بعيداً عن تعاريف، و مقاصد دعاة العلمانية و ارتباطها بفلسفتها تجاه الدولة مدنية-وطنية حسب تقلبات - حال الدولة السودانية.
ولدنا و ترعرنا في جبال النوبة-مركز دلامي، كل حيز جغرافي له مثيل بالجوار و السكن... وجدنا في مركز دلامي مسجد-كنيسة-بيوت من القطاطي كثيرة على قمم الجبال المحيطة بالبلدة تخص الكجرة، و هي لخشوم بيوت مختلفة لمجموعة دلامي "لقورانق"، تمارس فيها الطقوس الخاصة بالزراعة-سبر التذوف"الضواقة" -و سبر الحصاد يتوج في محفل كبير يحضره كثير من الناس .
مركز دلامي الحضري ضمن خمس مراكز في جبال النوبة رشاد، دلامي، الدلنج، كادقلي و هيبان... موظفو الحكومة من جنود الشرطة و السجون و التمرجي و المعلمين من كل مناطق السودان المختلفة . لهم مساكن خاصة بهم بالقرب من مقار عملهم ، في حي الجنوبية يوجد مقر مركز تحسين سلالات الأبقار، كل العمال و البياطرة من قبائل الاستوائية، يدينون بالمسيحية. توجد استراحة كبيرة ينزل بها ضيوف البلد من الزوار "الخواجات".
كنا نزور أقربائنا عماتنا، حبوباتنا أكثر مما هم أقرب . أول ما يقدم لنا كأساً من الخمرة البلدية "المريسة" و الذرة و الذرة الشامي المحمص "بليلة" و سلطة المالوتة بالسمسم، لا يسمح لنا بتذوق المحصولات الجديدة إلا بعد سبر التذوق "أوتني" و بعد إجراء الطقوس الخاصة بذلك...
في فصل الخريف يكثر مرض الحمى الليلية كنا نتعالج و نتعافى منها بعد أن تمسح جسومنا بزيت السمسم من قبل مساعدة الكجور المختصة بالعلاج و المداواء"كيماو"، و هي خبيرة في علاج السحر "العين" و حساسية الجلد "كوالة" و كذلك الأمراض التي يصعب علاجها طبياً...كنا نذهب و نشارك في أعياد التذوق و الحصاد في ساحات الإحتفالات المخصصة بذلك ،تجهز في كل بيت المأكولات الجديدة من صفق نبات اللوبيا و الذرة الشامية المشوية و الخمور البلدية كنا تناولها دون إكتراث لخلوها من كل سؤ... الكجور صفة مشتركة بين الرجال و النساء، يوجد في دلامي عدد من الكجرة و المساعدين لهم يعتنقون دين الإسلام .
كنا نذهب إلى خلوة المسجد لتلقي علوم الدين و نحفظ القرآن في أيام عطلات المدارس... كان واجب علينا نظافة المسجد كل صباح يوم جمعة. و كذلك نحتفل كل عام بعيد المولد و أعياد رمضان و الأضحى و التي تمثل لنا كل جديد.
كنا نجلس خلف موائد شهر رمضان، نلتهم ما تبقى من عصائر و ما لذ و طاب من طعام. عيد الأضحى له مذاق خاص لكثرة تناول اللحوم في كل بيت ، أما عيد المولد فتضّج ساحة السوق بالناس ليلاً ، حيث حلقات الذكر بالنوبة و الطار و يختتم بيوم القفلة حيث يتناول الطعام "الفتة" كرامة لوجه الله.
نواصل