استدار البائع قائلًا وفي نبرة صوته شيء من أسف:
- اللون الذي طلبته قد نفد، هل ترغب بلون آخر؟!. ما رأيك بالرمادي؟.
لم يسمع ما قاله البائع، إذ كان يحدق صوب فتاة تحاول العبور إلى الرّصيف المقابل، ترتدي فستانًا أرجواني اللون وعلى خصرها حزام أسود رفيع، قال بذهول محدتًا نفسه:
- إنها هي .. هي!
أسرعَ بالخروج من المتجر، سائرًا في الاتجاه الذي سارتْ فيه.
وقفَ عند الإشارة يتلفتُ يمينًا وشِمالًا وعلامات جزع شديد بانتْ على ملامح وجهه.
أسند ظهره إلى أحد الأعمدة الشّاخصة محاولًا التأكيد لنفسه أن ما رآه حقيقة وليس محض خيال!.
قال لنفسه: إنها إيمان، بشعرها الكستنائي وعينيها الدافئتين، ربما كنت سأصدق بأن تلك الفتاة شبيهتها لولا الفستان الأرجواني، هديتي في ذكرى مولدها العشرين، كلماتها ما يزال صداها يرن في أذنيّ منذ ذلك المساء: إنه أغلى هدية على قلبي يا وليد!.
بعد مضي ساعات من البحث، دخل مقهى صغيرًا ليلقي بأعوامه السّبعين فوق أحد الكراسي مرددّا مع نفسه: وعدتني بارتدائهِ في ذكرى مولدها كل عام، بدتْ وكأنَّ الزّمن لم يجرؤ على النّيل منها كما فعل معي، كيف ذلك؟!.
- ماذا تحب أن تشرب سيدي؟.
سأله نادل المقهى.
طلب فنجانًا كبيرًا من القهوة.
بدأ ينظر إلى الشّارع عبر زجاج النّافذة التي أخذ بفعل الشّمس يعكس ألوانًا لا يعرف لها اسمًا محددًا كما هو اسم اليوم الذي رحلتْ فيه إيمان.
غيابها ترك له وجعًا في القلب، وحياة يواجه غطرستها وحيدًا!.
لماذا هجرتني؟!.
برودة سؤاله لسعتْ مشاعره، اجتاحته رغبة عارمة في البكاء، لكنّه لم يفعل، و بدلاً عن
ذلك تمكن منه شعور بالخوف جراء موسيقا غريبة يسمعها!.
طافتْ على ذهنه صور كثيرة متداخل بعضها مع بعض، تركتْ في قلبه حزنًا ثقيلًا سحبه نحو الداخل.
فكر في الخروج من المقهى، لكن إلى أين؟!.
يدٌ حانية، ودافئة تحسستْ كتفه من الوراء ردد قبل أن يلتفت: إيمان!.
ابتسمتْ بحزن لتضمه بقوة حتى بللتْ دموعها قميصه.
العاصفة، التي كان في وسطها قد هدأتْ، وأصبحتْ الرّؤية أكثر وضوحًا. قال بعد أن جلسا وأيديهم متشابكة وسط الطّاولة:
- لِمَ غبتِ كل هذه السنين؟!.
كانت تنظر إليه بعينين متعبتين ملأهما الذعر، حاولتْ التحلي بالهدوء وهي تقول:
- لم أغبْ، لقد كنتُ في قلبك، ما إن تذكرتني حتى حضرتُ إليكَ!.
قال وهو يشد على يديها:
- ظنّ الجميع أنني نسيتكِ، لكنّي لم أفعل ولو للحظة!.
ضوء النّهار الذي بدأ ينسحب شيئًا فشيئًا، خلّف ظلالًا ثقيلة أحاطت بقلبها!.
تنهدتْ بينما دمعتان انسابتا على وجنتيها لتيقنها من أن علاقته مع الزّمن توقفتْ منذ موت والدتها، لكنه لا يعرف معنى الموت منذ أصابته بمرض لعين قطع الجسور بينه وبين الذاكرة، وما الحياة إلّا ذاكرة وإن كانت تحمل في ثناياها الألم. قالت له:
- عندما تشتاق لرؤيتي، فكر بيّ وستجدني أمامك، ما في قلبكَ سيصل قلبي!.
- ما زلتِ جميلة وصغيرة حبيبتي!.
وهي تمسد العروق الزرقاء في يده، قالت:
- نعم يا أبي، أشبه أمي التي أحبتك أكثر من هذا العالم، أما غيابها فقد أشعل النّار في زمنك المتبقي.
بدأت العتمة تنتشر، عندما قادته كما تقود الأم طفلها ليغيبا وسط شلالات ضّباب كثيف زاد من شدة ظّلام المدينة.
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
- اللون الذي طلبته قد نفد، هل ترغب بلون آخر؟!. ما رأيك بالرمادي؟.
لم يسمع ما قاله البائع، إذ كان يحدق صوب فتاة تحاول العبور إلى الرّصيف المقابل، ترتدي فستانًا أرجواني اللون وعلى خصرها حزام أسود رفيع، قال بذهول محدتًا نفسه:
- إنها هي .. هي!
أسرعَ بالخروج من المتجر، سائرًا في الاتجاه الذي سارتْ فيه.
وقفَ عند الإشارة يتلفتُ يمينًا وشِمالًا وعلامات جزع شديد بانتْ على ملامح وجهه.
أسند ظهره إلى أحد الأعمدة الشّاخصة محاولًا التأكيد لنفسه أن ما رآه حقيقة وليس محض خيال!.
قال لنفسه: إنها إيمان، بشعرها الكستنائي وعينيها الدافئتين، ربما كنت سأصدق بأن تلك الفتاة شبيهتها لولا الفستان الأرجواني، هديتي في ذكرى مولدها العشرين، كلماتها ما يزال صداها يرن في أذنيّ منذ ذلك المساء: إنه أغلى هدية على قلبي يا وليد!.
بعد مضي ساعات من البحث، دخل مقهى صغيرًا ليلقي بأعوامه السّبعين فوق أحد الكراسي مرددّا مع نفسه: وعدتني بارتدائهِ في ذكرى مولدها كل عام، بدتْ وكأنَّ الزّمن لم يجرؤ على النّيل منها كما فعل معي، كيف ذلك؟!.
- ماذا تحب أن تشرب سيدي؟.
سأله نادل المقهى.
طلب فنجانًا كبيرًا من القهوة.
بدأ ينظر إلى الشّارع عبر زجاج النّافذة التي أخذ بفعل الشّمس يعكس ألوانًا لا يعرف لها اسمًا محددًا كما هو اسم اليوم الذي رحلتْ فيه إيمان.
غيابها ترك له وجعًا في القلب، وحياة يواجه غطرستها وحيدًا!.
لماذا هجرتني؟!.
برودة سؤاله لسعتْ مشاعره، اجتاحته رغبة عارمة في البكاء، لكنّه لم يفعل، و بدلاً عن
ذلك تمكن منه شعور بالخوف جراء موسيقا غريبة يسمعها!.
طافتْ على ذهنه صور كثيرة متداخل بعضها مع بعض، تركتْ في قلبه حزنًا ثقيلًا سحبه نحو الداخل.
فكر في الخروج من المقهى، لكن إلى أين؟!.
يدٌ حانية، ودافئة تحسستْ كتفه من الوراء ردد قبل أن يلتفت: إيمان!.
ابتسمتْ بحزن لتضمه بقوة حتى بللتْ دموعها قميصه.
العاصفة، التي كان في وسطها قد هدأتْ، وأصبحتْ الرّؤية أكثر وضوحًا. قال بعد أن جلسا وأيديهم متشابكة وسط الطّاولة:
- لِمَ غبتِ كل هذه السنين؟!.
كانت تنظر إليه بعينين متعبتين ملأهما الذعر، حاولتْ التحلي بالهدوء وهي تقول:
- لم أغبْ، لقد كنتُ في قلبك، ما إن تذكرتني حتى حضرتُ إليكَ!.
قال وهو يشد على يديها:
- ظنّ الجميع أنني نسيتكِ، لكنّي لم أفعل ولو للحظة!.
ضوء النّهار الذي بدأ ينسحب شيئًا فشيئًا، خلّف ظلالًا ثقيلة أحاطت بقلبها!.
تنهدتْ بينما دمعتان انسابتا على وجنتيها لتيقنها من أن علاقته مع الزّمن توقفتْ منذ موت والدتها، لكنه لا يعرف معنى الموت منذ أصابته بمرض لعين قطع الجسور بينه وبين الذاكرة، وما الحياة إلّا ذاكرة وإن كانت تحمل في ثناياها الألم. قالت له:
- عندما تشتاق لرؤيتي، فكر بيّ وستجدني أمامك، ما في قلبكَ سيصل قلبي!.
- ما زلتِ جميلة وصغيرة حبيبتي!.
وهي تمسد العروق الزرقاء في يده، قالت:
- نعم يا أبي، أشبه أمي التي أحبتك أكثر من هذا العالم، أما غيابها فقد أشعل النّار في زمنك المتبقي.
بدأت العتمة تنتشر، عندما قادته كما تقود الأم طفلها ليغيبا وسط شلالات ضّباب كثيف زاد من شدة ظّلام المدينة.
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