الكلمة هى القصة الاولى من المجموعة القصصية بعنوان لارا للكاتب أشرف الصباغ، وتشغل القصة ثلاث عشرة صفحة من الصفحة الخامسة حتى السابعة عشرة ، تتكون القصة من مقدمة طويلة ثم تعقبها أحداث القصة، استغرقت المقدمة أكثر من صفحتين تتناول أثرالفكر الخاطئ على سلوك الإنسان " نحن وحدنا من نطل على البحر ولا أحد غيرنا يطل عليه فبحرنا المالح لا نهاية له" وهى فكرة بسيطة مفهومة للقارئ وهى أننا لا نعيش وحدنا فى هذا العالم بل نعيش مع آخرين ويجب علينا مراعاة الآخرين وإحترامهم ولا تحتاج هذه الفكرة إلى شرح كثير يستغرق أكثر من صفحتين تنتهى بفقرة تعليمية " كيف يمكن زرع مثل هذه الفكرة فى رأس الاطفال والتلاميذ وطلاب الجامعات"ص6 ، تبدا أحداث القصة بتلقى السارد لكمة من احد الشباب فى العشرين من عمره وموجها له سبابا "يا خائن يا ابن الخائن ..أنتم الذين تصالحتم مع إسرائيل "ص8 وذلك أثناء رحلته بالطائرة من موسكو إلى بيروت حيث تصدر روايته الأولى والتى وصفها أحد النقاد بأنها من أسوأ الروايات التى قرأها منذ تعلمه القراءة والكتابة ، وتضم الطائرة جنسيات مختلفة من لبنان وجنسيات أوروبية وأفريقية وما يقرب من مئة شاب تتراوح أعمارهم بين الثمانية عشرة والثلاثين لم يفصح السارد عن جنسياتهم ولكنه وصفهم بأنهم ذى ملامح غريبة وجوههم تكاد تكون مربعة وبيضاء يتحدثون العربية بلكنة لبنانية وسورية وتتخلل كلماتهم كلمات ليس عربية حيث كانوا فى معسكر تدريب فى إحدى مدن روسيا لمدة ثلاثة شهور سنويا وهو تقليد متبع منذ الإتحاد السوفيتى حيث كان ينظم لافراد التنظيمات السياسية الفلسطينية بصرف النظر عن الصراعات والخلافات والتناقضات والمعارك بينها ، ويبدو عليهم من سياق السرد انهم من لبنان ودول أخرى ، يدينون لروسيا بالولاء ومن قبل الإتحاد السوفيتى والتى تسعى إلى استعادة أمجاد الأمتين الروسية والعربية ونصرة القضية الفلسطينية واستعادة القدس، ولم يرد السارد استفزاز أو إغضاب هؤلاء الشباب الذين يتجولون بين المعسكرات ويغلقون أعينهم فى الليل على أحلامهم خوفا من تلقى لكمة أخرى من أحدهم وذلك حتى وصول الطائرة وهبوطها بمطار بيروت، وقد أحسن الكاتب بطرح أفكار هؤلاء الشباب وعلاقة الإتحاد السوڤيتى ثم روسيا بالقضايا العربية عامة والفلسطينية خاصة، وهى من الأفكارالمسكوت عنها فى الأدب العربى، فطرحها الكاتب وواجهها بقوة وجسارة فى القصة،غير أننا نأخذ عليه الإسهاب والمباشرة فى الطرح فى كثير من مواضع القصة .
وُفقَ الكاتب غاية التوفيق فى إختيار رحلة الطائرة فى سرد أحداث القصة وذلك كمعادل موضوعى للقضية الفلسطينية والمخاطر الجمة التى تتعرض لها من هذه الأفكار الخاطئة ومن التنظيمات العسكرية المتباينة والمتناقضة والمتعاركة التى تتكون من هؤلاء الشباب مغلق العينين كما يسميهم السارد ، كذلك موقف الصمت والسلبية الذى كان عليه باقى ركاب الطائرة مما حدث للسارد .
