اللهُ، سبحانه وتعالى، هو الذي خلق الإنسانَ العاقل الذي يُسمَّى علميا Homo Sapiens، وهو الذي خلقَ الكون كلَّه. خلق الأرضَ وما عليها وما فيها من مٌكوِّنات حية وغير حية. ما أقصده من عنوانِ هذه المقالة، هو أن هذا الإنسانَ العاقلَ، لما ظهر، بإرادة إلهية، على وجه الأرض لأول مرة، ظهر ومعه حرِّيتُه الفردية. والمقصود، هنا، بالحرية الفردية، هو حرية التَّصرف.
وما أكثرَ الدلائل التي تُبيِّن بأن الإنسانَ، لما خلَقَه الله، خلقه حرا، وخصوصا، تلك التي نصَّ عليها القرآن في آياتِه الكريمة. من بين هذه الدلائل، أخصُّ بالذكر :
اللهُ، سبحانه وتعالى، لا يخلق الأشياءَ عبثا، أي بمحض الصدفة. لا أبدا! وفيما يلي مثلٌ يُبيِّن بأن الخلق لا يتمُّ عبثا أو بالصدفة. وكل شيءٍ خلقه اللهُ، جلَّ عُلاه، فيه نفعٌ للناس وفيه ضررٌ لهم. وهنا، يظهر دورُ العقل الذي ميَّز به اللهُ، سبحانه وتعالى، بني آدم على جميع المخلوقات الحيَّة الأخرى. بالعقل، بنو آدم يُميِّزون بين ما فيه منفعةٌ أو منافع وما فيه ضررٌ أو أضرار.
وخير مثال يمكن الاستدلالُ به، في هذا الصدد، هو الماء. بالنسبة لِما هو دنيوي، الماء فيه منافعٌ كثيرة أثبت العِلمُ الحديثُ وجودَها وحيوِيتَها وضرورتَها بالنسبة للحياة بمفهومِها الواسع، أي الحياة البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والروحية والثقافية والتَّرفيهية والصناعية والفلاحية والطبيعية والبيئية… ليس هناك مظهرٌ من مظاهر الحياة، بمعناها الواسع، لا يلعب فيه الماء دوراً، بكيفيةٍ أو أخرى. وفي نفس الوقت، الماء عامل خرابٍ ودمار، من خلال الطوفان والفيضانات والتسونَامِي والسيول الجارفة… وقد استعمله، سبحانه وتعالى، لعقاب الأقوام الغابرة كقوم نوح، عليه السلام، الضالين حين أغرقهم الطوفان، وفرعون وجنودُه، حين أغرقهم في أمواج البحر.
الله لا يخلق الأشياءَ عبثا أو بالصُّدفة. فلمّا خلق الإنسانَ، خلقه ليكون مغايِراً لكل المخلوقات الحية الأخرى، أو بعبارة أخرى، خلقه ليكون مميَّزا عن المخلوقات الحية الأخرى. فبماذا ميَّزه ويُميِّزه عن هذه المخلوقات الحيَّة الأخرى؟
ما يُميِّزه عن المخلوقات الحيَّة الأخرى، العقل والنُّطق وحرية التَّصرُّف. بالعقل، يكون الإنسان العاقل واعياً بوجوده وبوجود الأشياء المحيطة به في وسط عيشِه. وبالعقل، يتفاعل مع كل هذه الأشياء. يتأثر بها ويُؤثِّر عليها.
أما حرِّية التَّصرُّف، فالقرآن الكريم أشار لها في العديد من الآيات. من بين هذه الآيات، أذكرُ على سبيل المثال :
1."وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ" (البلد، 10).
في هذه الآية، "وَهَدَيۡنَٰهُ" تعود على الإنسان، بمعنى أن اللهَ، سبحانه وتعالى، بيَّن لهذا الإنسان الطَّريقين، أي طريقَ الخير وطريقَ الشر. والإنسانُ، بواسطة عقله، عليه أن يُميِّز بينهما ثم يختار الطريقَ الذي يُناسيه. والاختيار يكون عن وعيٍ وطواعية، أي لا أحدَ يُجبر الإنسانَ ليميلَ لهذا الاختيار أو لضده. بل على الإنسان أن يُحكِّمَ عقلَه وضميرَه.
2."مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء، 15).
ما يُستشفُّ من هذه الآية، بصفة عامة، هو أن اللهَ، سبحانه وتعالى، غنيٌّ عن العباد، أي أن وجودَه و وحدانيتَه وقدرتَه… غير مرتبطِين لا بالزمان ولا بالمكان ولا بأفعال الناس. أن يكونَ الناسُ مؤمنين أو غير مؤمنين، فهذا لا يزيد ولا ينقص من صفاتِه الإلهية. فأين تتجلَّى، في هذه الآية، حرية تصرُّف الإنسان؟
تتجلَّلى حرية تصرُّف الإنسان، أولاً، في كونه، سبحانه وتعالى، ترك ويترك للناس اختيارَ طريقِ الهداية أو طريقِ الضلال ("مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا…). ثانياً، الله، سبحانه وتعالى، لا يعذب البشرَ لأن بشراً آخرين ارتكبوا المعاصي، بل إن اللهَ، عزَّ جلَّ، لا يعذِّب الناسَ حتى يبعثَ فيهم رسولا يُبشِّرهم بما لهم فيه خيرٌ ويُنذِرهم بما لهم فيه شر. وهذا يعني أن اللهَ، جل عُلاه، عادلٌ في حُكمه على الناس، إذ لا يُنزِّل عذابَه على هؤلاء الناس إلا بعد أن يُبيِّنَ لهم طريق الخير وطريقَ الشر. فإن اختاروا طريقَ الخير، فهذا عملٌ يُحسَبُ لهم. وإن اختاروا طريقَ الشر، فهذا عملٌ يُحسَبُ عليهم. أليست هذه حرية التَّصرُّف؟
3."وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس، 99).
في هذه الآية، الله، سبحانه وتعالى، يُخاطب الرسول (ص) قائلاً له بأنه، عزَّ وجلَّ، لو أراد أن يهديَ جميعَ ساكنة الأرض إلى الإيمان لفعل وانتهى الأمرُ. في هذه الحالة، لن يكونَ في حاجةٍ إلى الأنبياء والرُّسل ما دام، سبحانه وتعالى، إذا أراد شيئاً، إنما يقول له كن فيكون. ولهذا، فإنه، جلَّت قدرتُه، يحثُّ رسولَه (ص) أن لا يُجبِرَ الناسَ "حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ". إذن، ما على الرسول (ص) إلا تبليغ ما يوحَى إليه من الله إلى الناس ليُبيِّنَ لهم ما فيه خيرٌ وما لهم فيه شر، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى: "مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (المائدة، 99).
فإذا ربطنا هذه الآية (المائدة، 99) بالآية رقم 99 من سورة يونس، يتبيَّن لنا أن اللهَ، سبحانه وتعالى، ترك للإنسان حرِّية التَّصرُّف، ما دام قد وضح له ما له فيه خيرٌ وما له فيه شرٌّ، إما عن طريق الأنبياء والرسل وإما عن طريق القرآن الكريم.
ثم لماذا لم يُرِدِ اللهُ، سبحانه وتعالى، ان يؤمنَ "مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا…"؟
لأنه، عزَّ وجلَّ، لا يمكن أن يتناقض مع نفسه حيث قال في كتابه، القرآن الكريم : "...وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة، 251).
الملاحظ في هذه الآية الكريمة، هو أن اللهَ، سبحانه وتعالى قال "النَّاسَ" بغضِّ النظرِ عن دياناتهم ومعتقداتهم. المهمُّ هو أن تدافعَهم هو الذي يحفظُ الأرضَ، قدرَ المستطاع، من الفساد. لماذا؟
لأن الطبيعة البشرية تتأرجح بين الخير والشر. وبعبارة أخرى، أهل الأرض أو المجتمعات فيهم المتدينون وفيهم غير المتدينين، فيهم الفاسدون والمُفسِدون وفيهم الأتقياء وأصحاب الضمائر النظيفة وفيهم الأخيار وفيهم الأشرار… وتدافع هذه الفئات البشرية، هو الذي يخلق نوعاً من التوازن داخل المجتمعات المُنظَّمة.
والتَّدافع، هنا، لا يجب إدراكُه بالمعنى المتداول، أي التَّدافع الناتج عن الزحام أو الزحمة. التدافع يجب إدراكُه كصراعٍ بين الخير والشر وبين الفساد والصَّلاح. وهذا الصراع هو الذي يجعل من المجتمعاتِ مجتمعاتٍ مُنظَّمةً اجتماعيا، قانونيا وأخلاقيا.
وهذا هو المقصود حين قال، سبحانه وتعالى: "…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ…"
وما أكثرَ الدلائل التي تُبيِّن بأن الإنسانَ، لما خلَقَه الله، خلقه حرا، وخصوصا، تلك التي نصَّ عليها القرآن في آياتِه الكريمة. من بين هذه الدلائل، أخصُّ بالذكر :
اللهُ، سبحانه وتعالى، لا يخلق الأشياءَ عبثا، أي بمحض الصدفة. لا أبدا! وفيما يلي مثلٌ يُبيِّن بأن الخلق لا يتمُّ عبثا أو بالصدفة. وكل شيءٍ خلقه اللهُ، جلَّ عُلاه، فيه نفعٌ للناس وفيه ضررٌ لهم. وهنا، يظهر دورُ العقل الذي ميَّز به اللهُ، سبحانه وتعالى، بني آدم على جميع المخلوقات الحيَّة الأخرى. بالعقل، بنو آدم يُميِّزون بين ما فيه منفعةٌ أو منافع وما فيه ضررٌ أو أضرار.
وخير مثال يمكن الاستدلالُ به، في هذا الصدد، هو الماء. بالنسبة لِما هو دنيوي، الماء فيه منافعٌ كثيرة أثبت العِلمُ الحديثُ وجودَها وحيوِيتَها وضرورتَها بالنسبة للحياة بمفهومِها الواسع، أي الحياة البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والروحية والثقافية والتَّرفيهية والصناعية والفلاحية والطبيعية والبيئية… ليس هناك مظهرٌ من مظاهر الحياة، بمعناها الواسع، لا يلعب فيه الماء دوراً، بكيفيةٍ أو أخرى. وفي نفس الوقت، الماء عامل خرابٍ ودمار، من خلال الطوفان والفيضانات والتسونَامِي والسيول الجارفة… وقد استعمله، سبحانه وتعالى، لعقاب الأقوام الغابرة كقوم نوح، عليه السلام، الضالين حين أغرقهم الطوفان، وفرعون وجنودُه، حين أغرقهم في أمواج البحر.
الله لا يخلق الأشياءَ عبثا أو بالصُّدفة. فلمّا خلق الإنسانَ، خلقه ليكون مغايِراً لكل المخلوقات الحية الأخرى، أو بعبارة أخرى، خلقه ليكون مميَّزا عن المخلوقات الحية الأخرى. فبماذا ميَّزه ويُميِّزه عن هذه المخلوقات الحيَّة الأخرى؟
ما يُميِّزه عن المخلوقات الحيَّة الأخرى، العقل والنُّطق وحرية التَّصرُّف. بالعقل، يكون الإنسان العاقل واعياً بوجوده وبوجود الأشياء المحيطة به في وسط عيشِه. وبالعقل، يتفاعل مع كل هذه الأشياء. يتأثر بها ويُؤثِّر عليها.
أما حرِّية التَّصرُّف، فالقرآن الكريم أشار لها في العديد من الآيات. من بين هذه الآيات، أذكرُ على سبيل المثال :
1."وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ" (البلد، 10).
في هذه الآية، "وَهَدَيۡنَٰهُ" تعود على الإنسان، بمعنى أن اللهَ، سبحانه وتعالى، بيَّن لهذا الإنسان الطَّريقين، أي طريقَ الخير وطريقَ الشر. والإنسانُ، بواسطة عقله، عليه أن يُميِّز بينهما ثم يختار الطريقَ الذي يُناسيه. والاختيار يكون عن وعيٍ وطواعية، أي لا أحدَ يُجبر الإنسانَ ليميلَ لهذا الاختيار أو لضده. بل على الإنسان أن يُحكِّمَ عقلَه وضميرَه.
2."مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء، 15).
ما يُستشفُّ من هذه الآية، بصفة عامة، هو أن اللهَ، سبحانه وتعالى، غنيٌّ عن العباد، أي أن وجودَه و وحدانيتَه وقدرتَه… غير مرتبطِين لا بالزمان ولا بالمكان ولا بأفعال الناس. أن يكونَ الناسُ مؤمنين أو غير مؤمنين، فهذا لا يزيد ولا ينقص من صفاتِه الإلهية. فأين تتجلَّى، في هذه الآية، حرية تصرُّف الإنسان؟
تتجلَّلى حرية تصرُّف الإنسان، أولاً، في كونه، سبحانه وتعالى، ترك ويترك للناس اختيارَ طريقِ الهداية أو طريقِ الضلال ("مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا…). ثانياً، الله، سبحانه وتعالى، لا يعذب البشرَ لأن بشراً آخرين ارتكبوا المعاصي، بل إن اللهَ، عزَّ جلَّ، لا يعذِّب الناسَ حتى يبعثَ فيهم رسولا يُبشِّرهم بما لهم فيه خيرٌ ويُنذِرهم بما لهم فيه شر. وهذا يعني أن اللهَ، جل عُلاه، عادلٌ في حُكمه على الناس، إذ لا يُنزِّل عذابَه على هؤلاء الناس إلا بعد أن يُبيِّنَ لهم طريق الخير وطريقَ الشر. فإن اختاروا طريقَ الخير، فهذا عملٌ يُحسَبُ لهم. وإن اختاروا طريقَ الشر، فهذا عملٌ يُحسَبُ عليهم. أليست هذه حرية التَّصرُّف؟
3."وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس، 99).
في هذه الآية، الله، سبحانه وتعالى، يُخاطب الرسول (ص) قائلاً له بأنه، عزَّ وجلَّ، لو أراد أن يهديَ جميعَ ساكنة الأرض إلى الإيمان لفعل وانتهى الأمرُ. في هذه الحالة، لن يكونَ في حاجةٍ إلى الأنبياء والرُّسل ما دام، سبحانه وتعالى، إذا أراد شيئاً، إنما يقول له كن فيكون. ولهذا، فإنه، جلَّت قدرتُه، يحثُّ رسولَه (ص) أن لا يُجبِرَ الناسَ "حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ". إذن، ما على الرسول (ص) إلا تبليغ ما يوحَى إليه من الله إلى الناس ليُبيِّنَ لهم ما فيه خيرٌ وما لهم فيه شر، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى: "مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (المائدة، 99).
فإذا ربطنا هذه الآية (المائدة، 99) بالآية رقم 99 من سورة يونس، يتبيَّن لنا أن اللهَ، سبحانه وتعالى، ترك للإنسان حرِّية التَّصرُّف، ما دام قد وضح له ما له فيه خيرٌ وما له فيه شرٌّ، إما عن طريق الأنبياء والرسل وإما عن طريق القرآن الكريم.
ثم لماذا لم يُرِدِ اللهُ، سبحانه وتعالى، ان يؤمنَ "مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا…"؟
لأنه، عزَّ وجلَّ، لا يمكن أن يتناقض مع نفسه حيث قال في كتابه، القرآن الكريم : "...وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة، 251).
الملاحظ في هذه الآية الكريمة، هو أن اللهَ، سبحانه وتعالى قال "النَّاسَ" بغضِّ النظرِ عن دياناتهم ومعتقداتهم. المهمُّ هو أن تدافعَهم هو الذي يحفظُ الأرضَ، قدرَ المستطاع، من الفساد. لماذا؟
لأن الطبيعة البشرية تتأرجح بين الخير والشر. وبعبارة أخرى، أهل الأرض أو المجتمعات فيهم المتدينون وفيهم غير المتدينين، فيهم الفاسدون والمُفسِدون وفيهم الأتقياء وأصحاب الضمائر النظيفة وفيهم الأخيار وفيهم الأشرار… وتدافع هذه الفئات البشرية، هو الذي يخلق نوعاً من التوازن داخل المجتمعات المُنظَّمة.
والتَّدافع، هنا، لا يجب إدراكُه بالمعنى المتداول، أي التَّدافع الناتج عن الزحام أو الزحمة. التدافع يجب إدراكُه كصراعٍ بين الخير والشر وبين الفساد والصَّلاح. وهذا الصراع هو الذي يجعل من المجتمعاتِ مجتمعاتٍ مُنظَّمةً اجتماعيا، قانونيا وأخلاقيا.
وهذا هو المقصود حين قال، سبحانه وتعالى: "…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ…"