سهام ذهنى - عصا يحيى السنوار

صورته وهو يقذف بعصا عبر يده اليسرى في اتجاه الطائرة الدرون تلاحقني.
تناديني بأن علينا أن يحمل كل منا أي عصا بكل رمزيتها في اتجاه ما يؤذينا. توقظ حقيقة أنه لا يجب أن نحسب الأمور بالورقة والقلم لأن الحساب قد يترتب عليه الإستسلام، فالمهم هو شرف المحاولة، أن نسعى ونحاول، أما النتيجة والتساهيل فمن عند الله.
هل عندما ألقى يحيى بعصاه قد رافقها في وجدانه قول الله سبحانه وتعالى "لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا". بأن يقوم هو بكل مايقدر عليه، والله يدبر الأمر، وييسر ما فيه الخير. وأن على الجميع المواجهة عبر هذا اليقين.
هل رافقها في وجدانه قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا".
هل رافقها في وجدانه سيرة الصحابي الجليل "جعفر بن أبي طالب" عندما قطعت يده اليمنى وهو يقاتل في غزوة "مؤتة"، فنقل الراية التي يحملها وهو قائد المعركة إلى يده اليسرى، ثم أصيبت يده اليسرى، فوجدوه عند استشهاده حاملا الراية بين عضديه، وفي جسمه 90 طعنة سيف ورمية رمح.
هل أطلت من ذاكرته المحاولتين للهروب من السجن اللتين اكتشفتهما سلطات الإحتلال قبل أن تتم أي منهما.
وهل أطلت قبلها من ذاكرته صورة إبنه "إبراهيم" الذي رزقه الله به وهو في الخمسين من عمره، عندما تزوج "ا ل س ن وار" وعمره 49 عاما بعد أن قضى شبابه سجينا في سجون الإحتلال لمدة 23 عاما، ثم خرج في صفقة التبادل مع الجندي الإسرائيلي "شاليط".
وهل أطلت قبلها من ذاكرته أيضا صورة زوجته "سمر أبو زمر" الحاصلة على الماجستير في أصول الدين، التي كانت قد توقفت عن التدريس وتفرغت لتحمل مسئولية حياته الصعبة. تلك الزوجة التي بمجرد أن رأى وجهها عقب خروجه من السجن تذكر في الحال أنه قد رآها من قبل، فقد سبق بالفعل أن رأى وجهها في أحد أحلامه وهو سجين، وربما يكون قد أخبرها بعد الزواج حول هذا الحلم فكادت تطير من الفرح ليس فقط بسبب أنها زوجة لبطل، وإنما أيضا لأن هذا البطل هو إنسان يحمل مشاعر رقيقة.
أم أن ألم الجرح الغائر الذي في يده اليمنى قد حال بينه وبين أن ينشغل بأي شئ آخر، فالحبل الذي التقطه من مكان ما وربط به بشكل عشوائي أعلى مكان الجرح الذي أصيب به قد يساعد على تعطيل النزيف، لكنه بالتأكيد لا يمنع الألم المصحوب بأوجاع جسد لرجل تجاوز الستين من عمره مشتبك مع العدو في معركة شرسة لمدة حوالي 6 ساعات. ولا يملك معه من الزاد سوى حبات من حلوى النعناع كي يبلل بها ريقه ويحصل عبر استحلابها على قدر من الطاقة.
أم أطلت عليه من الذاكرة كلمات له مسحت على أوجاعه. إنها تلك الكلمات كالنبوءة التي اختتم بها روايته التي كتبها في السجن "الشوك والقرنفل". حيث جاء في خاتمتها "الآن جاء الموعد يا أماه، فلقد رأيتني أقتحم عليهم موقعهم، أقتلهم كالنعاج، ثم أستشهد، ورأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك مرحى بك".
وهل تذكره لهذه الكلمات أعقبها استشهاده عبر استهداف العدو له وللبيت الذي فيه بقذيفة دبابة.
لا نملك التأكد من أي مما توقعنا أنه قد دار بوجدانه في تلك اللحظات الحاسمة، لكننا نملك الدعاء له، ولمن معه، ولمن هم مثله.
يارب، يارب.
يارب تقبلهم شهداء، منعمين في الجنة.
ويارب اجعلهم يفوزون بصحبة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى