خالد سلامة - بورتريه : عبد العالي بلقايد: صوت التراث والنضال بين الثقافة والسياسة

فور تنمية: خالد سلامة


في حي شعبي وسط ببنجرير ”دوار الجديد،” ولد عبد العالي بلقايد يوم 21 مايو 1957، ليبدأ مسيرة حياة مفعمة بالنضال والشغف بالتراث، السياسة، وحقوق الإنسان.،

في عاصمة الرحامنة، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي، ثم انتقل إلى ثانوية يوسف بن تاشفين بمراكش، نما شغفه بالمعرفة، وسرعان ما أصبح مهتمًا بالقضايا الاجتماعية والسياسية التي كانت تؤثر على مجتمعه. حصل على الإجازة من جامعة القاضي عياض في عام 1983، إلا أن تعليمه لم يتوقف عند حدود الكتب والمقررات. لقد أُشبع عبد العالي بروح النضال الطلابي منذ سنواته الجامعية، حين مثل الطلبة في تعاضدية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1982، ضمن فصيل الاتحاد الاشتراكي.

شخصية تجمع بين السياسة والثقافة

لم يكن عبد العالي بلقايد مجرد ناشط سياسي أو حقوقي عابر، بل كان رجلاً يحمل قضية أكبر: الارتباط العميق بالناس وبتراثهم. انخرط في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وشارك في تأسيس المؤتمر الوطني الاتحادي، واضعاً قضايا العدالة الاجتماعية والحريات في صلب نضاله السياسي. من خلال دوره كعضو في المجلس الوطني للأحزاب، شغل مناصب قيادية، لكنه ظل دائمًا قريبًا من هموم المواطن البسيط. بلقايد لم يكن يسعى وراء المناصب، بل وراء بناء جسور تربط بين الماضي والحاضر، وبين تراث الشعب ومصيره.

تراث العيطة: العشق الأبدي

إذا كان عبد العالي بلقايد معروفًا بنضاله السياسي، فإن عشقه للتراث اللامادي، وخاصة فن العيطة، هو ما يميزه عن كثير من المثقفين والسياسيين. كان يدرك أن العيطة ليست مجرد فن، بل هي نبض حياة الناس، صدى لمعاناتهم، وتاريخ مخفي خلف كلمات وألحان. في كتاباته، سعى إلى إعادة إحياء هذا الفن الشعبي، معتبراً إياه مرآة لهوية المغرب الأصيلة. لم تكن العيطة بالنسبة له فقط مادة تراثية، بل كانت طريقًا لإعادة الربط بين الأجيال وبين ما فقده المجتمع المغربي من رموز فنية وقيم ثقافية.

ساهم في تاسيس جمعية جدور للتراث، لتكون ملاذًا لأولئك الذين يريدون إعادة اكتشاف فنونهم الشعبية، ومؤسسة لتوثيق وحماية هذا التراث. لم يتوقف عند الكتابة فقط، بل كان فاعلاً في تنشيط الندوات الثقافية، حيث كان صوته دائماً داعياً إلى الحفاظ على الذاكرة الجماعية للمغاربة.

الوجه الحقوقي: نضال لا ينتهي

إلى جانب اهتمامه بالثقافة والسياسة، ظل عبد العالي بلقايد مدافعًا شرسًا عن حقوق الإنسان. من خلال انخراطه كعضو في المكتبين المحلي والجهوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ليكون صوتًا ضد الظلم والانتهاكات. كان يعرف أن النضال الحقوقي ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو فعل يومي يتطلب الصمود والمثابرة، مثل ما كانت تمثله العيطة للمغاربة في صراعهم مع الحياة.

المسار المهني: من التعليم إلى القيادة

عبد العالي بلقايد، إلى جانب كونه ناشطًا، كان مربياً. بدأ مشواره المهني في ثانوية سيدي حسن بالبروج، ليواصل التدريس في زاوية سيدي صالح بتكونيت، قبل أن ينتقل إلى منطقة تيراف الحدودية مع الجزائر. اشتغل في الإدارة التربوية بالرحامنة، حيث لم يكن معلمًا فقط، بل قائدًا يرشد جيلًا من الطلاب لفهم العالم من خلال تعليم متجذر في القيم والوعي الاجتماعي.

رجل مبادئ، وصوت لا يهدأ

عبد العالي بلقايد ليس مجرد شخصية عادية فقط ، بل رمز لنضال مستمر من أجل الحفاظ على التراث والهوية، من أجل العدالة والحرية. من خلال كتاباته، نضاله، وندواته، ظل يرسخ دائمًا فكرة أن الثقافة هي سلاح الشعوب الأقوى، وأن التراث اللامادي مثل العيطة هو سجل حي للألم والأمل.

وخلاصة القول فبلقايد ليس فقط مثقفًا أو ناشطًا، بل رمزًا للإنسان الذي يرى في الثقافة والتراث قوة تغيير حقيقية. رجل يجمع بين عمق الفكر السياسي ونبض التراث الشعبي، وبين حرصه على حقوق الإنسان والتزامه بتعزيز قيم العدل والمساواة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
البورتريهات والمذكرات واليوميات والسيرة
المشاهدات
122
آخر تحديث
أعلى