فوز حمزة - زهرة من الجدول _ قصة قصيرة _

ولدتُ لأم بلغارية وأب عربي ..
أمي كانت تعمل نادلة في أحد المقاهي التي كان أبي يتردد عليها، فأعجب بها وظن أنها لقمة سهلة وهي كانت كذلك بالفعل!
وفي ليلة سبت ساخنة، وبعد أن احتسيا عدة كؤوس من الخمر، رقصا بنشاط ملحوظ وحماس شبابي ثم اصطحبها إلى بيته وضاجعها تلك اللّيلة بكل حب.
تزوجها بعد حملها بيّ. كان من الممكن أن لا يفعل وهي لم يكن ليشكل لها هذا الموضوع أيّ فارق، لكن أبي كان يحمل داخله بقايا رجل محترم وأراد لطفله القادم أن يتربى في جو أسري مترابط.
حين ولدتُ، نظر أبي لعينيّ الزرقاوين وشعري الأشقر محدثًا نفسه: حتى لو كنتِ أوربية الألوان، هذا لن ينفي أن دمكِ عربي.
أبوك آخر الرّجال المحترمين. تلك الكلمات طالما أمامي رددتها أمي مبتسمة.
" للحب معجزاته " كما أخبرني بذلك أبي حينما أصيبتْ أمي بوعكة صحية بقيت على أثرها في الفراش عدة أيام.
كل شيء سار بهدوء حتى جاء اليوم الذي احتفلنا فيه لبلوغي الخامسة عشرة، ما زلت أتذكر نظرات أبي القلقة حين لاحظ الاهتمام المتبادل بيني وبين زميل لي في المدرسة كان من بين المدعوين.
تلك اللّيلة وبعد مغادرة الضيوف، عاد أبي إلى التّدخين ثانية بينما الهمَّ والخوف قد تمكنا منه بعد رؤيته لزميلي يقبلني على النقيض من أمي التي باركت هذه العلاقة وفرحت بها، لكنها حذرتني من الحمل لأنني لا زلتُ صغيرة وعليّ إكمال دراستي أولًا.
منعني أبي من الخروج مع أصدقائي و كانت هذه هي القنبلة التي بددت صفاء العلاقة بينه وبين أمي التي لم تفهم كلامه حين طلب منها مرافقتي لكل مكان أذهب إليه، وحين فهمتْ لم تستطع استيعابه وعبثًا حاولت إقناعه بأنها كانت في مثل عمري عندما غادرت مدينتها لتعمل وتعيش وحيدة في العاصمة.
ذات مساء سمعته يقول لأمي بلغته العربية: لا أريد لابنتي العيش مثل الفتيات البلغاريات!
ردّتْ أمي عليه بلغتها البلغارية: كان عليك إذن العودة لبلدك وتتزوج من هناك!
" حديث دانيا زوجتي كانت صفعة على وجه نائم "
هذه الكلمات قرأتها في دفتر مذكرات أبي الذي وقع في يدي بالصدفة.
أصيب والدي بالسكري، رقد على إثرها عدة أيام في المشفى حينما عدت وصديقي في إحدى الليالي مخمورين لم يتمالك أبي نفسه حينما أسمع سيلًا من الشّتائم بكلتا اللغتين انتهت بالضرب. لم يمضِ الليل إلا بعد توقيع أبي إقرارًا بعدم التعرض لي ولصديقي وأيضًا عدم إزعاج الجيران.
أما أنا فقد نمت تلك الليلة أفكر ما الغريب الذي فعلته ؟!
بدأ أبي يطيل فترات الصمت خشية الوقوع في مصادمات بيني وبينه وبين أمي وغالبًا ما تنتهي تلك المواقف ببقاء الوضع على ما هو عليه.
بعد ارتيادي الجامعة وحصولي على عمل مسائي، قررت الانتقال للعيش مع صديقي.
كنت قلقة من ردة فعل أبي الذي بدا مستسلمًا، ربما القانون منعه من إبداء أية ردة فعل وليس شيئًا آخر.
بعد سنوات عندما كان أصدقائي البلغار يقولون لي أنتِ عربية بينما العرب يسمونني البلغارية، فهمت حديث
أبي لأحد أصدقائه:
ورغم أنني أمضيت أكثر من ثلاثين عامًا في هذه البلاد، إلا إني ما زالت أشعر كأني زهرة في جدول لا جذور لها٠

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى