محمد الدولتلي - كش مات...

وقف وقفته العسكرية مصطفا بجوار أقرانه في أماكنهم المحددة لهم على رقعة الشطرنج منتظرا الأمر بالتحرك إلى المربع الذي سوف يحدد له دون أن يكون له خيار سوي تنفيذ الأمر دون إبداء أي نوع من الإعتراض أو حساب نتيجة حركته على حياته.
سرح بخياله متذكرا ما قد تم صبه في أذنيه من جدوى وقوفه فوق هذه الرقعة التي لا يعرف معناها، الدفاع عن الشرف و الكرامة، حب الوطن، شرفه و كرامته لم يتم مسهم عندما كان في وطنه الذي يعرفه ويزرع أرضه منبتا فيها الحياة التي يهبها الخالق من بين ثنايا ترابها، كان يشعر بإحتفاء الهواء والشمس بقدومه كل صباح، لم يتم إهانته إلا عندما أتى إلى ما سموه له بأنه مصنع الكرامة، عندما أخذ رغما عنه إلى تلك الرقعة الصماء التي لا يعلم إن كان يحارب عليها في جانب الحق أم الباطل، فلم يضمن له وقوفه في جانب الحق سوي قادته الذين يأخذون مصداقيتم فقط من كونهم القادة، لا شئ سوي ذلك، لم يرى منهم أخلاق أو رحمة تؤيد صدقهم الذي لا مجال للتشكك فيه وإلا صار خائننا يستحق الإعدام رميا بالعار عليه وعلى من يمسهم إسمه.
فالقائد هو الوطن الذي لا يعطيه شيئا إلا الأمر واجب النفاذ ويفرض عليه الذود عنه وبذل النفس والمال في سبيله.
أمامه في الجهة المقابلة جنود أمثاله لا يميزهم عنه سوي اللون الذي يجعلهم أعداء دون أن تكون بينهم معرفة سابقة أولدت عداوة تستحق أن يقتل بعضهم بعضا من أجلها، وقوفهم في أماكنهم لا يعطي خيارات لأحد منهم إلا أن يقتل أو يقتل.
إنتبه إلى الأمر الذي صدر لزميله الذي يقف معه في نفس الصف بالتحرك إلى مربع لا ماحال سيكتب عليه فيه حركته الأخيرة قبل أن يلقى حتفه، ولم يستطع إلا تنفيذ الأمر بالموت المحقق دون إرادة.
لم قد يصدر الأمر بالموت بهذه السهولة، لم روحه وحياة من ورائه هينة عند من أصدر هذا الأمر، بل أنه قد لا يعرف أنها حياة ولها قيمة ولو على الأقل عند من يرتبط بها وسوف يعذب بعد انتهائها، وقمة الهوان أنها لم تنتهي إلا لحماية قطعة أخرى ذات قيمة أعلى فقط في هذه اللحظة حتى يأتي الدور عليها للتضحية بها بأمر آخر في حينه.
فحتى الحياة تنقسم فوق هذه الرقعة اللعينة إلى قيمة أقل وقيمة أعلى، و قيمتهم عند القادة الذين يحركونهم دون أن يعرفوا أنهم لهم حق في الحياة غير مرئية، و بيوتهم التي سوف يتركونها مكلومة تستقبل الأهوال بعدهم دون أن تجد سندا يدفعها عنها غير معلومة، بل أن حقهم في أن يكونوا أي شئ سوي قطع فوق الرقعة غير معترف به.
فالقادة لا يبكون موتهم إلا أمام الشاشات، ثم يصافحون بعضهم ضاحكين بعد أن تنتهي لعبتهم بقول أحدهم للآخر كش مات.

محمد الدولتلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى