تمهيد:
تعد رواية "راس المحنة" للأديب عز الدين جلاوجي من الأعمال الروائية الرائدة التي استطاعت أن تعالج موضوع المحنة الوطنية بلغة شاعرية وأدوات فنية وجمالية خاصة، مبتعدة عن النقل الفوتغرافي السطحي للأحداث، فالرواية في حقيقتها "تخييل ينطلق من منظور من رؤية، ويحمل منظورًا أو رؤية، فالناس والزمان والمكان في الرواية ليسوا نسخة عما في الواقع الموضوعي، ثمة درجة ما من الانزياح في الرواية بحكم طبيعتها كمتخيل، كفن، كآلية"(1).
وهذا ما نجده في رواية "راس المحنة" التي هزت –بعد صدورها مباشرة- الكثير من القراء هزًا عنيفًا وجعلتهم يكتبون عنها بكثير من الانبهار لأنها أدخلتهم في عالم غريب وغير مألوف، فقد قفزت هذه الرواية عن الكثير من القوانين والضوابط التي كانت متبعة من قبل في كتابة الرواية وأحلت محلها قوانين وضوابط جديدة. يقول الأستاذ حسين فيلالي: "رأس المحنة رؤية ذكية لمحنة الجزائر جيئت بأسلوب فني يمزج بين تكثيف القصة القصيرة، وتحليل الرواية وتصوير وتشخيص المسرح، وبساطة قصة الأطفال، وليس هذا غريبا عند كاتب جرب الأجناس الأدبية الأربعة، رأس المحنة إضافة نوعية إلى الرواية العربية، وتحول جاد لمسار الروائي عز الدين جلاوجي".
ولعل أهم ما تتميز به هذه الرواية هو نزوعها نحو التجريب وتحطيم الشكل التقليدي للرواية ثم تناولها العميق لموضوع المأساة الوطنية.
والحديث عن المأساة الوطنية وتجلياتها في النص الإبداعي الجزائري يعني الحديث عن المشهد الروائي الجزائري في صلته بالراهن، وهنا نطرح سؤالاً مبدئيًا وجوهريًا هو يا ترى كيف صورت الرواية الجزائرية هذا الراهن ممثلاً "بالمحنة الوطنية"، في هذا المجال يمكن أن نميز بين شكلين روائيين فهناك الرواية التأريخية "رواية المتن بلغة توماشيفسكي أو الرواية التأريخية التي يكون نسبها إلى الفن الروائي واهيًا، وتعنى بتسجيل الأحداث والأحوال كما هي"(2)، ثم الرواية التي تعالج الراهن بلغة شاعرية وأدوات فنية وجمالية خاصة وتبتعد عن النقل الفوتغرافي السطحي للأحداث، وهذا لأن الرواية في حقيقتها "تخييل ينطلق من منظور من رؤية، ويحمل منظورًا أو رؤية، فالناس والزمان والعلاقات والمكان في الرواية ليسوا نسخة عما في الواقع الموضوعي، ثمة درجة ما من الانزياح في الرواية بحكم طبيعتها كمتخيل، كفن، كآلية"(3).
ومن هنا يصبح من البديهي القول بأن "ارتباط نص ما بالواقع الاجتماعي الذي نحيا، وبالقضايا المصيرية التي نواجهها لا يرقى به إلى مستوى القيمة الأدبية، ذلك أن الارتباط وحده لا يكفي لخلق الأثر الأدبي الجيد"(4).
وإذا عدنا إلى رواية جلاوجي السالفة الذكر نجدها تكشف لنا عن وعي أدبي وفني عميق يهدف إلى تشخيص معرفة فنية للراهن، إنها بحق نموذج ناضج لأدب المحنة يدهش القارئ باكتمال إبداعه وتماسك وحداته وقدرته على تجديد وعي الإنسان بالواقع بغية الوصول إلى عمق التجربة بطريقة فنية تجمع عناصر الواقع وتكشف عن التناقضات الكامنة فيه. فالأزمة التي عاشتها الجزائر عند جلاوجي متعددة الأبعاد متنوعة الأسباب كذلك والمسؤولية مشتركة تتحملها جميع أطراف المجتمع الجزائري، فهناك الجماعات الإسلامية المسلحة المتطرفة والتي زرعت الرعب والموت بين أبناء الشعب واكتوى بنارها الجميع دون تمييز، ثم هناك الإرهاب الإداري وقد جسده جلاوجي في صورة مدير المستشفى الذي "ضرب الرقم القياسي في احترام وقت عمله .. يدخل لمكتبه بعد العاشرة يتصفح الجرائد التي تشترى على حساب المستشفى ... يوقع الوثائق .. يطلع على المراسلات .. يرتشف قهوة .. يحتضن السكرتيرة القنبلة التي اختارها بنفسه .. يتفق معها على موعد السهرة ويخرج من الباب يلتف حوله العمال المخلصون كالكلاب المدربة .. يرقصون بلا إيقاع .. يملأون له السيارة بخيرات المستشفى .. لحوم ..حبوب ..خضر ..مشروبات. عند الحادية عشرة يخرج ولا يعود حتى الغد .. أما المرضى المساكين فلا يعطى لهم إلا العدس بالماء"(5). ويضاف إلى ذلك بارونات المال التي لا هم لها إلا جمع المال ولو على حساب الفقراء والبؤساء من أبناء الشعب.
ولعل هذا ما يجعلنا نصف عز الدين جلاوجي بصفة التمرد والجرأة في تناوله لهذا الموضوع، وكأن التمرد قانون ثابت في إبداعه الروائي والقصصي، وهذا يتجلى بوضوح في هذه الرواية وفي أعماله السابقة وعلى الخصوص "صهيل الحيرة" و"سرادق الحلم والفجيعة" وغيرها من الأعمال القصصية والدرامية التي يعلن فيها الحرب ضد عناصر الظلم والزيف التي شوهت الحياة، وهي كذلك احتجاج على هذا الواقع المتردي الذي يقتل أخياره ويمعن في اذلالهم رغم ما قدموه من تضحيات في سبيله كما الشأن بالنسبة لصالح الرصاصة بطل الرواية، وهو المجاهد المعروف وابن الشهيد. وقد أطلق عليه المجاهدون لقب صالح الرصاصة لبلائه واستبساله في مقاومة الاحتلال ولكنه بعد الاستقلال يهان ويهمش ويتحول إلى صالح المغبون ثم صالح المجنون ينتهي به الأمر إلى الطرد من بيته وعمله بالمشفى بسبب عدم استسلامه ومواجهته للفساد.
وفي المقابل نجد امحمد لملمد اشكال الدابة ابن الحركي الذي قتلته الثورة، رجلاً واسع النفوذ والثراء يصل إلى منصب رئيس البلدية.
بنية الشخصيات في الرواية:
على صعيد البناء الفني نجد أن الرواية "راس المحنة" قد توفرت على الكثير من السمات المميزة. ولعل من أهمها الابتعاد عن أحادية الصوت حيث يترك المجال لظهور شخصيات متعددة وهو لذلك يمزج الواقع بالخيال محاولاً الإمساك بخيوط كثيرة لشخصيات تراثية منها شخصية ذياب الهلالي والجازية بطلا سيرة بني هلال حيث تتداخل شخصيات الرواية مع شخصيات السيرة الهلالية وتتماهى معها بشكل يصعب معه الفصل والتمييز. وقد يبدو للبعض "أن الكاتب يكرر الماضي بطريقة الاجترار والتكرار، ولكن الحقيقة هي أنه يحمل الماضي دلالات جديدة، إنه يهرب من الحاضر إلى الماضي مستعيرًا منه اللحظة التاريخية السابقة لينتقد بها اللحظة الراهنة"(6). وهذا التركيز على الشخصية التراثية بمحمولاتها الدلالية المعروفة يهدف إلى إبراز عنصر الصراع بين رؤيتين لنوعين من الشخصيات:
*النوع الأول: وهو الشخصيات الوطنية المخلصة التي تنتمي إلى عامة الناس، وهي على الرغم من فقرها الشديد لا تستسلم وتسعى للتغيير والتمرد على الواقع مثل شخصية صالح الرصاصة الذي كان مجاهدا إبان الثورة التحريرية، وهو ابن شهيد، وبعد الاستقلال نجده يعمل حارسًا في إحدى المستشفيات، إلا أنه سرعان ما يطرد من عمله ومسكنه بعد مؤامرة مدبرة من المدير، لأنه لم يسكت عما كان يراه من فساد وتبديد لأموال الشعب من قبل المسؤولين، فسعى لكشف ألاعيبهم فانتهى به المصير إلى حارة الحفرة وخسر كل شيء حتى اسمه. لقد سماه المجاهدون قديما صالح الرصاصة لبطولته وشجعاته، واليوم هو صالح المغبون، صالح المجنون ...
*النوع الثاني: وهي شخصيات تمتلك السلطة والمال ولا تسعى إلا لخدمة مصالحها، ولمزيد من الهيمنة على ما بيد الفقراء والمساكين ممثلين في سكان "حارة الحفرة" التي جعلها جلاوجي رمزًا للمعاناة والبؤس، ومثال ذلك شخصية امحمد املمد وشخصية مدير المشفى، فامحمد املمد في الرواية رمز للتسلط والاستغلال اسمه واضح الدلالة فهو لا يصلح لشيء إلا أنه أصبح يملك كل شيء، وعلى الرغم من ماضيه الأسود حيث أنه ابن (حركي) قتلته الثورة إلا أنه بعد الاستقلال يتحول إلى رجل ثري ويستطيع بألاعيبه أن يصل إلى منصب رئيس بلدية، ونجده يستغل سلطته تلك للسيطرة على الناس وإيذاء أهل حارة الحفرة وربما الانتقام منهم لما حدث لوالده، فيسعى للزواج من الجازية ابنة المجاهد صالح الرصاصة الذي قتل والده سالم العلواني أباه الحركي أثناء الثورة لكي ينتقم منه ويمعن في إذلاله، ثم هو يحتال على (عبلة الحلوة) ابنة حارة الحفرة ويغتصبها، ثم هو يسعى في الأخير إلى طرد سكان حارة الحفرة لهدمها والاستيلاء على أرضها .... أما مدير المشفى فهو رمز للإدارة المتعفنة، لا يصرح الكاتب باسمه لأنه نموذج لبعض المسؤولين الفاسدين الذين لا هم لهم إلا خدمة مصالحهم ولو على حساب المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة.
وبالنظر إلى تطلعات هذين النوعين من الشخصيات تتشكل داخل النص ملامح لكل شخصية، وتتحول عناصر فاعلة انطلاقًا من ارتباطها بإحدى هاتين الرؤيتين، ونظرًا لصعوبة الإحاطة بكل الشخصيات والحديث عن إسهامها في صنع الدلالة سنقتصر على الشخصيات النسوية لنتبين سيميائية الشخصية النسوية في هذه الرواية ، وقد يتساءل البعض عن سبب اختياري للشخصية النسوية، فأجيبهم وهل يحتاج ظهور المرأة في القص إلى تبرير أو شرح؟ لقد قال القدماء: الأرض مؤنثة، والشمس مؤنثة، والسماء مؤنثة .. باختصار الحياة مؤنثة .. فهل نستغرب أن يكون العنصر النسائي في القص مهمًا وواضحًا.
الشخصية من وجهة نظر سيميائية:
قبل التطرق لمفهوم الشخصية السيميائية نتعرض لمفهومها التقليدي والذي يرتبط من الناحية التاريخية بنظرية المحاكاة الآرسطية التي تجعل النص الأدبي عملية محاكاة للواقع الانساني، ومن ثم فإن الشخصيات الروائية امتداد للشخصيات الواقعية، وهذا ما يمكن تسميته بـ: "مبدأ التكافؤ الدلالي المطلق بين العالم النصي والواقع الخارجي"(7) وهذا ما ترفضه الدراسات السيميائية الحديثة التي تطرح عدة تصورات جديدة: منها:
-تصور (فلاديمير بروب) من خلال كتابه مورفولوجية الحكاية الشعبية.
-تصور (غريماس) من خلال السيميائيات السردية.
-آراء (فيليب هامون)،وتعد آراؤه من أهم الآراء التنظيرية الحديثة، وقد عرضها في كتابه"من أجل قانون سيميولوجي للشخصية"،وهي عنده بياض دلالي تسهم في بنائه الذات المستقبلة للنص(8)، هذا النص الذي لا ينحصر وجوده في معناه أو دلالته السطحية، وإنما هو يحيا ويتجدد، ومع كل قارئ يتشكل النص خلقا جديدا متميزا بدلالات جديدة، وهذا ما يجعل من الشخصية علامة دالة قابلة للتحليل، وقد ميز (فيليب هامون) بين ثلاثة فئات من الشخصيات:
1-فئة الشخصيات المرجعية: وتشمل الشخصيات التاريخية والشخصيات الأسطورية، والمجازية والاجتماعية.
2-فئة الشخصيات الإشارية: وتكون ناطقة باسم المؤلف مثل الرواة وما شابههم.
3-فئة الشخصيات التكرارية (الاستذكارية)
وما يهمنا في هذه الدراسة هو الفئة الأولى كما سنرى لاحقا.
دلالة الشخصيات النسوية:
نقول في البداية بأن "صورة المرأة أكثر رهافة وحساسية وأشد وضوحًا في تعبيرها عن الواقع من صورة الرجل ... كذلك نجد المرأة قادرة على أن تستقطب بحساسيتها المتأنية واتزانها العاطفي مثل مجتمعها وتقاليده بجميع عناصرها استقطابًا يبلغ حد الثبات والتكرار، فإذا قلنا طالبة الجامعة، أو المرأة العاملة أو الفلاحة ... على سبيل المثال، فمن السهولة بمكان أن نستجمع في الذهن صفاتها –لا كفرد- وإنما كنموذج يتسم بسمات عامة"(9).
ولعل هذا ما جعل المازني يرى أن المرأة "أكثر تمثيلاً للنوعية في حين أن الرجل أكثر تمثيلاً للفردية"(10) بينما يراها العقاد "مظهر القـوة التي بيدها كل شيء في الوجود وكل شيء في الإنسان"(11)، وعند نجيب محفوظ "لا يوجد ثمة حركة بين الرجال إلا وراءها امرأة، المرأة تلعب في حياتنا الدور الذي تلعبه قوة الجاذبية بين الأجرام والنجوم"(12).
وعلى هذا فقد كان الروائيون واعين بارتباط حركة المرأة بالمجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى بدلالة المرأة كرمز ثري موح للتعبير عن الوطن"(13). هذه إذن أهم الأسباب التي دفعتني إلى تناول سيميائية الشخصيات النسوية في "راس المحنة".
تنوعت الشخصيات النسوية في رواية راس المحنة تنوعا كبيرا كما تميزت بدلالاتها الرمزية وأبعادها التاريخية التراثية، ولعل هذا التنوع والثراء يعود للبنية الزمكانية للرواية، والتي وقعت أحداثها في فضاءات متباينة وأزمنة غير محدودة حيث تمتد من الثورة التحريرية إلى فترة التسعينات أو ما اصطلح على تسميته بالعشرية السوداء، وبالاعتماد على آراء ( فيليب هامون ) في تقسيمه لأنواع الشخصيات فإننا نجد حضورا واضحا للنوع الأول وهو ( الشخصيات المرجعية ) كما هو الشأن بالنسبة لشخصية (الجازية)، و(عبلة)، وهما شخصيتان تاريخيتان استعارهما السارد من السير الشعبية القديمة، ودفعهما نحو فضاء قصته الجديدة لاستثمار أبعادهما الدلالية.
في هذه الرواية نلتقي مع عدد من الشخصيات النسوية منها: الجازية، عرجونة بنت عمر، عبلة الحلوة، نانة، ووهيبة ... وقد اهتم الكاتب بعرض هذه الشخصيات وإبراز ملامحها، ولعل هذا يتطابق مع التوجهات النقدية الحديثة التي أصبحت تعد الشخصية مكونًا هامًا وضروريًا للتلاحم السردي فأصبحت كل عناصر السرد تعمل على إضاءة الشخصية وإعطائها الحد الأقصى من البروز وفرض وجودها في جميع الأوضاع، وبالرجوع إلى آراء (فيليب هامون) نجد أن الشخصية في الحكي هي تركيب جديد يقوم به القارئ أكثر مما هي تركيب يقوم به النص(14)، وتماشيًا مع هذا التصور تصل الشخصية إلى إعطائها صبغة دلالية قابلة للتحليل والوصف أي أنها بمثابة علامة (signe) سيميائية دالة.
وبالنظر إلى الشخصيات السالفة الذكر نجد أنه يغلب عليها الطابع الرمزي، فالكاتب لا يكتفي في روايته بوصف الشخصيات النسوية وصفًا حسيًا فحسب بل يتخذها رمزًا لشيء آخر كأن يرمز بها إلى الوطن أو الثورة أو للمعاناة(15)، فالروائي قد يعمد إلى تجسيد بعض القضايا المعنوية في صور حسية تأخذ شكل امرأة، وعندها يصير هذا الرمز مجسمًا وبمثابة قالب تصب فيه المعاني"(16).
1-شخصية الجازية: وهي ذات حمولات تراثية، فهي تحيلنا إلى شخصية الجازية في السيرة الهلالية جعلها جلاوجي رمزًا للتمرد وعدم الخضوع. فالكاتب هنا يستدعي في نصه الشخصية التراثية بلحمها ودمها "أي أن التراث يعطي للروائي شخوصه مجهزة الملامح والسمات والأبعاد وما عليه إلا أن يحركها بطريقته الخاصة التي تتفق مع متخيله السردي"(17). كما يبدو في شخصية الجازية التي تحمل مخزونًا خاصًا داخل الثقافة العربية، وهي في الرواية تكون خلفية العمل الفني تربط الماضي بالحاضر وتدعو إلى مزيد من المواجهة والتصدي للواقع وهذا يرفع الرواية كما يقول (طه وادي) "من مجال الوجدان وحده إلى مجال الفكر والوجدان معًا، من السطحية إلى العمق"(18).
وحدك يا الجازيـة
أيتها الوشم الرابض على فوهة المدفع
أيتها الدمعة الحيرى على شفير الوطن
يا ربيع الشهداء
يا جراحاتهم العبقة بأوسمة الفداء
وحدك يا الجازية
وحدك تذرعين الأزقه المتربة الضيقة
وحدك تصهلين في مسمع الليل البهيم .. تدكين
عروشه .. تمزقين سدوله .. تغتالين همومه(19).
فهي أمل الجميع في إنقاذ الحارة وإنقاذ سكانها من الديناغول الذي يهدد بقاءها، وقد صورها الكاتب امرأة تبحث عن الحب الذي هو تجسيد لأزمتها في البحث عن الحرية الذاتية وتحقيق الوجود الفردي في المجتمع. وقد اعتمد الكاتب في تصوير هذه الشخصية على طريقتين:
1-الوصف المادي: حيث أسقط عليها الكثير من الصفات الجميلة إلى حد جعلها إحدى لوحات الطبيعة الجميلة: "كانت هيفاء ممتلئة خصبًا ونماءً ..
سمراء بلون الأرض المعطاء ..
في عينيها حسن متمرد وكبرياء كئيبة
شفتاها ترتجفان كورقتي شجرة نعنع يانعة، يداعبها نسيم الصبا .. على الجبين تدلت ذؤابة شعر حالكة فرت من سجن الخمار وحصاره .. ماذا أقول؟ لو بقيت العمر كله أفتش في تضاريس الرأس والوجه أسجد للحسن فيهما ما وفيتها حق العبودية والإخلاص"(20)
2-النجوى الذاتية: هناك وسيلة ثانية استعان بها المؤلف في تقديمه لشخصية الجازية وهو النجوى الذاتية أو ما يعرف (بتيار الشعور) وهي وسيلة عمد إليها للغوص في داخل نفسية الجازية للتقاط ذبذباتها ورصد ما يعتلج داخلها من عواطف ومشاعر رافضة للواقع البائس الذي يضغط بصدره على أنفاس البائسين، وبذلك تتحول الجازية إلى رمز للكبرياء والتحدي:
قد تجف البحار
قد ترتخي الجبال
قد تجبن الريح
لكن الجازية يجب أن تبقى أبدًا كبرياء(21).
فشخصية الجازية في الحقيقة هي رمز لهذا الوطن المعنى بالجراح والآلام. رمز للجزائر التي رغم المصائب والخطوب تبقى مكابرة تتحدى العواصف في شموخ. ويغدو خطيبها ذياب رمزًا للمخلص المنقذ كما في السيرة الهلالية حيث أن ذياب هجر قبيلته بني هلال وأقسم إن لحقه أحدهم أن يقتله، لقد كره تنافر قومه من أجل التفاهات، ووقع القوم في هول شديد وكان لا بد من الاتصال بذياب، ومن يجرؤ على حمل الرسالة، وفكرت الجازية في حيلة حين لجأ إليها الجميع صارخين.
يا ويح ذياب
البلاد بعده خراب
واهتدت أخيرًا إلى إرسال رسالة في عنق سلوقي، سلوقي وفي رباه ذياب ودربه على كل الأفعال.
علقت الجازية الرسالة في عنق السلوقي وأطلقته فاندفع يعدو باحثًا عنه، وحين لقيه أدرك ذياب أنها فعلة الجازية، فأسرع لإنقاذ قومه .. وكانت العرافة قد أنبأتهم أن لا منقذ لهم إلا ذياب من شر عدو قاهر.
يقتله فارس يلبس لامه في وجهـه شامــه
والله لـولا الملامـة لقلت ذياب فوق نعامة(22)
فشخصيتا الجازية وذياب في الرواية يحضران بالدلالة ذاتها في التراث والحب الفردي الذي ربطهما يقودهما إلى الحب الكبير أي حب الوطن حب الجزائر. وذياب في حبه للجازية إنما يعبر عن حبه للوطن. ولعل القارئ يلحظ ما بين الجازية والجزائر من تقارب حتى على مستوى اللفظ، باشتراك اللفظين في عدة حروف، وهذا يدعم الوظيفة الرمزية لهذه الشخصية إنها كل شيء بالنسبة لأهل حارة الحفرة، إنها الوطن إنها الشرف والكبرياء العربي الأصيل الذي لا يخضع ولا يستسل.
والجازية ليست هي الرمز الوحيد في الرواية بل هناك شخصيات نسوية أخرى لها أبعاد رمزية كذلك، وخير مثال عن ذلك:
2-شخصية عبلة الحلوة: عبلة في اللغة من العبل، وهو الضحم من كل شيء، والأنثى عبلة وامرأة عبلة أي تامة الخلق والجمع عبلات، أما اسم عبلة فهو اسم تاريخي معروف يحيلنا على سيرة عنترة بن شداد، وعبلة هي المرأة التي أحبها عنترة ولقي معاناة كبيرة بسبب هذا الحب، وهي شخصية لا يقرأها أحد إلا ويعشقها، رسم الكاتب ملامحها بدقة متناهية مقدمًا لها لوحة فنية ناطقة بالجمال والسحر:
بضة كانت كأنما هي منحوتة من المرمر
يتهدل شعرها الخروبي في كبرياء وغنج على كتفيها مفتولاً ملتويًا
وجهها استدار وامتلأ كقمر يتربع على عرش الغسق
تختال في مشيتها
تضرب قدميها على الأرض المتربة في زهو شديد.
ولجمالها الخارق هذا أغرم بها كل شباب حارة الحفرة وغدت فارسة أحلامهم، يرتوون من فيض جمالها ويستحمون في بحر حسنها الأخاذ، كلما مرت بالشارع يقف الجميع متسمرين في أماكنهم وكأنهم يمارسون طقوس العبادة لإلهة الجمال والحسن والفتنه. وقد جعلها الكاتب في روايته رمزًا للوطن المعبود الذي يحرك الشعب على التمرد، ولهذا نفهم لماذا بالغ الكاتب في وصفها، إنها تمثل قمة الإحساس الرومانسي المثالي بالوطن المعبود والتغني بجماله وسحر طبيعته، عبلة الحلوة هي بمثابة غناء الجوقة اليونانية الذي يسبق حركة الناس على المسرح"(23).
وقد جعل الكاتب تعرضها للاغتصاب من قبل امحمد املمد حدثًا أجج في "حارة الحفرة" عواطف الثورة والتمرد على قوى الظلم والاستغلال. فشخصية عبلة إذن تهدف إلى إظهار الممارسات الوحشية لامحمد املمد، والظلم الكبير الذي يعاني منه أهل حارة الحفرة، كما أنها تتحول إلى عامل من عوامل الثورة وتغيير الواقع وبهذا فهي رمز متعدد الدلالات. إنها رمز للشرف العربي، رمز للوطن المعتدى عليه، رمز للضياع العام للوطن. وفي الوقت نفسه رمز للتحدي والمواجهة، ورغم غيابها الطويل فإنها تعود لتشارك أهل الحارة في الانتقام من امحمد املمد فتشترك مع الجازية وذياب ومنير في النيل من الطاغية.
"على مرمى حجر تقفين مهرةً جامحة .. تلتصق الشقراء به .. يعدو منير، يسبقه ذياب .. تحدق فيك عيون البنادق شزرًا .. تشحذين القلب .. تشحذين الخنجر .. تدفعينه نحو القلب .. تغريسنه فيه .. يتهاوى نحوك جثة هامدة .. قبل أن يصل إلى الأرض .. ترفعين بصرك .. تلمحين الشقراء تغرس خنجرها في كبده"(24). هذه الدلالات التي تضمرها هذه الشخصية تجعلها تتطور لتصبح رمزا للجزائر الجميلة، الجزائر المغتصبة، الجزائر المتحررة .
ختامًا نقول في هذه الرواية يبرز الواقع الجزائري بدرجة تعكس رؤية الأديب الخاصة للمأساة، لأن الكاتب لا يكتفي عند حد العرض والتصوير، بل يتجاوز هذا الإطار إلى التغيير الذي يعني إعطاء الرأي وإبراز الموقف بشكل ينم عن إدراك عميق لأبعاد المأساة الوطنية المتعددة الجوانب. ومن هنا تقترب "راس المحنة" من الرواية الشمولية التي تسعى من خلال عرض حياة شخصية معينة أو فئة من الشخصيات إلى الإمساك بفترة تاريخية خاصة.
وعلى هذا فقد عبرت الرواية من خلال الشخصية النسوية عن الواقع تفاؤلاً وتشاؤمًا واستشرافًا لمستقبل مشرق، وتضايقا من الواقع المزري البائس الذي ضاعت فيه حقوق الناس البسطاء الطيبين ووأدت فيه أحلامهم البسيطة، وفي مقدمة هؤلاء المرأة التي وفق الكاتب في إبراز معاناتها بشكل رمزي عميق.
هوامش الدراسة:
(1) نبيل سليمان، الرواية العربية رسوم وقراءات، ص13.
(2) المرجع نفسه.
(3) المرجع نفسه، ص10.
(4) عمار زعموش، مجلة التبيين، ص45.
(5) الرواية، ص32.
(6) عبد الحميد هيمه، علامات في الإبداع الجزائري، ص87.
(7) عبد الرحمن بوعلي، شخصيات النص السردي، مجلة علامات في النقد، ع8 فيفري 1999، ص76.
(8) ينظر شريبط أحمد شريبط، سيميائية الشخصية الروائية، أعمال ملتقى السيميائية والنص الأدبي، جامعة عنابة 1995، ص 196.
(9) طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة، ص53.
(10) حصاد الهشيم، إبراهيم المازني.
(11) العقاد، سارة، سلسلة اقرأ، ع108، ص129.
(12) نجيب محفوظ، السراب، مكتبة مصر، ص310.
(13) طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة، ص54.
(14) ينظر عبد المالك مرتاض، في نظرية الرواية، ص87.
(15) صالح مفقودة، صورة المرأة في الرواية الجزائرية.
(16) حسين الحايل، الخيال أداة للإبداع، ص13.
(17) سعيد شوقي محمد سليمان، توظيف التراث في روايات نجيب محفوظ، ص114.
(18) طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة، ص95.
(19) الرواية، ص12.
(20) الرواية، ص50.
(21) الرواية، ص195.
(22) الرواية، ص110، 111.
(23) طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة، ص101.
(24) الرواية، ص225.
الدكتور هيمة عبد الحميد
جامعة قاصدي مرباح - ورقلة
* نقلا عن مجموعة ماستر ادب جزائري
تعد رواية "راس المحنة" للأديب عز الدين جلاوجي من الأعمال الروائية الرائدة التي استطاعت أن تعالج موضوع المحنة الوطنية بلغة شاعرية وأدوات فنية وجمالية خاصة، مبتعدة عن النقل الفوتغرافي السطحي للأحداث، فالرواية في حقيقتها "تخييل ينطلق من منظور من رؤية، ويحمل منظورًا أو رؤية، فالناس والزمان والمكان في الرواية ليسوا نسخة عما في الواقع الموضوعي، ثمة درجة ما من الانزياح في الرواية بحكم طبيعتها كمتخيل، كفن، كآلية"(1).
وهذا ما نجده في رواية "راس المحنة" التي هزت –بعد صدورها مباشرة- الكثير من القراء هزًا عنيفًا وجعلتهم يكتبون عنها بكثير من الانبهار لأنها أدخلتهم في عالم غريب وغير مألوف، فقد قفزت هذه الرواية عن الكثير من القوانين والضوابط التي كانت متبعة من قبل في كتابة الرواية وأحلت محلها قوانين وضوابط جديدة. يقول الأستاذ حسين فيلالي: "رأس المحنة رؤية ذكية لمحنة الجزائر جيئت بأسلوب فني يمزج بين تكثيف القصة القصيرة، وتحليل الرواية وتصوير وتشخيص المسرح، وبساطة قصة الأطفال، وليس هذا غريبا عند كاتب جرب الأجناس الأدبية الأربعة، رأس المحنة إضافة نوعية إلى الرواية العربية، وتحول جاد لمسار الروائي عز الدين جلاوجي".
ولعل أهم ما تتميز به هذه الرواية هو نزوعها نحو التجريب وتحطيم الشكل التقليدي للرواية ثم تناولها العميق لموضوع المأساة الوطنية.
والحديث عن المأساة الوطنية وتجلياتها في النص الإبداعي الجزائري يعني الحديث عن المشهد الروائي الجزائري في صلته بالراهن، وهنا نطرح سؤالاً مبدئيًا وجوهريًا هو يا ترى كيف صورت الرواية الجزائرية هذا الراهن ممثلاً "بالمحنة الوطنية"، في هذا المجال يمكن أن نميز بين شكلين روائيين فهناك الرواية التأريخية "رواية المتن بلغة توماشيفسكي أو الرواية التأريخية التي يكون نسبها إلى الفن الروائي واهيًا، وتعنى بتسجيل الأحداث والأحوال كما هي"(2)، ثم الرواية التي تعالج الراهن بلغة شاعرية وأدوات فنية وجمالية خاصة وتبتعد عن النقل الفوتغرافي السطحي للأحداث، وهذا لأن الرواية في حقيقتها "تخييل ينطلق من منظور من رؤية، ويحمل منظورًا أو رؤية، فالناس والزمان والعلاقات والمكان في الرواية ليسوا نسخة عما في الواقع الموضوعي، ثمة درجة ما من الانزياح في الرواية بحكم طبيعتها كمتخيل، كفن، كآلية"(3).
ومن هنا يصبح من البديهي القول بأن "ارتباط نص ما بالواقع الاجتماعي الذي نحيا، وبالقضايا المصيرية التي نواجهها لا يرقى به إلى مستوى القيمة الأدبية، ذلك أن الارتباط وحده لا يكفي لخلق الأثر الأدبي الجيد"(4).
وإذا عدنا إلى رواية جلاوجي السالفة الذكر نجدها تكشف لنا عن وعي أدبي وفني عميق يهدف إلى تشخيص معرفة فنية للراهن، إنها بحق نموذج ناضج لأدب المحنة يدهش القارئ باكتمال إبداعه وتماسك وحداته وقدرته على تجديد وعي الإنسان بالواقع بغية الوصول إلى عمق التجربة بطريقة فنية تجمع عناصر الواقع وتكشف عن التناقضات الكامنة فيه. فالأزمة التي عاشتها الجزائر عند جلاوجي متعددة الأبعاد متنوعة الأسباب كذلك والمسؤولية مشتركة تتحملها جميع أطراف المجتمع الجزائري، فهناك الجماعات الإسلامية المسلحة المتطرفة والتي زرعت الرعب والموت بين أبناء الشعب واكتوى بنارها الجميع دون تمييز، ثم هناك الإرهاب الإداري وقد جسده جلاوجي في صورة مدير المستشفى الذي "ضرب الرقم القياسي في احترام وقت عمله .. يدخل لمكتبه بعد العاشرة يتصفح الجرائد التي تشترى على حساب المستشفى ... يوقع الوثائق .. يطلع على المراسلات .. يرتشف قهوة .. يحتضن السكرتيرة القنبلة التي اختارها بنفسه .. يتفق معها على موعد السهرة ويخرج من الباب يلتف حوله العمال المخلصون كالكلاب المدربة .. يرقصون بلا إيقاع .. يملأون له السيارة بخيرات المستشفى .. لحوم ..حبوب ..خضر ..مشروبات. عند الحادية عشرة يخرج ولا يعود حتى الغد .. أما المرضى المساكين فلا يعطى لهم إلا العدس بالماء"(5). ويضاف إلى ذلك بارونات المال التي لا هم لها إلا جمع المال ولو على حساب الفقراء والبؤساء من أبناء الشعب.
ولعل هذا ما يجعلنا نصف عز الدين جلاوجي بصفة التمرد والجرأة في تناوله لهذا الموضوع، وكأن التمرد قانون ثابت في إبداعه الروائي والقصصي، وهذا يتجلى بوضوح في هذه الرواية وفي أعماله السابقة وعلى الخصوص "صهيل الحيرة" و"سرادق الحلم والفجيعة" وغيرها من الأعمال القصصية والدرامية التي يعلن فيها الحرب ضد عناصر الظلم والزيف التي شوهت الحياة، وهي كذلك احتجاج على هذا الواقع المتردي الذي يقتل أخياره ويمعن في اذلالهم رغم ما قدموه من تضحيات في سبيله كما الشأن بالنسبة لصالح الرصاصة بطل الرواية، وهو المجاهد المعروف وابن الشهيد. وقد أطلق عليه المجاهدون لقب صالح الرصاصة لبلائه واستبساله في مقاومة الاحتلال ولكنه بعد الاستقلال يهان ويهمش ويتحول إلى صالح المغبون ثم صالح المجنون ينتهي به الأمر إلى الطرد من بيته وعمله بالمشفى بسبب عدم استسلامه ومواجهته للفساد.
وفي المقابل نجد امحمد لملمد اشكال الدابة ابن الحركي الذي قتلته الثورة، رجلاً واسع النفوذ والثراء يصل إلى منصب رئيس البلدية.
بنية الشخصيات في الرواية:
على صعيد البناء الفني نجد أن الرواية "راس المحنة" قد توفرت على الكثير من السمات المميزة. ولعل من أهمها الابتعاد عن أحادية الصوت حيث يترك المجال لظهور شخصيات متعددة وهو لذلك يمزج الواقع بالخيال محاولاً الإمساك بخيوط كثيرة لشخصيات تراثية منها شخصية ذياب الهلالي والجازية بطلا سيرة بني هلال حيث تتداخل شخصيات الرواية مع شخصيات السيرة الهلالية وتتماهى معها بشكل يصعب معه الفصل والتمييز. وقد يبدو للبعض "أن الكاتب يكرر الماضي بطريقة الاجترار والتكرار، ولكن الحقيقة هي أنه يحمل الماضي دلالات جديدة، إنه يهرب من الحاضر إلى الماضي مستعيرًا منه اللحظة التاريخية السابقة لينتقد بها اللحظة الراهنة"(6). وهذا التركيز على الشخصية التراثية بمحمولاتها الدلالية المعروفة يهدف إلى إبراز عنصر الصراع بين رؤيتين لنوعين من الشخصيات:
*النوع الأول: وهو الشخصيات الوطنية المخلصة التي تنتمي إلى عامة الناس، وهي على الرغم من فقرها الشديد لا تستسلم وتسعى للتغيير والتمرد على الواقع مثل شخصية صالح الرصاصة الذي كان مجاهدا إبان الثورة التحريرية، وهو ابن شهيد، وبعد الاستقلال نجده يعمل حارسًا في إحدى المستشفيات، إلا أنه سرعان ما يطرد من عمله ومسكنه بعد مؤامرة مدبرة من المدير، لأنه لم يسكت عما كان يراه من فساد وتبديد لأموال الشعب من قبل المسؤولين، فسعى لكشف ألاعيبهم فانتهى به المصير إلى حارة الحفرة وخسر كل شيء حتى اسمه. لقد سماه المجاهدون قديما صالح الرصاصة لبطولته وشجعاته، واليوم هو صالح المغبون، صالح المجنون ...
*النوع الثاني: وهي شخصيات تمتلك السلطة والمال ولا تسعى إلا لخدمة مصالحها، ولمزيد من الهيمنة على ما بيد الفقراء والمساكين ممثلين في سكان "حارة الحفرة" التي جعلها جلاوجي رمزًا للمعاناة والبؤس، ومثال ذلك شخصية امحمد املمد وشخصية مدير المشفى، فامحمد املمد في الرواية رمز للتسلط والاستغلال اسمه واضح الدلالة فهو لا يصلح لشيء إلا أنه أصبح يملك كل شيء، وعلى الرغم من ماضيه الأسود حيث أنه ابن (حركي) قتلته الثورة إلا أنه بعد الاستقلال يتحول إلى رجل ثري ويستطيع بألاعيبه أن يصل إلى منصب رئيس بلدية، ونجده يستغل سلطته تلك للسيطرة على الناس وإيذاء أهل حارة الحفرة وربما الانتقام منهم لما حدث لوالده، فيسعى للزواج من الجازية ابنة المجاهد صالح الرصاصة الذي قتل والده سالم العلواني أباه الحركي أثناء الثورة لكي ينتقم منه ويمعن في إذلاله، ثم هو يحتال على (عبلة الحلوة) ابنة حارة الحفرة ويغتصبها، ثم هو يسعى في الأخير إلى طرد سكان حارة الحفرة لهدمها والاستيلاء على أرضها .... أما مدير المشفى فهو رمز للإدارة المتعفنة، لا يصرح الكاتب باسمه لأنه نموذج لبعض المسؤولين الفاسدين الذين لا هم لهم إلا خدمة مصالحهم ولو على حساب المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة.
وبالنظر إلى تطلعات هذين النوعين من الشخصيات تتشكل داخل النص ملامح لكل شخصية، وتتحول عناصر فاعلة انطلاقًا من ارتباطها بإحدى هاتين الرؤيتين، ونظرًا لصعوبة الإحاطة بكل الشخصيات والحديث عن إسهامها في صنع الدلالة سنقتصر على الشخصيات النسوية لنتبين سيميائية الشخصية النسوية في هذه الرواية ، وقد يتساءل البعض عن سبب اختياري للشخصية النسوية، فأجيبهم وهل يحتاج ظهور المرأة في القص إلى تبرير أو شرح؟ لقد قال القدماء: الأرض مؤنثة، والشمس مؤنثة، والسماء مؤنثة .. باختصار الحياة مؤنثة .. فهل نستغرب أن يكون العنصر النسائي في القص مهمًا وواضحًا.
الشخصية من وجهة نظر سيميائية:
قبل التطرق لمفهوم الشخصية السيميائية نتعرض لمفهومها التقليدي والذي يرتبط من الناحية التاريخية بنظرية المحاكاة الآرسطية التي تجعل النص الأدبي عملية محاكاة للواقع الانساني، ومن ثم فإن الشخصيات الروائية امتداد للشخصيات الواقعية، وهذا ما يمكن تسميته بـ: "مبدأ التكافؤ الدلالي المطلق بين العالم النصي والواقع الخارجي"(7) وهذا ما ترفضه الدراسات السيميائية الحديثة التي تطرح عدة تصورات جديدة: منها:
-تصور (فلاديمير بروب) من خلال كتابه مورفولوجية الحكاية الشعبية.
-تصور (غريماس) من خلال السيميائيات السردية.
-آراء (فيليب هامون)،وتعد آراؤه من أهم الآراء التنظيرية الحديثة، وقد عرضها في كتابه"من أجل قانون سيميولوجي للشخصية"،وهي عنده بياض دلالي تسهم في بنائه الذات المستقبلة للنص(8)، هذا النص الذي لا ينحصر وجوده في معناه أو دلالته السطحية، وإنما هو يحيا ويتجدد، ومع كل قارئ يتشكل النص خلقا جديدا متميزا بدلالات جديدة، وهذا ما يجعل من الشخصية علامة دالة قابلة للتحليل، وقد ميز (فيليب هامون) بين ثلاثة فئات من الشخصيات:
1-فئة الشخصيات المرجعية: وتشمل الشخصيات التاريخية والشخصيات الأسطورية، والمجازية والاجتماعية.
2-فئة الشخصيات الإشارية: وتكون ناطقة باسم المؤلف مثل الرواة وما شابههم.
3-فئة الشخصيات التكرارية (الاستذكارية)
وما يهمنا في هذه الدراسة هو الفئة الأولى كما سنرى لاحقا.
دلالة الشخصيات النسوية:
نقول في البداية بأن "صورة المرأة أكثر رهافة وحساسية وأشد وضوحًا في تعبيرها عن الواقع من صورة الرجل ... كذلك نجد المرأة قادرة على أن تستقطب بحساسيتها المتأنية واتزانها العاطفي مثل مجتمعها وتقاليده بجميع عناصرها استقطابًا يبلغ حد الثبات والتكرار، فإذا قلنا طالبة الجامعة، أو المرأة العاملة أو الفلاحة ... على سبيل المثال، فمن السهولة بمكان أن نستجمع في الذهن صفاتها –لا كفرد- وإنما كنموذج يتسم بسمات عامة"(9).
ولعل هذا ما جعل المازني يرى أن المرأة "أكثر تمثيلاً للنوعية في حين أن الرجل أكثر تمثيلاً للفردية"(10) بينما يراها العقاد "مظهر القـوة التي بيدها كل شيء في الوجود وكل شيء في الإنسان"(11)، وعند نجيب محفوظ "لا يوجد ثمة حركة بين الرجال إلا وراءها امرأة، المرأة تلعب في حياتنا الدور الذي تلعبه قوة الجاذبية بين الأجرام والنجوم"(12).
