بعد ربع قرن يصله سلامها، هل كان يتخيّل مثل هذا الفعل بعد كل هذا العمر؟ بدت كهبّة الرّيح التي تشعل جمرة راح رماد النسيان يلّفها مع الوقت... خيّل إليه أنه نسي عمر الماضي بما حمل، الضحكات والأحلام والجري تحت وابل المطر، دنيا طويلة عريضة من الآمال، سوق " الحلفاوين " الذي شهد على هذا الحبّ المشتعل، الماضي بكل أثقاله وظلاله الوارفة يعود في لحظة فارقة، لحظة سلام احتلت كل شيء وأوقدت عمرا من الفرح والدهشة والسؤال والأمل، وها هو يتأمل وجه ناقل الرسالة بفيض من النظرات التائهة، ويتساءل في أعماقه …. ماذا يصنع بسلام لا أمل في لقاء بعده، وفي القلب هذا الظلام الممتد الذي لا نهاية له؟ أيّنا الضحية والجاني في جريمة حبّ لم يبق منها إلاّ أثر الجرح الغائر في الرّوح؟ لا يملك الآن أن يفرّق بين دمه ودمها، ولا حقيقة تتعرّى أمامه كشمس آب، كيف اختفى كل شيء في تجاعيد السنوات الطويلة؟ وبم تنفع الأسئلة الحارقة، أسئلة الجمر الذي يأكل لحم القلب إلى ما لا نهاية.
كان ينتظرها ليكون لها دون غيرها، ولكن رياح الواقع جرت بما لا تشتهي الرغبات، فصار رجلا مبتورا من كل شيء؛ هو لا يعرف شيئا عن مصيرها.... ربما تكون أحسن حظا وأكثر استقرارا منه لأنها تمنح الحياة شيئا من روحها، لكن لن تكون أتعس من روحه المهاجرة التي أحبّت المشي فوق الغيمات لتمد يدها وتشرب دون عناء وتتوقف في كل محطة تأخذ زادها وتمضي بصمت. ليس له في اليد حيلة، انطوت في قلبه السماء وما أبعده عن السماء، هو هنا والسماء هناك، هو على هذه الحال مربوط إلى مصائر متينة، بعيدة عن ماضٍ رضيع مزروع في حقل كان له منذ سنين، إلى ما قبل قليل.
كانت بداية الحكاية ككل بداية رواية بين اثنين، بنظرة ذات معنى تتسلل إلى أعماق القلب لتستقرّ داخل الروح، وأحاسيس بريئة على الجسد تحترق فيها اللّقاأت شوقا، فصولها دخان تحمل أحلاما جريئة تمنح حياة حيث ماتت الحياة، وابتسامة أمل بعيون فيها كثير من الألم بموطن الحقيقة والندم، لينطفئ الوقت بينهما ويصبح رمادا تذروه تلك المسافة فيصيرا خارج إطار هذا الزمن. هما اثنان لم يربيّا حبّهما وسط ألغام القدر ولم يحميا منه شيئا بالتّحدي فاهترأ الشريان وضعف النبض وكان القلب مطفأة لبقايا منه….. قد يكون حبّه لها قد مات على صغر سنّه، وقد يكون الفراغ من الداخل هو من كان يسكنه. تلك هي التراجيديا حين تكتشف أنّ الذي آلمك وأطلقت عليه يوما اسم حب كان قصرا خياليا فارغا من الداخل وكنت تسكنه وحدك.
هو لم يشته البكاء على صدرها بعد أن أصبح عاجزا عن فعل أي شيء: أيمكن مثلا أن يرمي برأسه على صدر امرأة تأخذه بإشفاق أمومة ينتشله من متاهة الذكريات فيهمس بالهذيان معبرا عن حجم الأمان الذي يجده في دفء ذاك الصدر؟
كان ينتظرها ليكون لها دون غيرها، ولكن رياح الواقع جرت بما لا تشتهي الرغبات، فصار رجلا مبتورا من كل شيء؛ هو لا يعرف شيئا عن مصيرها.... ربما تكون أحسن حظا وأكثر استقرارا منه لأنها تمنح الحياة شيئا من روحها، لكن لن تكون أتعس من روحه المهاجرة التي أحبّت المشي فوق الغيمات لتمد يدها وتشرب دون عناء وتتوقف في كل محطة تأخذ زادها وتمضي بصمت. ليس له في اليد حيلة، انطوت في قلبه السماء وما أبعده عن السماء، هو هنا والسماء هناك، هو على هذه الحال مربوط إلى مصائر متينة، بعيدة عن ماضٍ رضيع مزروع في حقل كان له منذ سنين، إلى ما قبل قليل.
كانت بداية الحكاية ككل بداية رواية بين اثنين، بنظرة ذات معنى تتسلل إلى أعماق القلب لتستقرّ داخل الروح، وأحاسيس بريئة على الجسد تحترق فيها اللّقاأت شوقا، فصولها دخان تحمل أحلاما جريئة تمنح حياة حيث ماتت الحياة، وابتسامة أمل بعيون فيها كثير من الألم بموطن الحقيقة والندم، لينطفئ الوقت بينهما ويصبح رمادا تذروه تلك المسافة فيصيرا خارج إطار هذا الزمن. هما اثنان لم يربيّا حبّهما وسط ألغام القدر ولم يحميا منه شيئا بالتّحدي فاهترأ الشريان وضعف النبض وكان القلب مطفأة لبقايا منه….. قد يكون حبّه لها قد مات على صغر سنّه، وقد يكون الفراغ من الداخل هو من كان يسكنه. تلك هي التراجيديا حين تكتشف أنّ الذي آلمك وأطلقت عليه يوما اسم حب كان قصرا خياليا فارغا من الداخل وكنت تسكنه وحدك.
هو لم يشته البكاء على صدرها بعد أن أصبح عاجزا عن فعل أي شيء: أيمكن مثلا أن يرمي برأسه على صدر امرأة تأخذه بإشفاق أمومة ينتشله من متاهة الذكريات فيهمس بالهذيان معبرا عن حجم الأمان الذي يجده في دفء ذاك الصدر؟