د. خالد محمد عبدالغني - مصطفى حجازي موسوعي التكوين والعطاء الشباب الخليجي والمستقبل دراسة تحليلية نفسية واجتماعية ( 1 من 3)

( 1 من 3)

تشير السيرة الذاتية للدكتور مصطفى حجازي أنه عمل في جامعة الخليج العربي بالبحرين لمدة عقد ونيف من الزمان ومن ثم فقد جاء هذا الكتاب من واقع فعلي نتيجة العمل بالتدريس الجامعي والإرشاد والتدريب لهؤلاء الشباب، ولذا فقد تلمس واقع الشباب الخليجي وتفهم قضاياه وناقشها في هذه الدراسة ، إذ لم يقتصر – في الكتاب – على هذه الخبرة المعاشة وحدها، بل اشتملت على مادة توثيقية غنية، يضاف إليها مادة غزيرة تتعلق بتوجيه الشباب في مختلف مناحي حياته على شكل مراجع وكتيبات ودراسات لخبراء خليجيين وعرب ودوليين، وعن برامج العمل مع الشباب وتنفيذها. حيث قام المؤلف بتحليل مضمون تلك الدراسات والتقارير والبرامج المعدة في دول مجلس التعاون الخليجي وقد بلغت 46 خطة ودراسة وبرنامج عمل شمل كافة الانشطة الخاصة بالشباب. والشباب كما هو ثابت هم الرصيد الاستراتيجي للمستقبل كما يقول الدكتور مصطفى حجازي وهذا الوصف بحد ذاته يختصر أهمية هذه الدراسة . إذ يطرح الكاتب تصدع الهوية عند الشباب الخليجي اليوم في عصر العولمة بخلاف آبائهم مما سبب فجوة بين هذا الجيل وما قبله ليس فقط في الهوية بل في المرجعية، ونمط الحياة كما يظهر في الوقت الذي يتم استقطاعه للتنمية المهنية والفكرية، وطرق استغلال أوقات الفراغ التي قادت الشباب إلى حالة من الفراغ الوجودي وهذا ليس بمعزل عن مسؤولية جيل آبائهم. فالعنف عند الشباب الخليجي مبالغ فيه كما يقول وماهي إلا نتيجة الهدر الذي يشعروا به وطاقاتهم التي لا يتم استغلالها، ونفوسهم التي لم تجد الوسائل المناسبة لإعدادها كما يناسب متطلبات العصر إضافةً الى ضعف الحلول التي تقدمها الأبحاث العلمية التقليدية. ومن هنا شهد البحث العلمي في معظم دول العالم المتقدم تطورا ملحوظا وبمعدلات فائقة السرعة في شتي العلوم سواء النظرية منها أو التطبيقية. وعلي أية دولة تريد اللحاق بهذا الركب المتطور أن تعيد النظر في كل ما تملك من مقومات البحث العلمي سواء المؤسسات أو الكوادر بشرية أو مقدار الدعم المخصص لتلك المؤسسات وعلاقة تلك المؤسسات بباقي القطاعات في الدولة ومن ثم يعتبر البحث العلمي أحد المحددات الأساسية للتنمية الشاملة وإنه لا يمكن فهم مسألة البحث العلمي إلا بارتباط وثيق وعضوي بمسألتين مهمتين هما العلم والتكنولوجيا، ونتيجة للإدراك الواعي للدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه البحث العلمي في النهوض بعملية البناء الاجتماعي والاقتصادي ، قامت العديد من الجامعات في البلدان المتقدمة بإعادة النظر في بنائها الوظيفي والتنظيمي ليصبح البحث العلمي ليس مجرد إحدى المهام والوظائف الرئيسة، بل الوظيفة المحورية للبحث العلمي. ومن المفروض سلفا أن تقوم الجامعة ومراكز البحوث ومؤسساته في – بلداننا العربية - وبخاصة في العصر الحاضر بدور بالغ الأهمية للمساهمة في تطوّرها الاقتصادي والاجتماعي، إذ لم تعد مقصورة على الأهـداف التقليدية من حيث البحث عن المعرفـة والقيـام بالتدريس وتخريج المؤهلين للعمل، بل امتدت لتشمل كل نواحي الحياة العلمية والتقنية والتكنولوجية، الأمر الذي جعل من أهم واجباتها المعاصرة هو أن تتفاعل مع المجتمع لبحث حاجاته وتوفير متطلباته. وإن من ضمن أهم متطلبات المجتمع هو الوصول إلى مراتب عاليـة في ابتكار أدوات التقدم التقني والتكنولوجي إلى جانب الاهتمام بالعلوم الاجتماعية ايضا ، ولا يتم ذلك إلا بتفعيل دور تلك المؤسسات في تنشيط حركة البحث العلمي وتدعيم الشباب ودراسة قضاياهم المختلفة .
تتميز منطقتنا العربية بتركز النسبة الكبرى من الفئات العمرية ما بين الطفولة والشباب، ولا تقل نسبة ً الشباب (عن الثلث في كل الدول العربية؛ وهذه دلالة واضحة على شبابية وحيوية تلك المنطقة من العالم)، وما تحمله من بذور تقدمها وازدهارها المرتقب المنشود لذا؛ من الواضح الاهتمام بقضايا الشباب، بغض النظر عن طبيعة هذا الاهتمام، وطرقه وغاياته ومداه، في ظل وجود وزارات ومؤسسات مجتمع مدني، وهيئات تعنى بهذه الفئة العمرية الحرجة . ورغم تحديات البحث والتنقيب في عقول الشباب وما يفكرون به، لا يخفى علينا نمو مظاهر الاهتمام بالشباب في دول مجلس التعاون الخليجي ومن هنا كانت هذه الدراسة التحليلية لواقع الشباب الخليجي واستشراف مستقبله . وتتفق كل الدراسات في هذا المجال على أن الشباب ثروة الأمم وواجهة مستقبلها، وأهم مواردها وأغلى كنوزها وطاقاتها المتجددة التي لا تنضب. وفي مجتمعاتنا العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، يمثل الشباب القطاع الأكبر والأهم داخل هذه المجتمعات التي يصنفها علماء الاجتماع بالمجتمعات الشابة الواعدة. تلك الثروة الواعدة بقدر ما تمنح مجتمعاتنا أملاً مشرقاً للمستقبل، بقدر ما تضع عليها مسؤولية ضخمة لاستيعاب طاقة الشباب وتأهيلها ودمجها ضمن حركة المجتمع لتكون طاقة دافعة نحو مزيد من التقدم والرخاء. ومن أهم سبل الدعم والتأهيل يأتي تذليل الصعاب ومواجهة المشاكل والتحديات التي تقوض طاقات شبابنا وتخنق إبداعاتهم، على رأس الأولويات، إذ ربما تتسبب في إصابتهم بالشعور بالعجز والإحباط، وبالتالي تُفقدهم حماس البذل والعطاء والابتكار وخدمة الوطن، فالطاقة الشبابية قوة هائلة ومتجددة، وبالتوجيه والتأهيل الجيدين يمكن توظيفها والاستفادة منها بالشكل الأمثل، حتى لا تتحول لطاقة مهدرة وفئة مهمشة يمكن استقطابها واقتيادها باتجاه الانحراف السلوكي والأخلاقي، مثل طرق الإدمان وتغييب الوعي، التي يلجأ إليها البعض هرباً من الواقع، الذي لا يفسح لهم مجالاً للتطور وتحقيق الطموحات، أو تفادياً لاحتمالية تحويل طاقاتهم الجبارة إلى زخم سلبي هدام ناقم على المجتمع، يتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن غضبه والإعلان عن قدراته المكبوتة. فالعمل هو القضية الأم في حياة الشباب، أو القضية الكيانية، لأنها جواز العبور إلى الأهلية الاجتماعية الكاملة: الإنسان المنتج، المستقل ماديا، والذي يمكنه تأسيس أسرة واتخاذ قراراته الحياتية، كما أنها القضية الأم لأنها تولد أكبر قدر من المعاناة والتشاؤم وردود الفعل السلوكية السلبية، مثار شكوى المرجعيات الاجتماعية والعامة، وقد تكون إذا تفاقمت المؤسس لردود فعل التطرف الناتج عن الاحتقانات الكيانية والاحتراق النفسي.
والكتاب الحالي هو دراسة توثيقية تحليلة للشباب في الخليج العربي الذي يتمتع بحالة فريدة من كثافة العنصر الشبابي الذي سيشكل خطرا وعبء وتهديد للهوية والكيان إن لم يوظف لبناء القدرة والمكانة والشراكة مع المجتمع، وفيه يقترح المؤلف تأسيس علم جديد اسمه "علم الشباب" يدرس في الجامعات، والكتاب يضم ثمانية فصول ويقع في 200 صفحة جاء الفصل الأول بعنوان " قضيا يا منهجية في دراسة الشباب الخليجي " وتناول فيه المؤلف تعريف مرحلة الشباب وتحديدها واهم شرائح الشباب ودراسة الشباب ضمن سياقاته الاجتماعية والتربوية والثقافية المختلفة ، ومنهجية دورة الحياة ، وقدم محورا مهما حول طريقة دراسة الشباب من الاستمارات والاختبارات إلى دراسة الحالة الفردية المتعمقة ، ويتناول بحث المشكلات باعتبارها قضية تدعو لاطلاق الطاقات الشبابية. ، والفصل الثاني حمل عنوان " الأسرة الخليجية وقضايا الشباب والمستقبل وتحولات الأسرة الخليجية " وفيه انماط العلاقات الزوجية وأثرها على الأبناء ، والمهام المستقبلية للأسرة الخليجية . والفصل الثالث بعنوان " التعليم والعمل ، والفصل الرابع بعنوان " المشارك في العمل العام" وضم والشباب والعمل التطوعي والمشاركة في الشأن العام . والفصل الخامس وهو " الشباب الخليجي وقضية الهوية ما بين الفعل والانفعال" ، وحظى هذا الفصل بمناقشة ضافية حول قضية الهوية وتحديدها وبناء الهوية الذاتية وتنوع قضايا الهوية ، وهوية الشباب ما بين الاصالة والعولمة ، ومناقشة الهوية الثباتية المفضلة والهوية الفاعلة . والفصل السادس بعنوان " الشباب الخليجي واوقات الفراغ " وتناول الترويح وبناء الذات وهدر قيمة الوقت والهالة المحيطة بأوقات الفراغ ، والاساليب الشائعة في تمضية أوقات الفراغ وقواعد المعلومات والاعلام وصناعة التسلية . والفصل السابع حمل عنوان " نظرة مستقبلية للشباب الخليجي وبناء الاقتدار والعولملة وتحدياتها" . والفصل الثامن تناول مجموعة من الانجازات المتحققة وبعض المهام المطلوبة وكذلك عدد من التوجهات والتوازنات المطلوب الوفاء بها والقيام على تنفيذها.
وعلى ما سبق كانت قيمة هذا الكتاب في ما سلطته من أضواء على القوى الفاعلة وغير الظاهرة لدى الشباب الخليجي، مما نبه إلى العوامل الفعلية التي يتعين التعامل معها، في المقاربة والتخطيط ووضع السياسات وتنفيذ البرامج. وحاول المساعدة في تشخيص الواقع الفعلي فيما وراء ظواهره. وهي الخطوة الأولى على درب التعامل الفاعل، الذي يوفر النجاح للجهود الكثيرة المبذولة في رعاية الشباب وتأهيلهم للمستقبل. والكتاب كذلك ملئي بالقضايا مثل العضوية الاجتماعية، وتعني أن ليس كل الشباب تتاح لهم المشاركة في تنمية المجتمع و بالتالي الحصول على العضوية فيه ، في السن المناسب. و ما يترتب على ذلك من إشكاليات. و الفراغ، معرفة مكامن القصور، مؤسسات المجتمع المدني تهتم بالثقافة و الفنون ، والمشاريع السهلة و التي من الممكن إقامتها لحل إشكالية الفراغ بشكل مناسب. والتعليم الجامعي و مكامن القصور فيه، ابتداء من الكتاب الجامعي و النظريات والتقويم و تقسيمه لأنماط الشباب الخليجي إلى اربعة فئات (النخبة، المحظي، الطامح، المهمش). وطول فترة الاعالة فالشباب الخليجي يبقى معتمدا على ابوه لفترة طويلة اذا ما قورن بغيره من الشباب مما يسبب طول فترة انعدام الهوية واستمرار التبعية. وتقديم رؤية مستقبلية للشباب وعلاج اخطاء التوعية الاعلامية. و الاثار السلبية لدعايات البورصة على الشباب، وانعدام فرص التعبير عن ذواتهم ومشكلاهم . ومن هنا كانت ضرورة الاهتمام بقضايا الشباب ومشاكلهم، ودراسة التحديات المعاصرة التي تواجههم والسعي بجدية لتذليلها، وفتح السبل أمامهم لتحرير طاقاتهم المكبوتة والإفصاح عن أفكارهم، وتمكينهم من تحقيق طموحاتهم لتكون فئة الشباب قاطرة المستقبل لمجتمعاتنا، التي تدفعنا على طريق التنمية والتقدم إلى الأمام فهي عماد أساسي لمقومات استقرار المجتمع وتماسكه. والشباب في دول الخليج لا يشذ عن هذه المنظومة الإنسانية، ومن هنا ظهرت أبرز التحديات التي يواجهها شبابنا الخليجي إثبات ذاته وتأكيد قدراته من خلال ضرورة العمل على توفر فرص تدريب وتأهيل تتواءم مع تطورات العصر ووجود فرص جاذبة تسمح لهم بإظهار إبداعهم، إلى جانب قيادة دولهم الخليجية لتحقيق هدفها الأسمى في تنويع مصادر الدخل القومي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى