أ. د. عادل الأسطة - يوميات المقتلة -ملف- الشهر الحادي عشر (306--336)

الشهر الحادي عشر


306- يوميات غزة ( ٣٠٦ ) : يحيى السنوار قائدا لحركة حماس وكاتبا روائيا

اليوم انشغلت بمتابعة ردود الفعل على انتخاب حركة حماس السيد يحيى السنوار خلفا للمرحوم اسماعيل هنية (أبو العبد) بعد اغتياله، قبل أيام، في العاصمة الإيرانية طهران ودفنه في الدوحة عاصمة قطر.
الآراء مختلفة ومتناقضة منها ما يدخل العقل ومنها ما لا يدخل، وهذا أمر طبيعي.
في بداية الحرب قرأت رأيا في أحداث ٧ أكتوبر هو "لا يفل اليمين إلا اليمين" - أي لن يردع تغول (نتنياهو) و(بن غفير) و(سموتريتش) وتوحشهم إلا حركتا حماس والجهاد. كاتب العبارة وأظن أنه حنظلة حنظلة أو Basem Alnadi حور في العبارة المألوفة "لا يفل الحديد إلا الحديد".
واليوم أيضا التفت إلى رأي ناشطة فيسبوكية تكتب باسم تبارك الياسين حول يحيى السنوار روائيا . قرأت ما كتبت بلغة ركيكة ضعيفة فلم ألتفت له، ولكني وجدت نفسي أقرأ التعليقات، وهذه عادة بدأت تغلب علي في الأسبوعين الأخيرين، لأرى آراء القراء فيما يكتب وأفهم مجتمعنا والمزاج الشعبي ومستوى التفكير. صرت أنسى ما ورد في المنشور ولا اكترث كثيرا له قدر اهتمامي بآراء القراء وطريقة تعبيرهم ولغتهم ووعيهم وثقافتهم.
عندما أعدت نشر منشور تبارك كتبت: شوفوا التعليقات واقرأوها على صفحة صاحبة المنشور.
أكثر الذين علقوا لم يقرأوا رواية السنوار "الشوك والقرنفل" - يعني تعليقاتهم مثل شيكات بلا رصيد. تعاطفوا أو كرهوا بلا سبب، وانطبق عليهم المثل الشعبي النابلسي الذي سمعته قبل أعوام في مقهى البرلمان وكتبت عنه "الحبيب زلط زلط والعدو واقف على الغلط" وهو قريب من بيت الشعر العربي الفصيح:
"وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساوئا"
بعض المعلقين سألوا عن القيمة الأدبية والفنية للرواية، وقسم آخر قرر أن يقرأ الرواية ليبدي رأيا، وكنت كتبت عن الرواية في حرب العام ٢٠٢١ على قطاع غزة وفي بداية الحرب الدائرة حاليا، وأتيت في كتابتي على القيمة الأدبية والقيمة الاجتماعية للرواية مستفيدا من المنهج الاجتماعي في قراءة النصوص، وما كتبته موجود في موقع الانطولوجيا.
في المساء لاحظت أن أكثر من موقع أدرج رابطا لتحميل الرواية. يبدو أن انتخاب يحيى السنوار سيجعل منه أيضا صوتا روائيا.
قررت أن أكتب اليوميات بطريقة مختلفة ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
آب حار والمعارك مشتعلة واليوم اشتعلت المعارك الأدبية حول رجل سياسي بالدرجة الأولى كتب عن تجربته في الحياة بشكل روائي كلاسيكي عادي، ولا أظنه انتبه من قبل أو سينتبه الآن لكل الزوبعة التي آثارتها تبارك الياسين.
لم يرق ما كتبت لتبارك فحجبت المنشور عني.
مساء الخير يا فلسطين
مساء الخير يا لبنان
خربشات عادل الاسطة
١ / ١١ / من عام الحرب الأول
٧ / ٨ / ٢٠٢٤

***

307- غزة ( ٣٠٧ ) : ظلال الحرب

هل عشنا نحن في الضفة الغربية أجواء الحرب؟
قارب عدد من ارتقى من أبناء الضفة الغربية، منذ ٧ أكتوبر، الستمائة شهيد أغلبهم من الشمال: جنين ومخيمها وطوباس والفارعة وطولكرم ومخيميها وقلقيلية ونابلس ومخيم بلاطة، ومع ذلك يمكن القول إننا لم نعش أجواء حرب، بل ظلال حرب. الحواجز والاقتحامات وتدمير البنى التحتية للمدن المذكورة ومخيماتها وهدم بيوت فيها وفوق ما سبق بطالة العمال وكساد الحركة التجارية وصعوبة الانتقال بين المدن.
لقد عشنا قلق الحرب وصرنا نجلد أنفسنا، لشعورنا بالعجز، ونصمت حين يشتمنا من شعروا بأننا خذلناهم، فلم نلب النداء كما يتمنون، علما بأن هناك أصواتا من قطاع غزة نفسه حذرتنا من الانجرار وراء أصوات انتقدتنا.
هل تمنى بعض من شعروا بخذلاننا لهم أن يلم بنا ما ألم بهم؟
أمس عصرا مررت بقريب لي فعرفت منه أن الإسرائيليين أحضروا راجمات وضعوها فوق جبل جرزيم، وتساءل مندهشا عما يقصد بذلك، وأما أنا فتذكرت ما حدث في حيفا في نيسان ١٩٤٨ وسيطرة اليهود عليها من جبل الكرمل. لقد قرأت هذا في روايتين هما رواية توفيق معمر "مذكرات لاجيء أو حيفا في المعركة" ورواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا". هل سيلم بنا في نابلس في قادم الأيام ما ألم بأهل حيفا؟
في ميدان غزة يتقرر مصير أهل الضفة الغربية أيضا، واليوم قرأت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) يمكن أن يسهم في تنصيب كيان سياسي بعد أن يحقق الانتصار. إنه يفضل أن يحظى بتغطية سيئة على أن ينعى بخبر جيد. ومازال يكابر والوحش فيه يوجهه.
في بداية المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة خاطبنا "أبو يائير" بأن يكون (غورباتشوف) القرن الحادي والعشرين ويعلنها دولة واحدة، لسكانها كلهم، من البحر إلى النهر ، ويتخلى عن فكرة الدولة اليهودية ولكن....
قبل قليل قرأت أن الضربة ستكون بين العصر والمغرب، فتذكرت المغنية سميرة توفيق تغني "بين العصر والمغرب".
النزوح من مكان إلى آخر في غزة لم يتوقف ومهاجمة مراكز إيواء اللاجئين يتواصل والمرتقون بالعشرات وما زال الشهر الحادي عشر في يومه الثاني، ويقال إن مائة ألف مواطن لبناني غادروا جنوب لبنان، وأما مطار اللد فتصفر فيه الرياح كمدينة النحاس في قصة "ألف ليلة وليلة". والجدل الأدبي حول رواية يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" لم يهدأ، ولسوف أخصه بمقال خاص في الأسابيع القادمة أحلل الظاهرة وفق نظرية التلقي الألمانية وبخاصة مقولة إن المنعطفات التاريخية تؤدي إلى قراءة النصوص القديمة قراءة جديدة.
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
( ٢ / ١١ )
٨ /٨ / ٢٠٢٤

***

308- غزة ( ٣٠٨ ) : يحيى السنوار وروايته في أكبر الصحف العالمية

يحيى السنوار الذي شغلتنا روايته في اليومين الأخيرين، بسبب منشور تهكمت فيه صاحبته على روايته، وعلق على كلامها الركيك لغويا العشرات ممن لم يقرأوا الرواية، ما دفعني إلى إدراج منشورها على صفحتي طالبا من قراء صفحتي أن يقرأوا التعليقات ، فلم يكتفوا بالقراءة بل علقوا على منشورها تعليقات استفزتها حد أنها سترفع علي قضية تحت مسمى "جرائم إلكترونية" في الأردن ، يحيى السنوار وروايته التي لم تعجب صاحبة المنشور وشلتها من المعلفين يتصدر وروايته أبرز الصحف والمجلات في العالم.
من يعرف الإنجليزية المبسطة ولديه ساعتان من الوقت للقراءة يمكن أن يعود إلى مجلة (نيو يوركر) الصادرة في آب ٢٠٢٤ حيث كتب الصحفي (David Remnick) تقريرا مطولا اعتمد فيه على رواية "الشوك والقرنفل" وعلى مقابلات أجريت مع صاحبها منها المقابلة الشهيرة لصحفية إيطالية أجرتها بناء على طلب صحيفة عبرية وعلى لقاءات شخصية مع كتاب وباحثين وصحفيين فلسطينيين وإسرائيليين، بل ومع أسرى فلسطينيين زارهم في أثناء زيارته القدس ورام الله.
اليوم صباحا أنفقت أكثر من ساعة في تصفح التقرير وأتمنى أن تعكف الكاتبة الفلسطينية المقيمة في الأردن Ghania Malhees على ترجمته وتقديمه للقراء في الأردن والعالم العربي، فلعلنا نتعلم قليلا من العالم وكيف ينظر إلى روايات روائيين سياسيين.
في صيف العام ١٩٩٢ ترجمت عن الإنجليزية نص محاضرة ألقاها الأستاذ الألماني دكتور (Stefan Wild) درس فيها غسان كنفاني وكتب عنه كتابة مفصلة اهتم برواياته وقصصه وشخصيته أيضا، وقدمه للغرب على أنه نموذج للإنسان الفلسطيني الذي طرد من أرضه وانتمى إلى فصيل الجبهة الشعبية.
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
نابلس ٩ / ٨ / ٢٠٢٤
(يوم ٣ من شهر ١١ للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة).

***

309- يوميات غزة ( ٣٠٩ ) : قتل والفقراء يسعون إلى صلاة الفجر

أخبار هذا الصباح أيضا لا تسر.
يسعى الغزيون إلى صلاة الفجر لتأدية فريضة الصلاة فتهاجمهم الطائرات والصواريخ ويرتقي مائة إنسان عادي وأكثر. حدث هذا فجر اليوم في مسجد مدرسة التابعين في وسط غزة، كما ورد في قناة الجزيرة.
لم ييأس أكثر هؤلاء وأمس ودع الأب ابنيه وحفيديه وحمد الله على قضائه. بدا هادئا وديعا قانعا راضيا متماسكا، ما ذكرني بغيره وبالمرحوم اسماعيل هنية حين تلقى نبأ استشهاد أولاده الثلاثة وأحفاده. واصل الرجل لقاءه فأبناؤه وأحفاده، كما قال، هم من أبناء الشعب، مثلهم مثل الآخرين.
"دم طازج" كتب الشاعر علي الخليلي في ١٩٧٨ "والأزقة تسعى لأقواتها". كان هذا في نابلس في البلدة القديمة، وصار في غزة، والناس يسعون لصلاة الفجر أو وهم نيام.
قال اليهود إن معسكرات الإبادة في الحرب العالمية الثانية هي عار العصر، وصارت غزة عار العار وعار الإنسانية وعار العرب.
وأنا أنظف شقتي في هذا الصباح وجدتني أكرر أسطرا من قصيدة مظفر النواب "في الحانة القديمة" وقررت أن أكتب مجددا عن الشرف الفردي والشرف القومي، ويبدو أن عجزنا وصمت أكثرنا أفقدنا الشرفين؛ الفردي والقومي، بل والإنساني.
انفلت الوحش وكل يوم يتفنن في القتل. هل أخطأ الشاعر توفيق زياد حين كتب:
"والذي يسلب حقا يعيش العمر خائف"
هذه هي الحكاية: الخوف. خوف اللص من سرقته.
ومرة أخرى أتذكر ما كتبه مظفر في قصيدة "تل الزعتر":
" أبناء فلسطين!
سوف تعودون إليها
ولكن جثثا".
هل اختلف الحال أمس في شرق خان يونس؟
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
(اليوم ٤ من شهر ١١)
١٠ / ٨ / ٢٠٢٤

***

310- يوميات غزة ( ٣١٠ ) : حفلة شواء بشري

يستخدم اليهود اللفظة العبرية "شواه" على ما جرى بحقهم في معسكرات الإبادة.
الروائي إلياس خوري في روايته ثلاثية الأجزاء "أولاد الغيتو: اسمي آدم ونجمة البحر ورجل يشبهني" ومن قبل في روايته "باب الشمس" كتب عما ألم باليهود في بولندا. في معسكرات الإبادة واستخدم دال "شواه".
أمس وأنا أقرأ ما يكتب عما جرى أمس في غارة الفجر على مسجد مدرسة التابعين قرأت عن رائحة اللحم الفلسطيني. عن حفلة "شواه" لحمها فلسطيني ، وكنت قبل أيام أدرجت مقطعا من قصيدة محمود درويش "صباح الخير يا ماجد" منه السطر "حرف الضاد لا يحميك" والمقطع يخاطب فيه الشاعر اللحم الفلسطيني الذي أصبح سعره أرخص من البطاطا والشمندر. عن رائحة اللحم قرأت في صفحة الصحفي يوسف فارس.
الكاتبة نعمة حسن كتبت عشر كلمات أعاد كثيرون نشرها وهي أن اللحم الفلسطيني في المجزرة، لقسوة ما جرى، وضع في أكياس وكل ٧٠ كيلو منه تعادل جثة شهيد. صار اللحم الفلسطيني يوزن في الأكياس بالكيلو، وقد اختلط اللحم ببعضه.
في العام ١٩٧٦ ارتكب الكتائبيون في لبنان مجزرة في مخيم تل الزعتر دفعت الشاعر العراقي مظفر النواب لكتابة قصيدته "تل الزعتر".
قال مظفر إن فلسطين تزال من الأرحام وتساءل عن ثمن الطفل الواحد وعن ثمن الغمازة. صار اللحم الفلسطيني عرضة لمزاد علني، ووصف مظفر المشهد:
"العين المفقوءة
والكف المقطوعة
والساق المبتور
والجثث المحروقة.. تحمل واضحة".
وماذا قال العالم يومها؟ وماذا يقول الآن فيما يجري في غزة؟
"أبناء الغرب المحترمين سلاما
نحن النجس الشرقي
جئنا لنقدم هذا الشكر لكم
فوق سفينتنا.
همس القبطان بدون عويل
وبدون صراخ شرقي:
صفا صفا صفا، فالغرب يحب التنظيم
ولا يهتم بعاطفة متأخرة
يذرفها الشرق البائس
أولئك قدر
نجس شرقي
- حاشا قدرك يا رب رؤوس الأموال -
فنحن النجس الشرقي
تراب أتفه من أي تراب".
ونحن أمس صرخنا وبكينا وكتبنا وناشدنا وتابعنا مسيرات حزب الله تخترق الشمال.
هذه الحرب تجعلنا نوابيين دنقليين درويشيين بامتياز وغصبا عنا.
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٨ / ٢٠٢٥
(يوم ٥ من شهر ١١).

***

310- يوميات غزة ( ٣١٠ ) مساء : إنهم يسخرون منا

عندما قرأت ما كتبته مريم قوش في وداع أستاذها المرحوم يوسف شحدة الكحلوت سألتها إن كان هو من كان وزير ثقافة في الحكومة التي شكلتها حماس يوم انتخبت، وإن كان هو من كتب عن محمود درويش وجوانب الانحراف العقدي والأخلاقي في شعره.
بحثت فيما كتبته عن محمود درويش في هذا الجانب فعثرت عليه، وما كدت أجري تعديلا عليه حتى شطبه الأمن السيبراني الفيسبوكي بحجة جمع معلومات حساسة. ما كتبته كان في ذكرى رحيل الشاعر في العام ٢٠١٧ تحت عنوان "العودة إلى محمود درويش".
وأنا أتابع أخبار قطاع غزة قرأت عن منشورات ألقتها الطائرات الإسرائيلية على أهالي قطاع غزة تحتوي على مغلف نايلون بسيجارتين، وكتب في المنشور:
"بدكم قيادات ولا بدكم دخان".
غنى الإسرائيليون في أعراسهم الدحية الفلسطينية، وقد كتبت عن هذا ، واستخدم الإسرائيليون الشتائم الفلسطينية من الزنار وتحت، وكتبت عن هذا وأنا أكتب عن رواية إلياس خوري "نجمة البحر"، ولطشوا من تراثنا الحمص والفلافل والكوفية غير مكتفين بنهب الأرض وما فيها وطرد من عليها والآن...
رئيس الوزراء الفلسطيني السابق الدكتور محمد اشتية خاطب أبناء شعبه بالعبارة المعروفة:
"بدكم مصاري أكثر ولا وطن أكثر".
ولم يحصل الفلسطينيون على الوطن ولا على المصاري، وكل ما جلبه لنا هو سخرية الإسرائيليين منا:
"قيادات أكثر ولا دخان أكثر"
وكنت كتبت من قبل تحت عنوان "تحشيش غزاوي أم يهودي؟".
كل الحق على ستنا سارة وستنا هاجر وتربيتهما أبناءهما تربية الضرائر.
هل شوى الغزاويون اليوم الميركفاه وجعلوا من النمر نمرا من ورق، فردوا على السخرية بمثلها؟
الدكتور يوسف شحدة الكحلوت شواه الإسرائيليون في مجزرة أمس وعدوه قائدا من خمسة عشر قائدا زعموا أنهم كانوا مختبئين بين المصلين، وبعد فحص أسماء قسم من الخمسة عشر تبين أنهم لم يكونوا في مسجد مدرسة التابعين - أي المحرقة.
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ٥ من الشهر ١١ للحرب)

***

311- غزة ( ٣١١ ) : أهل غزة والإيمان والذات الإلهية

أتابع يوميات الدكتور خضر محجز التي يكتبها من داخل غزة، والدكتور هو من مبعدي حركة المقاومة الإسلامية إلى مخيم مرج الزهور في العام ١٩٩٢، وقد أعد رسالة دكتوراه اختار لموضوعها الكاتب إميل حبيبي وعنوانها "إميل حبيبي بين الحقيقة والوهم" وقد طبعت في دمشق ووصلت نسخ منها إلى الأرض المحتلة.
فوق ما ذكر فإن الدكتور كتب روايات عديدة درسها الدكتور عمر القزق في رسالة الدكتوراه "روائبون أكاديميون / أكاديميون روائيون".
يعني ما سبق أن الدكتور روائي وأكاد يمي وناقد وليس غريبا عن عالم الأدب.
في يومياته هو المؤمن كتب عن آثار الحرب على أهل قطاع غزة وأشار إلى ظاهرة ضيق قسم منهم وتذمرهم وتبرمهم، لا من الأوضاع والبشر وحسب. بل من الذات الإلهية، وتساءل الدكتور: كيف سينصر الله هؤلاء في حربهم؟
كتب متلا في إحدى يومياته الأخيرة عن مواطنين اختلفت أفعالهما إزاء ما حدث.
أليس هو الله سبحانه وتعالى هو القاتل (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) و(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا)؟.
وأنا أقرأ ما كتبه الدكتور عقبت:
- فلماذا لا يستسيغ كثيرون بعض عبارات محمود درويش في بعض قصائده، وبعض أسطر غسان كنفاني في بعض قصصه القصيرة، وفي بعض رواياته (كنت كتبت عن رواية "رجال في الشمس" وقصة "أرض البرتقال الحزين").
في "مديح الظل العالي" خاطب محمود درويش ربه:
"-جربناك جربناك
من أعطاك هذا اللغز
من أعلاك فوق جراحنا"
- هل كفر الشاعر في أسطره التي تساءل فيها؟
"باسم الفدائي الذي خلقا
من جزمة أفقا!
باسم الفدائي الذي خلقا
من جرحه شفقا"
والأسطر كثيرة وهي التي حثت الدكتور سعيد شحدة الكحلوت على أن ينشر دراسة تحت عنوان "محمود درويش والجوانب العقدية والأخلاقية في أشعاره". الدكتور سعيد استشهد في مسجد مدرسة التابعين في وسط قطاع غزة.
كاد المرء أمس وهو يصغي إلى أخبار مذبحة المسجد، حيث القتلى والجرحى بالمئات. كاد يرفع يديه إلى السماء وبصرخ:
- وينك . وينك،
ولا خول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هل ينتظر مخيمات اللجوء في الضفة الغربية مصير مشابه؟
(كاتس) منذ الصباح وهو يحكي أن مستقبلها -أي المخيمات- لن يختلف، والقاد م أعظم.
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
(١٢ / ٨ / ٢٠٢٤)
(اليوم ٦ شهر ١١ للحرب)

***

312- يوميات غزة ( ٣١٢ ) : جبر الغزاوي .. من بطن أمه للقبر

في انتفاضة الأقصى، وتحديدا بعد اجتح المدن في ربيع ٢٠٠٢، كتبت قصة قصيرة عنوانها "اكتشافات جبر الفلسطيني في العيد:" (مجموعة "فسحة لدعابة ما") استوحيتها من المثل الشعبي الذي يلخص حكاية المسلم الذي مر بمقبرة مسيحيين وأخذ يقرأ على شواهد القبور تواريخ وفاة الموتى، واستغرب من أن حياة أكثرهم كانت قصيرة لا تزيد عن بضع سنوات، ما جعله يذهب إلى شماس الكنيسة ويسأله عن سبب قصر حياة الموتى.
عندما أجابه الشماس موضحا له الحكاية، وهي أنهم يحسبون فقط السنوات السعيدة التي عاشها المرء، ضحك جبر وأوصى أهله بأن يكتبوا على شاهد قبره:
- جبر من بطن أمه للقبر.
ماذا لو طبقنا الأمر على أهل قطاع غزة الذين عاشوا حروبا متتالية منذ انتفاضة الأقصى ( ٢٨ / ٩ / ٢٠٠٠)؟
من المؤكد أن العبارة الغالبة هي "من بطن أمه للقبر".
قبل قليل قرأت في صفحة مريم قوش فقرة تزينها صورة توأمين هما آسر وآيسل. تقول الفقرة إن والد التوأمين محمد أبو القمصان ذهب ليخرج لهما شهادتي ميلاد، وعندما عاد وجدهما توفيا مع أمهما.
تعقب مريم قوش بأنه في غزة، وفي غزة فقط، تستخرج شهادة الوفاة قبل استخراج شهادة الميلاد.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأنا أتمشى في شوارع المدينة وجدتني أسأل أحد معارفي ممن كان لهم نشاط وطني إن كانت الحرب ستندلع، وهو سؤال سألني إياه سائق الحافلة، فأجبت بأن علمها عند ربي، وأعربت له عن خشيتي من أن تفاجيء إسرائيل إيران وحزب الله وسوريا أيضا بهجوم على غرار ما فعلته في ٥ حزيران ١٩٦٧.
أجواء الترقب التي نعيشها شبيهة بأجواء أيار وحزيران ١٩٦٧، ويا ساتر استر، وإن لم تستر فاكتبوا على شاهد قبري -إن حظيت بقبر-
عادل الاسطة من بطن أمه للقبر.
مساء الخير يا غزة
خربشات أ . د عادل الأسطة
١٣ / ٨ / ٢٠٢٤
( ٧ من الشهر ١١ للحرب)

***

313- يوميات غزة ( ٣١٣ ) : حتى الحذاء عز حضوره

في بداية الحرب التفت كثيرون إلى صورة المقاوم يرتدي شبشب زنوبة ويواجه الدبابة ليصطادها. كان هذا قبل أن تبرز صورة المقاوم الأنيق الذي بدا قادما من عصر الفروسية.
في الأشهر الأخيرة لم تخل كتابات أبناء قطاع غزة من الإتيان على السلع التي عز توفرها - وما أكثرها - ومنها الأحذية التي وفرت ندرتها فرصة عمل لمن يجيد تصليحها، وبدأ قسم منهم يتفنن في عمله.
قبل فترة قرأت ما كتبته ام ايمن الصوص في موضوع تصليح حذائها، ولعل ذاكرتي لم تخني.
اليوم قرأت في ثلاث صفحات عن معاناة أهل غزة مع الأحذية أو حلم أطفالهم بحذاء، ما ذكرني بما كتبه معين بسيسو في كتابه "دفاتر فلسطينية" وكتبت عنه مقالا تحت عنوان "الأدباء الفلسطينيون والأحذية".
الكاتب السياسي رياض عواد Riyad Awad أدرج في صفحته صورة لشبشب مخيط بسبب اهترائه وكتب "شبشبونا"، والكاتبة مريم قوش كتبت عن طفلة حلمت بحذاء يشبه حذاء ساندريلا وأفاضت مريم في الكتابة وكان نصها جميلا أعادت صفحة Creative Palestinians مبدعون فلسطينيون إدراجه" ثمن قبقاب ساندريلا، ويمكن العودة إليه، وأما الكاتب الثالث فهو شجاع الصفدي الذي أدرج منشورا، تحت عنوان "باب الحارة"، أتى فيه على تفكيره بالحصول على رزقه من خلال العمل بصناعة القباقب على الرغم من خشيته من استخدام الناس لها في أثناء تعاركهم مع بعضهم وهات حلها، والمنشور مدرج في صفحته .
هل ينطبق على أهل غزة قول توفيق زياد:
"وقفت بوجه ظلامي
يتيما عاريا حافي"؟
ربما نحمل أهل غزة فوق طاقتهم، فهم يفتقدون أدنى مقومات الحياة وأقلها. حتى الأحذية ما عادوا يمتلكونها - أي والله!
أمس ولأول مرة في حياتي اشتريت جزمة بأربعين شيكلا، وكنت وأنا اتجول في محلات بيع الأحذية أتحسر على ما وصل إليه أهل القطاع. العروض كثيرة والأسعار معقولة. هل تذكرت نكتة الكاتب الايرلندي الساخر (جورج برناردشو) حول العلاقة بين صلعته وكثافة شعر لحيته وسوء التوزيع في العالم الراسمالي: غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع.
طوباس وطمون في شمال الضفة الغربية لم تسلما في هذا اليوم من جنون الحرب، وإن غدا لناظره قريب!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ٨ من شهر ١١ للحرب)

***
314- يوميات غزة ( ٣١٤ ) : في انتظار (غودو)

ينتظر الغزيون اليوم ما ستسفر عنه جولة المفاوضات الجديدة. هل سيتم التوصل إلى اتفاق أم أن تجربة المفاوضات بين حركتي فتح وحماس التي استمرت سبعة عشر عاما، دون أن تصل إلى اتفاق ما ، ستتكرر بين حركة حماس والدولة العبرية؟
انتظر الفلسطينيون، منذ العام ١٩٤٨، أن يعودوا إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها، ولم يعودوا. طال المؤقت ومات اللاجئون بعيدا عن الديار ودفنوا في مقابر هذا العالم، وبعضهم وجد صعوبة في العثور على مكان يدفن فيه.
تحفظ ذاكرتي أسطرا للشاعر مظفر النواب هي:
"لقد منعوا دفن طفل من اللاجئين بمقبرة بظاهر الشام
- هنا دفن الطفل في آخر الأمر.
يا أرض غزة فاسترجعيها لئلا مقابرهم تستفز".
وانتظر أهل غزة اتفاقا بين فتح وحماس ولم ينجز، وها هم ينتظرون.
إن تابعت صفحات التواصل الاجتماعي مثل صفحة مخيم النصيرات فإنك ولا شك تتوصل إلى نتيجة أنهم ينتظرون (غودو). منذ أشهر أخذت أتابع الصفحة وقلما مر يوم لم يعبر فيه المشرفون عليها عن توقهم إلى هدنة ما تتوقف بناء عليها الحرب. لقد كلوا وملوا وارتقى كثيرون منهم وهم يأملون، ولكن... .
أخبار هذا الصباح من مخيم بلاطة قرب نابلس في الضفة الغربية حكت عن ارتقاء شابين وجرح آخرين.
في الظهيرة أكمل أبو عبييدة تغريدة سابقة له قائلا إن الأسير الإسرائيلي الذي قتل قبل يومين قتله حارسه الفلسطيني، فقد فقد الحارس أعصابه عندما علم أن طفليه قتلا في الحرب. هل خطر ببال الحارس قول الشاعر راشد حسين الشاعر الفلسطيني الذي مات، في نيويورك، في شباط ١٩٧٧، في ظروف غامضة، قوله:
"تشتهي الثورة لحظات غضب".
الأسواق في نابلس عصرا شبه راكدة والفواكه موجودة بكثرة بخاصة فاكهة الصيف من صبر وتين ودريق وخوخة ومانجة، والغزيات يسألن في غزة عن سعر كوز الصبر ويواصلن سيرهن وحين يجلسن ليكتبن يتذكرن الصبر (التين الشوكي) في بيت لاهيا ويتحسرن على الأيام الخوالي و... و... و...وقد قرأت هذا في صفحة Hekmat Alian Almasri
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ٨ من الشهر ١١ للحرب).



315- يوميات غزة ( ٣١٥ ) : لا تعتذر عما فعل بائع الفلافل

اعتذر الفلسطيني المقيم في غزة والمحاضر في جامعة الأقصى حسن القطراوي للكاتبة أحلام بشارات، لأن بائع الفلافل في غزة، في أثناء الحرب الدائرة حاليا، لف ساندويشة الفلافل التي باعها لابنه بورقة اكتشف أنها منتزعة من رواية الكاتبة "مصنع الذكريات".
في منشوره أتى حسن على ما ألم بالكتب في هذه المقتلة حيث استخدمت - للضرورة وقلة الغاز - في إشعال النار وإيقادها، ليتمكن الناس من خبز عجينهم وطبخ طعامهم ، واعتذر للكاتبة أنه تعرف لروايتها بهذه الطريقة.
في مطولته "مديح الظل العالي" التي كتبها محمود درويش في أثناء حرب بيروت ١٩٨٢ وبعدها خاطب الفدائي قائلا:
"سقطت ذراعك فالتقطها
واضرب عدوك.. لا مفر
وسقطت قربك ، فالتقطني
واضرب عدوك بي.. فأنت الآن حر
حر
وحر..
قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة
فاضرب بها . إضرب عدوك.. لا مفر
أشلاؤنا أسماؤنا
حاصر حصارك بالجنون
وبالجنون
وبالجنون
ذهب الذين نحبهم، ذهبوا
فإما أن تكون
أو لا تكون".
يا بائع الفلافل وشاريها وآكلها في غزة: لا تعتذروا عما فعلتم. لا تعتذروا إلا لأمهاتكم وآبائكم!!؟
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ٩ من الشهر ١١ للمقتلة)

***

316- يوميات غزة ( ٣١٦ ) : نزوح متكرر وفيروس شلل أطفال وموت صامت

من نزوح إلى نزوح، وفي المنفى كان الأمر مختلفا. من منفى إلى منفى وهو ما عبر عنه محمود درويش في "مديح الظل العالي" وفي مجموعته "هي أغنية.. هي أغنية" وبدا واضحا في قصيدة "نزل على بحر " التي قال فيها زيارتنا قصيرة / لا تسألونا كم سنمكث بينكم / لا تسألونا. ولا أعرف ماذا كان سيكتب لو عاش منذ ٧ أكتوبر في غزة حيث النزوح المتواصل الذي تعبر عنه كتابات المقيمين هناك مرفقة بأشرطة فيديو ، وهو ما لاحظته أمس في صفحة ام ايمن الصوص وفي صفحة نعمة حسن .
لا يستقر الغزيون في مكان لفترة، فما إن ينزحوا إلى مكان حتى يطلب الإسرائيليون منهم إخلاءه إلى مكان آخر، وهات حلها يا حلال الأمور. صارت كلمة إخلاء شائعة بكثرة ومرادفة لكلمات مثل حرب وهدنة ونزوح وقتل وجرحى وخيمة وجوع ومرض و...الخ
المصيبة الكبرى الآن هي انتشار فيروس شلل الأطفال حيث اكتشفت أول أمس حالة تنذر بكارثة، وفي صفحة الدكتور Riyad Awad كتابة مفصلة عن شلل الأطفال الذي عرفت غزة آخر إصابة فيه في العامين ١٩٨٢ و ١٩٨٣.
هل نبالغ حين نصف الحرب بأنها مقتلة ومهلكة وحرب إبادة؟
منذ بداية الحرب فكر إسرائيليون بالقضاء على سكان غزة بالأمراض، وها هي بوادر أخرى.
أمس سمعت ان عدد الموتى في غزة قارب المائة ألف فاستغربت لأن ما يعلن عنه من وزارة الصحة هناك لم يجاوز الأربعين ألفا بالإضافة إلى عشرة آلاف فقيد.
اليوم صباحا قرأت في صفحة Fadel Ashour يوميات يكتبها Taysir Abd تحت عنوان "يوميات الخيمة" وقرأت اليوميات رقم ٣٨، فلم أستغرب أن يكون عدد الموتى قارب المائة ألف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار من ماتوا قهرا وغما وهما ومن ماتوا ممن يعانون من أمراض مزمنة احتاجوا إلى دواء فلم يحصلوا عليه. علينا أيضا ألا ننسى من مات جوعا و... واقرأوا يوميات تيسير عبد وقد أحلت إلى صفحته وصفحة فضل عاشور أيضا.
أمس انشغلت بالخبر الذي كتب مع شريط فيديو عن ٨٠٠٠ مواطن فلسطيني من فلسطين التاريخية ذهبوا إلى الأردن لحضور حفلة يحييها المغني وائل كفوري. أدرج الخبر د.بلال شبير في صفحته ونقلته عنه ثم حذفته، والتعليقات التي قرأتها قالت لي لماذا لم تنجح جهود المصالحة بين فتح وحماس مدة ١٧ عاما.
الله المستعان.
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ١٠ من شهر الحرب ١١)

***

317- يوميات غزة ( ٣١٧ ) : يا بابا

الصورة تقول كل شيء. كأننا لا رحنا ولا جئنا. وما أشبه الليلة بالبارحة. في العام ١٩٩٥ نشر محمود درويش ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيدا؟" مسترجعا سيرته منذ كان طفلا عاش النكبة. في قصيدة "أبد الصبار" كتب على لسانه طفلا:
"- إلى أين تأخذني يا أبي؟
- إلى جهة الريح يا ولدي...
....
وكان غد طائش يمضغ الريح
خلفهما في ليالي الشتاء الطويلة.
وكان جنود يهوشع بن نون يبنون
قلعتهم من حجارة بيتهما . وهما
يلهثان على درب " قانا": هنا
مر سيدنا ذات يوم. هنا
جعل الماء خمرا. وقال كلاما
كثيرا عن الحب، يا بني تذكر
غدا. وتذكر قلاعا صليبية
قضمتها حشائش نيسان بعد
رحيل الجنود ...".
بعد ستة وسبعين عاما يتكرر المشهد بطريقة أعنف. كم مكث الصليبيون في بلادنا؟!
مكثوا مائتي عام.
لسه طويلة.
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ١٢ من الشهر ١١).

***

318- يوميات غزة ( ٣١٨ ) : حتى لا تنعت أمهاتنا بالشر...

تتعالى الأصوات من داخل قطاع غزة بأن نكف شرورنا عنهم، وشرورنا كثيرة تتجسد بالتغني ببطولات المقاومة وأسطرة شعب القطاع لصموده وتحمله ما تعجز الجبال عن تحمله، فيما نحن ثوار ال (كي بورد) نمارس حياة كلها رفاهية، إذ مهما حاولنا أن نعيش أجواء الحرب فلن نتمثلها تمثلهم لها. إن الغياب الجسدي الفيزيائي عن حركة النزوح في غزة، كما كتب قبل يومين أسامة ابو الجود في صفحة مخيم النصيرات، لا يرقى إلى مرتبة من يعيشها جسديا.
أمس أصغيت إلى شربط فيديو قصير جدا لشاب غزي يخاطب فيه البعيدين عن غزة بأن لا يتحدثوا عنها "كل ابن شر...مش من غزة ما يحكي عنها / ما ينطق باسمها"، وبلغ الأمر أن أحد المعلقين على الشريط الذي أدرجه د.بلال شبير قبل ثلاثة أيام على صفحته، وهو يتمحور حول سفر ٨٠٠٠ فلسطيني عبر الجسر لحضور حفلة يحييها المغني وائل كفوري، بلغ الأمر بكاتب التعليق، وهو من قطاع غزة، أن ذهب إلى أن أهل غزة غريون فقط لا صلة بينهم وبين فلسطينيي الضفة الغربية والقدس وفلسطين ١٩٤٨.
نحن في واد وهم في واد آخر. يد في الماء ويد في النار. هكذا يرى قسم منهم، ويرون أن الصورة من داخل قطاع غزة مختلفة كليا عن صورتها في وسائل الإعلام، كالجزيرة والعربية وبعض القنوات الأخرى ولدى طخيخة ال (كي بورد).
اليوم مثلا أدرج Taysir Abd في صفحته صورة لجيبات عسكرية إسرائيلية يترجل منها الجنود الإسرائيليون تتحرك بشبه أمان في مناطق القطاع، وتساءل إن كان ما يحكى عن مقاومة قوية صحيحا. عندما قرأت التعليقات انتابني القلق، فالصورة التي تقدمها القنوات المذكورة وبعض صفحات التواصل الاجتماعي تقول شيئا مختلفا.
عندما أصغي إلى مراسل إذاعة أجيال محمد الأسطل أضع يدي على قلبي وأخشى أن نغرق في الكآبة.
مرة كتب الشاعر الشهيد علي فودة:
"بقلبي أريحا
وكنا نحن -ولو مرة-
لانتصار".
هل هناك ليل أشد سوادا، كما تساءل محمود درويش؟ وهل سنواصل مجرى النشيد ولو "أن وردي أقل" وهل سينقسم الدرب أكثر "مما انقسمنا" فينهد جبل وينشق سهل؟
بعض أبناء قطاع غزة بلغ بهم السيل الزبى وبلغت قلوبهم الحناجر، وفي التعبير الشعبي نقول "واصلة معهم لمنخارهم".
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ١٣ من الشهر ١١ للحرب).

***

319- يوميات غزة ( ٣١٩ ) : غزة: يا وحدنا

ماذا لو تتبع الفلسطيني صراخ "وحدي / وحدنا / وحدة الروح الأخيرة" في الأدبيات الفلسطينية؟
كم مرة في تاريخهم صرخ الفلسطينيون معبرين عن الخذلان؟
هل نعد ما كتبه السجين عوض النابلسي، ليلة إعدامه في ١٩٢٩، على جدار زنزانته في سجن عكا، الصرخة الأولى؟
"ظنيت إلنا ملوك تمشي وراها رجال"
أم نبتديء بقصيدة عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) التي كتبها في ثورة ١٩٣٦؟
"أنشر على لهب القصيد
شكوى العبيد إلى العبيد"
أم نتوقف أمام قصيدة محمود درويش "أحمد الزعتر" التي كتبها في ١٩٧٦ في إبادة مخيم تل الزعتر؟
"وكنت وحدي ، ثم وحدي
آه يا وحدي وأحمد"
فمن المحيط إلى الخليج ، من الخليج إلى المحيط ، كانوا يعدون الجنازة وانتخاب المقصلة !
أم نحصي ما ورد في قصيدته " مديح الظل العالي " ١٩٨٢ ؟
" كم كنت وحدك
يا ابن أمي
يا ابن أكثر من أب!!".
وقبلها "وحدي أدافع عن جدار ليس لي".
هل غاب عن ذهن قيادة المقاومة الفلسطينية ليلة ٧ أكتوبر شيء من هذا؟
أخبار غزة لا تسر وأهلها من نزوح إلى نزوح ولا عاصم لهم إلا الله، ومناظر مجازر اليوم في مدرسة حافظ لا تختلف عن شبيهاتها أمس وأول أمس وأول أول أمس وأول أول أول أول حتى الساعة التي أعلن فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن حربه حرب وجود.
أشرطة الفيديو التي تصور ما جرى تقول إنها مشاهد يوم القيامة. هل هي حرب القيامة التي يطمح إليها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية؟
ويبدو أننا تعودنا على أخبار المعارك ومتابعة صورها وأشرطة الفيديو المبثوثة من هناك، كما تعودنا ممارسة عاداتنا اليومية العديدة: الطعام والشراب والجلوس على المقاهي والغيبة والنميمة والدعاء إلى الله والتوجه له بالشكر، فبالشكر تدوم النعم، ولا أظن أننا أكثر ورعا وتقوى وعبادة وإيمانا من أهل قطاع غزة.
منذ أيام قليلة بدأ أهلنا في فلسطين ١٩٤٨ يجمعون التبرعات لسكان قطاع غزة ويرسلون الشاحنات ويظهرون استعدادهم للتبرع بالمزيد والتكفل بأهل غزة، فشكرا لهم، ولكن ما يخشاه المرء هو أن تصل هذه إلى غزة ولا تجد من يستهلكها.
غزة تباد والشاعر صلاح أبو لاوي كتب اليوم عبارة فحواها أنه لم يكن من قبل يفقد الأمل، ولكنه بدأ الآن يفقده.
بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ كتب محمود درويش:
"خسرت حلما جميلا
خسرت لسع الزنابق
وكان ليلي طويلا
على سياج الحدائق
وما خسرت السبيلا"
فماذا تراه سيكتب الآن؟
لا إجابة حتى تضع الحرب أوزارها، والعالم كله "مش فاضيلنا" والعرب يقولون:
- لم يكن قرار الحرب قرارنا.
و
دبرها يا مستر (بلينكن)!
وأخشى من آب يشبه آب ١٩٧٦ و آب ١٩٨٢.
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ١٤ من شهر ١١ للحرب)

***

320- يوميات غزة ( ٣٢٠ ) : أحداث غزة في القرآن الكريم

عندما كنت أعلم نظرية التلقي الألمانية في مساق النقد الأدبي لطلبة قسم اللغة العربية أتيت على تفسير القرآن الكريم في ضوء المنعطفات التاريخية.
تذهب النظرية إلى أن المنعطفات التاريخية تؤدي إلى قراءة النصوص القديمة قراءة جديدة وتفسيرها تفسبرا جديدا لم يخطر ببال المفسرين القدامى.
ما لفت نظري في حينه هو أن شباب مسجد سيلة الظهر في منطقة جنين ذهبوا وهم يقرأون القرآن الكريم إلى أن أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١ وردت فيه ، معتمدين على بعض الآيات القرآنية (الآية ١٠٩ من سورة التوبة وهي: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين).
أمس وأنا أتابع أشرطة الفيديو لفت نظري ما قاله شاب غزاوي من أن أحداث غزة الجارية وردت أيضا في القرآن في الآيات ٢٣ و ٢٤ و٢٥ و ٢٦ من سورة الأحزاب، ذاهبا إلى أن الحرب في غزة ستستمر وأن النصر سيتحقق في العام ٢٠٢٦.
شخصيا أدرجت شريط الفيديو ليصغي إليه من أحب، ونص الآيات هو:
(ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما / من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا / ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما / ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا / وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا / وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطأوها وكان الله على كل شيء قديرا).
في بداية الحرب اتكأ ضباط وجنود إسرائيليون في تبريرهم قتلهم أهل غزة على العهد القديم أيضا .
إن أحيانا الله ومد في عمرنا حتى العام ٢٠٢٦ فقد نتذكر ثانية شريط الفيديو لننظر في تفسير الشاب ، علما بأنه قال إنه اجتهاد.
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٨ / ٢٠٢٤
(اليوم ١٥ من الشهر ١١ للحرب).

***

يوميات غزة ( ٣٢١ ) كما لو أن إبراهيم طوقان ، قبل تسعين عاما ، كتب عما يجري في غزة:

"أمامك أيها العربي يوم
تشيب لهوله سود النواصي
مناهج للإبادة واضحات
وبالحسنى تنفذ والرصاص"
هل نستبدل الغزاوي بالعربي؟
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) عرض على الرئيس المصري المرحوم حسني مبارك أن يستقبل أهل قطاع غزة في سيناء، فرفض مبارك ، كما عرض نتنياهو نفسه أيضا على الملك الأردني عبدالله أن يقيم مخيمات يستقبل فيها مليون فلسطيني من الضفة الغربية، فرفض الملك وعاد نتنياهو غاضبا.
في الأيام الأولى ل ٧ أكتوبر كرر محللون سياسيون إسرائيليون المقترح ووجهة نظرهم أن الأردن استقبل مليون لاجيء سوري، فلماذا لا يستقبل أيضا مليون فلسطيني؟
تقلصت مساحة حشر مليون فلسطيني في غزة من ١١ بالمائة إلى ٧ بالمائة والدبابات على بعد أمتار من خيام النازحين.
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الأسطة
عادل الاسطة
٢٢ / ٨ / ٢٠٢٤

***
322- يوميات غزة ( ٣٢٢ ) : أحمد دحبور والخروج من حيفا

رحم الله الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور الذي تمنى لو أن أباه ذبحه ولم يلجأ به ومعه إلى خارج فلسطين.
عندما حدثت النكبة كان أحمد في الثانية من عمره "كنت ملفوفا بعامين من الكرمل" كما كتب في إحدى قصائد ديوان "هنا... هناك" ( ١٩٩٧ )، فحيفا هي الجنة، كما كانت أمه تقول له وهما في مخيم اللجوء، وحين زار الناصرة وحيفا تساءل إن كان حقا فيهما أم أنه تراه يحلم.
استقر أحمد في غزة ولما حدث ما حدث في ٢٠٠٧ غادرها عائدا إلى الشام ليستقر فيها، ولكنه سرعان ما غادرها، بسبب أحداث ٢٠١١، عائدا إلى رام الله ليستقر فيها حتى وفاته.
منذ بداية الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة وأنا أتذكر أحمد، فقد كانت علاقتنا منذ التقينا في ١٩٩٧ جيدة وطالما استقبلته في نابلس وزرته في رام الله، ومنذ بداية الحرب وأنا أتساءل:
- ماذا لو امتد به العمر وشهد أحداث غزة في غزة لا بعيدا عنها؟ أسيلوم أباه أم أنه سيعذره؟
هل قسونا من قبل على أهالينا لخروجهم من مدنهم وقراهم في العام ١٩٤٨؟
كم من أديب من أبناء قطاع غزة سرعان ما غادرها حين تمكن من ذلك، قبل الحرب وفي أثنائها؟
غالبا ما نكرر "عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، ومنذ وعينا ونحن نصر على البقاء في أرضنا آخذين بنصيحة إميل حبيبي "باق في حيفا ".
أعتذر لأبناء قطاع غزة ممن لا تروق لهم كتابتنا، إذ كثر الهجوم منهم علينا باعتبارنا "طخيخة الكي بورد". قسم يطلب منا بأدب جم أن نصمت ونترك لهم هم أن يعبروا عن معاناتهم وقسم وصلت معه حد "منخاره" فضاق ذرعا وصار يشتم - ولا يلام. إنها الحرب. إنه الحصار. إنه الجوع. إنه الفقد واليتم وفقدان المأوى ورؤية الدبابات تقترب من الخيمة، بل والموت في مراكز الإيواء قصفا من الطائرات والصواريخ والقذائف و .. .
أمس قرأت في صفحة محمد العطار منشورا يعبر فيه عن ندمه لأنه لم يغادر غزة في بداية الحرب ، وأمس أصغيت إلى ثائر سعيد رمضان يهاجم دشر رام الله والعالم العربي الذين يجلسون في المقاهي وينطقون باسم غزة. هل "سأواصل مجرى النشيد ولو أن وردي أقل"؟ والعبارة لمحمود درويش.
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ٨ / ٢٠٢٤

***

323- يوميات غزة ( ٣٢٣ ) : "أي حل أحسن من بلاش : تعبنا"

آخر ما قرأته في صفحة الناشط الغزاوي رياض عواد Riyad Awad هو :
" أي حل أحسن من بلاش . تعبنا " .
ولقد تعب سكان قطاع غزة إلا المقاومين كما تقول صفحاتهم التي لا تأتي إلا على أخبار المعارك وإظهار صور ضباط الجيش الاسرائيلي وجنوده القتلى .
تعب سكان قطاع غزة من نزوح متكرر ونقص في الطعام والأموال والأنفس و ...و ... و ... ولم يتعب المتحاربون الذين لهم هدف واحد ليس إلا ، وهو الانتصار على الآخر .
يبدو أيضا أن متابعي أخبار الحرب تعبوا أيضا ، وما عاد شيء يعجبهم . لا أحد يعجبه رأي آخر مغاير مختلف . لا أحد يعجبه إلا ما يعجبه هو شخصيا وكل الآراء المغايرة تلقى في سلة القمامة .
وأنا أقرأ سطر رياض عواد تذكرت قصيدة محمود درويش ، وبالتحديد سطرها الأخير :
" أما أنا فأقول : أنزلني هنا . أنا
مثلهم لا شيء يعجبني ، ولكني تعبت
من السفر " .
هل تعبنا من الحرب ونحن بعيدون عن أرضها ؟!
محمود درويش :
" لا شيء يعجبني "
" لا شيء يعجبني "
يقول مسافر في الباص - لا الراديو
ولا صحف الصباح ، ولا القلاع على التلال
أريد أن أبكي /
يقول السائق : انتظر الوصول إلى المحطة ،
وابك وحدك ما استطعت /
تقول سيدة : أنا أيضا أنا لا
شيء يعجبني ، دللت ابني على قبري ،
فأعجبه ونام ، ولم يودعني /
يقول الجامعي : ولا أنا ، لا شيء
يعجبني ، درست الأركولوجيا دون أن
أجد الهوية في الحجارة . هل أنا
حقا أنا ؟/
ويقول جندي : أنا أيضا . أنا لا
شيء يعجبني . أحاصر دائما شبحا
يحاصرني /
- يقول السائق العصبي : ها نحن
اقتربنا من محطتنا الأخيرة ، فاستعدوا
للنزول ... /
فيصرخون : نريد ما بعد المحطة ،
فانطلق !
أما أنا فأقول : أنزلني هنا . أنا
مثلهم لا شيء يعجبني ، ولكني تعبت
من السفر " .
ويبدو أن شبح السنوار يحاصر رئيس الوزراء الإسرائيلي . هل اقتربنا من المحطة الأخيرة ؟ وهل سنخاطب السائق : انطلق ؟ نريد ما بعد الحرب . نريد اليوم التالي لها .
أطرف ما قرأته أمس في صفحة اخبار غزة أول بأول هو ما كتبه مواطن غزاوي عن الجيش الإسرائيلي وما اكتشفه من آثار تركها السنوار خلفه . حذاءه . ظله . فنجان قهوته ، وبقي أن يعلن أنه اكتشف بصقته في وجه نتن ياهو لتكتمل الحرب . هذا ما كتبه هو والله . أي والله !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٨ / ٢٠٢٤

***

324- يوميات غزة ( ٣٢٤ ) : وماذا عن يوميات لبنان ؟

في غمرة الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة لم نلتفت ، لفظاعة ما يجري هناك ، إلى ما يجري في لبنان ، وإن كان المرء يتابع أخبار المعارك هناك .
في صباح هذا اليوم أعلن الجيش الإسرائيلي أن طائراته ، بضربة استباقية ، هاجمت منصات إطلاق الصواريخ في لبنان ويبدو أنه يريد تكرار تجربة حرب حزيران ١٩٦٧ ، حيث هاجم المطارات المصرية ودمر الطائرات الحربية في مرابضها .
لم يتأخر رد حزب الله .
هل بدأت الحرب على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية ؟
في الأخبار أن أقمار التجسس الأمريكية زودت الإسرائيليين بالمعلومات ، وحدث ذلك في العام ١٩٦٧ أيضا . هل تذكرون السفينة الأمريكية ( ليبرتي ) وأتمنى أن لا تكون الذاكرة هرمت .
نزل رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) ووزير دفاعه ( يوآف غالانت ) إلى مقر محصن تحت الأرض ، تحسبا لمهاجمة حزب الله . المكان هو الكرياه في تل أبيب .
سينفق الإسرائيليون العمر في دبابة . عبارة قالها الشاعران معين بسيسو ومحمود درويش في حرب العام ١٩٨٢ ، وها هي تتحقق أكثر وأكثر ، لا في دبابة ، بل في الملاجيء المحصنة .
هل كان الشاعر المصري أمل دنقل ذا نبوءة حين قال في قصيدته " لا تصالح " : إنه ثأر جيل فجيل ، فغدا يأتي من يوقد الحرب شاملة يستولد الحق من أضلع المستحيل ؟
ولدنا في الخيام بعد حرب ١٩٤٨ وعشنا أجواء الحروب :
١٩٦٧
١٩٧٣
١٩٧٨
١٩٨٢
١٩٨٧
٢٠٠٠
٢٠٠٦
٢٠٠٨ / ٢٠٠٩
٢٠١٢
٢٠١٤
٢٠١٨
٢٠٢١
٢٠٢٣ / ٢٠٢٤
ولسة طويلة .
لا أعرف إن كان هناك في لبنان من كان يدون يوميات الجنوب يوما يوما ، ولا أظن أن هذا غاب عن أذهان الكتاب اللبنانيين .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ٨ / ٢٠٢٤

***

325- يوميات غزة ( ٣٢٥ ) : يحيى السنوار يصارع دولة عظمى

في الأيام الثلاثة الأخيرة قرأت خبرين عن جهود إسرائيل الحثيثة للوصول إلى يحيى السنوار واعتقاله أو قتله ، حتى يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي ويعلن عن نصر فتنتهي الحرب . الخبر الأول قرأته في صفحة اخبار غزة أول بأول وقد أتى على ادعاءات إسرائيل المتكررة بالعثور على أثر من آثار السنوار كفردة حذائه أو فنجان قهوته أو حقيبته وفيها الدولارات أو ظله ، وبقي أن يعثروا على بصقته ، والخبر الثاني قرأته أمس في صفحة الناشط المعارض للحرب وللسنوار تيسير عبد Taysir Abd حيث أورد ما أورده موقع "واللا " الإسرائيلي بهذا الخصوص ينعت فيه السنوار بأنه شبح وأن ملاحقته أشبه بملاحقة شبح لم تنجح القوات الإسرائيلية حتى اللحظة بالقبض عليه على الرغم من تقديم أمريكا لإسرائيل مساعدات بالغة التطور في مجال التجسس .
يذكر البحث عن السنوار في هذه الحرب بملاحقة الطائرات الإسرائيلية للمرحوم ياسر عرفات في العام ١٩٨٢ وهو ما كتب عنه في حينه محمود درويش في كتابه " ذاكرة للنسيان " ( ١٩٨٦ ) .
هل يصارع يحيى السنوار دولة عظمى ؟
بعض أبناء قطاع غزة ممن لا يؤيدون ٧ أكتوبر تندروا مرارا على تشدد حماس والسنوار في المفاوضات قائلين إن الاتحاد السوفيتي في غزة يملك أسلحة نووية ولهذا يتم التشدد .
ذاكرتي أعادتني إلى قصيدة كتبها شاعر قصيدة نثر فلسطيني هو طه محمد علي عنوانها " عبد الهادي يصارع دولة عظمى " وقد كتبها في العام ١٩٧٣ ، وقد قرأتها أول مرة في ديوان المرحوم عبد اللطيف عقل " هي أو الموت " ونصها :
" في حياته
ما قرأ ولا كتب
في حياته
ما قطع شجرة
ولا طعن بقرة
في حياته ما جاب سيرة النيويورك تايمز
بغيابها
في حياته
ما رفع صوته على أحد
إلا بقوله :
" تفضل "
" والله العظيم غير تتفضل "
***
ومع ذلك
فهو يحيا قضية خاسرة
حالته ميؤوس منها
وحقه ذرة ملح
سقطت في المحيط
***
أيها السادة !
إن موكلي لا يعرف شيئا عن عدوه !!
وأؤكد لكم
أنه لو رأى بحارة الانتربرايز
لقدم لهم البيض المقلي
ولبن الكيس !! " .
هل تصلح القصيدة لأن يجرى فيها استعارة تمثيلية ؟
أمس رأى كاتب عربي في رد حزب الله ما ينطبق عليه المثل " تمخض الجبل فولد فأرا " ، وأما أنا فتذكرت بيت الشعر :
" لا تحقرن صغيرا في مخاصمة إن البعوضة تدمي مقلة الأسد " .
هل أدمت غزة عين إسرائيل أم لما ... ؟!
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ٨ / ٢٠٢٤

***

326- يوميات غزة ( ٣٢٦ ) : "وللصبر - إن لم ينفع الشكو - أجمل"

صار لسان حال أهل قطاع غزة هو قول الشاعر الجاهلي الصعلوك الشنفري الذي عبر عن قسوة تجربته من خلال تصوير حياة الذئاب في الصحراء ، حيث قسوة الحياة والهلاك جوعا ، فشكت ثم ارعوت ووصلت إلى مرحلة اليأس ، فأدركت أن الصبر - إن لم ينفع الشكو - أجمل .
أمس ارتقى خمسة شباب في مخيم نور شمس في طولكرم ، وبتنا على أخبار تقول إن الجيش الإسرائيلي يستعد لمرحلة جديدة في الضفة الغربية ، ما أبهج المستوطنين الذين عبروا عن انتظار اللحظة ، فبادروا بإطلاق النار على بعض الفلسطينيين وأصابوا أربعة .
يبدو أن الضفة الغربية على صفيح ساخن ، وهي المطلوبة أساسا ، فالتهويد فيها على قدم وساق .
" وللصبر - إن لم ينفع الشكو - أجمل "
ولسوف نمشي الخطى التي كتبت علينا .
هل هو أيلول آخر سيجعلنا نكرر سطر محمود درويش في قصيدته " مديح الظل العالي " :
" بحر لأيلول الجديد
خريفنا يدنو من الأبواب " .
الرئيس أبو مازن في السعودية لعل الملك فهد - رحمه الله - يدري ، فيحول دون الاعتداء على الأقصى .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ٨ / ٢٠٢٤

***

227- يوميات غزة ( ٣٢٧ ) : أهل غزة هم صعاليك العرب في القرن ٢١

ما أشبه حياة أهل قطاع غزة بحياة صعاليك العرب في الجاهلية كما صورها الشنفري في قصيدته التي مطلعها :
" أقيموا بني أمي صدور مطيكم
فإني إلى قوم سواكم لأميل "
عاش الصعاليك في الصحراء مشردين هائمين على وجوههم ، مطاردين وملاحقين من القبائل ، باحثين عن الطعام ، متنقلين من مكان إلى مكان لا يشعرون بالأمان ، فقد حاصرتهم القبائل وأهدر بعضها دمهم ، ومن لم يهدره لم يؤوهم .
طوى الصعاليك على الخمص / الجوع الحوايا كما انطوت خيوطة ماري تغار وتفتل ، واستفوا ترب الأرض ، وانتقلوا من مكان إلى آخر ، بحثا عن طعام فهزلوا . شكوا وصرخوا لعل إخوة لهم ينقذونهم من الجوع ، فلم يجبهم أحد ، ثم ارعووا / كفوا ، إذ أدركوا أن الصبر أنفع حين لم ينفع الشكو ، وفي ليال شديدة الظلمة غاروا وبطشوا ، لعلهم يظفرون بما يسد جوعهم . أيموا نساء / رملوهم وأيتموا إلدة وعادوا إلى مجاهيل الصحراء .
هل يختلف نزوح أهل غزة من مكان إلى مكان عن تنقل الصعاليك من قفار إلى آخر ؟
ألم يعانوا من الجوع والملاحقة ، فضمروا وهزلوا ومات عدد منهم جوعا ؟
ألم يستفوا ترب الأرض مع الطحين الذي اختلط بالتراب ؟
ألم يشعروا بالخذلان ؟
ألم يبكوا ويصرخوا ويستنجدوا دون جدوى ؟
هل ستتشكل منظمة أيلول أسود جديدة ، يغير أفرادها داعسين على غطش وبغش وصحبتهم سعار وإرزيز ووجر وأفكل ، ليأيموا نساء وييتموا إلدة ؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب من أجهزة مخابراته تشديد الحراسة على ابنه يائير المقيم في أمريكا تحسبا لانتقام و ... و ... .
هل أهل قطاع غزة هم صعاليك العرب في القرن الحادي والعشرين ؟
الأوضاع في الضفة الغربية لا تسر ، فالقوات الإسرائيلية اجتاحت أمس جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها ، وقد نصبح نحن أيضا صعاليك جددا .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ٨ / ٢٠٢٤

***

328- يوميات غزة ( ٣٢٨ ) : الكف تلاطم المخرز

في الحرب الدائرة حاليا تذكرت الكاتب محمد أيوب ( أبو هدروس ) ثلاث مرات ؛ الأولى وأنا أكتب في بداية الحرب سلسلة كتابات تحت عنوان " في غزة لي أصدقاء وذكريات " ، والثانية قبل خمسة أيام حين أذيع في الأخبار أن الجيش الإسرائيلي طلب من عائلة أبو هدروس في خان يونس إخلاء منزلهم وأنه تم قصفه ، والثالثة قبل يومين وأنا أفكر في كتابة مقال تحت عنوان " غزة تصارع دولة عطمى " .
لمحمد أيوب رواية عنوانها " الكف تلاطم المخرز " كتبها في تسعينيات القرن العشرين تقريبا وذهب فيها إلى أن الفلسطينيين العزل يلاطمون بأيديهم دولة إسرائيل ، عاكسا بذلك مثلنا الشعبي الذي يقول " الكف تلاطم المخرز " .
هل كان محمد أيوب قرأ عنوان قصيدة الشاعر الصفوري طه محمد علي " عبد الهادي يصارع دولة عظمى " وتوقف عنده ونسي متن النص الذي لا يقول ما يقوله العنوان إلا إذا قريء على أنه ضرب من السخرية في إحدى تعريفاتها " أن تقول شيئا وتقصد عكسه " ، فعبد الهادي في القصيدة ليس مقاتلا مثل يحيى السنوار وإنما هو إنسان مسالم إن رأى الآخرين رحب بهم وقدم لهم البيض المقلي.
محمد أيوب كان كاتبا عنيفا حادا وإن اختلف مع شخص فقد يصل الخلاف إلى مد اليد ، وقد أخبرني بحادث طريف له مع أحد الكتاب المجايلين لنا . لقد أشبهه ابن مخيمه يحيى السنوار على الرغم من أنه - كما عرفت - عانى من حكم حماس في غزة .
أمس اشتعل شمال الضفة الغربية فارتقى شهداء في جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها .
يبدو أن الضفة في طريقها إلى الانضمام إلى غزة لمحاربة الدولة العظمى ، بل الدول العظمى ، ورحم الله صديقنا الكاتب محمد أيوب ( أبو نضال ) .
في أمثالنا الشعبية نقول " مجنون اللي بلاحق بلد " ونقول أيضا " ما لذة العيش إلا للمجانين " ، وحين نقول هذا يجيبنا بعض أبناء غزة :
- حضروا حالكم للوقوف في طوابير .
ويقدمون لنا نصائح بما يجب علينا تخزينه ، ويعطوننا دروسا في آداب النزوح .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ٨ / ٢٠٢٤

***

329- يوميات غزة ( ٣٢٩ ) : أهل قطاع غزة والأغاني في ظل الحرب

قسم من أهل شمال قطاع غزة ملوا من سماع أصوات سيارات الإسعاف وأصوات الانفجارات ، لأنهم لا يريدون أن يقضوا أعمارهم يستمعون إليها ، ولذلك تجدهم في ساعات المساء يستمعون إلى أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وسيد مكاوي . هذا ما كتبه الصحفي يوسف فارس أول أمس في صفحته في الفيس بوك .
" يحلوا عن ***** في حربهم بدنا نعيش ع كيفنا " قال أبو محمود الذي خلق لنفسه عالما موازيا لعالم الحرب ، إذ يوازي صوت القذيفة صوت أم كلثوم
" وإن كنت أأدر أحب تاني آآآه أحبك أنت " . أما أبو العسل صاحب بسطة الفلافل فإنه يطالب في كل مساء أن تتوقف الحرب ، ولذلك يعلو من سماعته دائما صوت عبد الحليم حافظ " واللي شبكنا يخلصنا " .
" لا تجليس منطقي لما يحدث " يكتب يوسف ويضيف " حتى وأنا أكتب في كلمات هذا المنشور يحتل سمعي صوت سيد مكاوي " يا ليل طول شوية .. ع الناس الحلوة دية !! " .
بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ أخذت دار الإذاعة الإسرائيلية تبث أغاني مصرية لتسخر من حالة الرئيس المصري المرحوم جمال عبد الناصر ، مثل أغنية " أبو سمرة زعلان " ، وفي المقابل بثت الإذاعات المصرية أغاني جديدة لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ تستنهض الهمم وتعزز الصمود ، وقد رددناها مع المغنين ، مثل أغنية أم كلثوم " أصبح عندي الآن بندقية / ....عشرين عاما وأنا أبحث عن أرض وعن هوية / عشرين عاما وأنا أبحث عن بندقية " .
ولم تحل أجواء الهزيمة دون الإصغاء إلى أغان أخرى عاطفية وغير عاطفية مثل أغنية أم كلثوم " ودارت الأيام " وأغنية حليم " رسالة من تحت الماء " . بل إننا في ذلك الزمان الأغبر صرنا ننتظر يوميا الساعة الخامسة مساء ، لنستمع من دار الإذاعة الإسرائيلية ، إلى أغنية من أغاني أم كلثوم ، وحين حاول بعض السياسيين تفسير الأمر - أي بث دار الإذاعة الإسرائيلية أغاني أم كلثوم - ذهب إلى أن الدولة الإسرائيلية تريد إلهاءنا لعدم التفكير في مقاومة المحتل - أي الدولة الإسرائيلية .
هل نجا شعراء المقاومة الفلسطينية من تأثير صوت أم كلثوم عليهم ، فانصرفوا عنها كليا ، ليكتبوا شعر مقاومة وحسب ؟
في العام ١٩٧١ استقر محمود درويش في مصر ، وكان يوميا يصغي إلى صوت أم كلثوم ، وبعد عقود كتب عن ذلك ، وهو ما بدا في قصيدته " إدمان الوحيد " . لقد كان مدمنا على سماع صوتها يوميا ، ومما قاله عن ذلك :
" أستمع إلى أم كلثوم كل ليلة ، منذ / كان الخميس جوهرتها النادرة ، وسائر / الأيام كالعقد الفريد .. هي إدمان الوحيد . / وإيقاظ البعيد على صهيل فرس لا تروض / بسرج ولجام . نسمعها معا فنطرب واقفين ، / وعلى حدة فنظل واقفين ... " .
هناك مثل كان أبي - رحمه الله - يردده هو :" الراس اللي فش فيه كيف ، حلال قطعه بالسيف " .
حتى في الحرب أنت تحتاج إلى ما ينسيك صوت القذائف وزامور سيارات الإسعاف .
مساء الخير يا بلاد الشام خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ٨ / ٢٠٢٤

***

330- يوميات غزة ( ٣٣٠ ) : صرنا بوجهين

شطرت حرب غزة شخصياتنا شطرين فصرنا ندافع عن الشيء وضده ، لا لإثبات القدرة على الحجاج التي تعلمناها من الجاحظ في كتابه " البخلاء " ، هو ذو العقل الجدلي ، وإنما لأننا ربينا على شعارات فلسطينية تمجد المقاومة وتذهب إلى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، وأن الكف تلاطم المخرز ، فسخرنا من دجاجة إسحق موسى الحسيني الحكيمة ، ثم صار ضعفنا الإنساني يناقض ما ربينا عليه ، فما عدنا نلوم من أهل غزة من وقف ضد الحرب ورفع شعار " أوقفوا الحرب " مهما كانت النتيجة .
كادت عبارات غسان كنفاني التي قدسناها ، مثل عبارة " ذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب " أمام قسوة حياة أهل قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر تفقد قدسيتها ، ولو كنا نحن مقاومي الكيبورد هناك لربما تحولنا إلى دجاج يشبه دجاجة الحسيني التي خونها كتاب فصائل المقاومة الفلسطينية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين والكتاب الذين كتبوا " مذكرات ديك " مثل عبد الحميد ياسين .
اليوم حول لي صديق شريط فيديو لشابات أنيقات جميلات يافعات من الأردن وتبدو النعمة على محياهن وملابسهن يهتفن للمقاومة وكتب لي :
" مثقفات مشتبكات "
وترك لي أمر التعقيب على المشهد .
هل ترك التعاطف العالمي كله أثرا إيجابيا ما على مجريات الحرب ؟
تجدون الإجابة في مقال نشره خالد الحروب اليوم .
اللافت أن بعض صفحات غزة التفتت اليوم بالدرجة الأولى إلى جنين ورأت فيها أختها التي ساندتها . هدأت الجبهة اللبنانية الإسرائيلية وصارت الأنظار تتجه نحو شمال الضفة الغربية ، والضفة الغربية كلها هي اللقمة التي تريد إسرائيل ابتلاعها .
يبدو أنه من المبكر جدا الحكم على آثار ٧ أكتوبر ، على الرغم من أن أصواتا كثيرة صارت تتعالى تنتقده ، فهناك من كتب " ما لا يؤخذ بالعقل لا يؤخذ بالجنون " . هل قصد بذلك أن عقلانية الرئيس أبو مازن لم توصل إلى حل وأن الضفة إبان حكمه هودت ، وهو العاقل ، فلن يؤخذ بجنون السنوار ؟!
صرنا بوجهين : مع الشيء وضده . نريد المقاومة ونخشى من أن نجد أنفسنا في الخيام .
هل أخطأ مظفر النواب حين قال :
" قتلتنا الردة يا مولاي
قتلتنا أن الواحد فينا
يحمل في الداخل ضده " .
أنا صرت أعاني من الإكتئاب !!
مساء الخير يا بلاد الشام خربشات عادل الاسطة
٣١ / ٨ / ٢٠٢٤

***

331- يوميات غزة ( ٣٣١ ) : المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة تتسع

في الأول من أيلول غالبا ما يكرر أهل بلاد الشام المثل " أيلول طرفه مبلول " وصار الفلسطينيون بعد خروج المقاومة الفلسطينية في العام ١٩٨٢ وكتابة محمود درويش قصيدته " مديح الظل العالي " يكررون مفتتحها :
" بحر لأيلول الجديد ، خريفنا يدنو من الأبواب...
بحر للنشيد المر .....
بحر لمنتصف النهار .
بحر لرايات الحمام ، لظلنا ، لسلاحنا الفردي.......
بحر جاهز من أجلنا .......
ستتسع الصحاري
عما قليل ... حين ينقض الفضاء على خطاك..."
وكنت أتوجس من أيلول ٢٠٢٤ ريبة أن يكون الخريف هذا خريف خروج كبير آخر ، وأن يكون نشيدنا مرا تتسع فيه صحاري سيناء والأزرق لنا ، فقد ينقض الفضاء على خطانا ونواصل هجرة الآباء .
هطلت الأمطار في شمال قطاع غزة وهطلت أيضا في جنين ، فاغتسل أطفال غزة فرحين بها غير آبهين لابتلال ملابسهم وإصابتهم بالبرد .
مطر جنوب الضفة الغربية في هذا الصباح كان مختلفا . فلسطيني من الجنوب هاجم ثلاثة مواطنين إسرائيليين في سلك الشرطة الإسرائيلية وتمكن منهم.
أمس شاهدنا في شريط فيديو فلسطينيا يرعى أبقاره ويهتم بأرضه فأقبل عليه ثلة من المستوطنين الإسرائيليين يريدون الأبقار والأرض والرقص معه ، فالأرض - كما قالوا - أرضهم التي منحهم الله إياها والأبقار أيضا لهم . هل قالوا للشاب وأمه:
- وأنتما أيضا هدية الرب لنا !
لم تجد الأغاني العبرية التي غناها بعض أبناء الخليل في أعراسهم في إحلال المودة بين العرب الفلسطينيين وبين المستوطنين اليهود ، ولم تنفع أيضا الدحية الفلسطينية التي غناها اليهود في أفراحهم في تكريس السلام . ذهبت " لاما لو " أدراج الرياح.
اليوم سيتظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين ضد ملكهم / رئيس وزرائهم إذ لم تعد حربه ، بعد أحد عشر شهرا ، الأسرى أحياء . لقد أعادت عددا منهم جثثا . اليوم سيتظاهر الإسرائيليون من أجل عودة أسراهم أحياء لا جثثا .
في حرب العام ١٩٨٢ تظاهر ٤٠٠ ألف إسرائيلي ضد الحرب ، فمتى سيتظاهر مليونان منهم مطالبين بحل الدولة الواحدة لهم وللفلسطينيين معترفين بأن الآباء أخطأوا في العام ١٩٤٨ ويجب تصحيح خطئهم ؟
يجب أن أعود إلى رواية الصديق آحمد حرب " الجانب الآخر لأرض المعاد "( ١٩٩٠ ) للتأكد من أن شيئا من هذا ورد فيها على لسان إميل حبيبي!
الشهر الحادي عشر للحرب يكاد ينقضي ولم تنته الحرب . المقاومة مستمرة . النزوح مستمر . الجوع متواصل والأسعار في غزة في العلالي . الشتاء قادم والخيام الموجودة لا تجدي نفعا والناس بحاجة إلى ملابس شتاء وأحذية ومشاف و ... و ... و ... و " بحر لأيلول الجديد " .
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١ / ٩ / ٢٠٢٤

***

332- يوميات غزة ( ٣٣٢ ) : شكوى المواطن الغزاوي

قرأت في صفحة صديقة فيسبوكية غزية ما يعبر عن امتعاضها من موقف أهل الضفة الغربية والقدس وفلسطين المحتلة في ١٩٤٨ . لا المساعدات التي قدمها أهل فلسطين المحتلة راقت لها ولا راق لها أيضا ما يقدمه أهل جنين ومخيمها وأهل طوباس والفارعة وطولكرم ومخيميها . لقد انتظر أهل غزة مشاركة الفلسطينيين في فلسطين منذ بداية الحرب لا وهي تكاد تضع أوزارها ، إذ لو حدث ذلك لربما ما تعرضت غزة إلى هذا الدمار الكبير .
لم أعقب شخصيا على منشور الدكتورة الفاضلة ، فمنذ أشهر الحرب صرنا نردد : لأهل غزة أن يقولوا ما يريدون وما يرون فيدهم في النار وأصابعنا على الكي بورد .
الكاتب يسري الغول بدا في منشور كتبه للتو متفائلا بالقادم ، وهذا في كتابات أبناء غزة نادر ، إذ يغلب عليها البكاء والنواح والندب والحسرة والألم وكل ما هو سوداوي ، حتى ليبدو القادم أسود قاتما لا بقعة ضوء واحدة فيه ، وعبارة اكرم الصوراني الشهيرة التي تتلاعب على الخيبة / الخيمة تعبير مختصر مفيد عن قتامة الحياة وبؤسها " خيمة تخيبنا " .
سائق الحافلة سألني يريد رأيي في قادم الأيام ، وتاجر القماش سألني عن تصوري للقادم ، فأجبت إنني لا أملك المعلومات الكافية لتقديم إجابة . كل ما لدينا أمنيات ورغبات وتصور يتكيء على أشرطة الفيديو التي نشاهدها وكتابات أبناء غزة غير الوردية - الكتابات والمدينة معا .
وأنت ترى ما آلت إليه مباني قطاع غزة وما آل إليه سكانها تتساءل عن هذا الحقد الدفين الذي يكنه اليهود الإسرائيليون مؤيدو الحرب لنا . والآن يتكرر المنظر في جنين ومخيمها وطوباس والفارعة وطولكرم ومخيميها . الجرافات تجرف البنى التحتية كما لو أن كل فلسطيني حفيد ناازي ألماني .
ألأن الجيش الإسرائيلي وجد في غزة نسخة من كتاب ( أ .د.و.ل.ف ه.ت.ل . ر ) " كفاااحي " عامل أهل قطاع غزة بتلك الوحشية والقسوة المفرطة ؟
لم أقرأ اليوم للكاتب شجاع الصفدي أي منشور ، ولعل المانع خير .
هل ستتعاطف د. هيا فريج مع أهل الضفة الغربية والقدس وفلسطين ١٩٤٨ ؟
لست أدري !!
في صفحة صفحة مخيم النصيرات قرأت أن الشامبو والمنظفات أصبحت متوفرة وإن بأسعار مرتفعة ، فتجارة السوق السوداء مزدهرة .
هل خريفنا يدنو من الأبواب ؟
يسري الغول زودني ببصيص أمل .
مساء الخير يا بلاد الشام خربشات عادل الاسطة
٢ / ٩ / ٢٠٢٤

***

333- يوميات غزة ( ٣٣٣ ) : لسنا بخير

عندما شاهدت الجرافة الإسرائيلية تجرف الشوارع وتهدم المحلات في جنين وتخرب كل ما تستطيع عقبت:
هذا هو شعب الله المختار. سمو في الأخلاق والفضيلة والرحمة والرأفة وفعل الخير . كيف لو يكن شعب الله المختار؟
والصورة اللافتة المتداولة منذ نهار أمس هي صورة لثلاثة جنود إسرائيليين في أحد بيوت رفح يجلسون على الكنبات مرتدين ملابس النساء الفلسطينيات الداخلية حمراء اللون. ما الرسالة التي يريدون إيصالها لنا وللعالم؟ وقد تتعدد التفسيرات والاجتهادات والتأويلات ويمكن قراءة التعليقات في أكثر من صفحة.
ما لفت نظري فيما كتبه نشطاء فيسبوكييون غزيون هو كتابة الصحفي عمر عبد ربه الذي فقد في ٢٧ / ٨ / ٢٠٢٤ أخاه الصحفي محمد عبد ربه المولود في العام ١٩٨٩ وأخته سمية المولودة في ١٩٩٢. وقد استشهد الاثنان بصاروخ وهما في منزلهما. محمد متزوج وله ابنتان وولد لا يتجاوز أكبرهم السادسة ، وكانت سمية قبل احتلال رفح على وشك المغادرة هي النشيطة اجتماعيا.
كتب عمر في صفحته منشورا تحت عنوان "لقد خسرت الشهادة "يقول فيه إنه ضد الحرب وإنه يدعو إلى السلام ولن يثأر لارتقاء أخويه. وما كتبه معبرا فيه عن موقفه استثار ردودا متباينة مختلفة متعددة. مؤيدو الحرب شنعوا عليه في ردودهم ومعارضوها أيدوه ووقفوا إلى جانبه.
اللافت هو أن عمر درس الماجستير في العقيدة الإسلامية ولكن منشوراته لا تخلو من اقتباسات من كتابات ماركس وإنجلز، ويبدو أنه قاريء جيد للماركسية.
وما لفت نظري أيضا هو المنشور الذي كتبه الدكتور خضر محجز يوجه فيه نداء إلى السياسي محمد دحلان يطلب فيه منه أن يسأل أتباعه، ممن يوزعون المساعدات التي يرسلها إلى القطاع، عن كشوف تبين كيف وزعت، إذ لم يطمئن الدكتور خضر إلى ما شاهد. إنه مرتاب من مدى أمانة القائمين على التوزيع.
ما لفت نظري هو التعليقات التي أدرجت أسفل المنشور ويمكن قراءتها هناك. ويبدو أن أجواء الحرب جعلتنا نكتب في درجة الصفر - أي من قاع الدست، فلا نراعي في الكتابة إلا ولا ذمة. ولقد أعادتني التعليقات إلى ما عشناه في السنوات الأخيرة من الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى - أي في الأعوام ١٩٩١ إلى ١٩٩٣ و٢٠٠٥ إلى ٢٠٠٧.
وكل ما يمكن أن نقوله أننا لسنا بخير.
هل سنكرر ما كتبه محمود درويش:
سيقتل منا الشهيد الشهيد؟
كان الله في عون أهل قطاع غزة وفي عون أهل جنين ومخيمها وأهل طوباس والفارعة وطولكرم ومخيميها.
لم تنته الحرب!!
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٣ / ٩ / ٢٠٢٤

***

334- يوميات غزة ٣٣٤ : إنهم شعب الله المختار

وأنا أشاهد الطفلة الصغيرة تودع أباها وتبكي بحرقة وتصرخ :
اصح يابا . وجعت لي قلبي . اصح قل صباح الخير . قل لنا اعملوا لي فطور . اصح يابا أشوفك بس آخر مرة . مش رح أشوفك بعد الآن . إن شاء الله تأكل كل شيء في الجنة . فواكه و ... .
وأنا أشاهدها وأسمع صراخها وأرى دموعها وإلى جانبها أخوها الصغير صامت وجدتها تطلب منها أن تكف عن الصراخ قليلا ، فقد أوجعت قلب الأب / الابن ، أجدني أكرر عبارة واحدة :
- إنهم - أي اليهود شعب الله المختار .
ثم أتساءل :
- كيف لو لم يكونوا كذلك ؟!
وعندما أشاهد الجرافات الإسرائيلية تجرف واجهات المحلات في مدينة جنين والبيوت في مخيمها ، أجدني أيضا أكرر العبارة نفسها :
- إنهم شعب الله المختار .
هل اختلف الأمر في مدينة طولكرم ومخيميها ؟
ربما يحقق هذا الخراب لشعب الله المختار قدرا من اللذة ! ربما ! أهي ساديتهم أم شعورهم الموروث بالذل نتيجة احتقار الشعوب الغربية في القرون الماضية لهم ؟ أهي عقد الغيتو المتراكمة تتوارث جيلا فجيل ؟
اليوم جرفوا في طولكرم دوار شويكة . هل يسوؤهم رؤية مناظر مباني تثبت ان الفلسطينيين شعب حضاري لا كما كتبوا عنه في أدبياتهم الصهيونية ؟
هل كان أجدادنا ، دون أن نعلم ، يعذبون اليهود في معسكرات الإبادة ويسوقونهم إلى غرف الغاز ؟
كل ما أعرفه أن العمال الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية والمناطق الفلسطينية في ١٩٤٨ أقاموا علاقات ودية مع أصحاب العمل اليهود . ألم تشفع هذه العلاقات لهم ؟
رحم الله الكاتب الغزي العسقلاني غريب عسقلاني الذي كتب " وردة بيضاء من أجل ديفيد " . هل كنت يا غريب ، لو شاهدت ما ألم بالقطاع منذ ٧ أكتوبر ، هل كنت ستكتب قصتك وستهدي ديفيد وردة بيضاء ؟
ربما كان الكاتب التشيكي اليهودي ( فرانز كافكا ) أعرف ببني جنسه منك حين كتب قصته " بنات آوى وعرب " ورأى أن العداوة في الدم .
لم يجاف الطبيب النفسي لبنيامين نتنياهو الحقيقة حين قال عنه إنه ثقب أسود وبلا قلب . قلب من حديد لا يشعر ولا يلين .
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٤ / ٩ / ٢٠٢٤ .

***

335- يوميات غزة ( ٣٣٥ ) : أفعى فلسطين السامة والنمل

أمس شاهدت في حيز " قصتك " صورة لافتة عرضها الكاتب الغزاوي يوسف القدرة Yousef Elqedra . الصورة لأفعى فلسطين السامة وقد فتحت فاها لالتهام ما يؤلمها ويؤذيها ، وما يسبب لها الألم والإيذاء هو سرب من النمل يتوزع على جسمها كله .
هل كانت الصورة ذات مدلول رمزي ؟
هل يمكن أن نقرأ فيها ما يجري في غزة والضفة الغربية والشمال الفلسطيني - الجنوب اللبناني وأكثر . أعني وهجمات الحوثيين والمقاومة العراقية أيضا ؟
في بداية الحرب أدرج نشيطون صورة لثور هاجم بركة تماسيح ، فأخذت التماسيح تهاجمه من كل حدب وصوب وتورط ، وإن لم تخني الذاكرة فقد كتبت في يومياتي عنها رائيا فيها معادلا رمزيا لما يحدث . يومها كانت المقاومة في غزة في أوجها وكان الإعلام العبري يتحدث عن أحداث جسام صعبة .
لا أعرف السبب الذي دفع يوسف القدرة إلى إدراج الصورة ، بخاصة أن بعص أهل غزة مثل د. هيا فريج لم ترق لها الإسهامات الأخيرة لجنين ومخيمها وطولكرم ومخيميها ومناطق أخرى في الضفة ، ولم تثمن مساعدات فلسطينيي المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ كثيرا . لقد كانت تأمل بتحرك مبكر ، فيكون الكل الفلسطيني مثل النمل يربك الأفعى . هذا اجتهاد وأتمنى أن لا أكون شططت في التأويل والتفسير والاجتهاد وإسقاط رغبات دفينة وأمنيات تراود قسما منا .
أمس شاهدت صورة لقباقب أدرجها محمد العطار في صفحته ويتمنى أن يكون مصير شخص لم يذكر اسمه موتا بها . وأمس أنهيت كتابة مقال الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية عن " الكتابة عن الأحذية " في الحرب ، وفي أحد النصوص قرأت عن موت شجرة الدر بالقباقب . من هو الشخص الذي تمنى العطار موته على شاكلة شجرة الدر ؟
من يتابع كتابات أبناء قطاع غزة يرى تفاوتا لافتا والصورة تبدو متناقضة والكتابة غالبا ما تبدو في درجة الصفر مشتعلة كاوية حادة نارية ولا عجب فالأصابع هناك في النار .
إن كان الشاعر العربي قال :
" تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا
وإن افترقن تكسرت آحادا "
فإن النمل المنتشر على جسد الأفعى سيدميها على الرغم من تفرقه آحادا .
الصورة قد تغني عن فائض كتابة .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٥ / ٩ / ٢٠٢٤

***

336- يوميات غزة ( ٣٣٦ ) : كوابيس الحرب

لم أتابع كتابات كتاب غزة كلها، منذ بداية الحرب، وما تابعته لم يلفت نظري بشكل لافت ضاغط بارز حول تدوين الكوابيس التي يعيشونها في منامهم، وربما يعود السبب إلى أن الواقع الذي يعيشونه يفوق كوابيس المنام، وهذا ما حدا بالطفلة الصغيرة الجريحة لأن تسأل وهي على سرير المشفى:
- عمو. أنا في حلم واللا عن جد.
أحيانا أخرى أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فأقول إن سبب عدم تدوينهم يعود إلى أن الكابوس - إن لم تدونه مباشرة - سرعان ما ينسى، وكثيرا ما شكا كتاب غزة من مشكلة شحن هواتفهم وقصوا عن معاناتهم في الكتابة لهذا السبب، وقد قرأته في كتابات الدكتور خضر محجز المبكرة.
الليلة وجدتني في اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) يوجه إلي بغضب اتهاما بأنني مخرب وينظر نحوي نظرة فيها ما يريب ، ما جعلني أتساءل إن كان سيدرجني على قائمة تشبه "قائمة غولدا". خفت وقررت أن استبدل السيارة التي سأغادر فيها إلى أخرى.
هل هو لا وعيي بما حدث معي في العام ١٩٩٣ عندما أرادت بعض الفصائل ضربي في عيون الحرامية بسبب نص "ليل الضفة الطويل"؟ أم أن الأمر يعود إلى كتابتي ومحاضراتي ومقابلاتي عن رواية يحيى السنوار "الشوك والقرنفل"؟
عندما تابعت نومي وجدت نفسي في بيت في البلدة القديمة في نابلس نقطن فيه هاجمه المستوطنون واحتلوه وطلبوا منا مغادرته، وصاروا يلقون بالأثاث الذي لم يرق لهم خارج المنزل . الطريف أنني صرت أحاور قسما منهم لنتعايش معا كما عاش يهود قادمون من أوروبا في بيوت يافا بعد ١٩٤٨ مقتسمين الغرف مع أصحابها .
عندما نظرت فيما أدرجته أمس وأول أمس لاحظت أن ثمة ثلاثة أشرطة تلامس كوابيسي؛ شريط فيديو يظهر فيه مستوطنون في الحرم الإبراهيمي في الخليل يصادرون أثاث القسم الخاص بالمسلمين منه، وشربط فيديو لمستوطنين متدينين يقتحون الأقصى ويتمشون في ساحاته، وشريط ثالث لجنود إسرائيليين في رفح دخلوا منازل تركها سكانها، فجلس الجنود فيها وارتدوا ملابس النساء الفلسطينيات الداخلية حمراء اللون.
في غزة قالوا إن ما يمرون به في الواقع يفوق الخيال، وها نحن نعيش كوابيس قد تغدو واقعا.
أمس أكثر الصحفيون من أشرطة تصور اقتحامات مدن جنين ومخيمها وطولكرم ومخيميها ونابلس ومخيم بلاطة و... والضفة الغربية هي بيت القصيد.
اليوم تكتمل الشهور الإحدى عشر للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة. إنه التطهير العرقي ليس إلا. هل ستتأزم الأوضاع مع الأردن بسبب تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي عن ٧٠٠ ألف مواطن يقيمون في الضفة الغربية معهم جواز سفر أردني ويجب أن يقيموا هناك؟
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٦ / ١١ / ٢٠٢٤






.

تعليقات

هذه اليوميات الداميات...
بحرقة المكوي بصهد المحرقة الإجرامية، وقلب كسير يرصد الأستاذ عادل الأسطة كواحد من سدنة الثقافة العربية المؤثرين تحولاتها الرهيبة يوما بيوم، مؤرخا لها، ليشهد العالم على هذا الدمار الفظيع. وهذا الفناء الشنيع الذي يحصد المزيد من الأرواح البريئة أمام لواحظ الغريب والقريب، والبعيد والداني، والعدو والحبيب، والجماهير اليعربية البائسة المهزومة منشغلة باعراسها وانتصاراتها المغشوشة، وهزائمها الأبدية، بخيباتها الرياضية، وتخلفها العلمي، وانهيارها الاقتصادي، ونعراتها القبلية، وعقدها الاجتماعية، وأشعارها السقيمة، وكرنفالات الرقص والحال والحضرة والماية، في انتظار تنهيدة العربي الأخيرة...
و"إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا، فلماذا نقرأه إذن؟"... هكذا يقول كافكا وهو يقصد الكتب.
و"على الكتاب أن يكون كالفأس التي تحطم البحر المتجمد في داخلنا" كما يقول كافكا أيضا، ونحن نعني طبعا هذه اليوميات الأليمة

يا لعارنا الفضيحة...
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...