وعلى هذا فقد كان الروائيون واعين بارتباط حركة المرأة بالمجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى بدلالة المرأة كرمز ثري موح للتعبير عن الوطن"(13). هذه إذن أهم الأسباب التي دفعتني إلى تناول سيميائية الشخصيات النسوية في "راس المحنة".
تنوعت الشخصيات النسوية في رواية راس المحنة تنوعا كبيرا كما تميزت بدلالاتها الرمزية وأبعادها التاريخية التراثية، ولعل هذا التنوع والثراء يعود للبنية الزمكانية للرواية، والتي وقعت أحداثها في فضاءات متباينة وأزمنة غير محدودة حيث تمتد من الثورة التحريرية إلى فترة التسعينات أو ما اصطلح على تسميته بالعشرية السوداء، وبالاعتماد على آراء ( فيليب هامون ) في تقسيمه لأنواع الشخصيات فإننا نجد حضورا واضحا للنوع الأول وهو ( الشخصيات المرجعية ) كما هو الشأن بالنسبة لشخصية (الجازية)، و(عبلة)، وهما شخصيتان تاريخيتان استعارهما السارد من السير الشعبية القديمة، ودفعهما نحو فضاء قصته الجديدة لاستثمار أبعادهما الدلالية.
في هذه الرواية نلتقي مع عدد من الشخصيات النسوية منها: الجازية، عرجونة بنت عمر، عبلة الحلوة، نانة، ووهيبة ... وقد اهتم الكاتب بعرض هذه الشخصيات وإبراز ملامحها، ولعل هذا يتطابق مع التوجهات النقدية الحديثة التي أصبحت تعد الشخصية مكونًا هامًا وضروريًا للتلاحم السردي فأصبحت كل عناصر السرد تعمل على إضاءة الشخصية وإعطائها الحد الأقصى من البروز وفرض وجودها في جميع الأوضاع، وبالرجوع إلى آراء (فيليب هامون) نجد أن الشخصية في الحكي هي تركيب جديد يقوم به القارئ أكثر مما هي تركيب يقوم به النص(14)، وتماشيًا مع هذا التصور تصل الشخصية إلى إعطائها صبغة دلالية قابلة للتحليل والوصف أي أنها بمثابة علامة (signe) سيميائية دالة.
وبالنظر إلى الشخصيات السالفة الذكر نجد أنه يغلب عليها الطابع الرمزي، فالكاتب لا يكتفي في روايته بوصف الشخصيات النسوية وصفًا حسيًا فحسب بل يتخذها رمزًا لشيء آخر كأن يرمز بها إلى الوطن أو الثورة أو للمعاناة(15)، فالروائي قد يعمد إلى تجسيد بعض القضايا المعنوية في صور حسية تأخذ شكل امرأة، وعندها يصير هذا الرمز مجسمًا وبمثابة قالب تصب فيه المعاني"(16).
1-شخصية الجازية: وهي ذات حمولات تراثية، فهي تحيلنا إلى شخصية الجازية في السيرة الهلالية جعلها جلاوجي رمزًا للتمرد وعدم الخضوع. فالكاتب هنا يستدعي في نصه الشخصية التراثية بلحمها ودمها "أي أن التراث يعطي للروائي شخوصه مجهزة الملامح والسمات والأبعاد وما عليه إلا أن يحركها بطريقته الخاصة التي تتفق مع متخيله السردي"(17). كما يبدو في شخصية الجازية التي تحمل مخزونًا خاصًا داخل الثقافة العربية، وهي في الرواية تكون خلفية العمل الفني تربط الماضي بالحاضر وتدعو إلى مزيد من المواجهة والتصدي للواقع وهذا يرفع الرواية كما يقول (طه وادي) "من مجال الوجدان وحده إلى مجال الفكر والوجدان معًا، من السطحية إلى العمق"(18).
وحدك يا الجازيـة
أيتها الوشم الرابض على فوهة المدفع
أيتها الدمعة الحيرى على شفير الوطن
يا ربيع الشهداء
يا جراحاتهم العبقة بأوسمة الفداء
وحدك يا الجازية
وحدك تذرعين الأزقه المتربة الضيقة
وحدك تصهلين في مسمع الليل البهيم .. تدكين
عروشه .. تمزقين سدوله .. تغتالين همومه(19).
فهي أمل الجميع في إنقاذ الحارة وإنقاذ سكانها من الديناغول الذي يهدد بقاءها، وقد صورها الكاتب امرأة تبحث عن الحب الذي هو تجسيد لأزمتها في البحث عن الحرية الذاتية وتحقيق الوجود الفردي في المجتمع. وقد اعتمد الكاتب في تصوير هذه الشخصية على طريقتين:
1-الوصف المادي: حيث أسقط عليها الكثير من الصفات الجميلة إلى حد جعلها إحدى لوحات الطبيعة الجميلة: "كانت هيفاء ممتلئة خصبًا ونماءً ..
سمراء بلون الأرض المعطاء ..
في عينيها حسن متمرد وكبرياء كئيبة
شفتاها ترتجفان كورقتي شجرة نعنع يانعة، يداعبها نسيم الصبا .. على الجبين تدلت ذؤابة شعر حالكة فرت من سجن الخمار وحصاره .. ماذا أقول؟ لو بقيت العمر كله أفتش في تضاريس الرأس والوجه أسجد للحسن فيهما ما وفيتها حق العبودية والإخلاص"(20)
2-النجوى الذاتية: هناك وسيلة ثانية استعان بها المؤلف في تقديمه لشخصية الجازية وهو النجوى الذاتية أو ما يعرف (بتيار الشعور) وهي وسيلة عمد إليها للغوص في داخل نفسية الجازية للتقاط ذبذباتها ورصد ما يعتلج داخلها من عواطف ومشاعر رافضة للواقع البائس الذي يضغط بصدره على أنفاس البائسين، وبذلك تتحول الجازية إلى رمز للكبرياء والتحدي:
قد تجف البحار
قد ترتخي الجبال
قد تجبن الريح
لكن الجازية يجب أن تبقى أبدًا كبرياء(21).
فشخصية الجازية في الحقيقة هي رمز لهذا الوطن المعنى بالجراح والآلام. رمز للجزائر التي رغم المصائب والخطوب تبقى مكابرة تتحدى العواصف في شموخ. ويغدو خطيبها ذياب رمزًا للمخلص المنقذ كما في السيرة الهلالية حيث أن ذياب هجر قبيلته بني هلال وأقسم إن لحقه أحدهم أن يقتله، لقد كره تنافر قومه من أجل التفاهات، ووقع القوم في هول شديد وكان لا بد من الاتصال بذياب، ومن يجرؤ على حمل الرسالة، وفكرت الجازية في حيلة حين لجأ إليها الجميع صارخين.
يا ويح ذياب
البلاد بعده خراب
واهتدت أخيرًا إلى إرسال رسالة في عنق سلوقي، سلوقي وفي رباه ذياب ودربه على كل الأفعال.
علقت الجازية الرسالة في عنق السلوقي وأطلقته فاندفع يعدو باحثًا عنه، وحين لقيه أدرك ذياب أنها فعلة الجازية، فأسرع لإنقاذ قومه .. وكانت العرافة قد أنبأتهم أن لا منقذ لهم إلا ذياب من شر عدو قاهر.
يقتله فارس يلبس لامه في وجهـه شامــه
والله لـولا الملامـة لقلت ذياب فوق نعامة(22)
فشخصيتا الجازية وذياب في الرواية يحضران بالدلالة ذاتها في التراث والحب الفردي الذي ربطهما يقودهما إلى الحب الكبير أي حب الوطن حب الجزائر. وذياب في حبه للجازية إنما يعبر عن حبه للوطن. ولعل القارئ يلحظ ما بين الجازية والجزائر من تقارب حتى على مستوى اللفظ، باشتراك اللفظين في عدة حروف، وهذا يدعم الوظيفة الرمزية لهذه الشخصية إنها كل شيء بالنسبة لأهل حارة الحفرة، إنها الوطن إنها الشرف والكبرياء العربي الأصيل الذي لا يخضع ولا يستسل.
والجازية ليست هي الرمز الوحيد في الرواية بل هناك شخصيات نسوية أخرى لها أبعاد رمزية كذلك، وخير مثال عن ذلك:
2-شخصية عبلة الحلوة: عبلة في اللغة من العبل، وهو الضحم من كل شيء، والأنثى عبلة وامرأة عبلة أي تامة الخلق والجمع عبلات، أما اسم عبلة فهو اسم تاريخي معروف يحيلنا على سيرة عنترة بن شداد، وعبلة هي المرأة التي أحبها عنترة ولقي معاناة كبيرة بسبب هذا الحب، وهي شخصية لا يقرأها أحد إلا ويعشقها، رسم الكاتب ملامحها بدقة متناهية مقدمًا لها لوحة فنية ناطقة بالجمال والسحر:
بضة كانت كأنما هي منحوتة من المرمر
يتهدل شعرها الخروبي في كبرياء وغنج على كتفيها مفتولاً ملتويًا
وجهها استدار وامتلأ كقمر يتربع على عرش الغسق
تختال في مشيتها
تضرب قدميها على الأرض المتربة في زهو شديد.
ولجمالها الخارق هذا أغرم بها كل شباب حارة الحفرة وغدت فارسة أحلامهم، يرتوون من فيض جمالها ويستحمون في بحر حسنها الأخاذ، كلما مرت بالشارع يقف الجميع متسمرين في أماكنهم وكأنهم يمارسون طقوس العبادة لإلهة الجمال والحسن والفتنه. وقد جعلها الكاتب في روايته رمزًا للوطن المعبود الذي يحرك الشعب على التمرد، ولهذا نفهم لماذا بالغ الكاتب في وصفها، إنها تمثل قمة الإحساس الرومانسي المثالي بالوطن المعبود والتغني بجماله وسحر طبيعته، عبلة الحلوة هي بمثابة غناء الجوقة اليونانية الذي يسبق حركة الناس على المسرح"(23).
وقد جعل الكاتب تعرضها للاغتصاب من قبل امحمد املمد حدثًا أجج في "حارة الحفرة" عواطف الثورة والتمرد على قوى الظلم والاستغلال. فشخصية عبلة إذن تهدف إلى إظهار الممارسات الوحشية لامحمد املمد، والظلم الكبير الذي يعاني منه أهل حارة الحفرة، كما أنها تتحول إلى عامل من عوامل الثورة وتغيير الواقع وبهذا فهي رمز متعدد الدلالات. إنها رمز للشرف العربي، رمز للوطن المعتدى عليه، رمز للضياع العام للوطن. وفي الوقت نفسه رمز للتحدي والمواجهة، ورغم غيابها الطويل فإنها تعود لتشارك أهل الحارة في الانتقام من امحمد املمد فتشترك مع الجازية وذياب ومنير في النيل من الطاغية.
"على مرمى حجر تقفين مهرةً جامحة .. تلتصق الشقراء به .. يعدو منير، يسبقه ذياب .. تحدق فيك عيون البنادق شزرًا .. تشحذين القلب .. تشحذين الخنجر .. تدفعينه نحو القلب .. تغريسنه فيه .. يتهاوى نحوك جثة هامدة .. قبل أن يصل إلى الأرض .. ترفعين بصرك .. تلمحين الشقراء تغرس خنجرها في كبده"(24). هذه الدلالات التي تضمرها هذه الشخصية تجعلها تتطور لتصبح رمزا للجزائر الجميلة، الجزائر المغتصبة، الجزائر المتحررة .
ختامًا نقول في هذه الرواية يبرز الواقع الجزائري بدرجة تعكس رؤية الأديب الخاصة للمأساة، لأن الكاتب لا يكتفي عند حد العرض والتصوير، بل يتجاوز هذا الإطار إلى التغيير الذي يعني إعطاء الرأي وإبراز الموقف بشكل ينم عن إدراك عميق لأبعاد المأساة الوطنية المتعددة الجوانب. ومن هنا تقترب "راس المحنة" من الرواية الشمولية التي تسعى من خلال عرض حياة شخصية معينة أو فئة من الشخصيات إلى الإمساك بفترة تاريخية خاصة.
وعلى هذا فقد عبرت الرواية من خلال الشخصية النسوية عن الواقع تفاؤلاً وتشاؤمًا واستشرافًا لمستقبل مشرق، وتضايقا من الواقع المزري البائس الذي ضاعت فيه حقوق الناس البسطاء الطيبين ووأدت فيه أحلامهم البسيطة، وفي مقدمة هؤلاء المرأة التي وفق الكاتب في إبراز معاناتها بشكل رمزي عميق.
هوامش الدراسة:
(1) نبيل سليمان، الرواية العربية رسوم وقراءات، ص13.
(2) المرجع نفسه.
(3) المرجع نفسه، ص10.
(4) عمار زعموش، مجلة التبيين، ص45.
(5) الرواية، ص32.
(6) عبد الحميد هيمه، علامات في الإبداع الجزائري، ص87.
(7) عبد الرحمن بوعلي، شخصيات النص السردي، مجلة علامات في النقد، ع8 فيفري 1999، ص76.
(8) ينظر شريبط أحمد شريبط، سيميائية الشخصية الروائية، أعمال ملتقى السيميائية والنص الأدبي، جامعة عنابة 1995، ص 196.
(9) طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة، ص53.
(10) حصاد الهشيم، إبراهيم المازني.
(11) العقاد، سارة، سلسلة اقرأ، ع108، ص129.
(12) نجيب محفوظ، السراب، مكتبة مصر، ص310.
(13) طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة، ص54.
(14) ينظر عبد المالك مرتاض، في نظرية الرواية، ص87.
(15) صالح مفقودة، صورة المرأة في الرواية الجزائرية.
(16) حسين الحايل، الخيال أداة للإبداع، ص13.
(17) سعيد شوقي محمد سليمان، توظيف التراث في روايات نجيب محفوظ، ص114.
(18) طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة، ص95.
(19) الرواية، ص12.
(20) الرواية، ص50.
(21) الرواية، ص195.
(22) الرواية، ص110، 111.
(23) طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة، ص101.
(24) الرواية، ص225.
الدكتور هيمة عبد الحميد
جامعة قاصدي مرباح - ورقلة
* نقلا عن مجموعة ماستر ادب جزائري