رسائل الأدباء رسالة من الدكتور إبراهيم أبو عوف إلى شقيقه الناقد الأدبي عبدالرحمن أبو عوف

الأخ العزيز أستاذ عبد الرحمن .
تحياتي وأشواقي وكيف هي صحتك ومزاجك إن شاء الله تكون في أحسن الأحوال أظن أن إدخالك التليفون انجاز حقيقي فقد ألغى المسافة بيننا من حيث المكان والزمان بشكل ساحر فقط المدة التي يحسبها الجهاز للمكالمة قصيرة والثمن مرتفع في النهار وأقل قليلا في المساء بعد الساعة 6 أقول لك هذه المعلومات لاجل أن لا تفاجئ بفاتورة وحشية تضايقك ... ومع ذلك فهو انجاز كبير ، أما السيارة فإنني أنصحك أن تفكر طويلا وعميقا وبحرص زائد ولا جدوى من شراء سيارة قبل تعلم القيادة وإتقانها ... ثم عليك أن تحسب الربح والخسارة من حيث الجراج أو حتى البيات في الشارع وثمن البنزين والمخالفات والضريبة السنوية والتأمين السنوي الإجباري – والصيانة الشهرية وخاصة الغسيل والتشحيم والإصلاحات وكل ذلك يحتاج إلى نهر من النقود فضلا عن رخصة القيادة واستخراجها ثم تجديدها وكلها أمور متعبة ، يعني ( السيارة ) مشروع حلو لكنه يحتاج حساب دقيق وإلا انقلب إلى خسارة مؤذية.

أما موضوع الشقة فهو فكرة طيبة جدا جدا ولكنها متأخرة على الأقل 20سنة أو يعني تقريبا منذ وفاة المرحومة الوالدة ولعل لا تكون نسيت اقتراحي عليك موضوع تأجير شقة دور أرضي في مصر الجديدة بحوالي 7 إلى 8 جنيهات شهريا عن طريق بعض أصدقائي وقد زرناهم ولكن لم نكمل المشوار.. ولكن هل يرضيك شقة صغيرة... أظنها مسألة صعبة جدا فالإيجار الشهري –إن وجد – غالي جدا مع دفع خلو كبير – والموجود أكثره للتمليك وحراق جدا جدا.. وغالبا في أطراف أطراف القاهرة وضواحيها البعيدة النائية ، ولكن العشم في الله موجود ... وما دام عندك أمل واستعداد فلعل وعسى.
المهم نحن نتبادل التفكير ... وان شاء الله تتحقق الآمال وتتحسن الاحوال.
وتفرج بإذن الله.
والآن إلى الحديث الثقافي الجاد والمحترم .... خطابك الذي جائني ردا على خطابي ( عزاء لك في د. لويس عوض ) خطاب جميل ... مثلك عندما تصفو وتروق وتبدع .
ولكني لي عليك ملاحظتين في هذا الخطاب أولا – لماذا تحاول أن تؤكد على أن لويس عوض كان مبدعا أكثر من كونه ناقدا ؟؟؟ نعم لماذا تغلب صفة الإبداع عليه أكثر من صفة النقد !؟! ... وما قيمة مسرحية الراهب عندك ؟ صراحة أنا غير مقتنع بهذا الرأي السريع المتعجل ... وأراك تحاول اخفاء لويس عوض الناقد تحت ستار المبدع ...لماذا ؟! ... أسألك نفسك ... فربما كانت هذه فكرة ملعونة ... تلغي بها الناقد ... لحساب ناقد آخر .
ثانيا :- تقول أنك تجاوزت د. لويس عوض ... وأسأل نفسي تجاوزته في ماذا ؟ هل في كلامه في مقدمة كتاب ( الأدب الانجليزي ) ؟ معك حق إذا كنت تقصد ذلك!
أما إذا كنت تقصد ما قام به لويس بعد ذلك وحتى نهاية عمره، فأنا آسف لأن ذلك ليس صحيحا لا من ناحية ملاحظاته " النظرية " والتي وردت خلال كتاباته وترجماته ولا من ناحية شغله التطبيقي المنشور للناس جميعا وهو ثروة ، يندر فيها الخطأ أو التهور أو السطحية وان كان به وعنده نقط للخلاف ليست قليلة أنت نفسك من أكثر الناس دراية وخبرة بها ، ثم هل نسيت أنك تكاد تكون ركزت عملك حول نقد القصة القصيرة والرواية في حين كان هو ناقدا يكاد يكون – بحكم ظروف المرحلة – ناقدا شاملا أقصد ناقد شعر وناقد مسرح ... إلى جانب القصة القصيرة والرواية ... مع صرف النظر عن درجة الاجادة في كل نوع من أنواع النقد . ولكنك تتميز عنه بالاهتمام بالجيل الجديد والكتاب الجدد ... بينما هو نفسه آثر الابتعاد عنهم بل ربما ذهب الى حد عدم الاعتراف بهم ! ... ترى لماذا ؟؟؟ لماذا هذا الموقف الغريب منه ؟ أظنك أنت ربما أعرف الناس بالجواب عن هذا السؤال ... لأنك تعرفه هو أكثر ... من كثيرين ... بل وتعرف الكتاب الجدد أيضا ... وبشكل مكثف وعميق وشامل .
إن عليك أنت يا عبد الرحمن حل اللغز ... وهو مسؤليتك دون شك ... أمام التاريخ الأدبي الحديث والمعاصر !
الحق يا أخي العزيز إن لدينا حديث شائق حول د. لويس عوض هذا البروميثيوس ... المصري ... الذي أراه قد مات وهو لا يزال مصلوبا على أحجار الرجعية والتخلف والجحود ... مات وهو يرسف في الأغلال ... رغم ما كتب ونشر ... وهو حتى الآن لا زال في القيود .. لا لشيء إلا لأنه كان يحب شعبه ... ويريد ان يسرق لهم النور والسعادة دون غوغائية ودون إرهاب ... ودون تسلط . لقد كان تلميذا ليس فقط لطه حسين بل وأيضا لسلامه موسى ... وكان مستهاما بالوفد العتيق لقدرته على صهر المصريين جميعا في بوتقة الوحدة الوطنية ، فلما خرج عليها خرج منه ، فهو ابن سعد زغلول أيضا ... ولم يكن لديه إلا القليل جدا جدا من "العجول المقدسة " ... ومن هنا كان يمكنه من حين لآخر ان ينهض ويتمرد ويثور ويرفض إسباغ القداسة على ما ليس مقدس ... اللغة ... الجنس ... الجماعة ... الفرد ... السلطة ... ولكنه كان لا يهزء بالعلم أو يمسه بأدنى جرح ... وان كان شغف بالتاريخ وما فيه من أسرار وتعاريج وخفايا ومنحنيات ... لم يكن عبدا للنبوغ الانجليزي ... ولم تخدعه العبقرية الفرنسية ... رغم درسه الأوروبي وفهمه العالمي والإنساني ...ولم ينبهر بأمريكا ... ولم ينخدع في روسيا ... وحافظ لنفسه على مسافة من كل شيء ... ولكنه كان كاره عميق للبداوة... ومن هنا جاء أسلوبه في الكتابة ارقي واعلي قليلا من الكتابة الصحافية ولكنه لا يذكر أو يقبل أن يذكر كلمة واحدة من تلك الكلمات الصخرية والحجرية التي هجرها الأدب العربي من قديم فأخذت تموت ... وأضحكنا في المحاورات الجديدة على الأسماء العربية التي لا جاذبية فيها ... مثل الصمصام ... والشماخ ...الخ ... وعندما كان يكتب أحيانا في السياسة وخاصة السياسة الثقافية صان قلمه عن التذلل المبتذل والنفاق الرخيص ... والتبعية والامعية الدنيئة وكان يفضل ان يخسر مالا أو مركزا عن أن يخون نفسه أو يوقف نشاطه كمعلم حتى ولو كان المعلم العاشر ... ولكنه لقي من سوء الفهم والجحود والتنكر والعقوق قدر رهيب ... كان يكفي وحده ليجعل الحياة مرة في فمه لكنه رفض معايشة المرارة ومضى يعمل ويبدأ العمل من جديد بعد كل ضربة ونكسة وغدر ... وأنت نفسك حكيت لي عن مكتبته وكيف فقدها لأكثر من 4 مرات فأعاد كل مرة إنشاء مكتبة جديدة غنية ثرية... جميلة
والآن لك تحياتي وأشواقي وتمنياتي الطيبة – وطيه كارت السبوع لابنتي " آية " وهي في انتظار أن تراك يوما ما ، وهي الآن في شهرها السادس تشبه اللعبة الرقيقة اللطيفة ... تناغي ... وتبتسم وتضحك ... وأنا نفسي لا أستطيع مقاومة ابتسامتها ... وعندما نصورها ان شاء الله نرسل لك صورتها ونشوف رأيك فيها والى اللقاء وسوف أكلمك تليفونيا في الأسبوع الأول من الشهر القادم لنضحك سويًا.



1718280066822.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى