الشيخ محمود شكري الألوسي «ولد 1273 ت 1342ه» «علامة العراق» كما يطلق عليه الكثير من أهل العلم.
والشيخ محمود شكري الألوسي محب لنجد وأهلها، قوي الصلة بمؤسس الجزيرة الملك عبدالعزيز رحمه الله بل انه زار الملك عبدالعزيز في مدينة الرياض سنة 1333ه، وأكرمه الملك عبدالعزيز في مأدبة حضرها.
ولما توفي الشيخ محمود شكري رحمه الله تعالى أمر الملك عبدالعزيز بالصلاة عليه صلاة الغائب نظير ما كان يتمتع به من علم واسع ومكانة علمية كبيرة في العالم الإسلامي جميعاً.
تأليفه عن نجد
الشيخ محمود مكثر التأليف في جميع العلوم المطروقة في التراث الإسلامي، وليس هذا مجال حديثنا، وإنما الذي نريد أن نذكره للقارئ الكريم أن لمحمود الألوسي هذا مجموعة كبيرة من المقالات عن نجد وعن عادات أهلها وأمرائها، وأهل العلم فيها، مع المراسلات التي صدرت عن حكامها وعلمائها في شتى المجالات.
وكانت هذه المقالات متفرقة إلى أن أتى تلميذ الألوسي البار محمد بهجة «ت 1416ه» في جمعها في كتاب مستقل تحت عنوان «تاريخ نجد».
وقد عرض المؤلف في كتابه هذا للكثير من المظاهر الاجتماعية والاقتصادية النجدية بشكل جميل ومشوق، كيف لا وقد زار هو البلاد النجدية، فخرج بانطباع جيد، وتصور دقيق عنها.
حديثه عن أقوات أهل نجد
قال الشيخ الألوسي عن مطاعم أهل نجد في عصره:
أهل نجد ينقسمون إلى أهل حضر وبدويين، والحضريون قليلون بالنسبة إلى أهل باديتهم، وغالب العرب كذلك فإنهم يألفون البادية أكثر من إلفهم البلاد والقرى، ولم يزالوا يمدحون البوادي في شعرهم ومنظوم كلامهم ومنثوره.
وقال الألوسي عن أطعمة كل فئة:
فأما أهل الحضر فمعايشتهم من التجارة والحرث والنخيل والبقر والغنم والزراعة والصنائع.
وأقواتهم السمن وألبان البقر والغنم والحنطة والشعير والأرز والذرة والسمسم ونحو ذلك، وغالب قوتهم التمر الذي يعز مثله في البلاد.
ولهم مثل متداول عن قيمته الدوائية، فيقولون: إذا جاء الفقع، فصر الدواء «أي احتفظ به» وإذا جاء الجراد انثر الدواء «أي ليس لك به حاجة لأن الجراد دواء وغذاء فهو يرعى من كل شجرة».
طرفة!!
ذكر الدميري في كتابه حياة الحيوان الكبرى القصة التالية ولطرافتها وصلتها بموضوع الجراد أحببت أن أنقلها إلى القارئ الكريم، بعد هذه النقول والقصص الجادة حيث قال:
قال الأصمعي: أتيت البادية، فإذا أعرابي زرع برا له، فلما قام على سوقه، وجاد سنبله أتاه رجل جراد «سرب كبير من الجراد كما تقدم» فجعل ينظر إليه، ولا يدري كيف الحيلة فيه، فأنشأ يقول:
مر الجراد على زرعي فقلت له = لا تأكلن ولا تشغل بإفساد
فقال خطيب منهم فوق سنبلة = إنا على سفر ولا بد من زاد
وقفات مع ما تقدم
أخي القارئ العزيز:
وبعد قراءة ما تقدم من النقل عن الشيخ الألوسي يحسن بنا أن نقف وقفات عديدة مع هذا النص المنقول فهو على وجازته يحمل معاني كثيرة، يحسن بنا أبناء هذا الجيل أخذ العبر منها، ومحاولة الاستفادة من تجارب الماضين في حياتنا الشخصية، فإلى هذه الوقفات:
(1) يدل هذا على أن أكل الجراد من الصور المتكررة في كل زمان ومكان، ولا أدل على هذا من الحديث الذي أخرجه الامامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الصحابي الجليل عبدالله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه أنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستا كنا نأكل معه الجراد.
(2) هذه الصورة وإن كانت عن منطقة نجد إلا أنها تمثل نموذجاً مر به الكثير من مناطق مملكتنا الغالية من قلة الزاد والحرص على بعض المدخرات التي يحتاجون إليها عند أيام الجوع والفاقة.
ومن دون شك فكل منطقة قد يختلف مخزونها، لكن يبقى علينا أن نذكر أن آباءنا وأجدادنا كانوا لا يعرفون شيئاً اسمه تعدد أصناف الطعام، وكانت مدخراتهم الغذائية بمثل هذه المأكولات، التي لا تخرج عن التمر أو الجراد وغيرهما، من المأكولات التي يسهل حفظها، ولا تتعرض للتلف بسرعة.
وأما أهل البوادي فعايشهم من الغنم والبقر والإبل وأكل لحومها وشرب ألبانها، غالب معايشهم على اليرابيع والأرانب ونحو ذلك.
وقال أيضاً: ولهم رغبة عظيمة في شرب شراب البن، وهم يحسنون عمله، ويجيدونه كل الاجادة، وقال عن مصدر البن: والبن يأتيهم من قبل الهند ويصرف قسم عظيم منه في بلادهم.
الجراد خير المدخرات الغذائية!!
وقال الألوسي عمّا يدخره أهل نجد في مخازنهم أو مستودعاتهم:
وأهل نجد عموماً يأكلون الجراد بل هو أحسن ما يدخرونه يصطفونه لأنفسهم. وهكذا سكنة الخطة الاحسائية فقد أخبرني الأخ وهو يومئذ هناك أنه منذ أيام جاءت إلى هذه الديار رجل «رجل الجراد المقصود به السراب الكبير من الجراد» جراد عظيم أحمر، أجسم جرماً بقليل من جراد العراق.
وهو مع كونه قد أضر بزروع الاحساء وأكل بعضها عن آخره غير أن الأهالي فرحوا به فرحاً شديداً لأكلهم له ولم يبق أحد من الأهالي من رفيع ولا وضيع إلا وقد خرج لصيده فمسك كل على قدره، وحملوها الحمير وأتوا بها إلى بيوتهم فطبخوه بالملح ثم يبسوه وأدخروه، وقد هانت أسعار كل شيء بواسطته، ولم يترق إلا الملح قال: وإني أردت أكل جرادة واحدة لأتعرف طعمه فما قدرت، ومعاذ الله أن تقبله نفسي فسبحان من غاير بين الطباع والأمزحة.
قلت: رحم الله الألوسي وأخاه، الذي تعففت نفسه عن قبول الجراد، فهو لدى الكثير من الناس من أطيب الطعام وألذه، لكن الطعام مرتبط بالأذواق ورغبات الناس، وما تشتهيه النفس، مع أن الجوع يلغي جانبا كبيراً مما تشتهيه النفس، ولا يبقى إلا جانب واحد وهو ابعاد الجوع!!
أبا حسين يؤكد ما قاله الألوسي
وهذه قصة في غاية الروعة حدثني بها شيخنا الفاضل عبدالرحمن بن منصور أبا حسين حفظه الله وهي من مشاهداته الشخصية في جانب تخزين الجراد وأكله تؤكد صحة ما قاله الشيخ محمود الألوسي، حيث قال حفظه الله:
قبل قرابة «45» عاماً خرجنا من قريتنا أشيقر رجالاً ونساء من أجل صيد الجراد إلى منطقة قريبة منا يقال لها «السليل» وهي بين روضة الرمحية وبلدة أشيقر القديمة، فمن هذه الرفقة من صاد القليل ومنهم من صاد الكثير من الجراد.
وكان مع كل فرد «قفة» من الخوص ليضع ما قام بصيده فيها، والبعض الآخر يحمل أكياساً وهي الخياش المعروفة.
أنواع الجراد
وكنا نصيد الجراد بنوعيه:
الأول: الزعير، وهو الذكر ويعرف بلونه الأصفر.
وأما النوع الثاني، وهو الأنثى، ويسمى المكن، وهو سوادي قليلاً، وهذا الأخير في ذنبه حبات كحبات الأرز، وهي أطيب ما في الجراد من الطعم.
وبعد أن نقوم بصيده، نتجه إلى منازلنا ونبدأ في التعامل مع هذا الجراد بالطريقة، التالية:
المعروف أن كل منزل فيه قدر كبير، يقال له «الحجري» وهو من القدر مقاس «أبو ذبيحتين» وقد وضع في هذا الحجري الماء المغلي المعد من قبل لهذا الغرض.
وفي البداية يأتي أحدهم ويضع محتوى الكيس بطريقة حذرة لكي لا يطير الجراد، وأما الشخص الآخر، فيتابع بدقة وهو ممسك غطاء القدر، ليقوم بتغطيته بشكل سريع، وذلك من أجل عدم تطاير الجراد أيضاً.
ثم بعد ذلك يوضع مع الجراد الملح داخل القدر، ويقوم أحدهم بتحريك الملح مع الماء داخل القدر ليدخل الملح ويخالط الجراد جميعه ويتشبث بالجسم.
الجراد بعد نضجه
ثم بعد ذلك يخرج الجراد من القدر «بعد نضجه»، ويقسم قسمين:
القسم الأول: يوضع في صحون معينة، مع ماء الجراد، ويسمى «النقوعة».
والقسم الثاني: ينشر على الحصر «مفرده حصير» ويجفف في أسطح المنازل.
أما القسم الأول: فيؤكل منه لمدة ثلاثة أيام تقريباً، وهم في البداية يرمون أرجل الجراد ورأسه ولا يأكلونها، وهذا من البطر!! وتسمى أرجل الجراد «القصاميل».لكن بعد فترة تجدهم يضطرون إلى أكل هذه القصاميل والرؤوس حينما يأتي شبح الجوع، ويذهب البطر!!
وأما القسم الثاني المجفف فإنه يحفظ ويبدأ في أكله بطريقة تدريجية، يومياً، أو يوم بعد يوم، وهو أفضل ما يكون مع الشاي.
هذا هو وصف حي ودقيق لما قال الشيخ الباحسين وحضره بنفسه، نذكره وما قاله تاريخ ناطق.
قالوا عن الجراد
تدور على الأسنة النجدية بعض الكلمات التي تدور في موضوع أهمية الجراد الغذائية والصحية فمن هذه الكلمات: أن الجراد يرخص اللحم: يعني أنهم يستغنون بأكل الجراد عن أكل اللحم.
(3)هذه الصور التي جرت للكثير من الاباء والأجداد مع الجراد أو غيره من المدخرات يجب علينا تسجيلها وحفظها وتوثيق قصصها لبني جيلنا، ومن بعدهم ممن عاش ونشأ بحمد الله في نعمة وخير كبيرين حتى نعرف ما كان وضعهم عليه، فهذا معين لنا أن نعرف حجم هذه النعمة التي أعطى الله سبحانه وتعالى إياها، وبالشكر تدوم النعم.
(4) قال الجاحظ: والجراد الأعرابي لا يتقدمه في الطيب شيء، وما أحصي كم سمعت من الأعراب من يقول: ما شبعت منه قط، وما أدعه إلا خوفاً من عاقبته أو لأني أعيا فأتركه!!
والشيخ محمود شكري الألوسي محب لنجد وأهلها، قوي الصلة بمؤسس الجزيرة الملك عبدالعزيز رحمه الله بل انه زار الملك عبدالعزيز في مدينة الرياض سنة 1333ه، وأكرمه الملك عبدالعزيز في مأدبة حضرها.
ولما توفي الشيخ محمود شكري رحمه الله تعالى أمر الملك عبدالعزيز بالصلاة عليه صلاة الغائب نظير ما كان يتمتع به من علم واسع ومكانة علمية كبيرة في العالم الإسلامي جميعاً.
تأليفه عن نجد
الشيخ محمود مكثر التأليف في جميع العلوم المطروقة في التراث الإسلامي، وليس هذا مجال حديثنا، وإنما الذي نريد أن نذكره للقارئ الكريم أن لمحمود الألوسي هذا مجموعة كبيرة من المقالات عن نجد وعن عادات أهلها وأمرائها، وأهل العلم فيها، مع المراسلات التي صدرت عن حكامها وعلمائها في شتى المجالات.
وكانت هذه المقالات متفرقة إلى أن أتى تلميذ الألوسي البار محمد بهجة «ت 1416ه» في جمعها في كتاب مستقل تحت عنوان «تاريخ نجد».
وقد عرض المؤلف في كتابه هذا للكثير من المظاهر الاجتماعية والاقتصادية النجدية بشكل جميل ومشوق، كيف لا وقد زار هو البلاد النجدية، فخرج بانطباع جيد، وتصور دقيق عنها.
حديثه عن أقوات أهل نجد
قال الشيخ الألوسي عن مطاعم أهل نجد في عصره:
أهل نجد ينقسمون إلى أهل حضر وبدويين، والحضريون قليلون بالنسبة إلى أهل باديتهم، وغالب العرب كذلك فإنهم يألفون البادية أكثر من إلفهم البلاد والقرى، ولم يزالوا يمدحون البوادي في شعرهم ومنظوم كلامهم ومنثوره.
وقال الألوسي عن أطعمة كل فئة:
فأما أهل الحضر فمعايشتهم من التجارة والحرث والنخيل والبقر والغنم والزراعة والصنائع.
وأقواتهم السمن وألبان البقر والغنم والحنطة والشعير والأرز والذرة والسمسم ونحو ذلك، وغالب قوتهم التمر الذي يعز مثله في البلاد.
ولهم مثل متداول عن قيمته الدوائية، فيقولون: إذا جاء الفقع، فصر الدواء «أي احتفظ به» وإذا جاء الجراد انثر الدواء «أي ليس لك به حاجة لأن الجراد دواء وغذاء فهو يرعى من كل شجرة».
طرفة!!
ذكر الدميري في كتابه حياة الحيوان الكبرى القصة التالية ولطرافتها وصلتها بموضوع الجراد أحببت أن أنقلها إلى القارئ الكريم، بعد هذه النقول والقصص الجادة حيث قال:
قال الأصمعي: أتيت البادية، فإذا أعرابي زرع برا له، فلما قام على سوقه، وجاد سنبله أتاه رجل جراد «سرب كبير من الجراد كما تقدم» فجعل ينظر إليه، ولا يدري كيف الحيلة فيه، فأنشأ يقول:
مر الجراد على زرعي فقلت له = لا تأكلن ولا تشغل بإفساد
فقال خطيب منهم فوق سنبلة = إنا على سفر ولا بد من زاد
وقفات مع ما تقدم
أخي القارئ العزيز:
وبعد قراءة ما تقدم من النقل عن الشيخ الألوسي يحسن بنا أن نقف وقفات عديدة مع هذا النص المنقول فهو على وجازته يحمل معاني كثيرة، يحسن بنا أبناء هذا الجيل أخذ العبر منها، ومحاولة الاستفادة من تجارب الماضين في حياتنا الشخصية، فإلى هذه الوقفات:
(1) يدل هذا على أن أكل الجراد من الصور المتكررة في كل زمان ومكان، ولا أدل على هذا من الحديث الذي أخرجه الامامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الصحابي الجليل عبدالله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه أنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستا كنا نأكل معه الجراد.
(2) هذه الصورة وإن كانت عن منطقة نجد إلا أنها تمثل نموذجاً مر به الكثير من مناطق مملكتنا الغالية من قلة الزاد والحرص على بعض المدخرات التي يحتاجون إليها عند أيام الجوع والفاقة.
ومن دون شك فكل منطقة قد يختلف مخزونها، لكن يبقى علينا أن نذكر أن آباءنا وأجدادنا كانوا لا يعرفون شيئاً اسمه تعدد أصناف الطعام، وكانت مدخراتهم الغذائية بمثل هذه المأكولات، التي لا تخرج عن التمر أو الجراد وغيرهما، من المأكولات التي يسهل حفظها، ولا تتعرض للتلف بسرعة.
وأما أهل البوادي فعايشهم من الغنم والبقر والإبل وأكل لحومها وشرب ألبانها، غالب معايشهم على اليرابيع والأرانب ونحو ذلك.
وقال أيضاً: ولهم رغبة عظيمة في شرب شراب البن، وهم يحسنون عمله، ويجيدونه كل الاجادة، وقال عن مصدر البن: والبن يأتيهم من قبل الهند ويصرف قسم عظيم منه في بلادهم.
الجراد خير المدخرات الغذائية!!
وقال الألوسي عمّا يدخره أهل نجد في مخازنهم أو مستودعاتهم:
وأهل نجد عموماً يأكلون الجراد بل هو أحسن ما يدخرونه يصطفونه لأنفسهم. وهكذا سكنة الخطة الاحسائية فقد أخبرني الأخ وهو يومئذ هناك أنه منذ أيام جاءت إلى هذه الديار رجل «رجل الجراد المقصود به السراب الكبير من الجراد» جراد عظيم أحمر، أجسم جرماً بقليل من جراد العراق.
وهو مع كونه قد أضر بزروع الاحساء وأكل بعضها عن آخره غير أن الأهالي فرحوا به فرحاً شديداً لأكلهم له ولم يبق أحد من الأهالي من رفيع ولا وضيع إلا وقد خرج لصيده فمسك كل على قدره، وحملوها الحمير وأتوا بها إلى بيوتهم فطبخوه بالملح ثم يبسوه وأدخروه، وقد هانت أسعار كل شيء بواسطته، ولم يترق إلا الملح قال: وإني أردت أكل جرادة واحدة لأتعرف طعمه فما قدرت، ومعاذ الله أن تقبله نفسي فسبحان من غاير بين الطباع والأمزحة.
قلت: رحم الله الألوسي وأخاه، الذي تعففت نفسه عن قبول الجراد، فهو لدى الكثير من الناس من أطيب الطعام وألذه، لكن الطعام مرتبط بالأذواق ورغبات الناس، وما تشتهيه النفس، مع أن الجوع يلغي جانبا كبيراً مما تشتهيه النفس، ولا يبقى إلا جانب واحد وهو ابعاد الجوع!!
أبا حسين يؤكد ما قاله الألوسي
وهذه قصة في غاية الروعة حدثني بها شيخنا الفاضل عبدالرحمن بن منصور أبا حسين حفظه الله وهي من مشاهداته الشخصية في جانب تخزين الجراد وأكله تؤكد صحة ما قاله الشيخ محمود الألوسي، حيث قال حفظه الله:
قبل قرابة «45» عاماً خرجنا من قريتنا أشيقر رجالاً ونساء من أجل صيد الجراد إلى منطقة قريبة منا يقال لها «السليل» وهي بين روضة الرمحية وبلدة أشيقر القديمة، فمن هذه الرفقة من صاد القليل ومنهم من صاد الكثير من الجراد.
وكان مع كل فرد «قفة» من الخوص ليضع ما قام بصيده فيها، والبعض الآخر يحمل أكياساً وهي الخياش المعروفة.
أنواع الجراد
وكنا نصيد الجراد بنوعيه:
الأول: الزعير، وهو الذكر ويعرف بلونه الأصفر.
وأما النوع الثاني، وهو الأنثى، ويسمى المكن، وهو سوادي قليلاً، وهذا الأخير في ذنبه حبات كحبات الأرز، وهي أطيب ما في الجراد من الطعم.
وبعد أن نقوم بصيده، نتجه إلى منازلنا ونبدأ في التعامل مع هذا الجراد بالطريقة، التالية:
المعروف أن كل منزل فيه قدر كبير، يقال له «الحجري» وهو من القدر مقاس «أبو ذبيحتين» وقد وضع في هذا الحجري الماء المغلي المعد من قبل لهذا الغرض.
وفي البداية يأتي أحدهم ويضع محتوى الكيس بطريقة حذرة لكي لا يطير الجراد، وأما الشخص الآخر، فيتابع بدقة وهو ممسك غطاء القدر، ليقوم بتغطيته بشكل سريع، وذلك من أجل عدم تطاير الجراد أيضاً.
ثم بعد ذلك يوضع مع الجراد الملح داخل القدر، ويقوم أحدهم بتحريك الملح مع الماء داخل القدر ليدخل الملح ويخالط الجراد جميعه ويتشبث بالجسم.
الجراد بعد نضجه
ثم بعد ذلك يخرج الجراد من القدر «بعد نضجه»، ويقسم قسمين:
القسم الأول: يوضع في صحون معينة، مع ماء الجراد، ويسمى «النقوعة».
والقسم الثاني: ينشر على الحصر «مفرده حصير» ويجفف في أسطح المنازل.
أما القسم الأول: فيؤكل منه لمدة ثلاثة أيام تقريباً، وهم في البداية يرمون أرجل الجراد ورأسه ولا يأكلونها، وهذا من البطر!! وتسمى أرجل الجراد «القصاميل».لكن بعد فترة تجدهم يضطرون إلى أكل هذه القصاميل والرؤوس حينما يأتي شبح الجوع، ويذهب البطر!!
وأما القسم الثاني المجفف فإنه يحفظ ويبدأ في أكله بطريقة تدريجية، يومياً، أو يوم بعد يوم، وهو أفضل ما يكون مع الشاي.
هذا هو وصف حي ودقيق لما قال الشيخ الباحسين وحضره بنفسه، نذكره وما قاله تاريخ ناطق.
قالوا عن الجراد
تدور على الأسنة النجدية بعض الكلمات التي تدور في موضوع أهمية الجراد الغذائية والصحية فمن هذه الكلمات: أن الجراد يرخص اللحم: يعني أنهم يستغنون بأكل الجراد عن أكل اللحم.
(3)هذه الصور التي جرت للكثير من الاباء والأجداد مع الجراد أو غيره من المدخرات يجب علينا تسجيلها وحفظها وتوثيق قصصها لبني جيلنا، ومن بعدهم ممن عاش ونشأ بحمد الله في نعمة وخير كبيرين حتى نعرف ما كان وضعهم عليه، فهذا معين لنا أن نعرف حجم هذه النعمة التي أعطى الله سبحانه وتعالى إياها، وبالشكر تدوم النعم.
(4) قال الجاحظ: والجراد الأعرابي لا يتقدمه في الطيب شيء، وما أحصي كم سمعت من الأعراب من يقول: ما شبعت منه قط، وما أدعه إلا خوفاً من عاقبته أو لأني أعيا فأتركه!!