كتب محمد فتحي المقداد. مقطع عرضي لرواية إلى أن يزهر الصبّار

مقطع عرضي لرواية
"إلى أن يزهر الصبار". للكاتبة "ريتا عودة"
بقلم. الروائي محمد فتحي المقداد
لولا الكتابة لما عرفناه شيئًا خارج قوقعة محيطنا المنظور والمُعاش يوميًا وعلى نطاق ضيق. والرواية هي أصدق ناقل لصورة الحقيقة أو بمقاربتها بشكل دقيق.
للمرّة الأولى أقرأ رواية من الدّاخل الفلسطينيّ المحتل. رواية "إلى أن يزهر الصبّار" وهو توقيت ميلاد"أمل وأحلام" من زواج مختلط بين" آدم" الشاب المسلم، والبنت "حياة" المسيحية الديانة، وكذلك حدث العكس في حالة أخرى كما وضحت الرواية. ومن الذكاء اختيار هذين الاسمين "آدم. حياة" الرمزيين بدلاتهما على وحدة وأصل الحياة البشريّة.
والعنوان "إلى أن يزهر الصبار" عبارة مجزوءة من كلام أرادت الكاتبة "ريتا عودة" من فتح باب التأويل بإشراك قارئها معها، في أين يضع المناسب وما يروق له قبل عباراتها، لتصبح ذات دلالة أبعد بمحتواها. وهذه العبارة بحدّ ذاتها توقيت وإشارة إلى الرّبيع حصرًا، وكلمة "الصبّار" لم تأت عبثًا بعد الفعل المضارع "يزهر" المسبوق بإحدى أدوات النصب" أن". وكم هي شجرة الصبار صبورة على معاناتها بإنبات شوكها أولًا ومن الشوكة تأتي الثمرة، وصبورة على ظروف العيش وشظفه على أطراف الصحراء وفي المناطق الأخرى، وسر بقائها بمقاومة قساوة المناخ وقلة المناخ. وهنا نتوقف بعدما فهمنا طبيعة الشجرة المقاومة، فهي رمز للشعب الفلسطينيّ المقاوم، وأشواك الصبار رأس الحربة في الدّفاع عن صمودها أمام الأيدي العابثة والمُتطفلة.
وحيث ابتدأت جملة العنوان بحرف الجر "إلى" الموحية بامتداد زمانيّ للرواية التي كتبت بأثر زمن رجعيّ عائد على محمل الذاكرة، وهي جملة مذكرات سيرة حياتيّة أو أشبه بسيرة من الممكن أن تكون للكاتبة أو لبطلتها المُتخيّلة.
مدينة الناصرة مهد رواية "إلى أن يزهر الصبّار" التي جاءت بصورة مغايرة تمامًا، أوّلًا أفصحت سرديّة الرواية عن مجموعة من مفاهيم الديانة المسيحيّة المُتسامحة، وقد أرّقتها الأسئلة الوجوديّة، فحاولت نقاش قضيّة الإله والربّ من منظورها الكهنوتي، وفكرة الخطيئة والغفران والفداء والموت والحبّ، وفي الآية من العهد القديم للكتاب المقدّس: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ»، وهي بذلك قامت بإيراد مجموعة من النصوص الإنجيلية، ذات المغزى الدلاليّ على المحبّة والسّلام والوئام، لتكون مدخلًا صالحًا، ومبررًا معقولًا لقضيّة العيش المُشتَرك، ومقتضياته من تعاملات ومنها قضيّة الزواج المُختَلَط.
وللقارئ حقّ التساؤل المشروع عن هُويّة الرواية. هل رواية دينيّة تبشيريّة؟. وهذا التساؤل أترك الإجابة عليه للقارئ بعد إتمام قراءة الرواية، ومن إيراد هذه النّصوص هناك رسالة محبّة، وكشف أوجه التشابه الطبيعيّة بين الأديان السماويّة ذات البُعد الإنسانيّ بكلّ تفاوتاته وتشكيلاته، لما فيه خير الإنسان، وهذا التحدّي للإنسان الفلسطينيّ حصرًا وللمسيحيّ قبل المسلم.
وفي محور آخر يدور حول قضيّة التجذُّر والحفاظ على الهويّة الوطنيّة، وإشكاليّة العيش الإجباريّة بين العرب أصحاب الحقّ والأرض، وبين الغاصب اليهوديّ المُحتَلّ والمُتسلّط، كلّ هذه القضايا وغيرها طرقتها رواية "إلى أن يزهر الصبّار" على محمل لغة عالية المستوى بمنحاها الشعريّ، ومن الممكن وصف الرواية بأنّها رواية مُثقّفة، لتعدُّد الاتّكاءات والاقتباسات، وقد أوردت مجموعة من الأسماء اِعْتبارًا من شعراء فلسطين "محمود درويش" إلى ماركيز ورولان بارت وسقراط وابن خلدون وغيرهم. الأمر الدالّ على غنى الرواية، ودليل آخر على عمق ثقافة "ريتا عودة" عندما استطاعت حشد هذه المقولات المختلفة، وذلك لخدمة فكرتها، واشتغلت عليها ضمن خُطّة سرديّتها المتوازنة.
السبت _ا 17/8/2924

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى