إحسان الله عثمان - قراءة جمالية-معرفية حول النص (ظلال-2008م) للروائية الشابة سارة الجاك

"بحثتُ عني، دخلتُ عليَّ، أغلقتُ البابَ خلفي، توجهتُ إليهِ ابتسم صَمَتُّ ولم أكنْ شيئاً ... المسافة ُ بيننا ممتدةُ وبعيدة، أتمعنُ فيه بلا حراك، أرفعُ قدمي لأسعى إليه لكنها تأبى ....
هو يبتسم ...
أنا أكدح إليك: لألاقيك، أعني خففني مني، ارفعني، ارفع قدمي لأبلغك، أُحادثه لكنه ...
بل يبتسم ...
لابد لي من بقائي أَمامك وإياك أماني، دونك هلاكي، أيا أنت ...
أنام بتناهيدي، أُطبق جفنىّ تُضيءُ روحي، الضوء بعيد وخافت، أخصر ينبعث من شمعة ٍ زيتونة ٍ محايدة، تصحبهُ رائحة القرنفل، أرفع قدمي ...، أخطو ..، أسمو ... أكاد أبلغه ...
أبحث عني تسيل دموعي تعزف موسيقى حزن، شموع تتراقص على أنغام سيمفونية الدموع، ظلال تنعكس من ضوء الشموع، الشموع ترسم ظلالي وكذلك دموعها ...
دخلت عليَّ أغلقت الباب خلفي، حلمت بأني الميرم، افترشتُ الحرائر والتحفتُ أرياش النعام في غرفتي الجميلة المعطرة، أردتُ مليكي، استنسختُ مني أخرى، انتظرتها انكمشت، ضمرتُ، تحولتُ لضلع أيسر، انشطر فكان عظام قفص صدري، سويتها من اعوجاجها، كسوتُ العظام لحماً، صارتْ آدمي ومليكي، دخل عليَّ أغلق الباب خلفه ....أمامنا الأنواع المنوعة من الخمر والعجة، أخذنا منهما زادنا لإبحارنا فينا، راق مزاجه راق مزاجه، اعتلانى كنت مهرته التى لاتروض
وكان فارسي شديد المراس اشتد أوار النزال = هناك وجدناه حيَّانا وابتسم – نزل مني حييتُه على النزال أحيّا جيوش الحروف في دمي، كتبتُ القصة، تمنيتُ معاقرة الشعر، صحوتُ برأس مثقل، نشوةٍ ناقصة مالحة، عظام حوض تؤلمني، أوقدتُ الشمعة كتبتُ، رسمتْني ظلالها على الجدار بنهدين رحيبين، خصر ناحل، صدر ناحب، خد متلألئ بالدموع ...
أنا دمية تحركها خيوط، يُعِيْرُها محركُها صوتَه، يُجري قوله على قولها تتراقص طربانة تُضْحِكُ رواد مسرحها، تبكي بلا صوت لأنها منزوعة الحُنجرة، فني الإضاءة بالشموع ليريها ظلها في الجدار لكن هيهات لأنها أيضاً منزوعة الصوت ...
أطفئت الأنوار، أوقدت الشموع، ذاب خيط الشمعة الكبيرة، تفلطحت كقبعتي، انسربت الدمعات وتراكمن، عرضت الشمعة فكانت كتفاي، رسمتني الشموع في الجدار المقابل، طفلة ترتدي قبعة تتباهى بها أمام صديقاتها المتحلقات حولها، لاعبت ظلها والشمعة ثم وقفت ولم يقف ظلها، لأن الهواء يراقص لهبات الشمعة. أضيئت الأنوار، هُنِّئْتُ بعيد ميلادي الرابع....
أبحث عني، أدخل أغلق الباب خلفي، أطبق جفني تضيء روحي، أرفع قدمي، أخطو، أسمو، أبلغه هو داخلي ...
وجدتني عندي لبرهة، سالتْ دموعي فرحاً، عزفت موسيقى صاخبة، تراقصت الدموع على أنغام سيمفونية الدموع، انعكست ظلالي من ضوء الشموع، الشموع رسمتْ ظلالي وكذلك دموعها 23-8-2008"

** مقدمة (Introduction)**
من الصعب تحديد مسار الرواية السودانية.. إذ تأثرت عموماً بالمنهج التقليدي ولعبت الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الدور المؤثر في تشكيل البنية السردية في معظم مراحلها. حيث ظلت هيمنة الواقعية الاجتماعية وتشريح الحاضر وتشكلاته الفكرية والثقافية أهم السمات البنائية والدلالية وآليات السرد في النصوص الأدبية منذ أربعينيات القرن الماضي.
تجاوزت الروائية سارا الجاك طغيان المنهج التقليدي في البناء السردي؛ بتوظيف البعدين الرمزي والدلالي وتوظيف الحلم وعناصر التشويق والترقب، فجاء النص(ظلال) تجربة أدبية مغايرة ومتميزة اعتمدت التخييل والتشويق والاستطراد وبلاغة التصوير والرسم بالكلمات.

** العنوان (Title)**
تتجلى امتداداته وإشاراته من خلال سيمولوجيته السردية. يوحي بتكثيف دلالي يعزز آليات التلقي لدى القارئ. حيث البعد الرمزي-الدلالي وإيحاءات المعنى.
تناول الكثير من الأدباء والنقاد أهمية العنوان والعنونة في النصوص السردية والرواية باعتباره العتبة الأولى، وبمقدار الدلالات في استخلاص البنية الدلالية للنص؛ تتحدد تيمات الخطاب القصصي وإضاءة النصوص، ويصفه كلود دوشيه **Claude Duchet** بأنه أحد عناصر النص الكلي يستبقه ويستذكره ويظل حاضراً خلال السرد و"مرآة مصغرة للنسيج النصي".

** البناء الفني (Artistic Structure)**
النص **(ظلال)** رحلة من الدهشة والعوالم السحرية والترقب.. عبور من فائض الزيف إلى الحقيقة.. ومن تعطيل العقل إلى (سجن الخيال) مروراً بفوضى المعرفة... الفانتازيا وحرفة الخيال والإيقاع والحكايا والشخصيات والحبكة الروائية والسمات والفوارق الأسلوبية المميزة في الفكرة وبناء النص والمضمون الإيحائي.

** الحوار (Dialogue)**
يوظف الرمزية والإشارات الصوفية لمصلحة الشخوص ويتجه إلى خلق صلة ما وراء البنية السردية المجازية. يروي بذكاء تسلسل الأحداث في لغة عميقة تبحث أغوار الذات **(أبحث عني تسيل دموعي تعزف موسيقى حزن)**، **(بحثتُ عني..دخلتُ عليّ)**.

** الزمن (Time)**
من أهم العناصر في البناء السردي، رغم تنوع التعريفات؛ استخدمت الكاتبة **(الزمن النفسي - Psychological Time)** الذي يبدو ملتصقاً ومندمجاً في تتابع الأحداث.. وبالمكان **(افترشت الحرائر والتحفت أرياش النعام في غرفتي الجميلة المعطرة)**.. وبالرغبة **(أنا أكدح إليك لألاقيك، أعنّي خففني مني، ارفع قدمي لأبلغك)**.

** الرمزية (Symbolism)**
البحث عن المطلق وإغراق النص في **(الرمزية الموضوعية - Objective Symbolism)** وسيلة للتعبير عن مضمون وفكر يخاطب تجربة الانفعال بالأحداث **(أنا دمية تحركها خيوطها، يعيرها محركها صوته، يجري قوله على قولها تتراقص طربانة تُضحك رواد مسرحها، تبكي بلا صوت)**... احتفاء ممزوج بالتشويق والإبهار والإثارة وجرأة الحكي... بين تضاريس الجسد **(رسمتني ظلالها على الجدار بنهدين رحيبين، خصر ناحل، صدر ناحب، خد متلألئ بالدموع)**... ونشوة التصوف... وأضواء الشموع.

** الأسلوب (Style)**
الأسلوب استوعب باقتدار الضمائر وتوظيفها في السرد والمناجاة... وتأنيس اللغة الحوارية ذات النزعة السريالية المفعمة بالوجد والحنين والتفجع - إضافة لمن سبقوها في تأسيس النص النسوي السوداني... شكل رمزية ضبابية ورسم متاهات للقارئ وترقب بين السطور والكلمات والتردد بين مادية الواقع ورحابة الخيال... في عالم مليء بـ **(الإمكانات)** و **(المعتقدات)** و **(المسلمات)**... واعتمدت العلاقة بين الأنا والآخر، باعتباره استقراراً وجودياً للذات.

** السياق العام والبناء السردي (General Context and Narrative Structure)**
النص **(ظلال)** اعتمد الجملة السريعة الخفيفة والانتقالات الحادة أدوات تشكل حضورنا داخل النص نحمله رغباتنا وخبراتنا، أفراحنا وأحلامنا!! بينما يظل القاربينما يظل القارئ في حالة الترقب والانتظار، تأخذنا الكاتبة الحصيفة - مرة أخرى - إلى فضاء زمني معقد تميز بصعوبة الفصل بين الواقعي والافتراضي... زمن عجائبي متخيل يمتد ارتداداً إلى ذكريات الطفولة (رسمتني الشموع في الجدار المقابل طفلة ترتدي قبعة تتباهى بها أمام صديقاتها المتحلقات حولها... لاعبت ظلها والشمعة ثم وقفت ولم يقف ظلها لأن الهواء يراقص لهبات الشمعة.. أضيئت الأنوار، هُنئت بعيد ميلادي الرابع).

** الخاتمة (Conclusion)**
نهاية النص تركت التأويلات مفتوحة لأكثر من قراءة، حيث يمكن نقل الأحداث والأشخاص من حال إلى حال (وجدتني عندي لبرهة، سالت دموعي فرحاً، عزفت موسيقى صاخبة، تراقصت الشموع على أنغام سيمفونية الدموع، الشموع رسمت ظلالي كذلك دموعها!)..
صدر أيضاً للكاتبة سارا الجاك (صلوات خلاسية) مجموعة قصصية كتبت في الفترة ما بين 2006-2007 محورها الإنسان والطبيعة. تميزت بالحوارات الفلسفية واللمسة الصوفية وغموض الرمز وتوظيف الحلم واستلهام الحكايا والتجريب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...