كان خوان رولفو احد اعظم كتاب أمريكا اللاتينية وصاحب التحفة الفنية ذائعة الصيت(بيدرو بارامو) يصف نفسه دائماً بأنه مجرد هاو لا اكثر وانه يكتب حينما تاتيه الهواية وقد طارد النقاد روايته المذكورة والتي الهمت كتابا عالميين امثال ماركيز واخرين، طاردوها نقديا يحاولون حصارها في تصنيفات جامدة، فمنهم من قال عنها انها تجلي للواقعية الكلاسيكية ومنهم من صنفها علي اساس انها تمثل قمة الواقعية السحرية ومنهم من ذهب مذاهب اخري شتي في معالجة هذا العمل الكبير نقديا.
، يذكر صالح علماني مترجم (بيدرو بارامو) إلى العربية ان العمل ظل عصيا علي الاستمساك وان النقاد ظلوا يلهثون وراء تقديم رؤية نقدية شاملة حوله انطلاقا من نزعة سكولايية مدرسية فكانوا يشيدون كل يوم برجا للرواية فعلي حد تعبير علماني فقد انهار برج الواقعية الذي شيدوه لرولفوا ثم ما لبثوا ان عكفوا علي تشييد ابراج اخري ولكن الرواية مازالت عصية علي الاستمساك وتلك احدي ماثرها العظيمة.
ومهما يكن فقد ظل خوان رولفو هادئا ولايحفل بالضجة التي اثارها عمله ولا بالشهرة التي غمرته، بل انه ظل منزويا عن مجتمعات الادب والثقافة وكان يمقت الشهرة ولا يحب ان يوصف بانه كاتب عبقري وكلما حاصره القراء المغرمين بعمله العظيم كان ينفي عن نفسه صفة احتراف الكتابة ويقول : لست كاتبا محترفا... اكتب عندما تاتيني الهواية فقط فاذا لم تاتي لا اكتب!)
هكذا اذن وبكل بساطة يرد صاحب اعذب الروائع في تاريخ الادب اللاتيني الامر كله الي الهواية وليس الي امر اخر وهو لا يسبغ صفة الكاتب المحترف علي نفسه ناهيك عن صفة العبقرية وقد قام جيل من كتاب امريكا اللاتينية من بعده وهم من ابرع كتابها بل هم عالميون بلا شك من امثال ماركيز وصاحب حفلة التيس ماريو فارغاس يوسا ونوهوا بالعمل بل اشاروا صراحة الي ان عمل خوان ظل هو الملهم الاول بالنسبة لهم وان انكر صاحبه علي نفسه ريادة في مجال الادب.
تاملت حال رولفو ونظرته الي ذاته المبدعة ثم نظرت في حالات مشابهة لدي كبار الكتاب مثل صاحب مدام بوفاري وهو غوستاف فلوبير الذي تحدث ناشره عنه ذات يوم فقال ان ظل يعيد كتابة المسودة عشرات المرات قبل ان يدفع بها الي الناشر في صورتها النهائية وحين ظهرت الرواية. للناس، كتب فلوبير الي صديقه قائلا انه يتمني لو انه يمتلك المال الكافي حتي يشتري جميع النسخ ثم يقوم بحرقها فهي لم تكن علي مستوي طموحه الإبداعي ولكن الرواية كما نري قد اضحت الان ضمن عيون الادب العالمي.
وما زلت اذكر كلمة كانت رائجة عن احد مشاهير الشعر في العصر العباسي حينما انصرف عن كتابةرالشعر وانقطع عن الكتابة قايلا : لقد عافني قديمه فابيت جديده او كما قال.
ان الذائقة النقدية لدي المبدع لا تكاد تستقر على حال بل انها تتبدل كل ان وحين بل هو في شك دائم حول قيمة ما يكتب ولسنا هنا نعني الا المبدع الحقيقي وليس أولئك الكتبة الذين أصبحوا عالة علي الادب، يحاولون ركوب موجة الرواية كجنس ابداعي في ظل انتشار الادب الروائي وتسيده للساحة الادبية حتي اننا صرنا نشهد عالم ارستقراطية الرواية وعرشها الذي سمق فوق كل عرش وذاك شان اخر.
ان امثال هؤلاء الكتبة كما نري ليسوا بالطبع كحال صاحبنا رَلفو فهم يحاولون تسلق السلم من الاعلي لا من الاسفل.!
ان المدارس الادبية في الكتابة السردية ما تفتا تتبدل ولا تكاد تهيمن نظرية ادبية علي الساحة حتي تنزوي مفسحة الطريق لنظرية اخري جديدة، فمن الرومانسية الي الواقعية الكلاسيكية الي الوقعية السحرية الي السريالية ثم وصولا الي اشكال الرواية الجديدة، وهكذا يشبه الامر انزياح موجات لا نهائية وهنا لابد لنا ان نشير الي امر مهم وهو ان الرواية شأنها شان الاجناس الابداعية الاخري تتاثر دائما بالمنتوج الفلسفي والفكري ودرجة التطور المعرفي لاي عصر من العصور، فاعمال كافكا الابداعية مثلا او ما عرف بالكتابة الكابوسية لم تكن إلا نتاجا لادب وفلسفة ما بعد الحرب العالمية التي ساهمت في خلق واقع مأساوي كالح السواد كما ان السريالية كمدرسة ادبية وفنية لم تكن الا نتاجا لمساهمات علم التحليل النفسي في سنوات القرن العشرين الباكرة.
ولكن كيف استعصت رواية خوان رولفو واعمال اخري علي التاطير والتصنيف وما هي جدوي الدراسات المدرسية الجامدة للفن الروائي وكيف تفلت كثير من الاعمال من اسر القوالب النقدية الجامدة.
ان الرواية وقبل كل شئ هي محاولة لاتخاذ موقف وجودي من العالم وكلما كان هذا الموقف عميقا، كلما كان العمل اكثر ثرا ولا ينبغي ان يفهم من هذا ان الموقف المتفلسف تجاه الوجود وحده كافيا، فهنالك ايضا الجانب الفني المتمثل في القدرة علي عملية التخليق الجمالي ودرجة التمكن من اللغة الابداعية المتفجرة بالمعاني الساحرة.
علي هذا النحو، يبدو لي ان ثمة جانبان يكتنفان العملية الابداعية هنا.. جانب فلسفي تجاه الوجود والحياة وجانب جمالي فني يتمثل في امتلاك الكاتب للادوات الفنية المطلوبة َََ وعلي هذا الاساس تتنوع التجربة من كاتب الي اخر.. ان الكتابة هنا شئ اشبه بالبصمة، لا يمكن ان تتطابق علي نحو دقيق ولا تتحقق اصالة العمل الفني اذا كان العمل مكرورا يحتذي صاحبه حذو كتاب اخرين وتلك مسالة معطاة بالبداهة وهنا تصبح مسالة التصنيف اشكالية كبري وتقف خارج حدود الكتابة الابداعية بمعني انها دائما لا تتحاوز ولكنها متجاوزة (بفتح الواَو لا بكسر ها)
ما يمكن ان نخلص اليه هنا هو ان الرواية الجديدة، وان قصرت قامة معظمها عن رائعة خوان رولفو، انما هي كتابة عصية علي التاطير ََََََََ وهي تقع علي تخوم معرفية كثيرة. يتداخل فيها تاريخ الكتابة مع حاضرها ومستقبلها وقد اضحي الامر غير خاضع لشروط ابداعية معطاة سلفا وهي بالتالي كتابة اشبه بشعوذة غير مفهومة وقد استخدم صالح علماني كلمة (شعوذة) في سياق حديثه عن عمل رولفو ولعله قصد الي ان كتابة الرواية مهمة تكتنفها الكثير من الحيل والالاعيب. انها حقا اشبه بلعبة الساحر الذي لا يعنيه شئ في نهاية الامر سوي غواية القارئ وايقاعه في حباءل الفتنة بالسرد.
، يذكر صالح علماني مترجم (بيدرو بارامو) إلى العربية ان العمل ظل عصيا علي الاستمساك وان النقاد ظلوا يلهثون وراء تقديم رؤية نقدية شاملة حوله انطلاقا من نزعة سكولايية مدرسية فكانوا يشيدون كل يوم برجا للرواية فعلي حد تعبير علماني فقد انهار برج الواقعية الذي شيدوه لرولفوا ثم ما لبثوا ان عكفوا علي تشييد ابراج اخري ولكن الرواية مازالت عصية علي الاستمساك وتلك احدي ماثرها العظيمة.
ومهما يكن فقد ظل خوان رولفو هادئا ولايحفل بالضجة التي اثارها عمله ولا بالشهرة التي غمرته، بل انه ظل منزويا عن مجتمعات الادب والثقافة وكان يمقت الشهرة ولا يحب ان يوصف بانه كاتب عبقري وكلما حاصره القراء المغرمين بعمله العظيم كان ينفي عن نفسه صفة احتراف الكتابة ويقول : لست كاتبا محترفا... اكتب عندما تاتيني الهواية فقط فاذا لم تاتي لا اكتب!)
هكذا اذن وبكل بساطة يرد صاحب اعذب الروائع في تاريخ الادب اللاتيني الامر كله الي الهواية وليس الي امر اخر وهو لا يسبغ صفة الكاتب المحترف علي نفسه ناهيك عن صفة العبقرية وقد قام جيل من كتاب امريكا اللاتينية من بعده وهم من ابرع كتابها بل هم عالميون بلا شك من امثال ماركيز وصاحب حفلة التيس ماريو فارغاس يوسا ونوهوا بالعمل بل اشاروا صراحة الي ان عمل خوان ظل هو الملهم الاول بالنسبة لهم وان انكر صاحبه علي نفسه ريادة في مجال الادب.
تاملت حال رولفو ونظرته الي ذاته المبدعة ثم نظرت في حالات مشابهة لدي كبار الكتاب مثل صاحب مدام بوفاري وهو غوستاف فلوبير الذي تحدث ناشره عنه ذات يوم فقال ان ظل يعيد كتابة المسودة عشرات المرات قبل ان يدفع بها الي الناشر في صورتها النهائية وحين ظهرت الرواية. للناس، كتب فلوبير الي صديقه قائلا انه يتمني لو انه يمتلك المال الكافي حتي يشتري جميع النسخ ثم يقوم بحرقها فهي لم تكن علي مستوي طموحه الإبداعي ولكن الرواية كما نري قد اضحت الان ضمن عيون الادب العالمي.
وما زلت اذكر كلمة كانت رائجة عن احد مشاهير الشعر في العصر العباسي حينما انصرف عن كتابةرالشعر وانقطع عن الكتابة قايلا : لقد عافني قديمه فابيت جديده او كما قال.
ان الذائقة النقدية لدي المبدع لا تكاد تستقر على حال بل انها تتبدل كل ان وحين بل هو في شك دائم حول قيمة ما يكتب ولسنا هنا نعني الا المبدع الحقيقي وليس أولئك الكتبة الذين أصبحوا عالة علي الادب، يحاولون ركوب موجة الرواية كجنس ابداعي في ظل انتشار الادب الروائي وتسيده للساحة الادبية حتي اننا صرنا نشهد عالم ارستقراطية الرواية وعرشها الذي سمق فوق كل عرش وذاك شان اخر.
ان امثال هؤلاء الكتبة كما نري ليسوا بالطبع كحال صاحبنا رَلفو فهم يحاولون تسلق السلم من الاعلي لا من الاسفل.!
ان المدارس الادبية في الكتابة السردية ما تفتا تتبدل ولا تكاد تهيمن نظرية ادبية علي الساحة حتي تنزوي مفسحة الطريق لنظرية اخري جديدة، فمن الرومانسية الي الواقعية الكلاسيكية الي الوقعية السحرية الي السريالية ثم وصولا الي اشكال الرواية الجديدة، وهكذا يشبه الامر انزياح موجات لا نهائية وهنا لابد لنا ان نشير الي امر مهم وهو ان الرواية شأنها شان الاجناس الابداعية الاخري تتاثر دائما بالمنتوج الفلسفي والفكري ودرجة التطور المعرفي لاي عصر من العصور، فاعمال كافكا الابداعية مثلا او ما عرف بالكتابة الكابوسية لم تكن إلا نتاجا لادب وفلسفة ما بعد الحرب العالمية التي ساهمت في خلق واقع مأساوي كالح السواد كما ان السريالية كمدرسة ادبية وفنية لم تكن الا نتاجا لمساهمات علم التحليل النفسي في سنوات القرن العشرين الباكرة.
ولكن كيف استعصت رواية خوان رولفو واعمال اخري علي التاطير والتصنيف وما هي جدوي الدراسات المدرسية الجامدة للفن الروائي وكيف تفلت كثير من الاعمال من اسر القوالب النقدية الجامدة.
ان الرواية وقبل كل شئ هي محاولة لاتخاذ موقف وجودي من العالم وكلما كان هذا الموقف عميقا، كلما كان العمل اكثر ثرا ولا ينبغي ان يفهم من هذا ان الموقف المتفلسف تجاه الوجود وحده كافيا، فهنالك ايضا الجانب الفني المتمثل في القدرة علي عملية التخليق الجمالي ودرجة التمكن من اللغة الابداعية المتفجرة بالمعاني الساحرة.
علي هذا النحو، يبدو لي ان ثمة جانبان يكتنفان العملية الابداعية هنا.. جانب فلسفي تجاه الوجود والحياة وجانب جمالي فني يتمثل في امتلاك الكاتب للادوات الفنية المطلوبة َََ وعلي هذا الاساس تتنوع التجربة من كاتب الي اخر.. ان الكتابة هنا شئ اشبه بالبصمة، لا يمكن ان تتطابق علي نحو دقيق ولا تتحقق اصالة العمل الفني اذا كان العمل مكرورا يحتذي صاحبه حذو كتاب اخرين وتلك مسالة معطاة بالبداهة وهنا تصبح مسالة التصنيف اشكالية كبري وتقف خارج حدود الكتابة الابداعية بمعني انها دائما لا تتحاوز ولكنها متجاوزة (بفتح الواَو لا بكسر ها)
ما يمكن ان نخلص اليه هنا هو ان الرواية الجديدة، وان قصرت قامة معظمها عن رائعة خوان رولفو، انما هي كتابة عصية علي التاطير ََََََََ وهي تقع علي تخوم معرفية كثيرة. يتداخل فيها تاريخ الكتابة مع حاضرها ومستقبلها وقد اضحي الامر غير خاضع لشروط ابداعية معطاة سلفا وهي بالتالي كتابة اشبه بشعوذة غير مفهومة وقد استخدم صالح علماني كلمة (شعوذة) في سياق حديثه عن عمل رولفو ولعله قصد الي ان كتابة الرواية مهمة تكتنفها الكثير من الحيل والالاعيب. انها حقا اشبه بلعبة الساحر الذي لا يعنيه شئ في نهاية الامر سوي غواية القارئ وايقاعه في حباءل الفتنة بالسرد.