مصطفى فودة - قراءة فى رواية "كل الابواب مواربة" للكاتب الأستاذ سمير فوزى بقلم مصطفى فودة

يطالعنا عنوان الرواية "كل الابواب مواربة" بما به من دلالة ملتبسة قليلا، فالأبواب المواربة هى حالة بين بين لاهى مفتوحة تماما ولا هى مغلقة تماما ، ومن ثم فهو يحمل دلالة الشك وعدم اليقين وربما يشير إلى حادثة مقتل جمعة ياجورى وعدم معرفة قاتله، فكل شخصية فى الرواية باب موارب وشخصية محتملة فى قتل جمعة ياجورى فالسمة الرئيسية فى الرواية هى الشك وعدم اليقين وهذا ما يشير إليه عنوان الرواية فهو عنوان موفق بلا شك .
قام بناء الرواية على حدث رئيسى وهو عثور شخصية حمزة الزبال على جثة الشيخ جمعة ياجورى ملقاة بقسم شرطة محترق ومهجورمنذ ثورة 25 يناير 2011 وذلك أثناء لقاء حمزة بعشيقته نعيمة بالقسم ، ومن خلال هذا الحدث قامت أربع عشرة شخصية بسرد علاقتها بالقتيل فى خطاب أشبه بالتحقيق، عبر تقنية تعدد الأصوات وهى تقنية حديثة تعتمد على قيام كل شخصية بسرد الحدث من وجهة نظرها ومن منظورها الشخصى وبلغتها وثقافتها ، فتقنية تعدد الاصوات تعتمد على عدة وجهات نظر بعدد شخصياتها وليست على وجهة نظر واحدة كالرواية التقليدية ومن ثم تحمل نسبية الحقيقة كما يراها الأشخاص، وهناك روايات قليلة كُتبت بهذا التكنيك الصعب مثل رباعية الأسكندرية للكاتب البريطانى لورانس داريل، والرجل الذى فقد ظله لفتحى غانم وميرامار لنجيب محفوظ .
كان شخصية جمعة ياجورى (القتيل) هو الشخصية المركزية التى دارت حولها الرواية وهو شخصية إشكالية متطرفة زعم -على غير الحقيقة- أنه أسر اللواء عساف ياجور فى حرب 1973 ومن ثم أتخذ لقب جمعة ياجورى، كما اتخذ لقب شيخ وماهو بشيخ من شيوخ الأزهروتقدم لإمامة المصلين بالقوة دون حق، وهو متزوج من غناوى فأنجب منها بناتا وكان يرغب فى إنجاب ولدا فقام قبل وفاته بالزواج من فتاة صغيرة (كريمة) فى عمر ابنته وانجب منها طفلا مصابا بالتوحد فهرب من زوجته وابنه، وكان لجمعة بيتا حاول هدمه وإخراج السكان منه فتصدوا له، فهو شخصية متعدد العلاقات وفى خصومة مع كثير ممن حوله فكان موته مبعث راحة لهم وفى نفس الوقت كان قتله مصدر شبه لهم حاولوا نفيه .
وقد تناولت الرواية الشخصيات الأربعة عشرة المحيطة بالقتيل جمعة وتحدثت كل شخصية عن علاقتها به ونفت عن نفسها شبهة قتله فى ما يشبه التحقيق وإن لم تذكر الرواية أن هناك تحقيقًا قد حدث ، ومن هذه الشخصيات حمزة ويعمل زبالا وقد عثر على جثة جمعة بقسم شرطة مهجوراتخذه مخزنا لإخفاء الأشياء الثمينة كالمجهورات التى عثر عليها ، كما اتخذه مكانا للقاء عشيقته نعيمة التى نشأ معها صغيرا بعد أن عثر أبيها عليه وهو صغير فرباه وعمل معه زبالا ، ومن شخصيات الرواية إبراهيم المخبر زوج نعيمة الذى أرغمها أبيها على الزواج منه رغم حبها لحمزة، كذلك غناوى زوجة القتيل جمعة وزوجته الثانية كريمة وأمها هانم والقس عبد الشهيد المقيم ببيت جمعة والشيخ مفتاح شيخ المسجد الذى منعه جمعة من خطبة الجمعة وتقدم للإمامة بدلا منه وغيرهم من الشخصيات المحيطة بالقتيل جمعة .
اتسمت الرواية بتوظيف تقنيات سردية حديثة أضفت على الرواية الفنية والحداثة مثل تحطيم التراتب الزمانى والمكانى والإسترجاع ، فقد بدأت الرواية بالعثور على جثة جمعة وبدأت كل شخصية بالسرد بالعودة إلى الماضى واسترجاع علاقته بجمعة، كذلك وظف الكاتب تيار الوعى فى بعض مواضع بالرواية والذى تراوح بين المنولوج أو الحوار الداخلى وبين أسالب أخرى تسبقها عبارة مثل قلت لنفسى "قلت لنفسى: عجزت يا حمزة والا نعيمة خلصت عليك ؟ لسه ما كملتش الثلاثين" ، "أنوى إخبارها الليلة بقطع علاقتنا والإكتفاء بستر ربنا حتى الآن ...."إلى نهاية ص9 ، "قلت فى نفسى مقسوم لك يا عم جمعة تمر قدام بيتك " ص18 وهى تقنية لا غنى عنها فى السرد الحديث حيث تعبر الشخصية عن بواطنها فتصبح أكثر عمقا وغناءً ، كما اتسم السرد بتقنية المشهدية وعلى سبيل المثال مشهد عثورحمزة على جثة جمعة وكانت معه نعيمة بالقسم المهجوركان المشهد غاية فى الحيوية
-قتيل يا نعيمة .. قتيل
رمت ما فى يديها وجرت باتجاهى لطمت خديها بمجرد رؤية الجثة
-يا لهوى يا لهوى
كتمت فمها
- ها تفضحينا
- مين دا ؟ وإيه الله جابه هنا
- مش عارف
- ها نعمل إيه
- باقولك مش عارف
- ها تبقى فضحيتنا بجلاجل ص13و14 .
حفلت الرواية بنزعة إيروتيكية جريئة فعلى سبيل المثال تقول نعيمة "لم يطفئ ماء إبراهيم النار التى أشعلتها أمى فى جسدى، لم يسد فتحات كثيرة ظلت تتسع على فرغ وإشتهاء لا يرحم ، ظل دائما أشبه بماء بارد ينسكب على دماء فوارة لا تهدأ"ص 22 وتخبرنا زوجته نعيمة أنه كان يتسلل من جانبها فى الأيام الأولى من الزواج وتتبعه وتراه ينام بجوار أمه وهى إشارة إلى أنه لديه عقدة أوديب، وتتحدث نعيمة عن أمها "كان جسد أمى عاريًا تمامًا، مزينًا بأنوار تخرج من كل خلاياها، ومضات قوية تخترق السقف والجدران وتصعد للسماء، حصان جامح، عفى، يجاهد ليتخلص من أثقال روحه"ص23 ، وعقد عبرت الساردة نعيمة عن شهوة الجسد بكلمة مجازية وهى إضاءة الجسد فتقول" أرى أمى مضاءة" ، "أضئ له جسدى"، ورغم ما تحويه هذه الفقرات من نزعة إيروتيكة واضحة إلا أن الساردة عبرت عنها بلغة فنية مجازية بإمتياز
أما اللغة فكانت بالسرد باللغة العربية الفصحى البسيطة وكان الحوار رشيقا وجذابا باللهجة العامية وبعبارات قصيرة خالية من التزيد والثرثرة بل كان كلمة واحدة فى بعض المواضع ويرد عليه الآخر بكلمة أيضا وعلى سبيل المثال الحوار بين جمعة وهانم وهو يطلب إبنتها كريمة للزواج
- الموضوع ببساطة عاوز أناسبكم
- فى مين
- كريمة
- لمين
- العبد لله ص130 .
وقد ذكرنا من قبل اللغة المجازية البديعة التى عٌبر بها عن الإيروتيكية وذكرنا أمثلة على تلك اللغة التى تقترب من الشعر .
وأحب أن أشير أخيرًا إلى بعض الهنات التى وردت بالرواية وهى المباشرة عن ثورة 25 يناير ص 88 والسمة المقالية على لسان نوار (معلم بالمعاش) فى قوله "...الموت استراحة من معركة طويلة مع الحياة سكون تام بعد حركة صاخبة ، ندرس ونتعلم ونتكاثر ونختلف ونتعارك ونمرض ونظن أننا ربحنا من الحياة أو خسرنا، ثم نموت جميعا وتنقطع علاقتنا بكل ما جنيناه ربحا وخسارة "ص89 ، كذلك عبارات مباشرة عامة أشبه بالهتاف مثل " كلنا شركاء فى قتل جمعة وفى كل مايجرى على أرض مصر، كل بقدر طاقته " ص92 ، كذلك من الهنات التى وردت بالرواية ارتفاع الصوت الطائفى فى صوت القس عبد الشهيد دون مبرر مثل " حالات كثيرة نتناقلها داخل الكنيسة عن تمييز وتفرقة ، نُطيب خواطر رعايانا ، ونُليّن قلوبهم فيسكتون على ظلم واضح، فترسخت صورتنا كمنافقين ومداهنين نظهر مالا نبطن ونعلن مالا نخفى، نعم نشعر بغضب مكتوم وتهميش غير مبرر لسنوات طويلة " ص134 فهذا خطاب طائفى بإمتياز فليس هناك علاقة أو صلة بهذا الخطاب أوبالكنيسة بمقتل جمعة يا جورى وهوالحدث الرئيسى الذى تدور حوله الرواية ومن قتله، وأرى أن شخصيتىّ شيخ المسجد مفتاح وشخصية القس عبد الشهيد أضفيا على الرواية بعدا طائفيا وإعلاميا رتيبا أشبه بتلك الصورة الإعلامية المعتادة التى تظهر دائما الشيخ بجانب القس دليلا على الوحدة الوطنية .
أخيرًا اتسمت الرواية بالتشويق والإثارة والمتعة بسبب استخدام التقنيات الحديثة بالرواية مثل تقنية تعدد الأصوات وتيار الوعى والإسترجاع والمشهدية وبراعة الحوار وإيجازه ورشاقته كما قدمنا، وقد أضفت جريمة مقتل ياجورى وعدم معرفة القاتل وإدلاء كل شخصية بعلاقتها به مزيدا من الإثارة والتشويق، كما كانت انتهاء الرواية بنهاية مفتوحة بعدم تحديد القاتل، مما أتاحت للقارئ المشاركة فى وضع نهاية لها وفى تحديد قاتل جمعة ياجورى .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى