أ. د. عادل الأسطة - يوميات المقتلة -ملف- الشهر الثاني عشر (337-346)

الشهر الثاني عشر


337- يوميات غزة ( ٣٣٧ ) : جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين

انتهى أمس أحد عشر شهرا من أشهر الحرب . كما لو أن صمتا ساد في مواطن القتال . ثمة هدوء لم يعكره سوى غارات إسرائيلية نفذها الطيران الإسرائيلي على مناطق من جنوب لبنان لقصف منصات صواريخ حزب الله . هكذا زعمت الرواية الإسرائيلية ، فرد الحزب بإطلاق صواريخ على مواقع إسرائيلية .
لا أخبار عن معارك في غزة ولا في الضفة . هل وضعت الحرب أوزارها أم أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ؟ هل شعر المتحاربون بالضجر ، فالضجر ، كما كتب محمود درويش ، صفة من صفات البشر ؟ لكن من قال إن ما خلفه الجيش الإسرائيلي دليل على أنه فعل بشر ؟!
في فجر هذا اليوم أرسل إلي صديق شريط فيديو يقول ظاهره وتعليق المرسل إن أفراد حركة المقاومة الإسلامية طلبوا من امرأة وزوجها أن تخلي الخيمة ، لأن المقاومين سيجتمعون فيها . لقد قلبت شخصيا الشريط على غير وجه . أعرف أن مرسله ضد حرب ٧ أكتوبر وحركة حماس ، وأنا أيضا لست من حماس ، إنما :
- ما الدليل على أن المتكلمين في الشريط من حماس ؟
- ألا يمكن أن يكون الرجال يريدون الإساءة للمقاومة وتأييد ما يزعمه الإسرائيليون من أن المقاومة تختبيء بين الناس ؟ يعني أن الرجال قد يكونون مدسوسين من جهات معادية !
لا بد من دليل !
وأنا أشتري الدريق نقدت البائع عشرة شواكل إسرائيلية فأعادها إلي بحجة أنها مزورة . عرضت عليه عددا من عشرات الشواكل لينتقي غير المزورة منها . في هذه الأيام صارت موضة الرفض موضة وكل الحق على تجار الخليل والصين . الصين يقال تزور العشرة شيكل لتجار من الخليل وقيل إن الإسرائيليين قبل سنوات ضبطوا حاوية ( كونتينر ) كله شواكل من فئة العشرة ، ومؤخرا سمعت ان هناك طبعة تركية مزورة لفئة ال ٢٠٠ شيكل . تزوير محسن .
ذكرني البائع بأهل غزة وما تداولوه مؤخرا من فئة العشرة شيكل ، فالبائعون يتشددون أيضا في قبولها ، وهناك قطع اتسخت لكثرة تداولها في الحرب في أجواء تنقصها النظافة ، والطريف هو أن عبقرية بعض أبناء قطاع غزة تفتحت في الحرب أكثر وأكثر ، فافتتح أحدهم محلا لتنظيف العملة .
إلى أين نحن ذاهبون ؟!
أنا لا أعرف ومنذ بداية الحرب لم أستمع إلى محمد عبد الوهاب يغني أغنيتي المفضلة " جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين ... حبيبي كل ما فيك يا حبيبي حبيبي ".
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٧ / ٩ / ٢٠٢٤

***

338- يوميات غزة ( ٣٣٨ ) : ماهر ذياب الجازي

هدأت الجبهات أمس وأول أمس ، فأخبار المعارك قلت وتيرتها ولا أخبار تأتي على حدث أمني صعب في غزة.
فجأة تتردد الأنباء عن حدث أمني في معبر الكرامة الذي أبرزت له أمس وأول أمس واليوم صور تري حركة النشاط فيه ، وهي متباينة . تارة تبدو صالة المعبر خالية من المسافرين وطورا تبدو بين بين.
سائق شاحنة من الأردن يطلق النار من مسدس فيردي ثلاثة جنود إسرائيليين ، وسيعرف لاحقا أنه المعاني ماهر ذياب الجازي ابن التاسعة والثلاثين ، وستعاقب القوات الإسرائيلية على المعبر بقية السائقين وتبطحهم على الأرض لتذلهم . لقد اعتاد الإسرائيليون على إذلالنا كلما أصيبوا في مقتل وألفوا هذا السلوك وصار يعني لهم انتصارا وتعويضا أيضا . إنها سياسة العقاب الجماعي وقهر المواطنين كلهم ؛ في أنفسهم ومالهم وشوارع مدنهم أيضا .
هل تأثر الإسرائيليون قليلا للمظاهرات التي عمت شوارع المدن العالمية والعربية ومنها الأردن قدر تأثرهم بما أقدم عليه ماهر ذياب الجازي ؟
أحد النشيطين عقب : كل المظاهرات كوم وما فعله الجازي كوم .
وبعد الحادث روي عن حدث أمني في غزة . قيل عن طائرات هيلوكابتر تقل الجرحى ، ويبدو أن الحرب في الشمال الفلسطيني / الجنوب اللبناني ستتقد ، فأبو يائير / رئيس الوزراء الإسرائيلي ألمح بذلك وطلب من جيشه الاستعداد ، ويبدو القادم غير مطمئن .
أحد الأصدقاء لفت نظري إلى قصة الطفلة الفلسطينية ضحى طلعت ابنة الثامنة من العمر .
ضحى من رفح كتب أن جدها دل الإسرائيليين على أنفاق المقاومين في المدينة . طبعا والله أعلم ، ولكن حكايتها ليست هنا .
يقال إن ضحى كانت مع جدها في آخر ظهور لها مع أحد أفراد عائلتها . اقتادها الجندي الإسرائيلي ( ايدو زاهار ) ثم اختفت آثارها . قيل إنه اغتصبها ثم قتلها ، والجندي الذي أدرج صورتها على صفحته في الفيس بوك مع منشور شطب المنشور وحول صفحته من عام الى خاص . فضيحة بجلاجل للجيش الأكثر طهارة سلاح بين جيوش العالم .
القادم غير مطمئن وفي صفحات كثيرين تتكرر عبارة " الوضع صعب " ، ويأتيك بالأخبار ما لم تزود.
اللافت منذ يومين في حوار الفيسبوكيين هو ما قالته الطبيبة الغزية المختصة بالصحة الجسدية والنفسية إسراء صالح عن خيمة للمتزوجين في غزة لإنجاز مهمة الإنجاب وممارسة فعل الحب وافتقاد الخصوصية ، وهذا ما سأكتب عنه مقال الأحد القادم لجريدة الأيام الفلسطينية في ١٥ / ٩ / ٢٠٢٤ ما لم يجد جديد .
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٨ / ٩ / ٢٠٢٤

***

339- يوميات غزة ( ٣٣٩ ) : افتقاد الخصوصية : خيمة للعزلة

في ٣ حزيران ٢٠٢٤ كتب شجاع الصفدي منشورا تحت عنوان " خيمة للعزلة " أعدت نشره في صفحتي معقبا :
" أجمل نص قرأته منذ بداية الحرب : المضحك المبكي " وعدت وكتبت عنه في ٤ حزيران في اليوم ٢٤٢ .
في الأيام الأخيرة طغى بين أبناء غزة ومتابعي أخبارها جدل حول شريط فيديو للباحثة الغزية المتخصصة في الصحة النفسية والجسدية إسراء صالح حول اختلاء الأزواج معا في ظل الحرب . في خيمة ما . في غرفة صف في مدرسة إيواء .
أتت إسراء على الخصوصية في حياة الفلسطينيين اللاجئين والنازحين وافتقادها ، فتذكرت شخصيا حياتنا في المخيمات في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين ، وتذكرت أيضا رواية سامية عيسى " حليب التين " ( ٢٠١١ ) وما كتبته عن أوضاع مخيمات اللجوء في لبنان .
يرد في رواية سامية في هذا الجانب الكثير ومنه :
" بعدما تزوجا صارت تفسح لهما الوقت والمكان في النهار لكي يفعلا ما لم يستطيعاه بقربها في الليل . كان أيضا يفرغ في أحشائها على عجل أو هي تدعه يفعل خشية أن تباغتهما فاطمة أو ضوضاء التفاصيل التي تجري وراء باب الغرفة أو على الطرف الآخر من جدارها " .
لعل مقالي الأحد القادم لجريدة الأيام الفلسطينية ١٥ / ٩ / ٢٠٢٤ يقارب هذه الموضوعة .
النكبة مستمرة والمخيمات ما زالت مخيمات والأحفاد يستعيدون تجربة الأجداد .
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٩ / ٢٠٢٤

***

340- يوميات غزة ( ٣٤٠ ) : هوية عصرنا

عندما صحوت فجر هذا اليوم في الثالثة ، وقرأت عن الجريمة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مواصي خان يونس ، وجدتني أكرر قول محمود درويش في مجزرة شاتيلا وصبرا في أيلول العام ١٩٨٢ :
" صبرا هوية عصرنا حتى الأبد "
ولو امتد العمر بالشاعر وشاهد ما نشاهد لربما أصيب بالجنون ، فما يجري في غزة منذ أحد عشر شهرا وأكثر هو الجنون نفسه ، وهو هوية عصرنا .
قيل في الأخبار إن مجزرة فجر اليوم هي الأقسى منذ ٧ أكتوبر . لقد دفن قسم من سكان الخيام في الرمال وأبيدت عائلات بأكملها ومحيت من السجلات المدنية ولم يعد لها ذكر .
حجة دولة إسرائيل جاهزة وهي إن المقاومين الفلسطينيين مختبئون بين المواطنين ، وقبل أيام عمم شريط فيديو كتبت عنه يري جماعة ملثمة تطلب من امرأة وزوجها إخلاء الخيمة ، فالقيادة تحتاج الخيمة لاجتماع . هل تمت فبركة الشريط للإقدام على مجازر مثل هذه ؟
هذا هو ما يفهم مما جرى .
هل كانت إسرائيل في العام ١٩٤٨ تبحث في دير ياسين عن قيادات مقاومة ؟
وهل كانت أيضا في العام ١٩٥٦ ترى في مزارعي كفر قاسم العائدين في المساء إلى قريتهم والدي ضيف والسنوار ؟
ربما !
وربما تبحث إسرائيل في أنفاق شوارع جنين ومخيمها وطولكرم ومخيميها عن أسراها وعن ضيف والسنوار ، فقد يكونان حفرا أنفاقا تمتد من غزة إلى قلقيلية فطولكرم فجنين . ألم يسمع سكان كفار سابا في أشهر الحرب الأولى أصوات حفر في الليل ، فخافوا من أن يهاجمهم أهل قلقيلية مكررين ما جرى في السابع من أكتوبر ؟!
ما جرى صباح اليوم في مواصي خان يونس ستظل الكتابة فيه وعنه قاصرة ودون مستوى الحدث حتى لو حضر معين بسيسو ومحمود درويش وجان جينيه إلى المكان ليشاهدوا وليكتبوا .
أرض أكثر وعرب أقل . هذا هو الدافع لما يجري منذ ١٩٤٨ .
يخرج الجلاد من جلد الضحية . كتب محمود درويش في " مديح الظل العالي " واليوم أصغيت إلى شربط فيديو يتحدث فيه مواطن ألماني يهودي الديانه ويقر بأن ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين غير مبرر منذ العا ١٩٤٨ ، فليسوا هم من ارتكب المجازر بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية ، ويقر بأن إسرائيل لا تمثله وأنه لا ينتمي إليها إطلاقا .
مساء الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٩ / ٢٠٢٤

***

341- يوميات غزة ( ٣٤١ ) : كل شيء يسم البدن

أخبار غزة وبعض مدن الضفة الغربية ومخيماتها تسم البدن . فلا رغبة في القراءة ولا شهية .
أمس صحونا فجرا على مجزرة في المواصي في خان يونس وأنفقنا نهارنا نتابع الأفعال البطولية المشرفة لجيش شعب الله المختار تجرف الشوارع وتهدم المباني في طولكرم ومخيميها ، واليوم نصحو على ارتقاء خمسة شباب في مدينة طوباس ، بعد أن تابعنا أخبار اقتحام نابلس في الساعات المبكرة من فجر هذا اليوم .
تتراوح أعمار الشباب الخمسة الذين ارتقوا بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين . إنه شلال الدم الفلسطيني .
أردت أن أتم إنجاز مقالي الأحد القادم لجريدة الأيام الفلسطينية " تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ : غرفة للخلوة ... غرفة للعزلة " فلم أشعر برغبة في الكتابة ، وأسهم في ذلك ما كتبه الدكتور خضر محجز حول ما حكته ناشطة غزاوية في الموضوع هي طبيبة . كتابة الدكتور كتابة نارية حادة جدا ، وبعض كتاب غزة يبدون الآن ناريين في كتاباتهم ومواقفهم من محللين سياسيين وكتاب أعمدة ممن يقيمون خارج قطاع غزة ويكتبون وهم مسترخون في أجواء برجوازية بعيدة عن ساحات المعارك واللجوء والنزوح ورائحة البارود ودوي الانفجارات وقصف الطائرات وجرف الأراضي والبنى التحتية .
عندما أبديت رأيا في يومياتي واقترحت على من يريد أن ينشرها أن يصدرها بأسطر لمحمود درويش هي :
" كان يمكن أن لا أكون
وأن تقع القافلة
في كمين ، وأن تنقص العائلة
ولدا
هو هذا الذي يكتب الآن هذي القصيدة
حرفا فحرفا ونزفا فنزفا
على هذه الكنبة
بدم أسود اللون ، لا هو حبر الغراب
ولا صوته ،
بل هو الليل معتصرا كله
قطرة قطرة ، بيد الحظ والموهبة "
عايرني كاتب أردني صديق بعبارة " يكتب .. على الكنبة " نازعا إياها من سياقها - أي أنني أكتب وأنا مسترخ على كنبة .
كنت تعليقا على منشور فلم يرق التعليق للصديق ، فتساءلت ماذا لو تابع يوميات أبناء غزة وآراءهم في فلسطينيي ١٩٤٨ والضفة الغربية والقدس أيضا ؟! هل كان سيلتفت إلى تعليقي ؟
ما علينا !
كل شيء في فلسطين يسم البدن ويجعلك غاضبا ناقما ، وحين تشعر بالعجز وتتوجس شرا من مستقبل غامض تكرر سطر الشاعر المرحوم راشد حسين :
" تشتهي الثورة لحظات غضب " .
من غاب من الكتاب الفلسطينيين عن الكتابة في أحداث غزة أغلب الظن أنه سيغيب إلى الأبد. !
" لا جمالي خارج حريتي "
هذا ما علمه الشهيد لمحمود درويش .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٩ / ٢٠٢٤

***

342- يوميات غزة ( ٣٤٢ ) : آلاف المشوهين والمشوهات ومستقبل حزين مؤلم

في متابعة أشرطة الفيديو التي يعرضها ناشطو ال (فيسبوك) أو ال (توكتك) ما يبعث على الأسى ويشعر بالحزن. عشرات إن، لم يكن مئات، الصور لأطفال ورجال ونساء وصبايا وشباب غزيين تشوهوا جسديا، هذا عدا تشوه الآلاف نفسيا، تشوها وصل إلى درجة الجنون الذي تبدو مظاهره في صراخهم وبكائهم، لفقدان أفراد من عائلتهم وبيوتهم وشقاء عمرهم وتشردهم وإقامتهم في خيام لا تؤوي.
أمس شاهدت صورة لطفلة بترت أجزاء من قدميها. كانت الطفلة تنظر إلى ما ألم بها بحسرة.
منظر الطفلة غير الغريب على أبناء قطاع غزة منذ مسيرات العودة التي أفقدت عشرات الشباب إحدى رجليهم أو كلتيهما معا، حيث كان الجنود الإسرائيليون يصوبون رصاصهم إليها مستلذين بذلك، منظر الطفلة يأبى أن يفارق مخيلة المرء. ما ذنبها أن تنفق عمرها عالة على غيرها قد لا تمارس حياتها الطبيعية نتيجة لما ألم بها؟
وأنا أمعن النظر في صورة الطفلة نقمت على هذا العالم المنافق عديم الأخلاق وتذكرت غسان كنفاني.
في روايته "رجال في الشمس" نقرأ عن والد مروان الطفل الذي تخلى أبوه وأخوه عنه وعن أسرته، فاضطر أن يسافر إلى الكويت ليغوص في المقلاة ويموت اختناقا. تخلى أبوه عن أسرته ليتزوج من امرأة عرجاء لا لجمالها أو لرغبته في الزواج، وإنما ليقيم في بيت من طوب ملكته المرأة مساعدة لها بسبب عاهتها. وتخلى عنه وعن أمه أخوه، لأنه أراد أن يلتفت إلى حياته هو.
وفي قصته "ورقة من غزة" (١٩٥٥) نقرأ عن نادية التي بترت ساقها بسبب قذائف جيش الاحتلال الإسرائيلي.
النكبة ولدت نكبات ونادية خلفت ناديات / أكثر من نادية، ودير ياسين ١٩٤٨ تنبعث أيضا في مخيم النصيرات.
الفلسطيني حقا عنقاء هذا الزمن.
كان محمود درويش في قصيدته "مديح الظل العالي" رأى في الفدائي والثورة الفلسطينية عنقاء الرماد "فاظهر مثل عنقاء الرماد من الدمار"، وصار المواطن الفلسطيني نفسه أيضا كذلك "وأنت من أسطورة تمشي إلى أسطورة علما".
وأنا أصغي في هذا الصباح لمحمد الأسطل مراسل راديو أجيال يتحدث عما يفعله جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة حيث يواصلون الهدم والتدمير والجرف أيقنت أن (نيرون) روما أيضا ينبعث من رماده.
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٩ / ٢٠٢٤

***












343- يوميات غزة ( ٣٤٣ ) : صباحات ليست كالصباحات

كل صباح أجلس في حديقة المنزل أتفيأ ظلال الأشجار .
أحيانا أنظف الحديقة . ألملم مخلفات أبناء العائلة الصغار ممن يجلسون صباحا أو مساء يأكلون ويشربون مما اشتروا بمصروفهم اليومي من " حسنات " ، أو مخلفات ألقوها من شققهم بدافع الكسل كجالونات بلاستيكية أو عبوات التنظيف مثل البريق أو الكلور أو سائل الجلي . وأحيانا أفعل أكثر من ذلك ، فأحضر مشاطة حديدية ومكنسة خشنة وأجمع أوراق الشجر الذابلة الساقطة ، ثم أقوم بتعبئتها بأكياس نايلون كبيرة لألقيها في حاويات القمامة .
ما علاقة كل ما سبق بغزة ؟
لم تخل يوميات بعض كتاب غزة من الإتيان على حدائق منازلهم التي تهدمت وأتت حجارتها على الأشجار فكسرتها . هذا خلف حسرة كبيرة لدى هؤلاء الذين نزحوا وأقاموا في الخيام فافتقدوا حدائق منازلهم وكتبوا عنها بألم وحزن كبيرين ، وقسم من هؤلاء كانت حسرته أكثر وأكثر . كانت حسرته مضاعفة ، فالبيت الذي خسره وخسر معه حديقته ما زالت أقساطه المترتبة على بنائه تسدد . تعب عمر . شقاء عمر . مشروع عمر . حلم عمر . كل هذا ضاع ومنذ ٧ أكتوبر " صرنا لاجئين " .
أحد أبناء قطاع غزة النشطين فيسبوكيا سألني عما كتبه محمود درويش في الصبر . حككت ذاكرتي . ماذا كتب محمود درويش في الصبر ؟
كل من قرأ أشعار الشاعر المبكرة بخاصة ديوانه الثالث " عاشق من فلسطين " يتذكر قوله :
" - ألو ..
- أريد يسوع
- نعم ! من أنت !
- أنا أحكي من " إسرائيل "
وفي قدمي مسامير .. وإكليل
من الأشواك أحمله
فأي سبيل
أختار يا ابن الله .. أي سبيل ؟
أأكفر بالخلاص الحلو
أم أمشي ؟
ولو أمشي وأحتضر ؟
- أقول لكم : أماما أيها البشر !
مع محمد
- ألو ..
- أريد محمد العرب
- نعم ! من أنت ؟
- سجين في بلادي
بلا أرض
بلا علم
بلا بيت
رموا أهلي إلى المنفى
وجاؤوا يشترون النار من صوتي
لأخرج من ظلام السجن ..
ما أفعل ؟
- تحد السجن والسجان
فإن حلاوة الإيمان
تذيب مرارة الحنظل ! "
حقا ماذا قال محمود درويش في الصبر ؟
وأما أنا فلا نصائح لي لأهل غزة ، فهم أدرى بشعابها ، ثم إنني " لست النبي لأدعي وحيا / وأعلن أن هاويتي صعود " والقول للشاعر نفسه في " جدارية " ( ٢٠٠٠ ) .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٩ / ٢٠٢٤

***

344- يوميات غزة ( ٣٤٤ ) : مقاومة دائمة

فجر أمس حول إلي صديق شريط فيديو يظهر سادية الاحتلال في التعامل مع شباب شمال قطاع غزة ممن ظلوا في بيوتهم رافضين ، في بداية الحرب ، الانصياع لأوامر الجيش ، من خلال منشوراته ومنسقه ، في أن يتجهوا إلى الجنوب .
الشباب بالعشرات ، وربما يقارب عددهم المائتين ، جردوا من جميع ملابسهم ، باستثناء الكلاسين ، وحفاياتهم إلى جانبهم وأيديهم إلى رؤوسهم ، جالسين على الأرض يصغون إلى جندي يتكلم بالعربية - ويبدو أنه من مواطني الداخل الملتحقين بالجيش الإسرائيلي - يسألهم :
- لماذا لم تهاجروا في بداية الحرب إلى الجنوب ؟ ألم يطلب منكم مغادرة الشمال إلى الجنوب ؟
وهات ردود أفعال من قسم منهم . ذكرني شخص منهم بزكريا في رواية غسان كنفاني " ما تبقى لكم " ١٩٦٦ عن احتلال ١٩٥٦ ، وذكرني أيضا بكتاب معين بسيسو " يوميات غزة : مقاومة دائمة " ١٩٧١ عن احتلال ١٩٦٧ وما تلاه .
الذي أرسل الشريط إلي كتب " إذلال ما بعده إذلال " فرددت عليه بعبارة كان أبي يكررها دائما " القوي عايب " واضفت " مش عايب وبس و ... " .
يبدو أنني سأخصص مثال الأحد ٢٢ / ٩ / ٢٠٢٤ للكتابة عن الشريط وغسان كنفاني ومعين بسيسو ومحمود درويش و ... واقرأوا هذه العبارات الدالة من كتاب " يوميات غزة : مقاومة دائمة / معين بسيسو " :
" لقد أصبح كل شيء في غزة معاديا للسامية بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي : كتاب التاريخ والمصور الجغرافي وكلمة فلسطين أيضا "
" وأصبحت غزة كطائر البجع .. حينما يجوع ولا يجد ما يطعم به فراخه .. يغرس منقاره في صدره ... ويطعم تلك الفراخ أحشاءه ... "
وكم من شريط فيديو شاهدت لأب يجلس على الأرض وحوله أبناؤه يغمس لهم الزعتر والزيت ويطعمهم .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٩ / ٢٠٢٤

***

345- يوميات غزة ( ٣٤٥ ) : إن كان لك حاجة عند الكلب

أربعة أشرطة فيديو تلفت النظر ، فعدا مناظر المدن المهدمة والقرى المقتحمة والحقول المندلعة فيها النار ؛ المدن في غزة والقرى في الضفة الغربية ، يبقى للجانب الإنساني الحضور اللافت الذي يفتت الكبد .
طفلان فقدا أمهما فقام الأكبر يطبطب على كتف الأصغر الذي يبكي بحرقة :
"- بدي أمي " .
ولطالما كان للأخ الأكبر في حياة الفلسطينيين دور شبيه بدور الأب وهذا ما كتب عنه مريد البرغوثي في كتابه " رأيت رام الله " وهو ما لفت انتباهي فكتبت في الموضوع .
مراهقون وأطفال في قطاع غزة يرقصون وسط شارع مدمرة مباني طرفيه ممتليء بالركام ، يرتدون الحطة الفلسطينية ويغنون على أنغام أغنية : " وين الملايين " والذي أدرج الشريط كتب :
- سلطان من يملك الأرض
سلطان صاحب الأرض .
وماذا عن الشريط الثالث ؟
فلسطيني غزاوي بترت قدمه اليسرى فوق الركبة يقف فوق صاروخ إسرائيلي لم ينفجر . يدوس عليه ويرفع شارة النصر V ويبتسم .
في الشريط الرابع يقول الأب الذي تقف ابنتاه خلفه:
- إن كان لك حاجة عند الكلب..
فتكمل ابنته ، لا بقية المثل المعروفة ( بوس الكلب من فمه ) ، وإنما :
- قل له يا كلب.
ويبدو أن الكتابة عن الجانب الإنساني في الحرب في انتظار مبدعي غزة الباقين الصامدين القابضين على الجمر ؛ ذكورا وإناثا .
كم مرة كتبت مقتبسا من قصة غسان كنفاني " الصغير يذهب إلى المخيم / زمن الاشتباك " أن الحرب قد تشهد هدنة يلتقط المحارب فيها أنفاسه ، أما زمن الاشتباك فمتواصل :
- ستون دقيقة في الساعة .
- أربع وعشرون ساعة في النهار .
- سبعة أيام في الأسبوع .
- ثلاثون يوما في الشهر ؛ تزيد يوما أو تنقص
- اثنا عشر شهرا في العام .
- أربعون خمسون ستون سبعون عاما قادمة وقد تمتد إلى ثمانين عاما .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٩ / ٢٠٢٤

***

346- يوميات غزة ( ٣٤٦ ) : أمس كان لنا صباحا يمنيا أما لسكان الخيام في غزة ف ...

كان أمس صباحا يمنيا سعيدا أدخل الفرح إلى قلب أنصار المقاومة وكان للإسرائيليين كابوسا ، فقد هرع أكثر من مليوني إسرائيلي إلى الملاجيء ، ما أدى إلى إصابة تسعة منهم بجروح ، وأما القيادة الإسرائيلية فقد ذهلت .
" صباحكم يمني " هكذا كتب عديدون من أنصار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ، وأما أهل غزة الذين استشهد عدد منهم أمس وفجر اليوم فقد عانوا مما يعانون منه يوميا :
- عانى الأطفال من فقدان الأمهات والآباء فبكوا بحرقة وصارت الطفولة الفلسطينية أسوأ طفولة في العالم . " بدي أمي . بدي أمي " بكى الطفل مكررا العبارة .
- شكا سكان الخيام من الحشرات وأدرج قسم منهم صورا لها مثل صورة " أبو مقص " . هكذا فعلت دعاء صفا Doaa Safaa التي كتبت " أرسلت لي أختي رسالة تقول فيها إن " أبو مقص " قتلنا " " والأخت لا تعرف من هو أبو هذا الذي يقتل في عائلتها ؟ أهو نوع من الأسلحة الجديدة أم شخص منفلت في هذه الحرب ؟ وتعرف أنه حشرة صارت الآن تتغذى على النازحين ليلا ونهارا تحوم في خيامهم بأحجام كبيرة وصغيرة وتغرس مخالبها في أجسادهم الهشة . " منذ عام لا يعرف النازحون معنى الأمان أو النوم أو البيت أو الراحة أو أي شيء عادي " .
- اقتتل الناس فيما بينهم ، فأدرج أسامة أبو الجود في صفحة مخيم النصيرات الخبر الآتي :
7 قتلى في شجار عائلي بين ثلاث عائلات الآن بخانيونس " .
- وفي شريط فيديو تشاهد طفلا يحمل بعض أغراضه ويبكي بشدة ويقول " وحياة ربي خايف وحياة ربي خايف فش إلي نفس " ويعقب من أدرج الشريط " نبكي مرتين ؛ مرة عليكم ومرة من قيلة حيلتنا".
وأمس فارقنا الروائي العربي اللبناني الفلسطيني الهوى إلياس خوري عن عمر يناهز ستة وسبعين عاما ، فشغل خبر رحيله نشطاء الفيس بوك وطغى على اهتمامهم بالحرب ، وأما أنا فقد خاطبته ليلا قائلا:
- انهض يا عزيزي إلياس لساعة فقط واقرأ ما كتب عنك لتعرف كم يحبك الفلسطينيون ؟!
الضفة الغربية أمس لم تسلم ، فالاقتحامات والمداهمات والاعتقالات وتفتيش البيوت كثيرة .
واليوم هي الذكرى 42 لمذبحة صبرا وشاتيلا واللهم استر من بقية شهر أيلول .
صباح الخير يا بلاد الشام
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٩ / ٢٠٢٤

***








============
337- يوميات غزة ( ٣٣٧ ) : جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين
338- يوميات غزة ( ٣٣٨ ) : ماهر ذياب الجازي
339- يوميات غزة ( ٣٣٩ ) : افتقاد الخصوصية : خيمة للعزلة
340- يوميات غزة ( ٣٤٠ ) : هوية عصرنا
341- يوميات غزة ( ٣٤١ ) : كل شيء يسم البدن
342- يوميات غزة ( ٣٤٢ ) : آلاف المشوهين والمشوهات ومستقبل حزين مؤلم
343- يوميات غزة ( ٣٤٣ ) : صباحات ليست كالصباحات
344- يوميات غزة ( ٣٤٤ ) : مقاومة دائمة
345- يوميات غزة ( ٣٤٥ ) : إن كان لك حاجة عند الكلب
346- يوميات غزة ( ٣٤٦ ) : أمس كان لنا صباحا يمنيا أما لسكان الخيام في غزة ف ...

.
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى