استوديو الجماهير لحسن بحراوي، مجموعة قصصية عن سليكي اخوين. طنجة. الطبعة الاولى سنة 2016.
إن ما يلفت انتباه القارئ في المجموعة القصصية "استوديو الجماهير" عدا غرابة العنوان، هو قدرة حسن بحراوي على الحكي واتباع أدق التفاصيل المؤطرة للمشهد، وبراعته في نسج الأحداث وتصوير الشخصيات. ففي قصته "الرتيلة القرمزية" تحضر هذه البراعة كما حضرت لدى الجاحظ في رصد ورسم تحركات هذه الحشرة العجيبة والمقززة في خمس صفحات، كل ذلك في علاقتها بالسارد وتحركاته.
وبعض قصصه تبني على حدث مثير، يستنفر حواس وذهن السارد، فيقوم بنسج الأحداث حوله، ويرصد أدق التفاصيل بهمة تحر، لكنه في تحريه يقودك إلى المصب لتجد نفسك لم ترتو، وأن من الواجب عليك إعادة النظر في توقعاتك، بربط تلك الأحداث العجيبة التي ما هي إلا نتيجة تعب نفسي وذهني لدى السارد كما في قصته الأولى "فندق المسافرين" حيث انبنت على حدث سماع السارد طلقات نارية، فكان مدفوعا إلى معرفة مأتاها وأسبابها ونتائجها هو الباحث في علم الوراثة الذي قدم إلى طنجة من أجل المشاركة في لقاء علمي ذي ارتباط بتخصصه.
يمتلك حسن بحراوي قدرة على السرد ونفسا عميقا يقربه من أجواء الرواية، فثلاثة من قصصه تتجاوز 26 صفحة.
في قصته استوديو الجماهير" يتلقى السارد رسالة من مجهول عن صور أخذت له في مأتم بطلب منه، لينطلق في البحث عن الشخص الباعث للرسالة، وبعد محن يبلغ المحل ليعرف أن صاحبه الحالي شيخ يتلاعب به مرض الزهايمر. في هذه القصة يرسم لنا بدقة متناهية مشفوعة بخيال جامح الأشغال العمومية في إصلاح الطرقات وما تعرفه من ضوضاء وغبار وتعطيل للأعمال، وتأثير ذلك في نفسية الشخصيات ومنها السارد وزوجته.
أسلوب السخرية حاضر بقوة، ينتقد من خلاله المواقف والأفعال والأحداث كما في قصة "شاي في باريس" حيث يرصد الأجواء داخل الطائرة وهي تهتز بفعل عوامل الجو، وأثر ذلك في نفسية الشخصيات.
وتحضر السخرية أيضا في الزوجة المسكونة بالرغبة في أن تشرب كأس شاي منعنع على قمة "برج إيفل".
ويصف السارد زوجته لحظة حصوله من الحاج على مواد الشاي قائلا:
وما إن رأت زوجتي التي ظلت بانتظاري في غرفة الفندق نتيجة هذه المحاولة التي كانت تبدو لها يائسة أو في حكم اليائس حتى طفرت عيناها بدموع الفرحة كما لو أنها حصلت على وسام شرفي ولم يهدأ لها بال حتى باشرت بنفسها صناعة إبريق من الشاي بالمقاييس المرعية في البلد التي لا تقبل بديلا عنها والتي يعلم تفاصيلها العارفون.. ص 49.
والسؤال المضمر بالنسبة لي في هذه القصة: ماذا لو لم تحصل الزوجة على شايها بعد أن تمت مصادرة مكوناته بالمطار هي المدمنة على شربه كما بقية المغاربة؟ ثم أليس ذلك من بعض ما يشكل هوية المغاربة داخل الوطن وخارجه؟ وقس على ذلك الإعداد، أليس خاصا بهذا الشعب الرائع وإن كان قد تعرف على المشروب في القرن الثامن عشر كما جاء في القصة، فصيره جزء من هويته.
أدخل الإنجليز الشاي إلى المغرب على عهد السلطان مولاي إسماعيل: الذي كان هو نفسه من عشاق هذا المشروب الفردوسي الذي سيظل لفترة طويلة شرابا نخبويا مقصورا على الفئات المخزنية والطبقة الأرستقراطية بسبب ندرته وثمنه الباهظ .. وعندما حل القرن التاسع عشر سيشهد الشاي انتشارا منقطع النظير في الأوساط الحضرية دون الأرياف ولكنه سيكون مشروبا رجاليا في المقام الأول مثل الخمر في أيامنا هاته .. ثم سيتسع استهلاكه أواس ذلك القرن فيصل إلى البوادي والجبال ويصير شرابا يوميا وعموميا تقام له طقوس معتبرة وتستحدث له أواني مخصوصة.. فالكؤوس من البلار أو العنبة أو حياتي والصينية من البندقية الإيطالية والبراد صنعة فاس... ص 54.
يلاحظ أن السارد ومن ورائه المبدع قد قدم لنا نبذة تاريخية عن المشروب السحري ودمجه في نصه القصصي فجمع بين التخييلي والتوثيقي، مؤكدا بذلك جمعه بين ما هو واقعي وما هو خيالي في عمله ككل.
وتزداد السخرية سوادا من خلال رصد مفارقة بلسان الحاج إبراهيم والمتجلية في إغماض الجمارك لأعينها عن الحشيش الذي يعبر الحدود، وممارسة يقظتها على مواد مباركة مثل الشاي والنعناع..
أما في قصة "السجين" والعنوان معبر عن الشخصية التي ظلت سجينة حتى بعد أن تم الإفراج عنها، فقد ظلت وفية لخط سيرها التقدمي بعد أن تخلى عنها باقي الشخصيات التي استوعبتها الحياة، فكانت اختياراتها غير اختيارتها أيام النضال، منها التي راكمت ثروة واكتسبت عقارات وضيعات ومنها التي كونت عائلة وأنجبت أبناء ناجحين. وهذا يؤكد هذا التحول الذي لا تكتسب الحياة معناها سوى على إيقاع التحولات والانتقالات التي تطرأ على بني البشر وتحملهم على التلون من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع.. ص 76.
لقد خذلت السجين الحياة كما خذله الرفاق، هو الذي ظل مؤمنا بالنضال من أجل التغيير. وإذا انتقلنا إلى قصة "نكرولوجيا مغربية" فسنجد أنفسنا في قلب الواقع المغربي الكالح من خلال المقبرة التي زارها السارد صحبة أمه للترحم على أبيه وأقاربه بمن فيهم جارتهم العرافة التي يدعوها بخالتي. نشهد في هذه المقبرة كل ضروب اللامبالاة والبرودة الإنسانية والبحث عن النقود بشتى أنواع الطرق؛ فضلا عن النكران كقيمة سلبية تشي بقسوة الإنسان وتبلد مشاعره وموت ضميره. ولا ينسى السارد وهو يرسم معالم اللامبالاة أسلوب السخرية لتجاوز قبح الواقع من مثل سخريته من الفقيه الذي لا يقرأ سوي الآيات التي تحمل الوعيد وهو يلوك التين. إنه يقوم بالتلاوة بشكل ميكانيكي دون أن يفهم قصد الآيات. وتنتهي القصة بظهور مقبرة جديدة ومنظمة بديلا للمقبرة العشوائية التي انهكتها الأمطار والأعشاب الضارة والحمقى. مقبرة جديدة لصق القديمة تحمل وعدا للأم.
تحضر الرحلة في بعض القصص؛ والرحلة انتقال من مكان إلى آخر مع ما يستتبع ذلك من تحولات تفرضها الأزمنة والأمكنة وطبيعة الأحداث.
لأول مرة أقرأ لحسن بحراوي في مجال الإبداع بعد أن قرأت له عملا نقديا حول الرواية بعنوان "بنية الشكل الروائي..." كنت قد اشتريته لحظة صدوره. وها أنا أتعرف على جانب آخر من جوانبه المتعددة من سرد روائي وبحث آكاديمي، وفي التراث الشعبي وبالأخص فن العيطة.
تجدر الإشارة إلى العنونة لدى حسن بحراوي في عمله هذا، إذ وجدتها تتميز بالغرابة من مثل "نكرولوجيا مغربية" و"المبعبص"، وتزول بعد قراءة النص والتعرف على أبعاده.
فنكرولوجيا تجمع بين النكران ولوجيا التي بمعنى علم، وبالتالي نحصل على علم النكران والخاص بالمغاربة دون غيرهم، فأين يتجلى ذلك؟
يتجلى ذلك في موضوع العلاقة الإشكالية بين زمرة الأحياء المأخوذين بنشوة الدنيا ولذائذها وجماعة الأموات الذين “يعيشون” أوضاعا صعبة في مقابر متروكة لنفسها تعاني من الإهمال واليتم المضاعف.. على أن موضوعة التحول والتغيير تظل هي المهيمنة وتستغرق القصص جميعها؛ بيد أن هذا التغيير والتحول نراه يجمع الإيجابي والسلبي معا؛ وفي ما يخص السلبي فنراه بارزا في قصة؛ السجين؛ وبقوة في قصة؛ المبعبص؛ هذا الشخص الذي تمكن من الحصول على ثقة معلمه وثقة الزاهية مديرة دار الدعارة فجمع مالهم وذهبهم وذاب هو الرجل العاشق للقمار؛ فقد تمكن اخيرا من ربح الرهان.
وأختم بالخلاصة التي جاءت في إحدى القراءات المنشورة بجريدة "المنعطف" التي تقول:
إن مجموعة (أستوديو الجماهير) تعرض علينا كونا حكائيا ذا نكهة غريبة بعض الشيء حيث انعدام اليقين هو السمة البارزة لشخوصها..والعيش على حافة الحلم والكوابيس هو ما يميز عوالمها السردية ببداياتها الملغزة ونهاياتها غير المتوقعة..أما ثيماتها فتختار الغريب من الأحداث والمثير من الوقائع لتنسج حولها فضاء قصصيا متميزا يضع القارئ في مهبّ التساؤلات..وكل ذلك يمثل تجربة حكائية جديدة وطريفة تفتح أمامنا أفقا عابرا للمسافة بين الحقيقة والخيال..بين الكتابة الواقعية والتعبير الفنطاستيكي..بين الحداثة المفرطة والعتاقة التي لا يمكن تلافيها..وتلك بعض الرهانات التي تعدنا بها هذه المجموعة لمؤلفها الكاتب المغربي حسن بحراوي..
إن ما يلفت انتباه القارئ في المجموعة القصصية "استوديو الجماهير" عدا غرابة العنوان، هو قدرة حسن بحراوي على الحكي واتباع أدق التفاصيل المؤطرة للمشهد، وبراعته في نسج الأحداث وتصوير الشخصيات. ففي قصته "الرتيلة القرمزية" تحضر هذه البراعة كما حضرت لدى الجاحظ في رصد ورسم تحركات هذه الحشرة العجيبة والمقززة في خمس صفحات، كل ذلك في علاقتها بالسارد وتحركاته.
وبعض قصصه تبني على حدث مثير، يستنفر حواس وذهن السارد، فيقوم بنسج الأحداث حوله، ويرصد أدق التفاصيل بهمة تحر، لكنه في تحريه يقودك إلى المصب لتجد نفسك لم ترتو، وأن من الواجب عليك إعادة النظر في توقعاتك، بربط تلك الأحداث العجيبة التي ما هي إلا نتيجة تعب نفسي وذهني لدى السارد كما في قصته الأولى "فندق المسافرين" حيث انبنت على حدث سماع السارد طلقات نارية، فكان مدفوعا إلى معرفة مأتاها وأسبابها ونتائجها هو الباحث في علم الوراثة الذي قدم إلى طنجة من أجل المشاركة في لقاء علمي ذي ارتباط بتخصصه.
يمتلك حسن بحراوي قدرة على السرد ونفسا عميقا يقربه من أجواء الرواية، فثلاثة من قصصه تتجاوز 26 صفحة.
في قصته استوديو الجماهير" يتلقى السارد رسالة من مجهول عن صور أخذت له في مأتم بطلب منه، لينطلق في البحث عن الشخص الباعث للرسالة، وبعد محن يبلغ المحل ليعرف أن صاحبه الحالي شيخ يتلاعب به مرض الزهايمر. في هذه القصة يرسم لنا بدقة متناهية مشفوعة بخيال جامح الأشغال العمومية في إصلاح الطرقات وما تعرفه من ضوضاء وغبار وتعطيل للأعمال، وتأثير ذلك في نفسية الشخصيات ومنها السارد وزوجته.
أسلوب السخرية حاضر بقوة، ينتقد من خلاله المواقف والأفعال والأحداث كما في قصة "شاي في باريس" حيث يرصد الأجواء داخل الطائرة وهي تهتز بفعل عوامل الجو، وأثر ذلك في نفسية الشخصيات.
وتحضر السخرية أيضا في الزوجة المسكونة بالرغبة في أن تشرب كأس شاي منعنع على قمة "برج إيفل".
ويصف السارد زوجته لحظة حصوله من الحاج على مواد الشاي قائلا:
وما إن رأت زوجتي التي ظلت بانتظاري في غرفة الفندق نتيجة هذه المحاولة التي كانت تبدو لها يائسة أو في حكم اليائس حتى طفرت عيناها بدموع الفرحة كما لو أنها حصلت على وسام شرفي ولم يهدأ لها بال حتى باشرت بنفسها صناعة إبريق من الشاي بالمقاييس المرعية في البلد التي لا تقبل بديلا عنها والتي يعلم تفاصيلها العارفون.. ص 49.
والسؤال المضمر بالنسبة لي في هذه القصة: ماذا لو لم تحصل الزوجة على شايها بعد أن تمت مصادرة مكوناته بالمطار هي المدمنة على شربه كما بقية المغاربة؟ ثم أليس ذلك من بعض ما يشكل هوية المغاربة داخل الوطن وخارجه؟ وقس على ذلك الإعداد، أليس خاصا بهذا الشعب الرائع وإن كان قد تعرف على المشروب في القرن الثامن عشر كما جاء في القصة، فصيره جزء من هويته.
أدخل الإنجليز الشاي إلى المغرب على عهد السلطان مولاي إسماعيل: الذي كان هو نفسه من عشاق هذا المشروب الفردوسي الذي سيظل لفترة طويلة شرابا نخبويا مقصورا على الفئات المخزنية والطبقة الأرستقراطية بسبب ندرته وثمنه الباهظ .. وعندما حل القرن التاسع عشر سيشهد الشاي انتشارا منقطع النظير في الأوساط الحضرية دون الأرياف ولكنه سيكون مشروبا رجاليا في المقام الأول مثل الخمر في أيامنا هاته .. ثم سيتسع استهلاكه أواس ذلك القرن فيصل إلى البوادي والجبال ويصير شرابا يوميا وعموميا تقام له طقوس معتبرة وتستحدث له أواني مخصوصة.. فالكؤوس من البلار أو العنبة أو حياتي والصينية من البندقية الإيطالية والبراد صنعة فاس... ص 54.
يلاحظ أن السارد ومن ورائه المبدع قد قدم لنا نبذة تاريخية عن المشروب السحري ودمجه في نصه القصصي فجمع بين التخييلي والتوثيقي، مؤكدا بذلك جمعه بين ما هو واقعي وما هو خيالي في عمله ككل.
وتزداد السخرية سوادا من خلال رصد مفارقة بلسان الحاج إبراهيم والمتجلية في إغماض الجمارك لأعينها عن الحشيش الذي يعبر الحدود، وممارسة يقظتها على مواد مباركة مثل الشاي والنعناع..
أما في قصة "السجين" والعنوان معبر عن الشخصية التي ظلت سجينة حتى بعد أن تم الإفراج عنها، فقد ظلت وفية لخط سيرها التقدمي بعد أن تخلى عنها باقي الشخصيات التي استوعبتها الحياة، فكانت اختياراتها غير اختيارتها أيام النضال، منها التي راكمت ثروة واكتسبت عقارات وضيعات ومنها التي كونت عائلة وأنجبت أبناء ناجحين. وهذا يؤكد هذا التحول الذي لا تكتسب الحياة معناها سوى على إيقاع التحولات والانتقالات التي تطرأ على بني البشر وتحملهم على التلون من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع.. ص 76.
لقد خذلت السجين الحياة كما خذله الرفاق، هو الذي ظل مؤمنا بالنضال من أجل التغيير. وإذا انتقلنا إلى قصة "نكرولوجيا مغربية" فسنجد أنفسنا في قلب الواقع المغربي الكالح من خلال المقبرة التي زارها السارد صحبة أمه للترحم على أبيه وأقاربه بمن فيهم جارتهم العرافة التي يدعوها بخالتي. نشهد في هذه المقبرة كل ضروب اللامبالاة والبرودة الإنسانية والبحث عن النقود بشتى أنواع الطرق؛ فضلا عن النكران كقيمة سلبية تشي بقسوة الإنسان وتبلد مشاعره وموت ضميره. ولا ينسى السارد وهو يرسم معالم اللامبالاة أسلوب السخرية لتجاوز قبح الواقع من مثل سخريته من الفقيه الذي لا يقرأ سوي الآيات التي تحمل الوعيد وهو يلوك التين. إنه يقوم بالتلاوة بشكل ميكانيكي دون أن يفهم قصد الآيات. وتنتهي القصة بظهور مقبرة جديدة ومنظمة بديلا للمقبرة العشوائية التي انهكتها الأمطار والأعشاب الضارة والحمقى. مقبرة جديدة لصق القديمة تحمل وعدا للأم.
تحضر الرحلة في بعض القصص؛ والرحلة انتقال من مكان إلى آخر مع ما يستتبع ذلك من تحولات تفرضها الأزمنة والأمكنة وطبيعة الأحداث.
لأول مرة أقرأ لحسن بحراوي في مجال الإبداع بعد أن قرأت له عملا نقديا حول الرواية بعنوان "بنية الشكل الروائي..." كنت قد اشتريته لحظة صدوره. وها أنا أتعرف على جانب آخر من جوانبه المتعددة من سرد روائي وبحث آكاديمي، وفي التراث الشعبي وبالأخص فن العيطة.
تجدر الإشارة إلى العنونة لدى حسن بحراوي في عمله هذا، إذ وجدتها تتميز بالغرابة من مثل "نكرولوجيا مغربية" و"المبعبص"، وتزول بعد قراءة النص والتعرف على أبعاده.
فنكرولوجيا تجمع بين النكران ولوجيا التي بمعنى علم، وبالتالي نحصل على علم النكران والخاص بالمغاربة دون غيرهم، فأين يتجلى ذلك؟
يتجلى ذلك في موضوع العلاقة الإشكالية بين زمرة الأحياء المأخوذين بنشوة الدنيا ولذائذها وجماعة الأموات الذين “يعيشون” أوضاعا صعبة في مقابر متروكة لنفسها تعاني من الإهمال واليتم المضاعف.. على أن موضوعة التحول والتغيير تظل هي المهيمنة وتستغرق القصص جميعها؛ بيد أن هذا التغيير والتحول نراه يجمع الإيجابي والسلبي معا؛ وفي ما يخص السلبي فنراه بارزا في قصة؛ السجين؛ وبقوة في قصة؛ المبعبص؛ هذا الشخص الذي تمكن من الحصول على ثقة معلمه وثقة الزاهية مديرة دار الدعارة فجمع مالهم وذهبهم وذاب هو الرجل العاشق للقمار؛ فقد تمكن اخيرا من ربح الرهان.
وأختم بالخلاصة التي جاءت في إحدى القراءات المنشورة بجريدة "المنعطف" التي تقول:
إن مجموعة (أستوديو الجماهير) تعرض علينا كونا حكائيا ذا نكهة غريبة بعض الشيء حيث انعدام اليقين هو السمة البارزة لشخوصها..والعيش على حافة الحلم والكوابيس هو ما يميز عوالمها السردية ببداياتها الملغزة ونهاياتها غير المتوقعة..أما ثيماتها فتختار الغريب من الأحداث والمثير من الوقائع لتنسج حولها فضاء قصصيا متميزا يضع القارئ في مهبّ التساؤلات..وكل ذلك يمثل تجربة حكائية جديدة وطريفة تفتح أمامنا أفقا عابرا للمسافة بين الحقيقة والخيال..بين الكتابة الواقعية والتعبير الفنطاستيكي..بين الحداثة المفرطة والعتاقة التي لا يمكن تلافيها..وتلك بعض الرهانات التي تعدنا بها هذه المجموعة لمؤلفها الكاتب المغربي حسن بحراوي..
