ليست هذه المرة الأولى التي أتناول فيها بالقراءة والتحليل ديوانا من دواوين زجالنا المقتدر علي مفتاح، ولن تكون على الأرجح الأخيرة ولا الآخرة. ذلك أنني عملت في مناسبة سابقة على دراسة ديوانه (خذوني وعلي أنا خبيوني) في محاولة مني للوقوف على عناصر الشعرية فيه من خلال مقاربة قصائده مقاربة موضوعاتية. وهي مناسبة اكتشفت بعد إنهائها أنني قد أقدمت في واقع الأمر على مجازفة لذيذة بعد أن تجرأت على منجز شعري يتسم بعمق الرؤية والرؤيا ويمتلك صاحبه وعيا شعريا وقدرة على التخييل وبراعة في رسم الصور الشعرية، تعبر عن قدرة على ترجمة صراع الأنا الشاعرة خلال مشوار بحثها عن الوجود المشتهى والعالم المأمول. لقد استدعت مني قراءته تلك بذل مجهود غير يسير من أجل الإمساك بحلمه الواعي وفهم دلالاته، وأتعبتني حقيقةً محاولة مسايرة الإيقاع الحثيث الذي وسم سعي أناه الشاعرة التواقة إلى تحقيق الارتواء النفسي والاستقرار الوجودي. يتجدد اللقاء اليوم بالزجال علي مفتاح من خلال ديوانه "عيد المظل"، ويتجدد اللقاء، من خلال ذلك، بشكل آخر من الكتابة الزجلية، شكل يكشف عن مستوى متجدد من الكتابة الواعية، يتحرك من خلالها الزجال بشكل مغاير داخل واقع اجتماعي مفعم بالتناقضات، يعيش إحباطاته بعقله وجوارحه ويتلقف مآسيه كما يُتلَقف الإعصار الجارف. تتحول الكتابة وفقا له إلى نوع من المكابدة والمجاهدة اللتين ترافقان ترجمة حالة قلق وجودي صاحَب لحظة فعل الكتابة.
كتابة تقديم لهذا الديوان مجازفة أخطر من المجازفة السابقة، لأن القائم بذلك، لن يكون فقط مدعوا لإنجاز نوع من الحلول، بالمعنى الصوفي للكلمة، في ذات الزجال الشاعرة وإعادة إنتاج لحظات التأمل الشاردة التي عاشتها أناه التلفظية لحظة ابتكار الصور الشعرية، بقدر ما سيكون ملزما بالإحاطة بوعيه العام وقناعاته الفكرية حول طبيعة العلاقة مع الآخر، والإلمام بمواقفه الفكرية السابقة على لحظة الحلم والموجهة لها، باعتبار أن هذه القناعات والمواقف عناصر متحكمة في مسار تشكيل الصور الشعرية وماسكة بخيوط اللعبة إبان البوح الشعري.
أول ما يسترعي الانتباه في القصيدة عنوانها "عيد المظل". فالعنوان، الذي عادة ما يشتغل كعامل محفز، يورط المتلقي في فعل القراءة عن وعي وبدونه في بناء أفق انتظار قد يوجه تلقيه للنص وعملية تأويل معناه، يمارس عليه سلطانه، ويدعوه منذ الوهلة الأولى إلى التساؤل حول كلمة العيد باعتباره تجسيدا للمقدس، تأكيدا وتجديدا للارتباط بشيء أو حدث عبر الاحتفال برمزيته، والعلاقة التي تجمع العيد بالمظل، الذي يرتبط في مفهومه الواقعي والمباشر بوظيفة الحماية من الشمس والمطر، وله في الشعر من الإشارات الوجودية المتصلة بمرجعيات فلسفية ودينية وسياسية وشعبية ما يجعله ذا حمولات رمزية تتجاوز معناه المباشر. ذلك أن المظل يرتبط بالحماية التي يوفرها فرد نافذ يمتلك أسباب القوة والسلطان لفرد آخر أو جماعة. فالدخول تحت المظل دخول في حمى صاحبه، وإذعان لسلطانه وخضوع لجبروته. ومن رمزية المظل، اشتق معنى العيش في الظل الذي يرمز إلى الانسحاب والتنازل ورفض خوض غمار التحدي بسبب جبن أو غياب همة. عنوان القصيدة يقودنا إلى بناء أفق انتظار يتمحور حول العلاقة بالآخر، وتحديدا حول طبيعة الاختيارات الوجودية للتعاطي مع هذا الآخر. ويكشف هذا الاختيار عن وعي الشاعر بأهمية العنوان وأهمية السؤال الذي يفترض أن يثيره عند أول تصفح للديوان، ويدرك أن محاولة فهمه تعتبر الخطوة الأولى المؤدية إلى الانخراط في فعل القراءة بعمق، لذلك كان انتقاؤه مشروطا بقدرته على إثارة شرارة السؤال حوله. ولعله نجح في ذلك إل الحد الذي يجعل القارئ بدون وعي منه ينخرط في طرح عدد من الفرضيات حول ماهية المظل الذي ستتمحور الدلالة العامة للنص حول رمزيته.
متن الديوان عبارة عن قصيدة واحدة مطولة تقع بين دفتين، "بدية وختمة"، عمل الزجال من خلال الأولى على فتح باب مشرعة أمام الحلم، حلم يبدو مستحيلا وغير مضمون النتائج (محلول على والو). يحيل الكاف الذي يتواتر في هذا المقطع (يديك/ فيك/ منك/ لك) وكذا أفعال الأمر المتضمنة فيه (تلاح/ اعزف/ حوزها...) على أن الخطاب موجه إلى الآخر الذي يسكن الشاعرَ هاجسُ أن يراه متحررا ومنبعثا من قمقمه. وهو حلم يفترض أن يمر أولا وأخيرا عبر السؤال الذي يجب أن تطرحه الأنا (أنا الآخر) حول ماهية وجوده وحقيقة كينونته. بينما عمل من خلال الثانية "الختمة" على إثارة السؤال حول مآلات دعوته للحلم، ومدى قدرة هذا الصوت على تغيير الآخر في ظل حالة الصمت المطبق والمزمن التي تغمره، وفي ظل حالة التطبيع مع الخضوع، والتي لم تنفع أصوات التعبئة ودعوات التحرير إلى إخراجه منها ومن منطقة الظل التي اختارها منفى له وسجنا كبيرا لا يبرح أسواره. الآخر هنا قد يكون أنا الشاعر الواقعية، وقد يكون الأنا القابعة في كل واحد منا، كل أنا تستحق أن يُطرح مثل هذا السؤال الوجودي حولها.
على امتداد صفحات الديوان ومقاطعه، تتواتر بكثافة مفردات ترتبط بالماء ارتباطا وثيقا، ارتباط وجود من جهة (الواد، جغمة، الشلال، سطولة، غراف، خابية...)، أو ارتباط غياب وعدمٍ في مواضع أخرى (الواد الناشف، نشفو، العطش، العطشان...). يتعلق الامر هنا بإصرار على منح الماء أبعادا دلالية متعددة، تجعله أداة لتجسيد هذا الآخر المتعدد، وكذا تجسيد سلوكه أو اختياراته الوجودية التي تعطي سمة لكينونته وتحدد موقفه من الآخر وموقف الآخر منه. إن ذلك يدعو المتلقي إلى مساءلة الكيفية التي تم بها توظيف الماء حتى يختزل كل أشكال وجود الإنسان في المجتمع. فالماء يتجسد في صورة إنسان يتحرك كما يتحرك الإنسان، يتصرف كما يتصرف ويأتي بما يأتي به من أفعال وما يتسم به من سمات. يختبئ، ينحني، يحلم، يشرب، يثور يتعجرف، يخاصم، يقبل الأكتاف، يكتب ويمحو، يحيا ويموت. وهو لعمري توظيف جديد يتجاوز دلالات الماء المعهودة لدى غيره من الشعراء عموما والزجالين على وجه الخصوص. وتبرز معالم الجدة أولا من خلال أنسنته، وثانيا من خلال تعدد صور الإنسان التي يرمز إليها من مقطع شعري إلى آخر. في البداية يصرخ الشاعر في وجه (الماء)، الذي يرمز للآخر، هذا الآخر الذي، على الرغم من توفر جميع الشروط لانبعاثه (علاش الما(ء) قطع الواد وما نشفوش رجليه)، فقد القدرة على التمرد والاحتجاج ولو بالكلمة (علاش الما(ء) نصل فمه من وجه وحطه لهيه). تجده متخاذلا جبانا فاقدا لكل معاني الرجولة (ما صدقش راجل). يتعلق الأمر بصرخة في وجه هذا الآخر الصامت الساكن سكون القبور عساه يتمرد في وجه (الماء الأكبر) الذي يرمز إلى ذلك الآخر المستحوذ. يمارس الزجال هنا دوره التنويري الذي يفترض أن ينهجه كل شاعر في استنهاض الهمم وإبراز القدرات الكامنة في الأنا الجمعية (الماء الصامت). وهي القدرات التي من شأنها أن تسهم في إحداث الوعي بأهميته والإحساس بكينونته المفقودة. الماء هنا يستوعب فئتين من الناس يعنيهما الزجال بخطابه الشعري ويلبس شخصيتيهما للماء بشكل مختلف ومتباين. الأولى تهم شريحة واسعة من المجتمع اختارت الحياد، ذابت في الصمت رغم توالي الضربات، لا تحرك ساكنا ولا يُرى لها تمرد (واش تقول يا الحجر يا لي عاطي الظهر للمطارق بلا غوات، ذايب ف السكات). يصل انفعال الشاعر مداه حين يخاطب هذه الفئة التي عزلت نفسها بعيدا عن كل تفاعل رغم هول ما تقاسيه وتعانيه من تنكيل وعذاب. فهي بالنسبة له لا تملك إلا أن تنحني أمام تيار الماء المستحوذ (ما هو غير ما(ء) و مخبي ف الما(ء) حادر رأسه للما)، وتنتظر في سجنها الكبير فرجا قد يأتي وقد لا يأتي. أما الثانية، فهي زمرة من الناس لا يجد الزجال لها خلاصا، فئة تستحق أن تنصب لها سرادق العزاء ما دامت قد طبعت مع الخيانة والخضوع، وفرطت في كل مقومات الكينونة، وما دامت قد انسلخت من هويتها، بدلت جلدها وارتمت في أحضان الاستبداد (لوح الورد ف الواد/ و عزيه ف الما(ء) لي هرب من الما(ء)/ و مشى يغسل وجه الما(ء)/ لي خلى على صفا(ء) البير و سكن الغيس). هنا، تتوغل اللغة الشعرية عبر صورة (الماء الهارب) في الداخل النفسي للذات المستسلمة وسلوكها العام، كاشفة عن شكل آخر من أقسى التجارب الوجودية وأشدها إيلاما على نفسية الشاعر. يتعلق الأمر باختيار مجتمعي أضحى يرى في التزلف وسيلة للنجاة وفي العيش في حمى السيد اختيارا. تتواصل عملية التشريح الدقيق لبنية المجتمع في علاقة بالاختيارات الوجودية لطبقات وشرائح منه، ويلبس الماء مرة أخرى لباسا مختلفا مستوعبا دلالات نوعية أخرى. بين "الثقاف" الذي يحيل على فقدان الفحولة، ومفهوم الثقافة الذي يحيل على وضع فكري لطبقة مالكة للمعرفة، يستعمل الشاعر الماء، في إطار التوظيف المختلف لصوره الشعرية، لينسحب على فئة المثقفين في المجتمع، الفئة المعزولة عن هموم مجتمعها، القابعة في برجها العاجي، الفئة التي نجح الاستبداد في تعطيل أدوارها إلى الأبد، وحرمانها من الوصول إلى أهدافها المفترضة في التأثير والتنوير (مخاصمين عل الما(ء)/ لي ثقفاته امرأته الجغمة/ وبقى مسكين عمره كله معزول/ لا خابية دخل فيها/ لا مطفية زها عليها/ لا ضاية بات مقصر عليها/ و فيها جدد الوضو(ء) الكبير). هذه الفئة التي ضاع صوتها وسط جوقة المطبلين، وتلاشى تأثيرها في ظل صمت معسكر الصمت فقدت كل دور مفترض لها في تنوير العامة وحلحلة الوضع نحو تشكل الوعي الشامل بما يشكل طهارة للمثقف من ذنب التخاذل واغتسالا من خطيئة التواطؤ.
في ظل هذا الوضع البائس، يعيش الشاعر حلما، بل قلقا وجوديا مزمنا (مخبي ورا(ء) نغمة من عزف قديم)، يسكنه كمثقف ملتزم بقضايا مجتمعه. ولهذه الغاية، يستعمل الماء مرة أخرى وبشكل مختلف أيضا، لتجسيد أناه. الأنا التي احترفت الصمت، ليس كاختيار وجودي، بل لأنها كابدت وعانت ما عانته في سبيل التنوير (شربني الماء حتى زويته)، جربت كل وسائل التحفيز والحماسة، حملت فكرتها بين ضلوعها كألم مزمن كلما زادت شدته وحدته (وُنَخْصَة مَنْ شَلّة نَخْصاتْ/ كانوا كَفروا بِها .../ توضينا ب دموعها ومشينا عبَدْناها)، كلما زاد الإيمان بعدالة الفكرة والرسالة وزاد الإصرار على تحقيقها (نخطب ف وذن كل جغمة / نحرشها عل الما/ يخرجوا على طوع الما). إنه إصرار المؤمن بالفكرة، بعدالة القضية وبالحق الذي لا ينبغي أن يتنازل أصحابه عنه لمن سطا عليه بدون وجه حق (يثور شلة سطولة دَ الما(ء) على غراف صغير دَ الما(ء)/ ويلقاوْا لهم بلاصة ف خابية القصور). كم هي شاقة تلك الطريق التي نختارها من أجل نيل الكرامة وتحقيق العزة، كم هو رائع صمود الفرد ووقوفه في وجه الطغيان كسنبلة شامخة سامقة (سعدات! السبولة الواقفة على رجل). بل، كم هو نبيل ذلك الشرف الذي يناله الهالك في سبيل إحقاق الكرامة والعزة. يغبط الشاعر الماء الشهيد، ذلك (الماء الصافي النقي) الذي يموت في سبيل القضية حاملا علامة النصر، ينتقل إلى الحياة الأخرى حيث تنتفي كل أسباب الجور ومظاهره (ما فيها لا ريحة البلاد / لا شوك العباد/ لا ندى بين الاوراق قليل) وحيث يصفو الماء من عوامل الكدر، وينسلخ عما قد يخالطه من مياه خانعة وخاضعة تجسد فئة الخانعين والمتزلفين (عبادين الاكتاف حطوه حزارة ف عيد المظل).
