كُرةُ القدَم في الدّوّار، أو عندما أُعجبَ أبي بضَربة مقصّ ولد القاضي: أو اتّا شتّي ولد القاضي كيدَار ليها وْوْ؟
لقد كان لكُرة القدَم نصيبٌ كبير في أنشطتنا الطّفولية القرَوية . إلى جانب القيام بكل المهامّ العمَلية والتّرفيهية خلال عملنا اليومي . لا أتذكّر اليوم الذي تعرّفتُ فيه على كُرة القدم التي أصبحت الشغل الشّاغل لكلّ الفئات والأجيال في الدوار الأكثر انفتاحاً في ذلك الزمان من كل الدوَاوير المجاورة لنُخبته الغنية والمتعلمة . لم نكن نتوفّر على وسائل للإعلام . إذ لم يكن يهتمّ آباؤنا إلّا بأشغالهم اليومية المتعلّقة بالرّعي وتربية المواشي والقيام بأشغال الحقول . إلى جانب جلب المياه من آبار بعيدة لأنّ دوارنا لم يكن يتوفّر سوى على " مطافي" لجمع مياه الأمطار . التي كثيراً ما تتلوّث بمخلّفات الأبقار التي تجرفها السّيول نحو " مجالب المطافي" . كما تكتسحها جحافل يرقات الناموس أو الشنيولة التي تتجمّع حولها لوضع بيضها فتظهر على شكل ديدان سابحة لم نكن نعرف أصلها سوى كونها من صنف " الزّغلال" ! لهذا كان يجتهد الآباء خاصةً في فصل الصيف عندما تجفّ البرَك ، في تهيئ " عدالات" من قلَل الطين وتصفيفها فوق ظهور الدواب أو الجِمال للذهاب لبير لحراريين . أو لبير المخزن القريب من تيمݣرت والذي يتميّز بحلاوة مياهه ونقائها التي لا تُضاهيها مياهٌ أخرى ، بما فيها بير السوق العميق جداً ، والذي سقط فيه صديقنا الصّغير محمد مرغي . في سنة 1960 مخلّفاً الحسرة في نفوسنا إلى اليوم .
في يوم من أيام الصيف الجميلة . من سنة 1960 كان كبارُ الأطفال من أبناء أغنياء الدّوار يجتمعون لإجراء مُقابلة في كرة القدم . كما كان يتمّ اختيار اللّاعبين بواسطة قُرعة عن طريق الأقدام . كي يكونَ الإنتقاءُ مُنصفاً وعادلاً للجميع . حين يكون صاحب آخر قدم هو الذي تُعطاهُ الأسبقية في الإختيار . ليبادر لإختيار أمهر لاعب قادر على صنع الفارق . ثم الثاني والثالث إلى أقلّ لاَعب ينتظر إختياره في النهاية : اعطني فلان . اعطني فلان كل حسب دوره . كانت قوانين اللّعب تأتينا عن طريق الأطفال الوافدين علينا من المدن . خاصةً من آسفي والجديدة والدار البيضَاء ومراكش . وهم أبناء المهاجرين الذين دفعتهم ظروف الهجرة القروية إلى المدن من أجل الدراسة أو العمل . فيجلبون معهم كُرات جميلة لم نحلم يوماً بإمتلاكها بسبب غلاء ثمنها وعدم وجودها أصلاً في قرانا المهمّشة . كما يجلبون معهم مفاهيم ومصطلحات وقوانين نعرفها بلغتها الفرنسية مثل : touche chander centre match nine gol pilanty main pied enavant shoot jouer la balle 9 mètres bit أو إصابة . لم نكن نعرف التسلّل أو الشرود . Hors jeuإذ كان الذي يسبق يسجّل الإصَابة . كان أبناء المدُن أكثر مهارةً من أبناء القرية الذين كانوا يتقنون فقط نصب الفخوخة وأنواع الطيور وأماكن تجمّعها وصيدها . كما كانت تتغير الملاعب حسب الفصُول وحسب بنية وتركيبة الدوار الجغرافية : حين تُحرث الأرض . أو الرّيف الݣدّامي والرّيف الورّاني . وهم أطفال يختلفون من كل ريف أو جزء من الدوار . فأبناء الريف الݣدامي أكثر جدية وإهتماماً بالدراسة . بينما يهتم أبناء الريف الوراني بأشياء أخرى .
كان الآباء يجلسون بعيداً للتفرج ومتابعة أطوار المقابلة التي لا تخلو من جدال حول ضَربات الجزاء والتماسّ وضَربات الخطأ مثل الكوفرات والماه أي ضربة اليد . وقد تنتهي المقابلة بعراك تتخلله اللّكمات والتراشق بالحجارة . في ذلك اليوم كان أبي مارّاً من جانب الملعب العشوائي ، الذي أصبح اليوم ملعباً رسمياً . عائداً من رحلته اليومية لجلب الماء . ليرى لُعبةً لم يسبق له رؤيتها من قبل . هو الذي كان يهتم فقط بمواشيه وزراعته ، وفي اللّيالي القائظة يحكي لنا حكايات جميلة عن النّمرود بن كنعان وفرعون ويوسف ونوح وسفينته وعناق بن عواج وشويه السّمك على الشمس لفرط طوله الأسطوري . وقصّة اليهودي بنمشعل مع العلَويين . وسيدنا علي . لكنه هذه المرّة شاهد ما لم يكن له في الحسبان " : ضربة مقصّ" ، أو coup de ciseaux أو كوتسيزو حسب تعبيرنا البدوي الطفولي . ظلّ أبي يحكي عن تلك الحرَكة البهلوانية التي قام بها " ولد القاضي" لأن أباه كان قاض في مراكش . أو كما كنا نسمّيه نحن " سي برد الدّين" عوضَ سي بدر الدّين كما كنّا ننطق عبد الوَهاب ب" عبد لوهام" وعبد الرؤوف ب" عبد الرّقوف". تّاشتّي ولد القاضي كيدار ليها ؟ دار في الهواء وصدّها برجليْه نحو الخلف !؟
ظلت كرة القدم مسيطرةً على عقولنا إلى اليوم . وكلما سنحت لنا الفرصَة نقتسم إلى فرقتين حسب المنهجية السابقة . نلعب بكرات عشوائية وبقوانين قليلة لنسمح بحرّية المبادرة وبمهارات بسيطة . لكنّ البعض منّا نبغ في اللّعبة وأتقن مهاراتها فعلاً . مثل لحسن رود والعربي صدقي والمرحوم عباس الروض الذي كان يعمل على تنظيم مباريات " دولية" بمقاييس ومعايير محلّية ضدّ أبناء الدواوير المجاورة التي كانت تنافسنا في كل شيء . ولاد لبريبرات . ولاد الطّالوع ولاد الفقرة وأشهرهم " ولاد بوعشّة" الذين كانوا يتميزون بلاعبين مشهورين مثل سي ادريس . وفيما بعد ولاد العثامنة وولاد بنيفّو . كانت المقابلات الدولية يُهيّأ لها خلال أسابيع . لم تكن هناكَ هواتف وإنما يلتقي الممثلون من كلّ دوار يوم السوق ليشيع الخبر مساءً أن مقابلة ستجرى في اليوم المتفق عليه . فيأتون بعرباتهم المجرورة ودراجاتهم وفي بعض الأحيان بسيارات الخطافة أو المهاجرين في أوروبا الذين يبذلون بسخاء لتطوير اللّعبة بشراء الكرات أو الملابس أو بعض المعدات الضّرورية . ليشتدّ التنافس وتتناقل جميع الدواوير النتائج ، بأن ولاد الصّديݣات فازوا أو انهزموا .
حسَن الرّحيبي..
لقد كان لكُرة القدَم نصيبٌ كبير في أنشطتنا الطّفولية القرَوية . إلى جانب القيام بكل المهامّ العمَلية والتّرفيهية خلال عملنا اليومي . لا أتذكّر اليوم الذي تعرّفتُ فيه على كُرة القدم التي أصبحت الشغل الشّاغل لكلّ الفئات والأجيال في الدوار الأكثر انفتاحاً في ذلك الزمان من كل الدوَاوير المجاورة لنُخبته الغنية والمتعلمة . لم نكن نتوفّر على وسائل للإعلام . إذ لم يكن يهتمّ آباؤنا إلّا بأشغالهم اليومية المتعلّقة بالرّعي وتربية المواشي والقيام بأشغال الحقول . إلى جانب جلب المياه من آبار بعيدة لأنّ دوارنا لم يكن يتوفّر سوى على " مطافي" لجمع مياه الأمطار . التي كثيراً ما تتلوّث بمخلّفات الأبقار التي تجرفها السّيول نحو " مجالب المطافي" . كما تكتسحها جحافل يرقات الناموس أو الشنيولة التي تتجمّع حولها لوضع بيضها فتظهر على شكل ديدان سابحة لم نكن نعرف أصلها سوى كونها من صنف " الزّغلال" ! لهذا كان يجتهد الآباء خاصةً في فصل الصيف عندما تجفّ البرَك ، في تهيئ " عدالات" من قلَل الطين وتصفيفها فوق ظهور الدواب أو الجِمال للذهاب لبير لحراريين . أو لبير المخزن القريب من تيمݣرت والذي يتميّز بحلاوة مياهه ونقائها التي لا تُضاهيها مياهٌ أخرى ، بما فيها بير السوق العميق جداً ، والذي سقط فيه صديقنا الصّغير محمد مرغي . في سنة 1960 مخلّفاً الحسرة في نفوسنا إلى اليوم .
في يوم من أيام الصيف الجميلة . من سنة 1960 كان كبارُ الأطفال من أبناء أغنياء الدّوار يجتمعون لإجراء مُقابلة في كرة القدم . كما كان يتمّ اختيار اللّاعبين بواسطة قُرعة عن طريق الأقدام . كي يكونَ الإنتقاءُ مُنصفاً وعادلاً للجميع . حين يكون صاحب آخر قدم هو الذي تُعطاهُ الأسبقية في الإختيار . ليبادر لإختيار أمهر لاعب قادر على صنع الفارق . ثم الثاني والثالث إلى أقلّ لاَعب ينتظر إختياره في النهاية : اعطني فلان . اعطني فلان كل حسب دوره . كانت قوانين اللّعب تأتينا عن طريق الأطفال الوافدين علينا من المدن . خاصةً من آسفي والجديدة والدار البيضَاء ومراكش . وهم أبناء المهاجرين الذين دفعتهم ظروف الهجرة القروية إلى المدن من أجل الدراسة أو العمل . فيجلبون معهم كُرات جميلة لم نحلم يوماً بإمتلاكها بسبب غلاء ثمنها وعدم وجودها أصلاً في قرانا المهمّشة . كما يجلبون معهم مفاهيم ومصطلحات وقوانين نعرفها بلغتها الفرنسية مثل : touche chander centre match nine gol pilanty main pied enavant shoot jouer la balle 9 mètres bit أو إصابة . لم نكن نعرف التسلّل أو الشرود . Hors jeuإذ كان الذي يسبق يسجّل الإصَابة . كان أبناء المدُن أكثر مهارةً من أبناء القرية الذين كانوا يتقنون فقط نصب الفخوخة وأنواع الطيور وأماكن تجمّعها وصيدها . كما كانت تتغير الملاعب حسب الفصُول وحسب بنية وتركيبة الدوار الجغرافية : حين تُحرث الأرض . أو الرّيف الݣدّامي والرّيف الورّاني . وهم أطفال يختلفون من كل ريف أو جزء من الدوار . فأبناء الريف الݣدامي أكثر جدية وإهتماماً بالدراسة . بينما يهتم أبناء الريف الوراني بأشياء أخرى .
كان الآباء يجلسون بعيداً للتفرج ومتابعة أطوار المقابلة التي لا تخلو من جدال حول ضَربات الجزاء والتماسّ وضَربات الخطأ مثل الكوفرات والماه أي ضربة اليد . وقد تنتهي المقابلة بعراك تتخلله اللّكمات والتراشق بالحجارة . في ذلك اليوم كان أبي مارّاً من جانب الملعب العشوائي ، الذي أصبح اليوم ملعباً رسمياً . عائداً من رحلته اليومية لجلب الماء . ليرى لُعبةً لم يسبق له رؤيتها من قبل . هو الذي كان يهتم فقط بمواشيه وزراعته ، وفي اللّيالي القائظة يحكي لنا حكايات جميلة عن النّمرود بن كنعان وفرعون ويوسف ونوح وسفينته وعناق بن عواج وشويه السّمك على الشمس لفرط طوله الأسطوري . وقصّة اليهودي بنمشعل مع العلَويين . وسيدنا علي . لكنه هذه المرّة شاهد ما لم يكن له في الحسبان " : ضربة مقصّ" ، أو coup de ciseaux أو كوتسيزو حسب تعبيرنا البدوي الطفولي . ظلّ أبي يحكي عن تلك الحرَكة البهلوانية التي قام بها " ولد القاضي" لأن أباه كان قاض في مراكش . أو كما كنا نسمّيه نحن " سي برد الدّين" عوضَ سي بدر الدّين كما كنّا ننطق عبد الوَهاب ب" عبد لوهام" وعبد الرؤوف ب" عبد الرّقوف". تّاشتّي ولد القاضي كيدار ليها ؟ دار في الهواء وصدّها برجليْه نحو الخلف !؟
ظلت كرة القدم مسيطرةً على عقولنا إلى اليوم . وكلما سنحت لنا الفرصَة نقتسم إلى فرقتين حسب المنهجية السابقة . نلعب بكرات عشوائية وبقوانين قليلة لنسمح بحرّية المبادرة وبمهارات بسيطة . لكنّ البعض منّا نبغ في اللّعبة وأتقن مهاراتها فعلاً . مثل لحسن رود والعربي صدقي والمرحوم عباس الروض الذي كان يعمل على تنظيم مباريات " دولية" بمقاييس ومعايير محلّية ضدّ أبناء الدواوير المجاورة التي كانت تنافسنا في كل شيء . ولاد لبريبرات . ولاد الطّالوع ولاد الفقرة وأشهرهم " ولاد بوعشّة" الذين كانوا يتميزون بلاعبين مشهورين مثل سي ادريس . وفيما بعد ولاد العثامنة وولاد بنيفّو . كانت المقابلات الدولية يُهيّأ لها خلال أسابيع . لم تكن هناكَ هواتف وإنما يلتقي الممثلون من كلّ دوار يوم السوق ليشيع الخبر مساءً أن مقابلة ستجرى في اليوم المتفق عليه . فيأتون بعرباتهم المجرورة ودراجاتهم وفي بعض الأحيان بسيارات الخطافة أو المهاجرين في أوروبا الذين يبذلون بسخاء لتطوير اللّعبة بشراء الكرات أو الملابس أو بعض المعدات الضّرورية . ليشتدّ التنافس وتتناقل جميع الدواوير النتائج ، بأن ولاد الصّديݣات فازوا أو انهزموا .
حسَن الرّحيبي..