أمل محمد منشاوي - غرفة مغلقة

أغلقتُ الباب خلفي كما اعتدتُ، رأيتُ زوجي جالسًا في الصالة عابس الوجه وفي عينيه نظرة أعرفها جيدًا، أراها خليطًا بين ضيقٍ واستنكارٍ وقلة حيلة؛ أعلم أنه يكره الأبواب المغلقة، خاصة في بيتنا الصغير والضيق.
تأهب للخروج؛ ودّعته بابتسامة ودعوة صباحية بتيسير الأحوال.
قبل أن يخرج أرسل نظرة نحو باب الغرفة المغلق وقال بخجل مستنكر: طالت الزيارة هذه المرة.
ابتسمت له ابتسامة المعتذر وقلت وأنا أربت على كتفه لترضيته: بيتك بيت كرم.
أغلقتُ الباب خلفه وزفرتُ بقوة كمن خرج لتوه من معركة كاد يخسرها.
في اليوم الأول لزيارتها طلبتْ مني مشاركتها المبيت، لأنها لم تشبع من الحديث معي، لم يعترض زوجي، قضينا الليل كله نثرثر حتى أشرقتْ الشمس، ولأول مرة منذ سنين طويلة أراها تبزغ من المجهول، وقفتُ في الشرفة مشدوهة... غمرتْ وجهي بآشعتها الدافئة فسرتْ فيه قشعريرة لذيذة دغدغتْ وجنتي فابتسمتُ ابتسامة عميقة، شعرتُ بها تمتد إلى أعماق قلبي فجعلتْه يبتسم أيضا.
_لم أر شروق الشمس مذ كنا صغارا.
قلتُ بهيام بالغ، احتضنتي ابنة عمي من الخلف ولفَّتْ ذراعها حول عنقي وأراحتْ صدغها فوق صدغي وقالت بحسرة وألم:
=حرمتنا الحياة من كل أشياءنا الجميلة.
_ لكننا قادرتان على استعادتها ولو لوقت قصير.
ضحكنا معا وعدنا للثرثرة من جديد حتى غلبنا النوم. في الليلة التالية بتُ معها دون استئذان زوجي، في الليلة الخامسة سألني زوجي بضجر: كيف تنامان على السرير الضيق وأنتِ لا تحبين المزاحمة في النوم؟
لم أجبه، اكتفيتُ بالابتسام، لم يعنيني أن أخبره أننا لا ننام كما ينام الناس ولكننا نمارس حريتنا المسلوبة، نسهر كما نشاء، نثرثر كما نشاء... نضحك... نصمت... نبكي... نقرأ... نكتب... نشاهد شروق الشمس، نفعل كل ما نريد دون أن يسألنا أحد لماذا وكيف؟ نعود لطفولتنا الضائعة ومراهقتنا المهدرة ولشبابنا الموءود.
رأيته من النافذة يعبر الشارع العريض إلى الجهة الأخرى مشيرًا إلى سيارة أجرة تقله إلى العمل،
نظرتُ في المرآة بسعادة، بحثت عن التجاعيد التي عصرتْ وجهي قبل مجيء ابنة عمي فلم أجدها، مررت أناملي على وجنتيّ البضتين والموردتين، قبّلتُ نفسي في المرآة وانطلقت كفتاة في العشرين لأنهي أعمال البيت، لم أشعر بالوقت إلا عندما نظرت إلى الساعة وأنا أطفئ النار عن الطعام، كانت تشير إلى الثالثة عصرا، توجهتُ إلى الحمام لآخذ حمامًا دافئًا، حين خرجتُ كان زوجي يقف مذهولًا وسط الغرفة الشاغرة إلا من أحلامي... والتي غادرتها ابنة عمي... منذ أسبوع مضى.
#امل
الإثنين ٢٥/ ٦/ ٢٠٢٤

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى