٥٦ ، وهو وحيد أمه التي لم تتزوج حتى تربيه ، فكانت تبيع في الأسواق وكانت ملكة جمال في كل شيء .
هل بدأ فايز الدويري يدرك الحقيقة حين قال مؤخرا إن الهدف من العدوان هو إبادة الفلسطينيين ؟
منذ البداية قالها الإسرائيليون : لنعتبر المخطوفين قتلى حرب ونضرب غزة بالنووي .
هكذا كتب إلي الصديق ، وما كتبه كان شاعرنا إبراهيم طوقان قاله في ثلاثينيات القرن ٢٠ :
" أجلاء عن البلاد تريدون فنجلو أم محونا والإزالة " ؟
كم مرة ، في هذه المقتلة ، كررت هذا البيت ؟!
تصبحين على خير يا غزة !!
لك الله .
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 138 -f- مساء اليوم ( ١٣٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : إشاعات ... إشاعات :
وأنا جالس في مقهى الهموز في نابلس في الأجواء المشمسة في هذا النهار أصغيت إلى حلقة عما نقلته وكالة أنباء إيلاف السعودية اعتمادا على مصادر إسرائيلية . موصوع الحلقة هو أن يحيى السسنوار ترك قطاع غزة مع الأسرى الإسرائيليين ، وهو الآن في سيناء .
قبل حوالي أسبوعين تكلم أبو حمزة الناطق باسم سرايا القدس وقال إن الجيش الإسرائيلي لو فتش غزة كلها ذرة ذرة فلن يعثر على الأسرى ، فتساءلت :
- هل صار الأسرى الآن في إيران ؟
المخيلة تشت وتشط أيضا ، ونحن الآن في اليوم ١٣٨ من بداية ٧ أكتوبر ، ولم تحرر القوات الإسرائيلية سوى اثنين من ١٣٦ والأوضاع تزداد قسوة وسوءا والكنيست الإسرائيلي صوت اليوم بالأغلبية الواضحة ضد إقامة دولة فلسطينية .
هل يمكن أن يكون السسنوار غادر ؟ وهل تخطر الفكرة أصلا في ذهنه ؟
أنا كاتب قرأ روايته " الشوك والقرنفل " ( ٢٠٠٤ ) وكتب عنها ، وعندما طلب مني أن أتحدث عن التشبث بالوطن في الرواية الفلسطينية لم أغفل ما ورد فيها بهذا الموضوع .
إن إبراهيم الذي تضيق به سبل الحياة في قطاع غزة يرفض الهجرة ويصر على البقاء فيها ولو عاش على " الرغيف وحبة الزيتون " وفي الرواية يرتقي .
هل يمكن تخيل خروج " أبو إبراهيم " من غزة ؟
شخصيا أرجح أنه لن يخرج حتى لو أسر أو ارتقى أو ... ؟
المدينة تسعى والحصار يشتد ولكن ما نحن فيه وعليه لا يكاد يذكر ، بل إنه لا يذكر ، أمام ما يعيشه أهل غزة .
إن كان محمود درويش في " حالة حصار " ترك يهوددي " تاجر البنندقية " ( شايلللوك )يتساءل :
" أليس لليهوودي قلب ؟
فإن ما يجري في غزة يقول :
- ليس للصهيوني قلب !!
لم يكن وزير الحرب الإسرائيلي يهدد حين قال :
- لا كهرباء لا ماء لا بنزين وسولار ولا طعام .
وكان يجب أن نتأمل ملامحه ونسترجع ملامح ( أدولف ) وهو يخطب ضد اليهود .
هل انحدر ( يوآف غالانت ) من أصول ألمانية جرمانية ؟؟!!
( والداه يهوديان بولنديان هاجرا إلى يافا في العام ١٩٤٨ ) .
مساؤك هدوء يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٢ / ٢٠٢٤
***
139 -أ- صباح اليوم ( ١٣٩ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : هل سينجح سلاح التجويع؟
نمنا على أخبار معارك ضارية أمس وصحوت على مشاهدة شريط فيديو من مخيم جباليا يتحدث فيه مواطن غزاوي عن جوع الصامدين هناك وثورتهم على حركة حماااس ويحيى السسنوار ؟
الناس جاااعت ، وسلاح الجوع هدد به وزير الحرب الإسرائيلي ( غالانت ) منذ أعلن الحرب حين قال جادا والكشرة والشعور بالهزيمة على محياه :
- اين خشمان . اين مازوت ... اين ديلك ... اين مايم ..
وقد طبق ما قال ولم يكتف بالمنع ، فقد أرسل طائراته تهدم البيوت وجيشه البري يدك المباني ويقتل ويروع و ... .
هل هو شريط للسياسة أيضا فيه أصابع أم أنه خال منها ؟
منذ أشهر ونحن نشاهد أشرطة فيديو تدرج تحت اسم موقع صوت المواطن يعبر فيها قسم من الناس عن استيائهم مما جرى .
سبعة عشر عاما من الانقسام بين فتح وحماس لم تكن خالية من خصومات بلغت حد التخوين وأكثر .
الأوضاع في غزة غير محتملة وحرب التجويع بدأت منذ ٢٠٠٧ ، وها هي تبلغ ذروتها .
التاريخ الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني عرف كثيرا من الخصومات التي صارت تتكرر بشكل أو بآخر.
في إحدى قصائد مظفر النواب قرأنا :
" لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر
فالحوع أبو الكفار "
وأعلن موقفه :
" مولاي أنا في صف الجوع الكافر
ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار " .
صباح الخير يا غزة والخير شحيح
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 139 -ب- جوع السبعينيات في غزة وجوع العقد الثالث من القرن ٢٠:
في سبعينيات القرن ٢٠ كتب غريب عسقلاني ( إبراهيم الزنط ) قصته " الجوع " عن مناضل ضاقت بوجهه الدنيا في غزة بعد أن أجهضت إسرائيل المقاومة بقتل من استطاعت قتله وسجن من ألقت القبض عليه حيا .
أحد المناضلين بحث عن عمل في مدينته فلم يجد لأن أصحاب العمل خافوا منه ومن تشغيل فدائي . جاع المناضل وسرى إلى المصانع الإسرائيلية بعد أن كان يمنع العمال من التوجه إليها للعمل فيها . لقد أراد أن يطعم زوجته وأطفاله . وجد عملا ليعتاش منه وعمل على مضض .
في رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " معالجة لموضوع الفقر في غزة وتبحبح الأحوال بعد انفتاح فرص العمل في الأرض المحتلة في ١٩٤٨ . لقد تنفس الناس الصعداء .
منذ ٢٠٠٧ وإسرائيل تحاصر قطاع غزة حصارا قاتلا ، ومنذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وهي تلاحقهم وتقصف بيوتهم وتجوعهم والكل يتذكر " لاءات " ( يوآف غالانت ) الأربعة ، وقد ذكرتها صباحا .
صار رغيف الخبز عزيزا وحين عز وجود الطحين تشكل العجين من أعلاف الدواب . جاع البشر وجاعت الحيوانات والأخيرة لا تعرف ما الذي جرى ويجري ، وهناك من أنصارها من يفكر في أمرها . ماذا تقول جمعيات الرفق بالحيوان في أوروبا ؟ هل تعنيها حيوانات غزة أم أنها عالم ثالث لا يستحق .
الصديق همام أرسل إلى هدية مواطن غزاوي لزوجته التي ولدت في شمال قطاع غزة منذ أسبوع وأنجبت طفلهما علي . مرت أيام خمسة على الزوجة لم تأكل وأراد زوجها أن يكافئها ، فحصل على صحن أرز وقطعة لحم بسعر ٩٥ دولارا . قطعة اللحمة ب ٧٠ والرز ب ٢٥ . وهذه أجمل هدية . أنظر صفحة حمزة مصطفى أبو توهة
حصار . تضييق فرص عمل . قطع كهرباء . قطع ماء . قطع سولار . قطع الطعام ، وممن ؟
من شعب الله المختار الذي تعرض في القرن ٢٠ على يد النازيين للإبادة من المريض ( أدولف ) .
عندنا مثل يقول " كول من إيد شبعانة ولو جاعت ولا توكل من إيد جوعانه شبعت " وعليه قس .
أحيانا الخطر الحقيقي يأتي من الضحايا !!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٣٩ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
140 -أ- فجر اليوم ( ١٤٠ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " لا تلتمس منهم رجاء "
صارت الحرب عادة يومية . عندما انفجرت الحرب الأهلية في لبنان استمرت ١٥ عاما وآلت البلاد إلى خراب . هاجر من هاجر وبقي من بقي ونحن الذين كنا في خارج لبنان تابعناها في البداية متابعة حثيثة ثم صرنا ننصرف إلى أعمالنا وشؤون حياتنا .
بعد انتهاء الحرب صارت موضوعا للروائيين الذين استحضروها في رواياتهم وصرنا نقرأ عتها وندرسها ولم يكتو بها إلا ضحاياها الذين ما زالوا أحياء . ربما بكينا ونحن نقرأ رواية جبور الدويهي " شريد المنازل " أو رواية ربيع جابر " الاعترافات " . ربما ضحكنا ونحن نقرأ رواية علوية صبح " مريم الحكايا " أو رواية إلياس خوري " سينالكول " ! ربما !
غير أن هناك في لبنان الآلاف من الضحايا الذين ما زالوا يعانون من ويلاتها .
غالبا ما يتحدثون عن اليوم التالي للحرب . غالبا ما يقدمون اقتراحات . وأطرف ما قرأته للتو أن جنرالا إسرائيليا ينصح إسرائيل بعدم البقاء في غزة بعد انتهاء الحرب ، لأنها ستجد نفسها تحكم ٢ ، ٢ مليون فلسطيني وبلادا تحتاج إلى إعادة إعمار لا قدرة لإسرائيل عليها ، ولذلك يجب الانصياع إلى الإدارة الأمريكية ، فحلفاء هذه ، مثل السعودية وأبو ظبي ، هم من يملكون الموارد المالية . يعني ليس ( بنيامين ) ولا ( ايتمار ) ولا ( بتسلئيل ) ولا ( يوآف ) ولا ( بنيامين / بن جانتس ) قادرين على اليوم التالي للحرب .
عندنا مثل يقول " بردان وبضرط لحف " .
من سيقدر على حكم غزة إن بقي سكانها فيها ؟
ربما استيقظ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ( إسحق رابين ) من قبره ، ليجدد أمنيته ، وهي أن يصحو من منامه ويرى البحر قد ابتلع غزة وسكانها .
يبدو أن غزة ستظل شوكة في خاصرة الدولة العبرية ، وأما الشعوب العربية - وكان الله في عونها - فإنها بعد انتهاء صلاة الجمعة ستعود إلى ممارسة حياتها العادية . هل نلومها ؟ نحن في الضفة الغربية أيضا نمارس حياتنا العادية ، وكذلك أهلنا في فلسطين ١٩٤٨ .
أكرر قول شاعر فلسطين ، على رأي الناقد المصري زكي المحاسني ، إبراهيم طوقان :
" لا تلتمس يوما رجاء عند من جربته فوجدته لا يشعر "
حالة تعبانة يا ليلى . قدرة ما فيش . حالة خربانة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 140 -ب- مساء اليوم ( ١٤٠ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : د. آلاء القطراوي تكتب شعرا جميلا
مع أنني منذ زمن ما عدت أهتم بالشعر إلا أنني في هذه المقتلة والمهلكة وجدتني أقرأ ما يكتبه شعراء عديدون : المتوكل طه وغسان زقطان وصلاح أبو لاوي وخالد جمعةوعثمان حسين وهيا فريج وغيرهم وغيرهم ، وصرت أهتم بقصائدهم وأرسلها إلى موقع " Creativepalestiniansمبدعون فلسطينيون الصفحة الرسمية
والمشرفة عليه الفاضلة Rawd Dibs علها تولي ما أقترحه عليها للصفحة قدرا من الاهتمام .
هناك أصوات عديدة قرأتها لأول مرة والذنب في التقصير ذنبي أنا المهتم بالرواية والشعراء السابقين أكثر .
هناك قصائد لصوتين من غزة راقت لي قصائدهما ، وهما صوتان نسويان : مريم قوش وآلاء القطراوي ، وقد يعود السبب إلى أنهما كتبتا عن غزة الآن وإلى غنائيتهما التي ذكرتني بغنائية محمود درويش .
اليوم أدرجت على جداري ثلاث قصائد لآلاء التي قرأت أنها فقدت أبناءها الأربعة في الحرب ، حيث هدم منزل والدهم عليهم . ( كما عرفت فإنها حصلت قبل عام على درجة الدكتوراه في الأدب العربي وأنها منفصلة ) .
عبرت آلاء عن أجواء الحرب ما لم أقرأه في أية قصائد أخرى ، ولها ابن اسمه يامن ارتقى مع إخوته ، وقد أدرجت آلاء صورته على جدارها الفيسبوكي ، ويامن جميل جدا مثل يوسف ابو شعر كيرلي .
غزة ولادة ، وأرجو الانتباه إلى هذين الصوتين الشعريين .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
نابلس ٢٣ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
141 -أ- اليوم ( ١٤١ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " أيها الملك اهدأ "
أطرف ما سمعته اليوم من إسرائيلي هو اعتراضه على تحذير الأردن لإسرائيل مما قد يحدث في شهر رمضان إن تواصلت الحرب فيه .
أتى الإسرائيلي على حرب حزيران ١٩٦٧ واحتلال " جبل الهيكل " في أثنائها والانتصار على الأردن ، مذكرا الملك الأردني بالهزيمة ، كأنما يهدد في الوقت نفسه بإمكانية حرب ثانية تنتهي بهزيمة ثانية .
عندما تحرد زوجة ويسألها أهلها عن الأسباب تبكي وتعدد لهم ما تفعله لزوجها من أجل أن ترضيه وتختتم كلامها بالقول :
" والله لو أضأت له أصابع يدي العشرة شموعا ما عجبه " .
ويخيل إلي أن إسرائيل لن يرضيها أي شيء يقدمه العرب لها ولو أضاؤوا لها الدنيا شموعا . هل أكرر عنوان قصة ( فرانز كافكا ) " بنات آوى وعرب " وما ورد فيها عن العداوة التي تقع في الدم ؟ لقد كتبت هذا غير مرة .
منذ أيام المرحوم الملك حسين والاتهامات توجه للأردن إزاء موقفه من إسرائيل ، وهي اتهامات تصل حد التخوين ، ولا أظن أن هذا يخفى على المتحدث الإسرائيلي ، ومع ذلك فإنه بوقاحة لا حدود لها يخاطب الملك الأردني كما لو أنه - أي المتحدث - ربكم الأعلى :
" أيها الملك اهدأ " .
ويصفق له الحضور .
منذ بداية الحرب وبعض السياسيين الإسرائيليين يتحدثون بفظاظة ووقاحة عن الزعماء العرب إذا ما خالفوا إسرائيل ، علما بأن مواقف هؤلاء الزعماء لا ترضي الحد الأدنى من رغبات شعوبهم .
أردت أن أكتب عن فقدان د.آلاء القطراوي أبناءها الأربعة ، إذ لم تسمع ، منذ أكثر من أربعين يوما ، عن مآلهم ومصيرهم شيئا . هل هم ما زالوا أحياء ؟ هل هم أسرى مع أبيهم ؟ هل .. هل .. هل . ؟
ومن مظاهر هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة ظاهرة الفقدان ، وغالبا ما نقرأ في صفحات النشطاء الفيسبوكيين عنها ، وهي ظاهرة لافتة في الحروب .
الله المستعان وفرعون هذا العصر طغى وتجبر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 141 -ب- سميح القاسم " ضوء جديد لقصر عتيق " :
في نهاية سبعينيات القرن ٢٠ وبداية ثمانينياته كتب المرحوم الشاعر سميح القاسم قصيدة عنوانها " ضوء جديد لقصر عتيق " نطق فيها باسم الفقراء وحثهم على الثورة على ما هم عليه ، فالفقراء أقوى وهم إن ثاروا سيدور الدولاب وسوف يحققون خلاصهم من الرأسمالية المتوحشة .
في ذلك الزمن لم يكن اليمين الإسرائيلي المتطرف غارسا جذورا عميقة ، وكان اليسار العالمي في ذروة قمته ، وكانت الأحلام كبيرة والآمال بتحقيقها أكبر .
عندما أصدر الشاعر أعماله الكاملة في العام ١٩٩٣ ، وكان الاتحاد السوفيتي انهار ، صغرت الأحلام وتضاءلت الآمال ، فحذف الشاعر كل ما كتبه بتأثير الفكر الاشتراكي ؛ حذف قصائده في مديح لينين والثورة الحمراء وماركس وإنجلز وهلم جرا ، وعندما كتب سيرته الذاتية " إنها مجرد منفضة " دعا إلى تعايش الاشتراكية مع الدين والعرب مع اليهود وآكل السمك واللبن في الوجبة نفسها .
أين هو الضوء الجديد للقصر العتيق ؟
صار الإسرائيليون يتعاملون مع الفلسطينيين بروح العهد القديم ويستحضرون الأسفار والمزامير ، ولو كان الشاعر على قيد الحياة لربما جعل عنوان قصيدته " ضوء قديم لناطحات السحاب في تل أبيب " ، فكم من أقوال العهد القديم استحضرت في هذه الحرب ، واستحضرها يهود ، مثل أبو يائير ، وهم يرتدون زيا عصريا .
لعل أمهات الجنود الإسرائيليين القتلى والمشوهين والجرحى مع الأمهات الفلسطينيات يشكلن حزبا واحدا معا ويوقفن الحرب ويعلن تأسيس دولة النساء ، فتسود المحبة ويسود الوئام ويا دار ما دخلك لحى وسوالف وشوارب و " خالفوهم " !!
الأوضاع في أرض السلام والمحبة ؛ أرض الأنبياء ، تزداد بؤسا .
دبرها ياللي فوق وارحم شعبك وأرسل المسبح وعجل بالخلاص قال جد الجندي الإسرائيلي القتيل .
حربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٤١ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
142 - فجر اليوم ( ١٤٢ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " أصيح بالخليج "
أمس مات بعض أهل غزة فيها من الجوع . ماتوا حقيقة لا مجازا ، ولما كتبت الخبر نقلا عن صفحة الصديق محمود جودة علق صديق ان خاله قضى أيضا جوعا في مخيم اليرموك ، وصار أكل لحم الدواب قدرنا حتى يساوينا العدو بها ، فيحلل قتلنا لأن أجدادنا قبل ألفي عام قتلوا حمار بلعام ، ولأننا أبناء الخادمة / الضرة ، ومرة كتب الشاعر محمود درويش إلى سميح القاسم يطلب منه، إن زار القدس والتقى بالشاعرة الإسرائيلية سارة كوفمان التي قرأ معها في هيلنسكي شعرا عن القدس ، أن يبلغها سلامه ويقول لها " اللعنة على سارة هاجر " .
فجرا وجدتني أكرر قول بدر شاكر السياب في " أنشودة المطر " :
" أصيح بالخليج :
يا خليج
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى ،
كأنه النشيج " .
ما تندهي ! ما في حدا صاروا صدى .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ٢ / ٢٠٢٤
***
143- غزة في يومها ( ١٤٣ ) :
أمس وأنا أغادر نابلس عشت معاناة أهل الضفة الغربية في تنقلهم منذ بداية الحرب ، وعلى الجسر في الطرف الفلسطيني مررت بتجربة الانتظار ولم أشك ولم أهمس بأي حرف ، فقد انصرف ذهني إلى معاناة أهل غزة وتمنيت لو كانت معاناتهم الآن هناك على شاكلة معاناة أهل الضفة الغربية ، إذ لا تذكر معاناة الأخيرين بمعاناة أهل غزة منذ ٢٠٠٧ حيث الحصار .
بعيدا عن الضفة الغربية أيضا يتلاشى الاهتمام بالأخبار إذ ستنصرف إلى تصريف شؤونك والإصغاء إلى السائق يتحدث عن همومه اليومية وأزمة السير الخانقة وقد يسترجع ماضيا ما .
هل يحدث شيء في غزة ؟
يشغلك الشاحن الذي ما عاد يشحن فتتذكر لماذا لم يكتب خضر محجز الكثير ، وقد عبر عن معاناته هذه ، وتتذكر قصر النصوص التي يكتبها أدباء غزة ، ومعاناتهم في شحن هواتفهم والطرق التي يلجأون إليها ، وتجرب أن لا تأكل لتشعر بمعاناة الجوعى وقلة الطعام وندرته وشحه وتقول :
لعل المسلمين في شهر رمضان يشعرون فلا يتخمون بطونهم بالطعام وأصنافه و ..
أمس أرسل إلي الشاعر خالد جمعة Khaled Juma خبر وفاة الفنان التشكيلي فتحي غبن الذي لم يطلب ، في أيامه الأخيرة ، من هذه الفانية ، شيئا سوى أن يتنفس هو العجوز الذي يعاني من أزمة صدرية وضيق تنفس .
حتى الهواء منعه عنه الإسرائيليون ، وتتساءلون لماذا حدث في ٧ أكتوبر ما حدث !!
سبعة عشر عاما من الحصار !
٧٥ عاما من اللجوء والإقامة في الخيام وبيوت الصفيح والبيت القديم على مرمى بضعة كيلومترات .
ما زلت أذكر هوس قسم من شباب غزة بالهجرة والرحيل ووداع أهلهم لهم يغادرون كما غادر الحسن بن زريق بحثا عن رزق في هذا العالم .
كلما سألني شخص عن التهجير ذكرته بما كتبه معين بسيسو في كتابه " دفاتر فلسطينية " عن مشروع الرئيس الأمريكي ( ايزنهاور ) في العام ١٩٥٥ وفكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء في العام ١٩٥٥.
بعيدا عن البيت تتكاثر الأوجاع وغالبا ما أشعر بالندم حين أسافر .
صباح الخير يا غزة
والرحمة للفنان فتحي غبن .
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ٢ / ٢٠٢٤
***
144-أ- غزة في يومها ( ١٤٤ ) : رثاء المكتبات و...
بعيدا عن غزة وفلسطين تسير الحياة بشكل طبيعي . المطارات تكتظ بالمسافرين والناس يهرولون نحو حقائبهم وينظرون إلى مواعيد سفرهم ليقلعوا إلى هذا البلد أو ذاك ؛ مغادرين أو عائدين ، ولا أعرف كم منهم من فكر فيما يجري في غزة . حتى نحن أبناء فلسطين المغادرين المقلعين أيضا ننشغل بمواعيد إقلاع الطائرة وهبوطها والبحث عن فندق أو مطعم ونسأل عن العملات وأسعارها ونبحلق في صالات الانتظار ننظر إلى المسافرين من أقطار العالم .
" المطار هو برج بابل " أقول حين أصغي إلى كلمات عابرة من مسافرين أشكالهم مختلفة وجنسياتهم متعددة متذكرا التعدد اللساني الذي كتب عنه المنظر للغة الروائية ( ميخائيل باختين ) مميزا بين لغة الشعر ولغة الرواية، وهذا التعدد يذكرني ب ( أبو يائير ) رئيس الوزراء الإسرائيلي وأحزاب دولته التي تنادي بدولة يهودية. هل يخلو مطار دولته ؛ مطار اللد ، من تعدد لساني.
ماذا سأكتب ، وأنا بعيد عن الضفة الغربية وفلسطين التي نتعرض فيها لاحتلال ينوي تهجيرنا ليقيم دولته اليهودية العبرية الإسرائيلية النقية من الأغيار التي لا تخلو من مطار لا يختلف عن مطارات العالم من حيث تحقق التعدد اللساني فيه، فليس كل من يطأ أرضه يتقن العبرية ليتكلم بها.
بعيدا عن فلسطين تقل متابعتي لما يجري فيها هناك في غزة ، فهل كنا في داخلها أسوياء حين شتمنا شعوبنا العربية وهاجمنا صمتها ؟
في الثمانية والأربعين ساعة الأخيرة وجدتني مثل ملايين المواطنين أفكر في شؤوني اليومية الخاصة ولولا أنني أخذت أقرأ ما يكتبه ناشطو الفيس بوك من أصدقائي لما عرفت شيئا عما يجري هناك .
فجر اليوم ( ١٤٤ ) ، وأنا في فندق هرمز في مسقط ، قرأت ما كتبه الشاعر الغزي ناصر عطالله [ Nasser Atallah ] الذي وجد نفسه ، يوم اندلاع الحرب ، في الشام يزور أخته ، عن مصير مكتبته . هدم منزله الذي بناه طوبة طوبة وضاعت مكتبته التي جمعها كتابا كتابا واهتم بها وخصص لها ركنا من منزله أنفق فيه جل أوقاته وتبعثرت كتبه .
دمرت غزة ودمرت مكتباتها وأعاد الإسرائيليون سكانها إلى العصر الحجري يطبخون على الحطب والكتب أيضا ويقيمون في الخيام أو في الشوارع ، ولا يبقى إلا وجه الله .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ٢ / ٢٠٢٤
مسقط التي أزورها لأول مرة . هل سأبحث فيها عن محمد علي أكبر بطل قصة غسان كنفاني " موت سرير رقم ١٢ " . لعل لذلك كتابة أخرى !
***
> 144 -ب- لوكللوس الإسرائيلي : ( برتولد بربخت )
في الحرب الدائرة حاليا يتذكر المرء غير مسرحية للكاتب الألماني ( برتولد بربخت ) صاحب المسرح الملحمي .
قد تتذكر " دائرة الطباشير القوقازية " وقد تتذكر " محاكمة لوكللوس " وقد تتذكر " الأم الشجاعة وأطفالها " وقد تتذكر أيضا قسما من قصائده ، ولا أظن أن خربشاتي في الأشهر السابقة عن هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة قد خلت من الإتيان على ذكر بعضها .
وأنا أتأمل صورة ( أبو يائير ) أو ( يوآف غالانت ) أو ( بني غانتس ) أتذكر ( لوكللوس ) العظيم ومحاكمته وبائعة السمك التي ذهب ابنها إلى الحرب ولم يعد . أتذكر محاكمات الله للوكللوس في يوم القيامة . طالت محاكمته وقصرت محاكمات الآلاف .
كثيرون في هذه الفانية إن ارتكبوا خطأ أو إثما لا يؤذون إلا أنفسهم ويمرون يوم القيامة دون محاكمة فذنبهم لا يذكر أمام ما ارتكبه القادة العظام المسؤولون عن عشرات الآلاف ممن أزهقت أرواحهم من أجل مجد يبحث القادة عنه .
هل ستطول ، يوم القيامة ، محاكمة ثلاثي الحرب ؟
لوكللوس القائد العظيم وبائعة السمك التي لم يعد ابنها من الحرب موجودان في العصور كلها وهذه الأيام يخرجان من رحم المسرحية ويتجسدان على أرض الواقع هنا في فلسطين .
هل من حق المرأة أن تتحدث في شأن الحرب أم أنها لا تفهم فيه ، فهو من اختصاص ذوي الأمر ؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ٢ / ٢٠٢٧
مساء اليوم ( ١٤٤ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
145 - فجر اليوم ( ١٤٥ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة : حروب اليوم التالي للحرب
كم حربا ، لدى الطرفين ، ستبدأ في اليوم التالي للحرب ؟
من أكثر العبارات التي تكررت ، في هذه الحرب ، الجملة " غزة بعد اليوم التالي للحرب " .
هل سيحل ، في اليوم التالي للحرب ، السلام والمودة والوئام أم أن أهل غزة سيكررون ، وقد بدأت حروبهم مع الإعمار وتفقد بقايا الأهل والمعارف والجيران والبيوت وما تبقى منها و ... و ... سيكررون ما قاله الشاعر سميح القاسم ، في ستينيات القرن ٢٠ ، وتخلى عنه مع السلام الذي حل في العام ١٩٩٣ ، إثر اتفاقية أوسلو ، وهو :
" ليغن غيري للسلام
ليغن غيري للمودة والوئام
فعلى ربى وطني وفي وديانه
قتل السلام " ؟ .
منذ ١٩٤٨ والحرب تلد الحرب واللجوء يرث اللجوء والكراهية تولد الكراهية ، وكما كتب محمود درويش :
" لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد " .
ومنذ ١٩٤٨ ونحن نعيش القلق والانتظار والترقب ونحلم بالعودة إلى الفردوس المفقود ، فلا نجني إلا المزيد من البؤس ، ولا يدوم سوى المؤقت ، ولا نجتر إلا الماضي البعيد والماضي القريب . ننسى كلمة " عيدنا يوم عودتنا " ونتساءل :
إلى أين سيهجروننا ويطردوننا ؟
لم تنجح أمس عملية إنزال عيسى العوام ورفاقه إلى أهل غزة ، فقد أخطأت الاتجاه وافتقدت الدقة التي أعوزتها - كما في أشرطة فيديو والله أعلم - وابتلعتها الأسماك ، وما تمكن بعض الغزيين من اصطياده صار محل تندر وفكاهة . كم من حدث منذ بدء الحرب صار كذلك ؟ هل أحصى متابع ما الشخوص الذين شتموا وهوجموا وصاروا موضع هجاء وسخرية وتهكم وتندر و ... ؟ هل أحصاهم شخص ما ، وما أكثرهم من محوري المقاومة والمساومة ؟
أمس وأول أمس بدأت السخرية وحس الفكاهة والتندر تعود و ..
شر البلية ما يضحك .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ٢ / ٢٠٢٤
***
146 -أ- فجر اليوم ( ١٤٦ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: "الموت جوعا"
بدأ في وسائل التواصل الاجتماعي إدراج أخبار عن موتى من غزة قضوا جوعا ، وأصبحنا نقرأ لافتات يحملها الأطفال تعبر عن اقترابهم من الموت لفقدان الطعام ، وكاتب القصة القصيرة والرواية يسري الغول يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة ، مدفوعا بقناعته أن لا وطن لنا سوى هذا الوطن ، حتى لو متنا جوعا ، وراغبا في الوقت نفسه - إن تمكن - أن يرصد ما يجري ، ليكون كاتبا وساردا وشخصية ، من الداخل .
في خمسينيات وستينيات القرن ٢٠ كتب توفيق زياد قصيدته " هنا باقون " وقال فيها إننا نستف ترب الأرض ولا نرحل ، وقد أدرجت الكاتبة حنان باكير سطره في صفحتها ، والمعنى كان قاله الشاعر الجاهلي الشنفرى في لاميته ليعبر عن عزة نفسه :
" وأستف ترب الأرض كي لا يرى له علي من الطول امرؤ متطول
وأطوي على الخمص الحوايا
كما انطوت خيوطة ماري تغار وتفتل " .
قال توفيق زياد ما قال ولم يكن مر بالتجربة القاسية نفسها التي يمر بها أهل غزة الآن ، وكررنا نحن قوله ، والآن هناك من شعبنا من هو في الامتحان يلتزم بالقول .
اليوم صباحا وأنا أتصفح الفيس بوك رأيت صورة امرأة فلسطينية من شمال القطاع قضت جوعا ولم ترحل ، وأمس وأنا في معرض الكتاب في سلطنة عمان أجرى التلفاز العماني معي مقابلة سألتني فيها السيدة أمل السعيدي عن الأدبين ؛ الفلسطيني والصهيوني ، وعما يجري في غزة وجدوى ما جرى في ٧ أكتوبر أمام ما نشاهده من دمار .
الصحيح أنني ارتبكت في الإجابة قليلا ، علما بأنني أكتب في الموضوع منذ بداية الحرب ، وكتبت عن خسائرنا وخسائرهم مرارا .
هل أكرر مع شاعر الرفض العربي أمل دنقل :
" هي أشياء لا تشترى "
وقوله :
" كن يا أمير الحكم "
وسطره :
" ولكن خلفك عار العرب " ؟
أم تراني أكرر ما قرأته في قصة غسان كنفاني " الصغير يذهب إلى المخيم / زمن الاشتباك " :
إن الفضيلة الأولى هي أن نبقى على قيد الحياة " وكل شيء يأتي لاحقا .
في الأمر وجهات نظر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ٢ / ٢٠٢٤ .
[ مسقط . سلطنة عمان ]
***
146 -ب- في مسقط " سوق مطرح " وبناية " المرواني " :
كتب إلي ابن خالتي منير القوقا Muneer Quqa ، حين علم إني في مسقط ، أنها أجمل مدينة عربية.
لو كتبت هذا الكلام دون إسناد لقيل لي إني منافق ، أطعموا فمي فاستحت عيني .
شخصيا لم أزر مدنا عربية كثيرة لكي أصدر حكما، بخلاف ابن خالتي الذي جاب العالم.
أمس زرت المتحف الوطني وسوق مطرح وشاهدت من بعد بحر عمان / بحر العرب وهو جزء من المحيط الهندي على ذمة غوغل ، وأحس أن العمانيين يزعلون إن عددته من المحيط.
إنني أعرف أنني فأر تجارب منذ ١٩٩٠ وغالبا ما أكرر قول محمود درويش في قصيدته "رحلة المتنبي إلى مصر " :
" والقرمطي أنا
أبيع القصر أغنية
وأهدمه بأغنية
ولا أباع " .
أعتقد أن الفلسطينيين منذ زمن أدركوا أن عليهم أن يقتلعوا شوكهم بأيديهم، ولذلك كتبت في بداية الحرب عن ذاكرتتا العذراء.
إن كانت المقاومة الفلسطينية أركنت وهي تخوض الحرب على محور مقاومة أو ممانعة أو ... فقد أخطأت التقدير . علينا أن نتحمل قدرنا حتى لو أبدنا كلنا وفقدنا فلسطين كلها.
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
صباح ٢٩ / ٢ / ٢٠٢٤
مسقط / فندق هرمز
سلطنة عمان
***
147 - اليوم ( ١٤٧ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: " في غزة: على الرغم من الخيبة والمأساة يغنون "أناديكم".
أمس انتقم الإسرائيليون أيضا من الفلسطينيين ، لأن المقاومة أوقعت بالجيش الإسرائيلي خسائر فادحة ، وصارت هذه هي القاعدة وغير ذلك هو الاستثناء .
١٠٩ وأكثر ، من المدنيين ، ارتقوا والجرحى كثر ، مقابل ضابطين إسرائيليين قتلا و ٤٦ جريحا . وفي هذه الأثناء شاهدنا بعض الدول العربية تسقط المساعدات بالطائرات على أهل غزة ، ولا كلام ، فقد أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أمس تمشيت في مسقط على شاطيء البحر وجلست في مقهى رصيف ( سلايدر ستيتشن Slidersstation ) ، فقد استضافنا الكاتب العماني محمود الرحبي ، وأنا على الشط تذكرت شاطيء يافا مدينة أهلي المنكوبة ، وتذكرت شاطيء غزة وما ألم بحي الصيادين في الأخيرة وما قاله صيادوها عن قواربهم ومحلاتهم .
هل كان ثمة متسع أو هامش في غزة للفرح ؟
مجموعة من الشباب والأطفال جلسوا على الأرض غير عابئين برمل البحر يغبر ملابسهم ؛ جلسوا يغنون قصيدة الشاعر توفيق زياد " أناديكم " ، فتساءلت :
- على من يعود الضمير ؟ وهل من كانوا في ذهن الشاعر هم الذين في ذهن الشباب والشابات ؟
وقد كررت بتلقائية :
- ما في حدا صرنا صدى . لا تندهي !
صار كثير من الغزيين في ملكوت الله ، وصرنا نحن عجزة ، فهل نستحق أن تباس الأرض من تحت نعالنا ؟ هل نبالغ في جلد الذات ؟
بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ بسنوات كتب عبد الرحمن منيف روايته " حين تركنا الجسر " وقرأنا نحن شتائم بطلها زكي نداوي لنفسه . لم تبق شتيمة في سب الذات إلا استخدمها ، وقد أحصاها جورج طرابيشي وهو يكتب عن النزعة المازوخية في الرواية . وقبل منيف كتب في جلد الذات مظفر النواب ونزار قباني .
وأنا أشاهد الصور التي تبثها قناة الجزيرة لمصرع المدنيين الفلسطينيين كررت : إنه قدرنا مع الدولة المريضة .
اليوم يبدأ شهر آذار ، وفي مثلنا نقول " آذار أبو الزلازل والأمطار " وأما محمود درويش في قصيدته " الأرض " فكتب : " آذار أقسى الشهور " ، والمغني يغني ولم يجدوا في صوته ، حين فتشوه ، غير حزنه ، ولم يجدوا في حزنه سوى قيده ، ولم يجدوا في قيده سوى وطنه ، ولم يجدوا في وطنه سوى الإسرائيليين في القيود ، ومنذ ٧٦ عاما واليهود يعيشون في دبابة .
كان المطر في مسقط أمس غزيرا جدا ، وكانت الحياة تواصل روتينها ، وهكذا هي الدنيا .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١ / آذار ٢٠٢٤ .
***
148-أ- اليوم ( ١٤٨ ) للحرب والمهلكة وحرب الإبادة: "إنزال أمريكي جوي"
ما شاء الله على أمريكا ! ما شاء ! هل سيقول الرئيس الأمريكي الحالي ( جو بايدن ) ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق ( جون كنيدي ) في ستينيات القرن ٢٠ ؟
الرئيس ( بايدن ) يريد إرسال مساعدات إنسانية لأهل غزة - ما دامت إسرائيل تواصل حصارها وحربها وترقض إدخال المساعدات برا - يريد إرسالها عبر إسقاطها من الجو . هل يريد أن يبيض صفحة وجهه أمام هذا الدمار العظيم ؟ هل بدأ يشعر بتأنيب ضمير وهو يرى حليفته تمعن في القتل ، بعد أن زودها بالسلاح ؟
في ذروة الحرب الباردة ، في ستينيات القرن ٢٠ ، فرض الاتحاد السوفيتي حصارا على مدينة برلين الغربية ، ما دفع الرئيس الأمريكي في حينه ( جون كنيدي ) إلى تحدي الاتحاد السوفيتي والقول :
- أنا مواطن برليني . I'm Berliner .
الحصار على غزة بلغ أشده وبدأ الغزاويون يموتون جوعا ، فهل سيقول ( بايدن ) : أنا مواطن غزاوي؟
" شر البلية ما يضحك " . أي والله .
المشهد حقا مأساوي وسيريالي معا وتتخلله حالات قليلة تجعل المرء يبتسم ابتسامة حزينة . تزويد الإسرائيليين بالسلاح وإسقاط أكياس الطحين للقتلى بالسلاح الأمريكي . إنه سم الأفعى فيه الموت والعلاج ، وهذه هي أمريكا ، ولكن سمها مثل سم الأسود الخبيث وسم أفعى فلسطين وسم الأفعى المجلجلة . لقد دمرت غزة ويبدو أن شفاءها ميؤوس منه ، إلا إن كان جسدها منيعا قويا بما يفوق الخيال.
انتظروا غدا أو بعد غد مقولة ( جو بايدن ) : " أنا مواطن غزاوي " .
ما شاء الله ! ما شاء الله !
أنا بدأت أهذي .
ماذا سأقول عن رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " ؟ .
هل مات شيء فينا ؟
ترى لو بعث محمود درويش من قبره وكان في غزة ، أو تابع ما يجري فيها ، ترى هل كان سيكتب " على هذه الأرض ما يستحق الحياة " ؟
العبرة في النهايات . ومثلنا يقول " الأشياء بخواتيمها " ، وأما الألمان فيقولون " Ende Gut , Alles Gut " - يعني إذا كانت النهاية جيدة فالأمور جيدة ، وها نحن نصغي إلى أخبار المعارك وننتظر . ها نحن ننتظر ونتمنى أن لا يكون حالنا حال حفار القبور في قصيدة بدر شاكر السياب " حفار القبور " . ظل الحفار ينتظر جنازة ، لكي يأخذ أجرة حفر القبر ، ولما وصلت كانت الجنازة جنازة زوجته .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
عمان ٢ / ٣ / ٢٠٢٤
***
> 148 -ب- تفصيل ثانوي : عدنية شبلي واغتصاب الفلسطينيات
هل سنقرأ بعد ٧٠ عاما من حرب ٢٠٢٣ رواية على غرار رواية عدنية شبلي " تفصيل ثانوي " عن اغتصاب الفلسطينيات في غزة إبان حرب ٢٠٢٣ ؟
كتبت شبلي روايتها بعد سبعين عاما من ضياع فلسطين عن اغتصاب فلسطينية بدوية في العام ١٩٤٨ ، واغتصاب الفلسطينيات كتبت عنه في أثناء كتابتي عن رواية أكرم مسلم " بنت من شاتيلا " . Akram Musallam .
لم تتكشف بعد جرائم الحرب التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة وإن رشحت بعض المعلومات عنها .
لا أعرف لماذا أتطرف أحيانا فأصل إلى تصور هو إما أن يبيدوننا ، نحن الفلسطينيين ، أو ننتصر عليهم ، فيهاجر منهم من يهاجر ويبقى منهم من يرغب في أن يعيش معنا مثلنا تماما : أكنا بشرا أم كنا حيوانات مسرورين بما هم عليه .
في سلطنة عمان هناك مليونا هندي وثلاثة ملايين عماني قسم منهم من زنجبار ، وفي الفنادق والمطاعم والمقاهي وعلى متن الطائرات ؛ مضيفين ومضيفات ، ما يشبه برج بابل : بشر ذوو سحنات مختلفة ولغات مختلفة و ...
لقد حصلت أخيرا على نسخة أصلية من رواية شبلي التي أملك منها نسخة مصورة بشكل دوسيه وكنت قرأتها لأكتب عنها ثم ..
أذكر أنني أشرت إليها في مقالي عن رواية مسلم الوارد ذكرها .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢ / ٣ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٤٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
149 -أ- فجر اليوم ( ١٤٩ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة: "ادفنوا أمواتكم وانهضوا"
شريطا الفيديو اللذان شاهدتهما أمس كان أحدهما لشاب دفن أمه وأخاه وأطفاله معا ؛ أخاه كرم وزوجته أمونة وأطفالهما سيدرا وسوزان ومالك . حمد الله أنه دفنهم فثمة موتى آخرون نهشتهم الكلاب حيث لم يجدوا من يدفنهم ، وثمة موتى لم يجدوا قبرا . وكان ثانيهما للطائرات الأمريكية تلقي المساعدات لأهل غزة لكي تنقذ من لم تقتله الطائرات الإسرائيلية المهداة لإسرائيل من أمريكا . الأمريكان يقتلون الفلسطيني ويبكون عليه .
ذكرني الشريط الأول بقصيدة الشاعر توفيق زياد " ادفنوا أمواتكم وانهضوا " . هل تذكرونها ؟
" وعلينا كان أن نشربه
حتى الزجاج
كأسنا المر المحنى
وعلينا كان أن نذبح
ذبحا كالنعاج
ساعة التاريخ جنا
إنما لا بأس !
هذا لحمنا جسر
.. على البحر الأجاج
لضفاف لم تخنا أو نخنها
يا ترابا كله تبر وعاج
حبنا أقوى من الحب وأغنى
فادفنوا أمواتكم وانهضوا
لن يفلت منا
نحن ما ضعنا .. ولكن
من
جديد
قد
سبكنا " .
هل بالغ الشاعر ؟
وذكرني الشريط الثاني بمثلنا الشعبي " بقتل القتيل وبمشي بجنازته " وبقول محمود درويش :
" أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا
لأمريكا سنحفر ظلنا ونشخ مزيكا ".
بكى الشاب وخاطب أمه متحدثا عن علاقته بها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . هل الشاب هو نفسه من أدرج الشريط ؟ إن كان هو فهو فادي شناعة ! fadi shanaa .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
الأحد ٣ / ٣ / ٢٠٢٤
***
> 149-ب - لسان حال أهل غزة الآن هو قول محمود درويش في ستينيات القرن ٢٠: "إنا نحب الورد
لكنا نحب القمح أكثر".
كان أهل غزة يزرعون الورد ويصدرونه إلى أوروبا . الآن لا ورد ولا فراولة ولا بطيخ أصفر .
الآن يرى أهل غزة القمر رغيفا ، وهذه أيضا لمحمود درويش " يصير البدر رغيفا في عيوني " ، فقد تتبعت دال القمر في شعره وشعر ( لوركا ) وشعر وليد سيف .
المرأة الغزية في شريط الفيديو الذي أدرجه علي مواسي تبكي والسبب هو حصولها على رغيف ، فمنذ شهرين لم تأكل الخبز .
العطشان يرى السراب ماء ومثلنا الشعبي يقول " اللي عبال أم حسين بتحلم فيه بالليل " .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢ / ٣ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٤٩ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة.
***
150 - فجر اليوم ( ١٥٠ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " اعتذار للآباء والأجداد "
هل كنا نبالغ حين كنا نلوم آباءنا على خروجهم في العام ١٩٤٨ ؟
غالبا ما توقف دارسو رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " أمام عبارة دوف يخاطب أباه سعيد . س الآتية:
" كان عليكم ألا تخرجوا ، وكان عليكم ألا تكفوا عن محاولات العودة "
وغالبا أيضا ما توقفوا من قبل أمام عبارة " أبو الخيزران " :
" لماذا لم تدقوا جدران الخزان ؟" .
ترى لو مر دوف بالظروف التي مر بها أبوه أكان يمكن أن يخاطبه بما خاطبه به ؟
وماذا لو بعث أبو الخيزران من قبره وعرف أن شعبه دق جدران الخزان بقوة وظل منذ العام ١٩٦٧ يقرع ويقرع ويقرع ويحاول العودة ، ودفع لذلك ثمنا باهظا ، وكلما قرع وقاوم ازداد المنفى اتساعا وكبرت الآلام ؟
في الثانية صباحا صحوت وهاتفت المسؤول في الفندق ، فالتدفئة في الغرفة تحتاج إلى معاينة . في البرد في غرفة تذكرت أهل غزة في الخيام . تذكرت كبار السن والأطفال والنساء المرضعات وضعاف البنية . ماذا يفعل هؤلاء الآن ؟
ليس لهذا العالم قلب ، وليس للصهيوني قلب أيضا ؟
ولا رغبة في الكتابة أيضا .
كان الجو أمس ماطرا والسماء رمادية .
أمس حاضرت ، في مقهى الشوكو هولك ، في رواية يحيى السسنوار " الشوك والقرنفل " . هل من جدوى للكتابة والقراءة والمحاضرة ؟
ولكن " وتستمر الحياة " !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٤ / ٣ / ٢٠٢٤
***
151- فجر اليوم ( ١٥١ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : "الجوع أبو الكفار"
أمريكا ، بمساعداتها التي ألقتها على غزة ، ينطبق عليها المثل الشعبي " بضرب كف وبعدل الطاقية " ، أما النظام العربي فما زال يمدح اتفاقات السلام ووجهة نظره ، إن ألمحنا إلى عجزه ، أنه ما كان ليستطيع أن يقدم لأهل غزة المساعدات لولا اتفاقات السلام - يعني لمات أهل غزة جوعا . هل نقول بارك الله في اتفاقات السلام وفي الحاكم العربي الرشيد وإلا لمات أهل غزة كلهم جوعا؟
الشريط الذي شاهدته هذا الصباح يري أهل غزة ضائعين في الشوارع جوعى بائسي الملامح متسخي الملابس حفاة أو شبه حفاة يقتلهم البرد يتوسل قسم منهم جنديا إسرائيليا يوزع عليهم بعض أكياس حليب أو طعام ويقول لهم :
- وينها حكومتكم تركتم في الشوارع و اختبأت ؟
وكان الرجلان الغزاويان الستينيان السبعينيان بملابس رثة ، وقد أنهكهما الجوع ، يبكيان ويشتمان ويخاطبان الجندي بالعربية والعبرية . كانا يلعنان العرب والحكومة في غزة ويتفوه أحدهما ب :
- والله بنحبكم أكثر منهم !
فيما تكلم الثاني بعبرية لم أتمكن من فهم ما تلفظ به بها ، وأما أنا البعيد الجالس في شقتي لا أعاني من برد أو جوع ف ... .
لقد رددت قول الشاعر مظفر النواب :
" لا تلم الغزاوي في هذا الزمن الكافر ، فالحوع أبو الكفار ،
مولاي أنا في صف الجوع الكافر ما دام الصف الآخر يرزح تحت الأوزار " .
وأنا أتجول أول أمس في مكتبات عمان أبحث عن كتاب عماد الطراونة " محمود درويش : كلام من ذهب " دخلت إلى مكتبة فرأيت رئيس الوزراء الأردني الأسبق السيد عبد الرؤوف الروابدة جالسا . تحدثنا لمدة خمس دقائق ظهرت فيها روحه المرحة وميله إلى الدعابة والمزاح وأتينا على أحداث غزة و ... و ... وذهب إلى طبيب الأسنان حيث حان الوقت المحدد ، وأما أنا فواصلت تسكعي في الأماكن المحببة إلى قلبي هناك . قلب عمان النابض وسطها وجامع الحسيني ومقهى السنترال ، وكانت السماء تمطر مطرا خفيفا المشي فيه محتمل جدا .
منذ كتبت نصي " ليل الضفة الطويل " وأنا أسمع من بعض من أتحدث معهم هذه العبارة :
" مش تكتب حوارنا . انس كل ما قيل " وأنا ألبي لهم رغبتهم .
صباح الخير يا غزة
خربشات
عادل الاسطة
٥ / ٣ / ٢٠٢٤ .
***
> 152-أ- اليوم ( ١٥٢ ) : هل انتهت الحرب ؟
يوم الأحد الماضي أصغيت إلى سياسي سابق أتى في كلامه على طوفان الأقصى ، ولما سألني عن رأيي فيما ستؤول إليه الأمور أجبته إجابتي المعهودة :
- الميدان هو ما سيقرر ، ولن نعرف إلا حين تنتهي الحرب .
السياسي قال لي :
- الحرب انتهت .
والحرب انتهت تعني أن إسرائيل حسمتها .
أمس كرر الإسرائيليون في وزارة الحرب الإسرائيلية أيضا أن الحرب انتهت وأن ما يجري في الميدان هو عمليات ملاحقة وتصفية جيوب . كم ستستغرق تصفيات الجيوب وعمليات الملاحقة هذه ؟
ما قاله أمس أسامة حمدان المسؤول في حركة خماس كان مختلفا ويوحي بأن المقاومة الفلسطينية بخير ولما تنته .
وأمس اشتعلت الجبهة الشمالية وبدأت الصواريخ من جنوب لبنان تهطل على المغتصبات الإسرائيلية .
رمضان في طريقه إلينا ومنذ أيام وأنا أقرأ ما يدرجه بعض أهل غزة معبرين فيه عن حنينهم إلى أيام ما قبل رمضان في السنوات السابقة .
الأيام في غزة الآن تمر بطيئة ثقيلة تخلو تماما من أي شكل من أشكال الحياة . لا أسرة تجتمع على طاولة ولا بهجة ولا فرح ولا زينة ولا طعام ولا شراب ولا ولا ولا ولا ، وحتى الطاولة التي كتب عنها الروائي عاطف ابوسيف في جنته المقفلة - أي في روايته " الجنة المقفلة " ما عادت موجودة ؛ الطاولة التي صنعت في يافا ثم اشتراها أصحابها ثانية ونقلوها إلى غزة .
عاد أهل غزة يعيشون نكبة آبائهم وأجدادهم من جديد . يعيشون في الخيام ويأكلون الطعام وهم جاثون على ركبهم والطعام - إن توفر - مبسوط على قطعة خيش أو على قطعة كرتون ، فحتى الطبلية عزت .
هل غزة قطعة من فلسطين التي وعد ( ثيودور هرتسل ) بأنه سيجعلها أرض لبن وعسل ؟
في فترة الحرب غالبا ما خاطبته :
- انهض من قبرك وأنظر جنتك الموعودة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٦ / ٣ / ٢٠٢٤
***
152-ب- الخبز بالخبز يذكر : هل كان للخبز في غزة قبل طوفان الأقصى هذا الطعم ، هذا الدم؟
بكت المرأة الفلسطينية الغزاوية حين حصلت على رغيف . مر شهران عليها لم تأكل الخبز .
هل تتذكرون قصة سميرة عزام " خبز الفداء " ؟
حوصر المقاتلون في العام ١٩٤٨ وجاعوا ، وحين غامرت الشابة الفلسطينية لتحضر لهم الخبز قنصها القناص فاختلط دمها بالخبز .
محمود درويش :
مقطع من " قصيدة الخبز "
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة ؟
كنت تعرف
أن بيروت الفوارق
هي بيروت الحرائق
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة ؟
إنهم يغتصبون الخبز والإنسان
منذ الخامسة .
لم يكن للخبز في يوم من الأيام
هذا الطعم ، هذا الدم
هذا الملمس الهامس
هذا الهاجس الكوني
هذا الجوهر الكلي
هذا الصوت هذا الوقت
هذا اللون هذا الفن
هذا الاندفاع البشري ، السر ، هذا السحر
هذا الانتقال الفذ
من كهف البدايات إلى حرب العصابات
إلى المأساة في بيروت
من كان يموت
في تمام الخامسة "
اليوم ( ١٥٢ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
خربشات عادل الاسطة
..