محمد فتحي المقداد. - إضاءة على رواية الكبش اليماني لحميد عقبي

واقع المعاش اليوميّ منبع أساسيّ للأفكار، وللبشر ما يشاؤون أن يلتقطوا لتسيير شؤون حياتهم. بينما الكاتب والمثقف والفنان مختلف النظرة والمسار.

والقارئ مثلي يجد نفسه أمام "حميد عقبي" الذي شكل فرارًا إلى زمان قادم، كأنه يستبق الحدث ونتائجه وحيثيّاته، بسرديّته الرواية "الكبش اليماني الفحل" المُنضوية تحت مسمّى "أدب المدينة الفاسدة" والذي اصطُلِح عليه بأدب ال(ديستوبيا)، وهو نقيض لأدب (اليوتوبيا) أو أدب المدينة الفاضلة، وهو أدب خيالي يتحدث عن مجتمع فاسد أو مخيف، تسوده الفوضى ويحكمه الشر المطلق، من أبرز معالمه القتل والخراب والقمع والفقر والمرض.

وفي هذا المسار لا بد من العودة إلى رواية" مزرعة الحيوان" جورج اورويل .. مزرعة الحيوان، حكاية حيوانات من خلالها يقدم جورج أورويل هجاءً ساخراً ونقداً للأنظمة الشمولية، ولإنسان السلطة وإنحرافاته. قررت الحيوانات ذات يوم، بعد أن حركتها المُثل العليا للخنزير العجوز "ميجر" أن تثور ضد سيدها، بأمل أن تعيش حياة مستقلة تسودها العدالة والتعاون والسلم بين الجميع، هذه الإستعارة اللامعة التي تخيلها جورج أورويل توضّح إنحرافات السياسة والسلطة، كما أنها أيضاً ترسم، بطريقة مذهلة، كيف أن الرغبة في التغيير يمكن أن تقود إلى الدكتاتورية، وكيف أنه من السهل التحكم في عقل الآخر بواسطة الخطابات البراقة، وكيف أن الحيوانات انتهت بتصديق أي شيء، مما يدفع في النهاية إلى التأمل في قوة البروباغندا.

وفي رواية "الكبش اليماني الفحل" بمسارها الفانتازي أو ما يشبه الكوميديا السوداء، لأنها طرقت مواضيع سوداوية الدكتاتوريّات التي أنشأت كارتلات الفساد والعنف والقمع، وليس من السهولة بمكان استشعار ألم الكاتب ليخرج لنا بعمل روائي يكون الألم دافعًا للضحك، هذا النوع من تقنية الكتاب يعدّ صعبًا وبحاجة لقدرات فائقة، كما فعل الروائي "حميد عقبي"، بأسلوبه السلس المتماسك ببنائه السرديّ. على محمل صياغات لغوية ناضجة.

وفي هذا المساق الروائي نشأت علائقية ذات وشائج فكرية بمقصديتها وأهدافها، كما توهّجت في رواية "أبو شلاخ البرمائي" ل"غازي القصيبي"، التي صدرت عام 2002. تمزج الرواية بين الخيال والواقع مع مزيج من السخرية السوداء. يدور محورها حول شخص عربي صميم يتلو الأكاذيب، وفيها إسقاطات على الواقع العربي. الرواية شبيهة بسابقتها العصفورية من حيث الأسلوب الحواري واختراق الأزمنة والأمكنة الذي ظهر جليا في كلتا الروايتين.

تتوزع أحداثها الهاربة من الحاضر إلى المستقبل، ليبني الكاتب رؤيته التنبؤية في عام 2052م، وفي ذلك اسشتراف للقادم المتوقع بمآسيه المنسحبة إلى زمن تباعد عن حاضرنا مسافة ربع قرن. أي أنها رواية تتنبأ بالمستقبل.

ولا بد من الذهاب ثانية إلى رواية "1984" ل"جورج أورويل" التي صدرت عام 1948، وتنتمي لأدب الديستوبيا أو “الواقع المرير بسوداويته المتأججة. يبدأ الأديب البريطاني جورج أورويل أحداث روايته “1984” بمذكرات يكتبها بطل الرواية ونستون سميث عن فيلم شاهده.





تماهيات العنوان:

وبالعودة للعنوان "الكبش اليماني الفحل" يعيدنا لقصة "كليلة ودمنة" لابن المقفع" الذي جاء على ألسنة الحيوانات للهروب من ثقل الواقع، وهو ما يذكرني برواية" القط الذي علمني الطيران" للروائي الأردني" هاشم غرايبة"، ولا يفوتني في هذا المقام الإشارة والإشادة برواية "العرافة ذات المنقار الأسود" للروائي اللبناني "محمد إقبال حرب" التي جاءت على لسان مجتمعات الدجاج، وفي ذات السياق السابق الذي نحن بصدده.

في زمن الميديا وتزييف الحقيقة.. اقتباسات من رواية جورج أورويل تنطبق على عالمنا كتاب 1984أحداث رواية "1984" لجورج أورويل تدور في دولة عظمى خيالية يحكمها حزب دكتاتوري يراقب الجميع (الجزيرة) في عمله الذي ينتمي لأدب الديستوبيا أو “الواقع المرير” يبدأ الأديب البريطاني جورج أورويل أحداث روايته “1984” بمذكرات يكتبها بطل الرواية ونستون سميث عن فيلم شاهده.

وتدور أحداث الرواية في إمبراطورية أوقيانوسيا الخيالية، حيث تخضع لسلطة الحزب الواحد الذي يشرف عليه الأخ الأكبر، وكل شخص في الرواية مراقب.

ورغم أن الرواية كتبت في نهاية أربعينيات القرن الماضي فإن العديد من الأفكار التي أوردتها لا تزال موجودة في عالم اليوم، وتقول الكاتبة إننا لسنا متحررين من أنظار “الأخ الأكبر” ولسنا أحرارا كما يبدو.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى