المصادفة جمعتني به في حفل لإحدى صديقاتي. كان قريبًا لزوج تلك الصديقة، ما إن عرفتني به حتى بادرني بسؤال:
- هل أعرفكِ من قبل؟.
أجبته وأنا أتفرس في ملامح وجهه:
- لا أعتقد، فأنا لا أنسى وجهًا قابلته أبدًا!.
زمَّ شفتيهِ وفتحَ عينيهِ دلالة الإعجاب ثم دعاني للجلوس قربه.
بدا طوال السهرة هادئًا متزنًا قليل الكلام، يرسل نظراته نحوي كلما سنحت له الفرصة، ويبتسم إن أنا بادلته النظرات، شعرت به يراقبني، انشغلت عن الجميع به، في نهاية السهرة، تبادلنا أرقام الهواتف، وأصبحنا أصدقاء في العالم الافتراضي لنتبادل بعدها الأحاديث العادية عبر الواتس آب، عرفت أنه مهندس معماري مطلق ولديه ابنة، وعرف أنني مراسلة صحفية لم يسبق لها الزواج.
وهو يضع فنجان القهوة أمامي قال لي العم كامل:
- ست ليلى، هناك من ترك باقة زهور وطلب مني إيصالها لك.
لولا اسمي المدون أسفل البطاقة وعبارة: هل أعرفكِ من قبل المكتوبة في أعلاها لشككت أنها لي، ابتسمت وأنا أتذكر سؤاله ليلة الحفل.
لم أخبره بأمر الباقة، ربما لأحتفظ بتلك الهالة التي رسمتها الزهور حول صورته في قلبي.
مر أسبوع قبل أن نتفق على لقاءٍ في مقهى على ضفافِ دجلة.
رائحةُ القهوة مع هدير الأمواج التي بدتْ غير عابئة بما يعترينا ومنظر النوارس على صفحة الماء، جعلني متيقنة من أن البدايات لن تكون إلّا سعيدة.
الأحاديث كانت تدور عني، أما هو فلم يبدو مكترثًا بالحديث عن نفسه، إذ وصف حياته بأنها خالية من الإثارة، تسير على وتيرة واحدة، فزادني ذلك شوقًا لمعرفة هذا الرجل الذي بدا لي كحدث من الأحداث الغامضة التي علي فك شيفرتها.
مرت شهور ستة .. التقينا بعدها مرات عديدة، وفي كل مرة يتأكد لي شعور الحب الذي أكنه له، أما هو فيزداد غموضًا كأنني سقطت في بئر ليس لها قرار، و لولا الزهور التي تصلني منه كل أسبوع، لقلت إنه رجل آخر.
فكرت في مصارحته، لكن خجل الأنثى الكامن فيّ، سرعان ما يقفز شاخصًا أمام عيني ليحول بيني وبين تنفيذ ما فكرت فيه حتى جاء اليوم الذي انتدبتني به الصحيفة للسفر إلى دولة مجاورة لتغطية حدث ما.
وهو يبدي أسفه لغيابي، انتهزتُ الفرصة لأطلب منه أن يكون برفقتي، جاءني صوته مستغربًا:
- كيف ذلك وأنتِ الآن في المطار تستعدين لصعود الطائرة؟!.
استجمعت شجاعتي التي لن تكون إلى جانبي في وقت آخر لأقول له:
- أقصد أن ترافقني بالصوت و الصورة من خلال الهاتف.
مرت ثوان كانت ثقيلة على قلبي قبل أن يرد:
- ولماذا أنا بالذات؟!.
قلت له وقد وضعني سؤاله عند مفترق طرق:
- لا آمن أحدًا غيرك.
رد عليّ بسؤال غبي مبطن بالذكاء:
- أعرف، لكن لماذا أنا؟!.
- أشعر بالراحة معك وأطمئن لك وأريد استشارتك بأمور عديدة تخصني.
كنت أريد إخباره بحبي، لكن الكلمات وقفت في منتصف المسافة بين قلبي وعقلي.
أتاني صوته ليحسم حيرتي بعدم إخباره:
- وإذا لم أجد الوقت الكافي لكِ؟
- حينها دعني وشأني.
جناح الطائرة الأيمن كانت آخر صورة أرسلها له قبل تحويل الهاتف على وضعية الطيران.
مرت الأيام السبعة، لم نفترق فيها إلّا وقت العمل في المؤتمر و وقت دخولي للاستحمام، كان يبدي إعجابه بالصور ومقاطع الفيديو التي أرسلتها. حرصت فيها على إظهار كل ما هو جميل في تلك البلاد وما حصل في تلك الأمسية التي كنت قد قضيتها في واحدة من أحلى المنتزهات في ذلك البلد الذي يسحر بما ميزه به الله من طبيعة كانت الأروع!.
كنت عائدة إلى الفندق، وفي حركة فوجئت بها من قبل أحد العاملين وهو يمد يده إليّ في وردة حمراء، فدخلت مسرعة وكان هو معي على الخط فجن جنونه وأزعجه قبولي وأخذي للوردة.
كم كنت فرحة بذلك الجنون!. لم أكن أدري أنه بكل هذا النزق من الغيرة!.
حملت الوردة بيدي وهو يشاهدني وقد ألقيتُ بها أمام عينيهِ في سلةِ النفاياتِ فرفض يطالبني بإلقائها من النافذة وقد فعلتُ وأنا أشعر بسعادة غمرت كل كياني!.
صوته كانت له مهمة الإبقاء على توازني وسعادتي.
قاربت الأيام السبعة على الانتهاء. على الرغم من أنني سأقابله ثانية، إلّا أني كنت أريد لهذا الخيط غير المرئي الذي يربط بيني وبينه أن يبقى متوهجًا، يغذي الأحلام التي أجدها تعويضًا بعد أن يسرقني النوم منه.
أريد أن أحيا تلك الحكاية كل يوم، حكاية الواقع والحلم والخيال.
سبع باقات من الزهور وجدتها على مكتبي تشكو الوحدة والإهمال، بعضها ذبل من الانتظار بينما الأمل ما زال يراود البعض الآخر، احتضنتها وبدأت أستنشق عبيرها حتى تلك التي ودعت الحياة، كأني أعتذر منها وأطلب المغفرة.
ما يحدث في داخلي لا يعلم به أحد.
عشية الليلة التي سأقابله في نهارها، انتابني قلق عظيم، كيف سأنظر في عينيه بعد الفراق؟. ربما سيبدو صوتي مختلفًا أو يجدني امرأة أخرى بعد السفر !.
فكرت في تأجيل اللقاء، لكنني وجدت نفسي لا أقوى على اتخاذ هكذا قرار، فما أحمله من تساؤلات غير الهدايا التي جلبتها له كافية لتصور لي أن في الساعة الرابعة عصرًا، ستنعطف حياتي وتتخذ مسارًا آخر.
ما زال وجهه يشوبه مسحة حزن عميق، لكن ابتسامة عينيه حينما رآني وفرحته بلقائي أخبروني أن لي في قلبه شيئًا كبيرًا.
في تلك اللحظة المسروقة من الزمن، استفاقت الأنثى داخلي، تحاول التحرر من قيودها، تستعد للانطلاق بعد أن كانت حبيسة داخل ذلك الكيان المسمى امرأة، فقلت له بينما عينيّ تحاول أن لا تهرب من نظرات عينيه:
- أنا أحبك!
لم يكن صمتًا الذي ساد بيننا، اقنعت نفسي أن نظراته تلك ليس وليدة الحيرة، بل رحت أبعد من ذلك حين أوهمت نفسي بأنني سمعته يردد: وأنا أيضًا أحبك.
وددت لحظتها أن يعود بي الزمن بضع ثوان إلى الوراء، قبل أن تولد تلك الكلمة العرجاء من بين شفتي وأنا أرى تحيره وانشغاله في البحث عن معان تفسر ما به، قال لي بعد أن مال بجسده إلى الأمام محاولًا التخفيف من وطئة ما سيقوله:
- أنتِ رائعة بكل المقاييس، لكن...
لكن!. يالها من كلمة حسمت كل شيء وتركتني كمن تهرول في صحراء حافية القدمين وقت الظهيرة.
انفرجت شفتاه ليضع بينهما سيجارته التي شاركته القلق، بينما نظراته راحت صوب النهر كأنه يستجدي الكلمات التي عجز في إيجادها لتصف مشاعره.
وأنا أنظر لمتسولة في الشارع، سألته:
- والزهور التي كنت ترسلها؟!.
دارتْ عيناه في الفراغ قبل أن يقول:
- أية زهور ؟!.
- هل أعرفكِ من قبل؟.
أجبته وأنا أتفرس في ملامح وجهه:
- لا أعتقد، فأنا لا أنسى وجهًا قابلته أبدًا!.
زمَّ شفتيهِ وفتحَ عينيهِ دلالة الإعجاب ثم دعاني للجلوس قربه.
بدا طوال السهرة هادئًا متزنًا قليل الكلام، يرسل نظراته نحوي كلما سنحت له الفرصة، ويبتسم إن أنا بادلته النظرات، شعرت به يراقبني، انشغلت عن الجميع به، في نهاية السهرة، تبادلنا أرقام الهواتف، وأصبحنا أصدقاء في العالم الافتراضي لنتبادل بعدها الأحاديث العادية عبر الواتس آب، عرفت أنه مهندس معماري مطلق ولديه ابنة، وعرف أنني مراسلة صحفية لم يسبق لها الزواج.
وهو يضع فنجان القهوة أمامي قال لي العم كامل:
- ست ليلى، هناك من ترك باقة زهور وطلب مني إيصالها لك.
لولا اسمي المدون أسفل البطاقة وعبارة: هل أعرفكِ من قبل المكتوبة في أعلاها لشككت أنها لي، ابتسمت وأنا أتذكر سؤاله ليلة الحفل.
لم أخبره بأمر الباقة، ربما لأحتفظ بتلك الهالة التي رسمتها الزهور حول صورته في قلبي.
مر أسبوع قبل أن نتفق على لقاءٍ في مقهى على ضفافِ دجلة.
رائحةُ القهوة مع هدير الأمواج التي بدتْ غير عابئة بما يعترينا ومنظر النوارس على صفحة الماء، جعلني متيقنة من أن البدايات لن تكون إلّا سعيدة.
الأحاديث كانت تدور عني، أما هو فلم يبدو مكترثًا بالحديث عن نفسه، إذ وصف حياته بأنها خالية من الإثارة، تسير على وتيرة واحدة، فزادني ذلك شوقًا لمعرفة هذا الرجل الذي بدا لي كحدث من الأحداث الغامضة التي علي فك شيفرتها.
مرت شهور ستة .. التقينا بعدها مرات عديدة، وفي كل مرة يتأكد لي شعور الحب الذي أكنه له، أما هو فيزداد غموضًا كأنني سقطت في بئر ليس لها قرار، و لولا الزهور التي تصلني منه كل أسبوع، لقلت إنه رجل آخر.
فكرت في مصارحته، لكن خجل الأنثى الكامن فيّ، سرعان ما يقفز شاخصًا أمام عيني ليحول بيني وبين تنفيذ ما فكرت فيه حتى جاء اليوم الذي انتدبتني به الصحيفة للسفر إلى دولة مجاورة لتغطية حدث ما.
وهو يبدي أسفه لغيابي، انتهزتُ الفرصة لأطلب منه أن يكون برفقتي، جاءني صوته مستغربًا:
- كيف ذلك وأنتِ الآن في المطار تستعدين لصعود الطائرة؟!.
استجمعت شجاعتي التي لن تكون إلى جانبي في وقت آخر لأقول له:
- أقصد أن ترافقني بالصوت و الصورة من خلال الهاتف.
مرت ثوان كانت ثقيلة على قلبي قبل أن يرد:
- ولماذا أنا بالذات؟!.
قلت له وقد وضعني سؤاله عند مفترق طرق:
- لا آمن أحدًا غيرك.
رد عليّ بسؤال غبي مبطن بالذكاء:
- أعرف، لكن لماذا أنا؟!.
- أشعر بالراحة معك وأطمئن لك وأريد استشارتك بأمور عديدة تخصني.
كنت أريد إخباره بحبي، لكن الكلمات وقفت في منتصف المسافة بين قلبي وعقلي.
أتاني صوته ليحسم حيرتي بعدم إخباره:
- وإذا لم أجد الوقت الكافي لكِ؟
- حينها دعني وشأني.
جناح الطائرة الأيمن كانت آخر صورة أرسلها له قبل تحويل الهاتف على وضعية الطيران.
مرت الأيام السبعة، لم نفترق فيها إلّا وقت العمل في المؤتمر و وقت دخولي للاستحمام، كان يبدي إعجابه بالصور ومقاطع الفيديو التي أرسلتها. حرصت فيها على إظهار كل ما هو جميل في تلك البلاد وما حصل في تلك الأمسية التي كنت قد قضيتها في واحدة من أحلى المنتزهات في ذلك البلد الذي يسحر بما ميزه به الله من طبيعة كانت الأروع!.
كنت عائدة إلى الفندق، وفي حركة فوجئت بها من قبل أحد العاملين وهو يمد يده إليّ في وردة حمراء، فدخلت مسرعة وكان هو معي على الخط فجن جنونه وأزعجه قبولي وأخذي للوردة.
كم كنت فرحة بذلك الجنون!. لم أكن أدري أنه بكل هذا النزق من الغيرة!.
حملت الوردة بيدي وهو يشاهدني وقد ألقيتُ بها أمام عينيهِ في سلةِ النفاياتِ فرفض يطالبني بإلقائها من النافذة وقد فعلتُ وأنا أشعر بسعادة غمرت كل كياني!.
صوته كانت له مهمة الإبقاء على توازني وسعادتي.
قاربت الأيام السبعة على الانتهاء. على الرغم من أنني سأقابله ثانية، إلّا أني كنت أريد لهذا الخيط غير المرئي الذي يربط بيني وبينه أن يبقى متوهجًا، يغذي الأحلام التي أجدها تعويضًا بعد أن يسرقني النوم منه.
أريد أن أحيا تلك الحكاية كل يوم، حكاية الواقع والحلم والخيال.
سبع باقات من الزهور وجدتها على مكتبي تشكو الوحدة والإهمال، بعضها ذبل من الانتظار بينما الأمل ما زال يراود البعض الآخر، احتضنتها وبدأت أستنشق عبيرها حتى تلك التي ودعت الحياة، كأني أعتذر منها وأطلب المغفرة.
ما يحدث في داخلي لا يعلم به أحد.
عشية الليلة التي سأقابله في نهارها، انتابني قلق عظيم، كيف سأنظر في عينيه بعد الفراق؟. ربما سيبدو صوتي مختلفًا أو يجدني امرأة أخرى بعد السفر !.
فكرت في تأجيل اللقاء، لكنني وجدت نفسي لا أقوى على اتخاذ هكذا قرار، فما أحمله من تساؤلات غير الهدايا التي جلبتها له كافية لتصور لي أن في الساعة الرابعة عصرًا، ستنعطف حياتي وتتخذ مسارًا آخر.
ما زال وجهه يشوبه مسحة حزن عميق، لكن ابتسامة عينيه حينما رآني وفرحته بلقائي أخبروني أن لي في قلبه شيئًا كبيرًا.
في تلك اللحظة المسروقة من الزمن، استفاقت الأنثى داخلي، تحاول التحرر من قيودها، تستعد للانطلاق بعد أن كانت حبيسة داخل ذلك الكيان المسمى امرأة، فقلت له بينما عينيّ تحاول أن لا تهرب من نظرات عينيه:
- أنا أحبك!
لم يكن صمتًا الذي ساد بيننا، اقنعت نفسي أن نظراته تلك ليس وليدة الحيرة، بل رحت أبعد من ذلك حين أوهمت نفسي بأنني سمعته يردد: وأنا أيضًا أحبك.
وددت لحظتها أن يعود بي الزمن بضع ثوان إلى الوراء، قبل أن تولد تلك الكلمة العرجاء من بين شفتي وأنا أرى تحيره وانشغاله في البحث عن معان تفسر ما به، قال لي بعد أن مال بجسده إلى الأمام محاولًا التخفيف من وطئة ما سيقوله:
- أنتِ رائعة بكل المقاييس، لكن...
لكن!. يالها من كلمة حسمت كل شيء وتركتني كمن تهرول في صحراء حافية القدمين وقت الظهيرة.
انفرجت شفتاه ليضع بينهما سيجارته التي شاركته القلق، بينما نظراته راحت صوب النهر كأنه يستجدي الكلمات التي عجز في إيجادها لتصف مشاعره.
وأنا أنظر لمتسولة في الشارع، سألته:
- والزهور التي كنت ترسلها؟!.
دارتْ عيناه في الفراغ قبل أن يقول:
- أية زهور ؟!.