محمد فتحي المقداد - إضاءة على رواية في فم الذئب

الكاتب والأديب يكتب ويُؤشّر إلى مواطن الجمال والخلل تصريحًا وتلميحًا، وهو غير معنيّ بالبحث عن حلول، لأنّ الأدب بهذا المنحى هو مرآة عاكسة لحال وأحوال المجتمع، من خلال مشاهدات وتعاملات ليصنع منها لوحات ناقدة، على أمل أن تصل رسائله من خلالها لأذُن واعية لمسؤول أومُخطّط لاتخاذ قراراتهم وإيجاد سبُل المعالجة والحلول الناجعة لأيّة قضيّة.​

ورواية "في فم الذئب" هي من مدرسة الواقعيّة الاجتماعيّة، فاللّوحات عالجت قضايا اجتماعيةّ عديدة، وانطلقت من "البيت والأسرة" قاعدتا الأساس لأيّ مجتمع.

ابتدأت الرّواية من حيث انتهت بالتركيز على مرحلة الطّفولة لأنّها اللّبنة الأولى، لتكون المُنطَلق الأساسيّ بتشكيل الشخصيّة للإنسان المُستقبليّ بما يحمل من صفات خَلقيّة، وأفكار وقِيمٍ خُلقيّة، وخُطط لبناء مستقبله المهنيّ والأخلاقيّ. والرّواية جاءت على مساحة فَصليْن ابتدأت الكاتبة بالعُقدة منذ بدايتها، وذهبت في بناء شخصيّات الرّواية وهيّأتها لحُمولة الحدث، ومن ثمّ على مهل راحت تُفكفك خيوط وتشابكات الحدث الروائيِّ بوعي لطبيعة القصّة وتشعباتها زمانيًا ومكانيًا؛ لاستدراج القارئ وتوريطه لمتابعة القراءة إلى النهاية.

توصف الرّواية بأنّها منحازة بأبعادها المباشرة وغير المُباشرة للهمّ الإنسانيّ، والأبعاد التربويّة، لتأخذنا إلى مسار صراع الأجيال والفروقات التكوينيّة. وتسليط الضوء على المُفارقات المُتشكّلة ما بين انزياحيّة العنوان، ومفارقة سلوكات "خالد" طالب الحقوق الثريّ المُنحَرف في مهاوي العلاقات المُحرّمة والانحلال الخُلقيّ، بتسليط الضوء على ثالوث التفكُّك الأسري والمال الذي اشترى به الأعراض والمُخدّرات بالوصول إلى حالة الإدمان. والنهاية الطبيعيّة في مهاوي الضّياع في السُّجون والإصلاحيَّات.

لقد أجادت الروائية "ريما آل كلزلي" بالاشتغال على فكرتها، وحافظت على بناء سرديّتها الروائية بتسلسل منطقيّ بلا مفارقات تقنيّة مُخلّة، جاء ذلك على محمل لغة صحيحة شفيفة تكاد أن تكون خالية من الأخطاء، وفي الفصل الأول وفي جزء من الثاني جاء دور الأم قاصرًا عن مجاراة الحدث الجلل بانحراف الأبناء، وهو ما اتضح من تصرفات الأم المتسترة على أخطاء ابنها "خالد".

كما أن أم البنت "شذى" كانت تعلم بعلاقات ابنتها مع "خالد"، والغرابة في الأمر أنها تعاطت مع الحدث الجلل بسطحية وما كان منها أن تحرص على زجر ابنتها، بل كانت أقرب إلى مباركة علاقة ابنتها "شذى" والرضا بمسارها الانحرافي. وهو نفس دور الأم الذي قتل ابنها في الفصل الأول. في هذين الموقفين لدور الأم لم يتضح المبرر لقصور دور الأمهات، وإظهارهن بحالة من اللا مبالاة تجاه حالة مصرية تمسّ ابنها وابنتها. فهل كان ذلك مقصودًا لإظهار وإبراز صورة أخرى.

الأمر حريٌّ بقراءة فيما وراء السّطور، بالذهاب لمنحى آخر الطبيعة الاجتماعية لمسرح الحدث الروائيِّ، والأم غير الواعية لتنتقم وتثأر لنفسها من زوجها الذي تزوج بأخرى، من خلال إهمال أبنائها. فالإصلاح المطلوب للآبناء بإعادة تربيتهم وتثقيفيهم بطبيعة مُهمة الآباء والأمهات، والعمل على حمل أمانة تربية الأبناء على السّلوك القويم. بعيدًا عن أنانيّاتهم الشخصيّة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى