دائما أتوقف كثيرا، في مفارقة شديدة الدلالة، بين ما نزعمه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، من تمسك بالفضيلة، والتحلي بالخلق الرفيع، وبين حقيقة واقعنا المعاش، أتوقف كثيرا في مقارنة بيننا وبين غيرنا من الأمم تلك التي نزعم أن لديهم تحللا أخلاقيا وتفسخا أسريا وانحلالا سلوكيا، فإذا بي، رغم انحيازي - بحكم الطبيعة البشرية ومهما حاولت من التحلي بالموضوعية - لمجتمعاتنا، فإذا بي أجد أن مجمل السلوك الأخلاقي يُرَجِّح، وبفوارق هائلة، كِفْة هؤلاء القوم الذين لم نجد في معاجمنا اللغوية من نقيصة إلا وألصقناها بهم.
يبدو لي أن هذا الإلصاق لتلك النقائص لأقوام استطاعوا أن يقدموا للعالم كل هذا التقدم العلمي وكل تلك التكنولوجيا الحديثة، إنما يأتي في إطار هروب من الواقع وخلق "ملعب" نظن أننا، وهما، متفوقون فيه، ذلك الذي يجعلنا نحسم "الجيم" ونفوز فوزا معنويا مُتَخَيَّلا، على أقوام انتصروا علينا في كل المعارك التي جمعتنا بهم نصرا مظفّرا، هذه المعارك التي ليست عسكرية، كما يمكن أن يظن البعض، بل إن المعارك المقصودة هنا هي المعارك العلمية والتكنولوجية، التي للأسف خرجنا منها منهزمين، لأننا ببساطة لم نأخذ بتلك الأسباب التي تؤهلنا من المنافسة والصمود فضلا عن الفوز والانتصاو.
هذا الذي، في حركة ارتدادية سريعة للانكفاء على ذات، بدلا من المواجهة والاشتباك مع الواقع، يدفعنا إلى المقارنة غير المنصفة بين ما لهذه الأقوام من قيم وما لدينا، فإذا بنا نتوهم أننا الأفضل، فيكفينا أننا مسلمون، ولم لا أفليس المسلمون خير أمة أخرجت للناس؟! وألسنا شهداء على الأقوام والأمم الأخرى؟! هذه الشهادة التي فيها من التعالي ما يرضي غرورنا، فمهما تقدم الآخر ومهما أعطى للبشرية ومهما ارتقى بالإنسانية، فأين هو منا؟ نحن الذين أختارهم الله وفضلهم على العالمين!.
واكتفينا بهذه الأفضلية المتخلية، وإن أردت أن ترى ذلك، عزيزي القارئ، رؤي العين، فما عليك إلا أن تناقش أحدنا - نحن المسلمين - وتطرح مقارنة بيننا وبين الآخر، مهما كان هذا الآخر: غربيا أوروبيا أو أمريكيا، أم شرقيا صينيا أو هنديا، أو ملتحقا بالحضارة الغربية كالياباني، فستستمع بعد جمل قليلة من بداية هذه المناقشة التي تذهب في صالح هذا الآخر منذ الوهلة الأولى إلى صوت محاورك قائلا: يكفي أننا مسلمون، ويكفي أننا فقط من سيدخلون الجنة، هذا الذي لو ذكرته للآخر لتبسم ضاحكا من قولك: وكأني به يقول فلتهنأ أيها العربي المسلم بجنتك الأخروية، ولنعمل نحن على إقامة جنة لنا على الأرض!. هذا الذي لا يعني أن هذا الآخر لا ينتظر جنة في السماء، تلك التي يعمل عليها حسب معتقده بما لا يجعله ينسى تلك الجنة التي يحاول إقامتها في الأرض بالعلم والاجتهاد والإخلاص في العمل الذي هو عماد الدنيا والدين، إن جاز التعبير، عند هؤلاء الأقوام.
إنني أزعم أننا في حاجة إلى تغيير تصوراتنا عن الآخرين مرة، وعن أنفسنا مرة أخرى، هذا التغيير الذي يجب أن يعطي للآخر حقه، بما قدمه ويقدمه من علم وعمل وجهد في سبيل رفعة الإنسانية، والذي يجب أن نتواضع فيه تواضعا يجعلنا نعيش واقعنا الذي تركناه لنحتمي بماض طوباوي مزعوم، فلم يكن ماضينا كما تتصوره المخيلة الجمعية، بحال من الأحوال، ولم يكن هو هذا الذي نبكي عليه، بالمقارنة بواقع الآخرين اليوم، فلم يصل الإنسان في أي عصر من العصور، وفي أي أمة من الأمم إلى ما وصل إليه في عصر اليوم الذي نلعنه ليل نهار، لا لشيء، سوى لأننا لا نحسن التعامل معه، والانصهار أو الاندماج فيه، هذا الذي لن يحدث إلا بخلق إنسان واع بظروفه وواقعه من ناحية، وبما حقق ويحقق العالم من تطور وتقدم من ناحية ثانية.
يبدو لي أن هذا الإلصاق لتلك النقائص لأقوام استطاعوا أن يقدموا للعالم كل هذا التقدم العلمي وكل تلك التكنولوجيا الحديثة، إنما يأتي في إطار هروب من الواقع وخلق "ملعب" نظن أننا، وهما، متفوقون فيه، ذلك الذي يجعلنا نحسم "الجيم" ونفوز فوزا معنويا مُتَخَيَّلا، على أقوام انتصروا علينا في كل المعارك التي جمعتنا بهم نصرا مظفّرا، هذه المعارك التي ليست عسكرية، كما يمكن أن يظن البعض، بل إن المعارك المقصودة هنا هي المعارك العلمية والتكنولوجية، التي للأسف خرجنا منها منهزمين، لأننا ببساطة لم نأخذ بتلك الأسباب التي تؤهلنا من المنافسة والصمود فضلا عن الفوز والانتصاو.
هذا الذي، في حركة ارتدادية سريعة للانكفاء على ذات، بدلا من المواجهة والاشتباك مع الواقع، يدفعنا إلى المقارنة غير المنصفة بين ما لهذه الأقوام من قيم وما لدينا، فإذا بنا نتوهم أننا الأفضل، فيكفينا أننا مسلمون، ولم لا أفليس المسلمون خير أمة أخرجت للناس؟! وألسنا شهداء على الأقوام والأمم الأخرى؟! هذه الشهادة التي فيها من التعالي ما يرضي غرورنا، فمهما تقدم الآخر ومهما أعطى للبشرية ومهما ارتقى بالإنسانية، فأين هو منا؟ نحن الذين أختارهم الله وفضلهم على العالمين!.
واكتفينا بهذه الأفضلية المتخلية، وإن أردت أن ترى ذلك، عزيزي القارئ، رؤي العين، فما عليك إلا أن تناقش أحدنا - نحن المسلمين - وتطرح مقارنة بيننا وبين الآخر، مهما كان هذا الآخر: غربيا أوروبيا أو أمريكيا، أم شرقيا صينيا أو هنديا، أو ملتحقا بالحضارة الغربية كالياباني، فستستمع بعد جمل قليلة من بداية هذه المناقشة التي تذهب في صالح هذا الآخر منذ الوهلة الأولى إلى صوت محاورك قائلا: يكفي أننا مسلمون، ويكفي أننا فقط من سيدخلون الجنة، هذا الذي لو ذكرته للآخر لتبسم ضاحكا من قولك: وكأني به يقول فلتهنأ أيها العربي المسلم بجنتك الأخروية، ولنعمل نحن على إقامة جنة لنا على الأرض!. هذا الذي لا يعني أن هذا الآخر لا ينتظر جنة في السماء، تلك التي يعمل عليها حسب معتقده بما لا يجعله ينسى تلك الجنة التي يحاول إقامتها في الأرض بالعلم والاجتهاد والإخلاص في العمل الذي هو عماد الدنيا والدين، إن جاز التعبير، عند هؤلاء الأقوام.
إنني أزعم أننا في حاجة إلى تغيير تصوراتنا عن الآخرين مرة، وعن أنفسنا مرة أخرى، هذا التغيير الذي يجب أن يعطي للآخر حقه، بما قدمه ويقدمه من علم وعمل وجهد في سبيل رفعة الإنسانية، والذي يجب أن نتواضع فيه تواضعا يجعلنا نعيش واقعنا الذي تركناه لنحتمي بماض طوباوي مزعوم، فلم يكن ماضينا كما تتصوره المخيلة الجمعية، بحال من الأحوال، ولم يكن هو هذا الذي نبكي عليه، بالمقارنة بواقع الآخرين اليوم، فلم يصل الإنسان في أي عصر من العصور، وفي أي أمة من الأمم إلى ما وصل إليه في عصر اليوم الذي نلعنه ليل نهار، لا لشيء، سوى لأننا لا نحسن التعامل معه، والانصهار أو الاندماج فيه، هذا الذي لن يحدث إلا بخلق إنسان واع بظروفه وواقعه من ناحية، وبما حقق ويحقق العالم من تطور وتقدم من ناحية ثانية.