اتسم السرد بالتدفق والسرعة غير أنه فى مواضع متعددة اتسم بالمباشرة والإسهاب والتزيد بإقحام فقرات أشبه بالمقالات الصحفية والعلمية فى ص 7 ، 15 ، كما استخدم عبارات مثل الباحث وهى عادة تستخدم فى الأبحاث العلمية وليس فى السرد الأدبى" ربما يستطيع الباحث الادبى أو المعمارى أن يفك طلاسم هذا اللغز...ألخ"ص7 ، وفى فقرة اخرى " ففى العلوم الحقيقية وليس العلوم الكاذبة لا يمكن أن يعرف الباحث نهاية المعادلة أوالتجربة..."ص15 ، فهذه الفقرات تتخذ سمت البحث العلمى وهى غالبا صوت الكاتب وليس السارد الذى هو كاتب روائى، خاصة إذا علمنا أن الكاتب درس الفيزياء وحاصل على دكتوراه فى تخصصه كما أنه يعمل بالصحافة فربما كانت لهذه الخلفية العلمية والعملية أثر كبير فى أدبه ، كما اتسم أسلوب السرد بالسخرية فى أكثر من موضع فى القصة مثل وصف الناقد لرواية السارد بأنها من أسوأ الروايات التى قرأها منذ تعلمه القراءة والكتابة وغيرها من المواضع مثل وصف جاره المثلى فى الطائرة، وهى سمة أساسية فى أسلوب الكاتب فى كافة قصص المجموعة بل أراها فى كافة إنتاجه الأدبى .
غَلب الطابع السياسى والإخبارى فى أحداث القصة على الطابع الجمالى والتى اتسمت بالعنف والحدة والجهامة بعض الشئ وكانت القصة فى حاجة إلى شئ من الجمالية والترويح على القارئ حتى تتحقق له متعة القراءة وهى جزء أصيل من الفن وكاد الكاتب أن يتخفف من ذلك عن طريق تذكر الثقافة والفن وشارع الحمراء ببيروت وفيروز إلا أنه لم يستطع نسيان مشهد اللكمة فقمع تلك المحاولة التى كانت القصة فى حاجة إليها للتخفيف من جهامتها " حتى فيروز لم تساعدنى حين حاولت أن أدندن فى سرى بعض(بعضا) من أغانيها"ص10 .
كانت لغة القصة فصحى بسيطة ومتقشفة بعض الشئ من جماليات الكتابة وتميل إلى اللغة الإخبارية إلا أننا لم نعدم بعض العبارات الجمالية فى بعض المواضع القليلة مثل " بينما كتبت (أنا) الرواية ولم يكن فى ذهنى أى دافع لاستفزازه او إغضابه ، فأنا مثل شخوصها البلهاء الذين يسيرون كالعميان، مثل ركاب هذه الطائرة ، مثل كل هؤلاء الشبان الذين يتجولون بين المعسكرات ويغلقون أعينهم فى الليل على أحلام يحلمون بأن يحققها لهم مدربوهم ومسؤلون التثقيف(ومسؤلو التثقيف)" ص14 ، أما الحوار فكان بالفصحى وموجزا ومختصرا ،وفى بعض المواضع مطعما بالفاظ عامية مسرفة فى القبح على لسان بعض الشباب الكارهين للسارد كمصرى تصالحت بلده مع إسرائيل" خرايا عليك وعلى المصرى" ، "يا خائن يا ابن الخونة..أنتم الذين تصالحتم مع إسرائيل يا.."ص8
كانت النهاية مراوغة بعض الشئ بين الحقيقة أو الحلم حين انتبه السارد على صوت المضيفة وهى تخبر الركاب بالوصول وربط الأحزمة لقرب هبوط الطائرة "هكذا خيل لى بتأثير الحلم الذى لا أتذكر منه إلا صورا متناثرة، يبدو أننى غفوت لدقائق قليلة " ص16، ثم أضاف السارد فى نهاية القصة عبارة أراها زائدة ومقحمة على أحداث القصة وبنيتها وهى أن الراكب الثلاثينى جار السارد فى الطائرة والذى كان يدافع عن السارد ويتعاطف معه حين تعرض للإعتداء ويتناقش معه طول رحلة الطائرة فاجأنا بأنه مثلي " كان رأس جارى الثلاثينى مائلا على كتفى بشكل لافت ويده تقريبا على عضوى الذكرى،لحظتها فقط أدركت لماذا كانت المضيفة تبتسم"ص17، فربما أراد الكاتب أن ينهى القصة بعبارة ساخرة او مازحة ولكنها عبارة زائدة ومجانية ولا تساهم فى أحداث الرواية بشئ .
-----------------------------------------------
ملاحظات حول القصة والكاتب :
1- كانت هذه القراءة مداخلتى فى منتدى المستقبل للفكر والإبداع عند مناقشة المجموعة القصصية لارا للكاتب أشرف الصباغ يوم الثلاثاء 23 أبريل 2024 واقتصرت على تحليل هذه القصة لعدم الإطالة حيث رأيتها عمدة فى المجموعة القصصية وتحتوى على أكثر سمات الكتابة لدى الكاتب .
2-الكاتب أشرف الصباغ كاتب مصرى حاصل على الدكتوراة فى الفيزياء من جامعة موسكو، يقيم فى روسيا كما يعمل بالصحافة والإعلام، وربما لهذه الخلفيات العلمية والمهنية أثر فى كتاباته وأسلوبه ولغته كما ذكرت فى القراءة وكذلك الإقامة الدائمة فى روسيا حيث نجد أن البيئة والثقافة الروسية غالبة على أحداث القصة والمجموعة بصفة عامة .
3- عنوان القصة يستدعى قصة لبهاء طاهر بذات العنوان اللكمة فى مجموعته القصصية الأولى الخطوبة عن الراوى الذى يواظب على عمله فى الصباح ويذهب إلى الخمارة فى الليل وبينما هو فى عمله يدخل عليه شخص يلكمه لكمة تصيب جبهته ويفر هاربا وتدور القصة فى حالة من الشك والتوهان حيث لا يتذكر الراوى ما يحدث له من لقائه بامرأة وتعامله مع الآخرين مثل ماسح الأحذية، وهى ذات مدلول سياسى إذ تعبرعن حالة التوهان والغياب عند الشعب المصرى إلى أن حدثت هزيمة 67 ، وهناك إختلاف بين القصتين فى البناء والأسلوب ولا يجمع بينهما إلا العنوان فقط .
وُفقَ الكاتب غاية التوفيق فى إختيار رحلة الطائرة فى سرد أحداث القصة وذلك كمعادل موضوعى للقضية الفلسطينية والمخاطر الجمة التى تتعرض لها من هذه الأفكار الخاطئة ومن التنظيمات العسكرية المتباينة والمتناقضة والمتعاركة التى تتكون من هؤلاء الشباب مغلق العينين كما يسميهم السارد ، كذلك موقف الصمت والسلبية الذى كان عليه باقى ركاب الطائرة مما حدث للسارد .
اتسم السرد بالتدفق والسرعة غير أنه فى مواضع متعددة اتسم بالمباشرة والإسهاب والتزيد بإقحام فقرات أشبه بالمقالات الصحفية والعلمية فى ص 7 ، 15 ، كما استخدم عبارات مثل الباحث وهى عادة تستخدم فى الأبحاث العلمية وليس فى السرد الأدبى" ربما يستطيع الباحث الادبى أو المعمارى أن يفك طلاسم هذا اللغز...ألخ"ص7 ، وفى فقرة اخرى " ففى العلوم الحقيقية وليس العلوم الكاذبة لا يمكن أن يعرف الباحث نهاية المعادلة أوالتجربة..."ص15 ، فهذه الفقرات تتخذ سمت البحث العلمى وهى غالبا صوت الكاتب وليس السارد الذى هو كاتب روائى، خاصة إذا علمنا أن الكاتب درس الفيزياء وحاصل على دكتوراه فى تخصصه كما أنه يعمل بالصحافة فربما كانت لهذه الخلفية العلمية والعملية أثر كبير فى أدبه ، كما اتسم أسلوب السرد بالسخرية فى أكثر من موضع فى القصة مثل وصف الناقد لرواية السارد بأنها من أسوأ الروايات التى قرأها منذ تعلمه القراءة والكتابة وغيرها من المواضع مثل وصف جاره المثلى فى الطائرة، وهى سمة أساسية فى أسلوب الكاتب فى كافة قصص المجموعة بل أراها فى كافة إنتاجه الأدبى .
غَلب الطابع السياسى والإخبارى فى أحداث القصة على الطابع الجمالى والتى اتسمت بالعنف والحدة والجهامة بعض الشئ وكانت القصة فى حاجة إلى شئ من الجمالية والترويح على القارئ حتى تتحقق له متعة القراءة وهى جزء أصيل من الفن وكاد الكاتب أن يتخفف من ذلك عن طريق تذكر الثقافة والفن وشارع الحمراء ببيروت وفيروز إلا أنه لم يستطع نسيان مشهد اللكمة فقمع تلك المحاولة التى كانت القصة فى حاجة إليها للتخفيف من جهامتها " حتى فيروز لم تساعدنى حين حاولت أن أدندن فى سرى بعض(بعضا) من أغانيها"ص10 .
كانت لغة القصة فصحى بسيطة ومتقشفة بعض الشئ من جماليات الكتابة وتميل إلى اللغة الإخبارية إلا أننا لم نعدم بعض العبارات الجمالية فى بعض المواضع القليلة مثل " بينما كتبت (أنا) الرواية ولم يكن فى ذهنى أى دافع لاستفزازه او إغضابه ، فأنا مثل شخوصها البلهاء الذين يسيرون كالعميان، مثل ركاب هذه الطائرة ، مثل كل هؤلاء الشبان الذين يتجولون بين المعسكرات ويغلقون أعينهم فى الليل على أحلام يحلمون بأن يحققها لهم مدربوهم ومسؤلون التثقيف(ومسؤلو التثقيف)" ص14 ، أما الحوار فكان بالفصحى وموجزا ومختصرا ،وفى بعض المواضع مطعما بالفاظ عامية مسرفة فى القبح على لسان بعض الشباب الكارهين للسارد كمصرى تصالحت بلده مع إسرائيل" خرايا عليك وعلى المصرى" ، "يا خائن يا ابن الخونة..أنتم الذين تصالحتم مع إسرائيل يا.."ص8
كانت النهاية مراوغة بعض الشئ بين الحقيقة أو الحلم حين انتبه السارد على صوت المضيفة وهى تخبر الركاب بالوصول وربط الأحزمة لقرب هبوط الطائرة "هكذا خيل لى بتأثير الحلم الذى لا أتذكر منه إلا صورا متناثرة، يبدو أننى غفوت لدقائق قليلة " ص16، ثم أضاف السارد فى نهاية القصة عبارة أراها زائدة ومقحمة على أحداث القصة وبنيتها وهى أن الراكب الثلاثينى جار السارد فى الطائرة والذى كان يدافع عن السارد ويتعاطف معه حين تعرض للإعتداء ويتناقش معه طول رحلة الطائرة فاجأنا بأنه مثلي " كان رأس جارى الثلاثينى مائلا على كتفى بشكل لافت ويده تقريبا على عضوى الذكرى،لحظتها فقط أدركت لماذا كانت المضيفة تبتسم"ص17، فربما أراد الكاتب أن ينهى القصة بعبارة ساخرة او مازحة ولكنها عبارة زائدة ومجانية ولا تساهم فى أحداث الرواية بشئ .
-----------------------------------------------
ملاحظات حول القصة والكاتب :
1- كانت هذه القراءة مداخلتى فى منتدى المستقبل للفكر والإبداع عند مناقشة المجموعة القصصية لارا للكاتب أشرف الصباغ يوم الثلاثاء 23 أبريل 2024 واقتصرت على تحليل هذه القصة لعدم الإطالة حيث رأيتها عمدة فى المجموعة القصصية وتحتوى على أكثر سمات الكتابة لدى الكاتب .
2-الكاتب أشرف الصباغ كاتب مصرى حاصل على الدكتوراة فى الفيزياء من جامعة موسكو، يقيم فى روسيا كما يعمل بالصحافة والإعلام، وربما لهذه الخلفيات العلمية والمهنية أثر فى كتاباته وأسلوبه ولغته كما ذكرت فى القراءة وكذلك الإقامة الدائمة فى روسيا حيث نجد أن البيئة والثقافة الروسية غالبة على أحداث القصة والمجموعة بصفة عامة .
3- عنوان القصة يستدعى قصة لبهاء طاهر بذات العنوان اللكمة فى مجموعته القصصية الأولى الخطوبة عن الراوى الذى يواظب على عمله فى الصباح ويذهب إلى الخمارة فى الليل وبينما هو فى عمله يدخل عليه شخص يلكمه لكمة تصيب جبهته ويفر هاربا وتدور القصة فى حالة من الشك والتوهان حيث لا يتذكر الراوى ما يحدث له من لقائه بامرأة وتعامله مع الآخرين مثل ماسح الأحذية، وهى ذات مدلول سياسى إذ تعبرعن حالة التوهان والغياب عند الشعب المصرى إلى أن حدثت هزيمة 67 ، وهناك إختلاف بين القصتين فى البناء والأسلوب ولا يجمع بينهما إلا العنوان فقط .