تتمظهر الكتابة لدى الزجال كوسيلة تحريض وكأداة لإشعال جذوة التغيير في كل أنا صمتت (جغمة خليها للرأس إلا كان محني)، خضعت أو تخاذلت (جغمة عطيها للظهر إلا كان متني). حتى في حالة الفئة التي سلمت بكل ما تستحق وتنازلت عنه بغباء من أجل رفاهية الآخر المستبد، والتي شبهها الشاعر بالنمل (الأسود) يهدي بغرابة شديدة ما يملكه على قلته لسيده غير آبه بالنصَب ولا اللُّغوب اللذين قد يرهنان بقية حياته، يمكن للكتابة أن تشكل صدمة، وفي الآن ذاته بلسما شافيا قد يساعد على تحريرها من حالة التيه والامِّحاء الوجودي، وإخراجها من حياة الذل والمهانة التي تورطت فيه (وجغمة رش بها غار النمل يجيك زاحف على كرشه وبلا ظل). هي واجهات يُعَريها الزجال علي مفتاح ويضع أصبعه على مواطن الداء فيها، واجهات يفترض في المثقف العضوي أن يشتغل عليها باعتبارها توجد تحت مسؤوليته وفي بؤرة فعله التنويري.
تقوم عملية التوعية هذه على تعرية الواقع والفضح الممنهج لشبكة العلاقات الفاسدة السائدة فيه. ففي مغامرة فريدة، ووعي دقيق بواقع المجتمع، عمل الزجال على توظيف "الماء" هذه المرة لإبراز العلاقة بين السلطة والثروة، وعمل على فضح السبل التي يسلكها الآخر المستبد من أجل الجمع بينهما بشكل بشع دون اكتراث بحقوق العامة ولا بحاجاتها النفسية والمادية (شاف جغمة عريانة إلا من عطشنا لها، حوزها و مشى بات معها لهيه). كما عمل بشكل ذكي على فضح أساليب الترويج لأكاذيبه من خلال استعمال وسائل الإعلام الجهنمية (صندوق الخوا) التي تروج للكذب والتفاهة وتكرس تنميق الخواء، وإيهام الرعية بالمشاركة الوهمية في الثروة (كيل لهم الريح وطحن لهم الهوا)، والتسويق للسعادة والرضا الزائفين (رسمهم ب الما(ء) ف الما(ء) ضاحكين نحتهم ب الهوا(ء) ف الهوا(ء) شبعانين)، وغيرها من الآليات التي يلجأ إليها السيد من أجل الاستمرار في الاستغلال وضمان استمرار الولاء (وقسم عليهم الخوا ف كَفة من الخوا يجيوك محنيين ف عيد المظل). ومن تم، فالمظل الذي توقعناه رمزا للحماية والوقاية من السيول الجارفة أو الشمس الحارقة، لم يكن كذلك، بل تجسد، في علاقته بتيمة الماء، كمظل يفصل الإنسان عن الرواء، ويعزله عن الاستفادة من حقه من السقاء. ينطوي الماء على العطش، ويتحول المظل إلى أداة للحرمان والحجب الممنهج بدل أن يوظف كأداة للحماية في واحدة من الصور الشعرية الأكثر إثارة للانتباه في ديوان الشاعر، توخى من خلالها فضح عورة الاستبداد، ووضع النقط على واحدة من أبشع القضايا التي يعيشها الإنسان الذي يجد نفسه ضمآنا وسط بحار من المياه العذبة وجائعا وسط خيرات تنعم بها أقلية جشعة تجمع بين الثروة والسلطة وتستأثر بخيرات الناس دون عامة الناس.
لقد حرص الزجال علي مفتاح، من خلال التوظيف المتعدد لتيمة الماء، على كتابة مجتمعه بشكل مختلف، وتقديم تشريح دقيق لواقع هذا المجتمع من خلال إضاءة شبكة علاقات الأنا بالآخر داخل طبقاته ومكوناته. لقد كان ذكيا إلى أبعد الحدود حين اشتغل على رمزية الماء لاستيعاب تناقضات المجتمع وفضح أعطابه، وكان أكثر ذكاء حين حرص على تنويع هذا التوظيف بما يسمح له بتجسيد أشكال الوجود الإنساني في هذا المجتمع الذي يشهد زواجا كاثوليكيا بين السلطة والثروة، ويطبع فيه المحكوم مع الاستبداد ويغيب فيه الدور التنويري للمثقف العضوي الذي يفترض أن يكون قاطرة لوعي جديد لا تزال مؤشرات تشكله بعيدة المنال. يمكن أن نؤكد، تبعا لذلك، على تحول مس طبيعة الكتابة لدى زجالنا، وأن نجزم بتغير جذري في التعاطي مع قضايا الآن والآخر، بدت ملامحه واضحة في ديوان "عيد المظل". يترجم هذا المسار وعيا شعريا جديدا في التعاطي مع الموضوعات الشعرية ومنعطفا حقيقيا في مسار تشكيل شخصيته الزجلية المتفردة.
طالب باحث في الزجل المغربي المعاصر سلك الدكتوراه - كلية اللغات والآداب والفنون ابن طفيل -القنيطرة-
كتابة تقديم لهذا الديوان مجازفة أخطر من المجازفة السابقة، لأن القائم بذلك، لن يكون فقط مدعوا لإنجاز نوع من الحلول، بالمعنى الصوفي للكلمة، في ذات الزجال الشاعرة وإعادة إنتاج لحظات التأمل الشاردة التي عاشتها أناه التلفظية لحظة ابتكار الصور الشعرية، بقدر ما سيكون ملزما بالإحاطة بوعيه العام وقناعاته الفكرية حول طبيعة العلاقة مع الآخر، والإلمام بمواقفه الفكرية السابقة على لحظة الحلم والموجهة لها، باعتبار أن هذه القناعات والمواقف عناصر متحكمة في مسار تشكيل الصور الشعرية وماسكة بخيوط اللعبة إبان البوح الشعري.
أول ما يسترعي الانتباه في القصيدة عنوانها "عيد المظل". فالعنوان، الذي عادة ما يشتغل كعامل محفز، يورط المتلقي في فعل القراءة عن وعي وبدونه في بناء أفق انتظار قد يوجه تلقيه للنص وعملية تأويل معناه، يمارس عليه سلطانه، ويدعوه منذ الوهلة الأولى إلى التساؤل حول كلمة العيد باعتباره تجسيدا للمقدس، تأكيدا وتجديدا للارتباط بشيء أو حدث عبر الاحتفال برمزيته، والعلاقة التي تجمع العيد بالمظل، الذي يرتبط في مفهومه الواقعي والمباشر بوظيفة الحماية من الشمس والمطر، وله في الشعر من الإشارات الوجودية المتصلة بمرجعيات فلسفية ودينية وسياسية وشعبية ما يجعله ذا حمولات رمزية تتجاوز معناه المباشر. ذلك أن المظل يرتبط بالحماية التي يوفرها فرد نافذ يمتلك أسباب القوة والسلطان لفرد آخر أو جماعة. فالدخول تحت المظل دخول في حمى صاحبه، وإذعان لسلطانه وخضوع لجبروته. ومن رمزية المظل، اشتق معنى العيش في الظل الذي يرمز إلى الانسحاب والتنازل ورفض خوض غمار التحدي بسبب جبن أو غياب همة. عنوان القصيدة يقودنا إلى بناء أفق انتظار يتمحور حول العلاقة بالآخر، وتحديدا حول طبيعة الاختيارات الوجودية للتعاطي مع هذا الآخر. ويكشف هذا الاختيار عن وعي الشاعر بأهمية العنوان وأهمية السؤال الذي يفترض أن يثيره عند أول تصفح للديوان، ويدرك أن محاولة فهمه تعتبر الخطوة الأولى المؤدية إلى الانخراط في فعل القراءة بعمق، لذلك كان انتقاؤه مشروطا بقدرته على إثارة شرارة السؤال حوله. ولعله نجح في ذلك إل الحد الذي يجعل القارئ بدون وعي منه ينخرط في طرح عدد من الفرضيات حول ماهية المظل الذي ستتمحور الدلالة العامة للنص حول رمزيته.
متن الديوان عبارة عن قصيدة واحدة مطولة تقع بين دفتين، "بدية وختمة"، عمل الزجال من خلال الأولى على فتح باب مشرعة أمام الحلم، حلم يبدو مستحيلا وغير مضمون النتائج (محلول على والو). يحيل الكاف الذي يتواتر في هذا المقطع (يديك/ فيك/ منك/ لك) وكذا أفعال الأمر المتضمنة فيه (تلاح/ اعزف/ حوزها...) على أن الخطاب موجه إلى الآخر الذي يسكن الشاعرَ هاجسُ أن يراه متحررا ومنبعثا من قمقمه. وهو حلم يفترض أن يمر أولا وأخيرا عبر السؤال الذي يجب أن تطرحه الأنا (أنا الآخر) حول ماهية وجوده وحقيقة كينونته. بينما عمل من خلال الثانية "الختمة" على إثارة السؤال حول مآلات دعوته للحلم، ومدى قدرة هذا الصوت على تغيير الآخر في ظل حالة الصمت المطبق والمزمن التي تغمره، وفي ظل حالة التطبيع مع الخضوع، والتي لم تنفع أصوات التعبئة ودعوات التحرير إلى إخراجه منها ومن منطقة الظل التي اختارها منفى له وسجنا كبيرا لا يبرح أسواره. الآخر هنا قد يكون أنا الشاعر الواقعية، وقد يكون الأنا القابعة في كل واحد منا، كل أنا تستحق أن يُطرح مثل هذا السؤال الوجودي حولها.
على امتداد صفحات الديوان ومقاطعه، تتواتر بكثافة مفردات ترتبط بالماء ارتباطا وثيقا، ارتباط وجود من جهة (الواد، جغمة، الشلال، سطولة، غراف، خابية...)، أو ارتباط غياب وعدمٍ في مواضع أخرى (الواد الناشف، نشفو، العطش، العطشان...). يتعلق الامر هنا بإصرار على منح الماء أبعادا دلالية متعددة، تجعله أداة لتجسيد هذا الآخر المتعدد، وكذا تجسيد سلوكه أو اختياراته الوجودية التي تعطي سمة لكينونته وتحدد موقفه من الآخر وموقف الآخر منه. إن ذلك يدعو المتلقي إلى مساءلة الكيفية التي تم بها توظيف الماء حتى يختزل كل أشكال وجود الإنسان في المجتمع. فالماء يتجسد في صورة إنسان يتحرك كما يتحرك الإنسان، يتصرف كما يتصرف ويأتي بما يأتي به من أفعال وما يتسم به من سمات. يختبئ، ينحني، يحلم، يشرب، يثور يتعجرف، يخاصم، يقبل الأكتاف، يكتب ويمحو، يحيا ويموت. وهو لعمري توظيف جديد يتجاوز دلالات الماء المعهودة لدى غيره من الشعراء عموما والزجالين على وجه الخصوص. وتبرز معالم الجدة أولا من خلال أنسنته، وثانيا من خلال تعدد صور الإنسان التي يرمز إليها من مقطع شعري إلى آخر. في البداية يصرخ الشاعر في وجه (الماء)، الذي يرمز للآخر، هذا الآخر الذي، على الرغم من توفر جميع الشروط لانبعاثه (علاش الما(ء) قطع الواد وما نشفوش رجليه)، فقد القدرة على التمرد والاحتجاج ولو بالكلمة (علاش الما(ء) نصل فمه من وجه وحطه لهيه). تجده متخاذلا جبانا فاقدا لكل معاني الرجولة (ما صدقش راجل). يتعلق الأمر بصرخة في وجه هذا الآخر الصامت الساكن سكون القبور عساه يتمرد في وجه (الماء الأكبر) الذي يرمز إلى ذلك الآخر المستحوذ. يمارس الزجال هنا دوره التنويري الذي يفترض أن ينهجه كل شاعر في استنهاض الهمم وإبراز القدرات الكامنة في الأنا الجمعية (الماء الصامت). وهي القدرات التي من شأنها أن تسهم في إحداث الوعي بأهميته والإحساس بكينونته المفقودة. الماء هنا يستوعب فئتين من الناس يعنيهما الزجال بخطابه الشعري ويلبس شخصيتيهما للماء بشكل مختلف ومتباين. الأولى تهم شريحة واسعة من المجتمع اختارت الحياد، ذابت في الصمت رغم توالي الضربات، لا تحرك ساكنا ولا يُرى لها تمرد (واش تقول يا الحجر يا لي عاطي الظهر للمطارق بلا غوات، ذايب ف السكات). يصل انفعال الشاعر مداه حين يخاطب هذه الفئة التي عزلت نفسها بعيدا عن كل تفاعل رغم هول ما تقاسيه وتعانيه من تنكيل وعذاب. فهي بالنسبة له لا تملك إلا أن تنحني أمام تيار الماء المستحوذ (ما هو غير ما(ء) و مخبي ف الما(ء) حادر رأسه للما)، وتنتظر في سجنها الكبير فرجا قد يأتي وقد لا يأتي. أما الثانية، فهي زمرة من الناس لا يجد الزجال لها خلاصا، فئة تستحق أن تنصب لها سرادق العزاء ما دامت قد طبعت مع الخيانة والخضوع، وفرطت في كل مقومات الكينونة، وما دامت قد انسلخت من هويتها، بدلت جلدها وارتمت في أحضان الاستبداد (لوح الورد ف الواد/ و عزيه ف الما(ء) لي هرب من الما(ء)/ و مشى يغسل وجه الما(ء)/ لي خلى على صفا(ء) البير و سكن الغيس). هنا، تتوغل اللغة الشعرية عبر صورة (الماء الهارب) في الداخل النفسي للذات المستسلمة وسلوكها العام، كاشفة عن شكل آخر من أقسى التجارب الوجودية وأشدها إيلاما على نفسية الشاعر. يتعلق الأمر باختيار مجتمعي أضحى يرى في التزلف وسيلة للنجاة وفي العيش في حمى السيد اختيارا. تتواصل عملية التشريح الدقيق لبنية المجتمع في علاقة بالاختيارات الوجودية لطبقات وشرائح منه، ويلبس الماء مرة أخرى لباسا مختلفا مستوعبا دلالات نوعية أخرى. بين "الثقاف" الذي يحيل على فقدان الفحولة، ومفهوم الثقافة الذي يحيل على وضع فكري لطبقة مالكة للمعرفة، يستعمل الشاعر الماء، في إطار التوظيف المختلف لصوره الشعرية، لينسحب على فئة المثقفين في المجتمع، الفئة المعزولة عن هموم مجتمعها، القابعة في برجها العاجي، الفئة التي نجح الاستبداد في تعطيل أدوارها إلى الأبد، وحرمانها من الوصول إلى أهدافها المفترضة في التأثير والتنوير (مخاصمين عل الما(ء)/ لي ثقفاته امرأته الجغمة/ وبقى مسكين عمره كله معزول/ لا خابية دخل فيها/ لا مطفية زها عليها/ لا ضاية بات مقصر عليها/ و فيها جدد الوضو(ء) الكبير). هذه الفئة التي ضاع صوتها وسط جوقة المطبلين، وتلاشى تأثيرها في ظل صمت معسكر الصمت فقدت كل دور مفترض لها في تنوير العامة وحلحلة الوضع نحو تشكل الوعي الشامل بما يشكل طهارة للمثقف من ذنب التخاذل واغتسالا من خطيئة التواطؤ.
في ظل هذا الوضع البائس، يعيش الشاعر حلما، بل قلقا وجوديا مزمنا (مخبي ورا(ء) نغمة من عزف قديم)، يسكنه كمثقف ملتزم بقضايا مجتمعه. ولهذه الغاية، يستعمل الماء مرة أخرى وبشكل مختلف أيضا، لتجسيد أناه. الأنا التي احترفت الصمت، ليس كاختيار وجودي، بل لأنها كابدت وعانت ما عانته في سبيل التنوير (شربني الماء حتى زويته)، جربت كل وسائل التحفيز والحماسة، حملت فكرتها بين ضلوعها كألم مزمن كلما زادت شدته وحدته (وُنَخْصَة مَنْ شَلّة نَخْصاتْ/ كانوا كَفروا بِها .../ توضينا ب دموعها ومشينا عبَدْناها)، كلما زاد الإيمان بعدالة الفكرة والرسالة وزاد الإصرار على تحقيقها (نخطب ف وذن كل جغمة / نحرشها عل الما/ يخرجوا على طوع الما). إنه إصرار المؤمن بالفكرة، بعدالة القضية وبالحق الذي لا ينبغي أن يتنازل أصحابه عنه لمن سطا عليه بدون وجه حق (يثور شلة سطولة دَ الما(ء) على غراف صغير دَ الما(ء)/ ويلقاوْا لهم بلاصة ف خابية القصور). كم هي شاقة تلك الطريق التي نختارها من أجل نيل الكرامة وتحقيق العزة، كم هو رائع صمود الفرد ووقوفه في وجه الطغيان كسنبلة شامخة سامقة (سعدات! السبولة الواقفة على رجل). بل، كم هو نبيل ذلك الشرف الذي يناله الهالك في سبيل إحقاق الكرامة والعزة. يغبط الشاعر الماء الشهيد، ذلك (الماء الصافي النقي) الذي يموت في سبيل القضية حاملا علامة النصر، ينتقل إلى الحياة الأخرى حيث تنتفي كل أسباب الجور ومظاهره (ما فيها لا ريحة البلاد / لا شوك العباد/ لا ندى بين الاوراق قليل) وحيث يصفو الماء من عوامل الكدر، وينسلخ عما قد يخالطه من مياه خانعة وخاضعة تجسد فئة الخانعين والمتزلفين (عبادين الاكتاف حطوه حزارة ف عيد المظل).
تتمظهر الكتابة لدى الزجال كوسيلة تحريض وكأداة لإشعال جذوة التغيير في كل أنا صمتت (جغمة خليها للرأس إلا كان محني)، خضعت أو تخاذلت (جغمة عطيها للظهر إلا كان متني). حتى في حالة الفئة التي سلمت بكل ما تستحق وتنازلت عنه بغباء من أجل رفاهية الآخر المستبد، والتي شبهها الشاعر بالنمل (الأسود) يهدي بغرابة شديدة ما يملكه على قلته لسيده غير آبه بالنصَب ولا اللُّغوب اللذين قد يرهنان بقية حياته، يمكن للكتابة أن تشكل صدمة، وفي الآن ذاته بلسما شافيا قد يساعد على تحريرها من حالة التيه والامِّحاء الوجودي، وإخراجها من حياة الذل والمهانة التي تورطت فيه (وجغمة رش بها غار النمل يجيك زاحف على كرشه وبلا ظل). هي واجهات يُعَريها الزجال علي مفتاح ويضع أصبعه على مواطن الداء فيها، واجهات يفترض في المثقف العضوي أن يشتغل عليها باعتبارها توجد تحت مسؤوليته وفي بؤرة فعله التنويري.
تقوم عملية التوعية هذه على تعرية الواقع والفضح الممنهج لشبكة العلاقات الفاسدة السائدة فيه. ففي مغامرة فريدة، ووعي دقيق بواقع المجتمع، عمل الزجال على توظيف "الماء" هذه المرة لإبراز العلاقة بين السلطة والثروة، وعمل على فضح السبل التي يسلكها الآخر المستبد من أجل الجمع بينهما بشكل بشع دون اكتراث بحقوق العامة ولا بحاجاتها النفسية والمادية (شاف جغمة عريانة إلا من عطشنا لها، حوزها و مشى بات معها لهيه). كما عمل بشكل ذكي على فضح أساليب الترويج لأكاذيبه من خلال استعمال وسائل الإعلام الجهنمية (صندوق الخوا) التي تروج للكذب والتفاهة وتكرس تنميق الخواء، وإيهام الرعية بالمشاركة الوهمية في الثروة (كيل لهم الريح وطحن لهم الهوا)، والتسويق للسعادة والرضا الزائفين (رسمهم ب الما(ء) ف الما(ء) ضاحكين نحتهم ب الهوا(ء) ف الهوا(ء) شبعانين)، وغيرها من الآليات التي يلجأ إليها السيد من أجل الاستمرار في الاستغلال وضمان استمرار الولاء (وقسم عليهم الخوا ف كَفة من الخوا يجيوك محنيين ف عيد المظل). ومن تم، فالمظل الذي توقعناه رمزا للحماية والوقاية من السيول الجارفة أو الشمس الحارقة، لم يكن كذلك، بل تجسد، في علاقته بتيمة الماء، كمظل يفصل الإنسان عن الرواء، ويعزله عن الاستفادة من حقه من السقاء. ينطوي الماء على العطش، ويتحول المظل إلى أداة للحرمان والحجب الممنهج بدل أن يوظف كأداة للحماية في واحدة من الصور الشعرية الأكثر إثارة للانتباه في ديوان الشاعر، توخى من خلالها فضح عورة الاستبداد، ووضع النقط على واحدة من أبشع القضايا التي يعيشها الإنسان الذي يجد نفسه ضمآنا وسط بحار من المياه العذبة وجائعا وسط خيرات تنعم بها أقلية جشعة تجمع بين الثروة والسلطة وتستأثر بخيرات الناس دون عامة الناس.
لقد حرص الزجال علي مفتاح، من خلال التوظيف المتعدد لتيمة الماء، على كتابة مجتمعه بشكل مختلف، وتقديم تشريح دقيق لواقع هذا المجتمع من خلال إضاءة شبكة علاقات الأنا بالآخر داخل طبقاته ومكوناته. لقد كان ذكيا إلى أبعد الحدود حين اشتغل على رمزية الماء لاستيعاب تناقضات المجتمع وفضح أعطابه، وكان أكثر ذكاء حين حرص على تنويع هذا التوظيف بما يسمح له بتجسيد أشكال الوجود الإنساني في هذا المجتمع الذي يشهد زواجا كاثوليكيا بين السلطة والثروة، ويطبع فيه المحكوم مع الاستبداد ويغيب فيه الدور التنويري للمثقف العضوي الذي يفترض أن يكون قاطرة لوعي جديد لا تزال مؤشرات تشكله بعيدة المنال. يمكن أن نؤكد، تبعا لذلك، على تحول مس طبيعة الكتابة لدى زجالنا، وأن نجزم بتغير جذري في التعاطي مع قضايا الآن والآخر، بدت ملامحه واضحة في ديوان "عيد المظل". يترجم هذا المسار وعيا شعريا جديدا في التعاطي مع الموضوعات الشعرية ومنعطفا حقيقيا في مسار تشكيل شخصيته الزجلية المتفردة.
مكناس في: 26/11/2022
* عزالدين لشعـــل
طالب باحث في الزجل المغربي المعاصر سلك الدكتوراه - كلية اللغات والآداب والفنون ابن طفيل -القنيطرة-