السي حاميد اليوسفي - مجرد حادث بسيط؟!

ولد فاطمة كما ينعته والده متوتر هذه الأيام، لا يكف عن توزيع الشتائم يمينا ويسارا بسبب (الحزقة)* التي ضربت جيبه.
قال متبرما من الراوي:
ـ الله يهديك.. ابحث عن غيري.. كلما أردت تمرير موقف أو رأي لا تجد غير العربي. ثم إن أمي اسمها مباركة، وليس فاطمة. وأبي لا ينعتني كما ادعيت، بل يناديني (ولدي العربي).
رد الراوي مبتسما:
ـ عيب أ العربي. ليس هذا ما اتفقنا عليه!
تطلع العربي في الراوي من أسفل إلى أعلى وقال مستنكرا:
ـ لم نتفق على أي شيء. كيف أتفق مع شخص مثلي.
ثم أضاف وهو يبتسم بمكر:
ـ قلت مثلي.. يجب ألا نجعل عقل القراء يذهب بعيدا ويعتقدون بأنك مِثلي أي شاذ.. أقصد أننا كائنان من ورق، نشبه بعض لأن دمنا مسحور.
لو جئتني وقلت بأن قلمك جف، ودماغك نشف، وطلبت أن أحكي لك قصة، لنظرت في الأمر.. لكن أنا الآن متوتر، وأحتاج إلى مبلغ من المال أدبر به أمري هذا الأسبوع. سأكون معك واضحا:
ـ أبيعك قصة، ستعجبك وتعجب قراءك.
رد الراوي وهو يضحك:
ـ أنت أصابك الزلط، والكاتب الذي نشتغل معه مصاب أيضا بالزلط على الدوام. أما القراء وعلى ندرتهم فلا يُقدمون أي مقابل، ولم يبق سوى أن نستجديهم ليقرؤوا، أو نقدم لهم رشوة.
يمكن أن أتدبر لك سُلفة، لكن بشرط ألا تقصّ علي أي حكاية يُشتمّ منها رائحة السياسة. لا تحك عما يجري في فلسطين ولبنان، ولا عن القمة التي تُعقد في بلد الحرمين، ولا عما وقع في هولاندا.. قد ترفع جهة ما شكاية ضدنا، وتجرجرنا في المحاكم، وتصدر في حقنا أحكاما قاسية بالسجن والغرامات الخيالية.. نحن يا صديقي لا نجد ما نؤدي به ثمن القهوة، والبعض يطلب مئات الملاين من الدراهم كمقابل لما يعتقد أنه مس بكرامته, أرأيت كرامة الناس في الأعلى كيف تساوي الملايير؟
قال العربي للراوي:
ـ والله ذكرتني بمواطن مغلوب على أمره، يصحب كلبا نحيفا مثله، أراد أن يركب سيارة أجرة، فسأل السائق عن المبلغ الذي يُمكن أن يؤديه رفقة الكلب. فأجابه: عشرين درهما للمواطن، وخمسة دراهم للكلب. رد المسكين: لا بأس اعتبرني كلبا مثله، وخذ عشرة دراهم، وانقلنا نحن الاثنين!
علّق الراوي باستغراب:
ـ حذار! يا العربي.. القصة التي حكيت حافظت عليها كما هي. طلب مني الكاتب أن أجعل من الحبة قبة، وأضيف إليها بعض الملح الساسي، لكني رفضت بدعوى أن الجو العام في البلد لا يسمح بتسييس الأحداث البسيطة.
رد العربي بامتعاض:
ـ وهل تنازل مواطن لسائق سيارة أجرة عن كرامته، وتحوله إلى مجرد كلب لأنه لا يملك ثمن التنقل إلى البيت مجرد حادث بسيط!؟

المعجم:
ـ (الحزقة): مجاز شعبي يُطلق في مراكش على حالة الشخص الذي يفتقر لقليل من المال يتدبر به يومه.
مراكش 12 نونبر 2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...