صبيحة يوم من أيام تشرين الأول عام 1910 ، كتب تولستوي في يومياته :" أفعل ما يتوجب عليك ، وليحدث ما يحدث " .. كان في الثانية والثمانين من عمره ، ومن أكثر الكتّاب شهرة في العالم ، قبلها بسنوات أعلن إنه مستعد أن يتخلى عن شهرته وماله وحياته إذا تطلب الأمر تقديم خدمة لبني البشر ، يرتدي ملابس الفلاحين ، وسوف يتوقف عن ممارسة الطقوس المسيحية ، فقد أخذ ينكر على القساوسة تعصبهم وعلى القيصر طغيانه .. والقراء يهتفون أن كاتبها المفضل أصبح نبياً ، لكن اسرته تعده أحمق ، و زوجته تتهمه بالجنون ، فالحياة البسيطة ومجالسة الفلاحين قد بدت لها نوعاً من أنواع الحمق ، يكتب في إحدى رسائله لصديق :" لعلك غير مصدق ، ولكن لك أن تتصور مدى عزلتي أو مدى زراية الناس بشخصي أو هوان أمري عليهم " ، كانت مأساة تولستوي أن دعوته لمثل عليا لم تلقَ استحساناً عند المقربين منه ، ولم يجد مفراً سوى الهروب ففي الساعة الخامسة من صباح يوم الثامن والعشرين من تشرين الأول 1910 غادر تولستوي منزله . يكتب الدكتور الخاص به في مذكراته : " في الساعة الثالثة صباحاً أيقظني ليف تولستوي ، كان مرتدياً روب الصباح ، قدماه عاريتان ، وبيده شمعة تعلو وجهه علائم الألم . قال لي بصرامة وانفعال : قررت الرحيل . أنت تسافر معي . لا توقظ سونيا . سوف لن نأخذ الكثير من الحاجيات معنا ، أسرعت لغرفة العمل لأحزم أمتعته . لقد وضع بنفسه بعض الملابس ومجموعة كتب ومعها مسودات كتاباته " ، كان المقربون منه يدركون جيداً أن تولستوي عاش مهموماً خلال الأشهر الاخيرة ، يشعر بالتعاسة ، كان يحلم ويتحدث عن حياته المقبلة ، حيث سيعيش أكثر بساطة. كان يقرأ كثيراً ، وتشغله الأفكار التي طرحها في روايته الحرب والسلم عن قدر الأنسانية ودور الفرد في التاريخ ، وميزات العقل مقارنة بالغريزة .. إلتهم كتب كانط ، وشوبنهور يكتب في يومياته :"ما من أحد كتب قط شيئاً أعمق وأكثر صحة عن ألم الانسان المكافح بكل رغبته في الحياة ، ضد قوى التخريب ، وعن ضرورة العفة مثل شوبنهور هذا المتشائم المتوحش "
في محطة القطار في قرية آستابوفو التي وصلها بعد خمسة أيام من السفر المتعب يكتب : " أين أنا ، الى أين أذهب ؟ وأمام أي شيء أنا أهرب ؟ " .
كانت هذه الاسئلة تؤرقه وتعذبه ، فالكلمات تهجره وسيكتب :" كنت أرجو أن أتحرر مما كان يعذبني ، قلت لنفسي لماذا أنا حزين ، مم أخاف أجابني صوت الموت : مني أنا إني هنا ، كان كل كياني يشعر بالحاجة الى الحياة ، بالحق في الحياة ، ويشعر في الوقت نفسه بعمل الموت ، ذلك التمزق الداخلي رهيب ..كل شيء يقول لي لا شيء في الحياة إلا الموت ، وعلى الموت ألا يكون !" .
حاول أن يفكر في عائلته ، في المزرعة التي تركها وراءه ، في زوجته في الحرب والسلم ، وهل يستطيع أن يكتب مثلها الآن. كان الرعب يحتله ، ممتزجاً بالحزن .
يتذكر إنه كتب في إحدى ليالي شهر تموز من عام 1863 الى أحد أقاربه وكان قد مر عام على زواجه قائلاً :" لم أشعر من قبل قط كما أشعر الآن باستعدادي الذهني والخلقي للعمل والجدارة به . وعندي ما أقوم به قصة تتعلق بالفترة( 1810-1820 ) هذا العمل الذي شغلني منذ بداية الخريف " كان تولستوي قد تفرغ لأكثر من سنتين لقراءة عشرات الكتب عن تاريخ نابليون ، والإسكندر الأول ، وقد وجد نفسه مغطى بأكوام الورق والخرائط يكتب :" امتلأ ذهني باحتمال القيام بعمل عظيم ، كتابة قصة نفسية عن الإسكندر ونابليون ، عن كل خسة حاشيتيهما وحماقتهم وكلامهم الفارغ وخياناتهم ، لقد شغلت كتابة الحرب والسلم خمس سنوات ، وأبعدته عن كل عمل آخر ، وتتذكر زوجته سونيا أن تولستوي كان كلما يخرج من غرفته بعد أن يكون قد كتب صفحات من الرواية يقول لها :" إن قليلاً من دم حياتي إنصب في المحبرة " . عملت زوجته سكرتيره له منذ بداية كتابة الرواية حتى نهايتها ، تتصارع مع المسودات التي كان يغيرها بين الحين والآخر ، في يومياتها تكتب :" إني أقضي وقتي بأجمعه مستنسخة قصة ليون ، وهذا فرح عظيم لي ، وكلما استنسخ شيئاً أعيش في عالم كامل من الأفكار والانطباعات الجديدة ". وبعد شهرين تكتب :" ظل ليون يكتب هذا الشتاء بأسره ، وكان طوال هذه المدة منشغلاً تطفر الدموع من عينيه ، ويغلي قلبه ، أعتقد أن قصته هذه ستكون عظيمة " .
موضوع الحرب والسلم ، هو مصير البشرية التي تتخبط في نشوة الحرب العجيبة وفوضويتها .
في يومياته يكتب الطبيب الذي رافق تولستوي عن الساعات الأخيرة من حياته :" قبل منتصف الليل جلس بسرعة بعد أن بذل كل ما يملك من قوة . كان يتألم ويتنفس بصعوبة قال في صوت مختنق : إنني خائف أن أموت.. إن ذلك يدعو الى الاشمئزاز ، من الصعب جداً أن تموت يجب على المرء أن يعيش كما يشاء الله ، " .
في ذكرى ميلاده ماذا قرأت لتولستوي ؟
علي حسين
في محطة القطار في قرية آستابوفو التي وصلها بعد خمسة أيام من السفر المتعب يكتب : " أين أنا ، الى أين أذهب ؟ وأمام أي شيء أنا أهرب ؟ " .
كانت هذه الاسئلة تؤرقه وتعذبه ، فالكلمات تهجره وسيكتب :" كنت أرجو أن أتحرر مما كان يعذبني ، قلت لنفسي لماذا أنا حزين ، مم أخاف أجابني صوت الموت : مني أنا إني هنا ، كان كل كياني يشعر بالحاجة الى الحياة ، بالحق في الحياة ، ويشعر في الوقت نفسه بعمل الموت ، ذلك التمزق الداخلي رهيب ..كل شيء يقول لي لا شيء في الحياة إلا الموت ، وعلى الموت ألا يكون !" .
حاول أن يفكر في عائلته ، في المزرعة التي تركها وراءه ، في زوجته في الحرب والسلم ، وهل يستطيع أن يكتب مثلها الآن. كان الرعب يحتله ، ممتزجاً بالحزن .
يتذكر إنه كتب في إحدى ليالي شهر تموز من عام 1863 الى أحد أقاربه وكان قد مر عام على زواجه قائلاً :" لم أشعر من قبل قط كما أشعر الآن باستعدادي الذهني والخلقي للعمل والجدارة به . وعندي ما أقوم به قصة تتعلق بالفترة( 1810-1820 ) هذا العمل الذي شغلني منذ بداية الخريف " كان تولستوي قد تفرغ لأكثر من سنتين لقراءة عشرات الكتب عن تاريخ نابليون ، والإسكندر الأول ، وقد وجد نفسه مغطى بأكوام الورق والخرائط يكتب :" امتلأ ذهني باحتمال القيام بعمل عظيم ، كتابة قصة نفسية عن الإسكندر ونابليون ، عن كل خسة حاشيتيهما وحماقتهم وكلامهم الفارغ وخياناتهم ، لقد شغلت كتابة الحرب والسلم خمس سنوات ، وأبعدته عن كل عمل آخر ، وتتذكر زوجته سونيا أن تولستوي كان كلما يخرج من غرفته بعد أن يكون قد كتب صفحات من الرواية يقول لها :" إن قليلاً من دم حياتي إنصب في المحبرة " . عملت زوجته سكرتيره له منذ بداية كتابة الرواية حتى نهايتها ، تتصارع مع المسودات التي كان يغيرها بين الحين والآخر ، في يومياتها تكتب :" إني أقضي وقتي بأجمعه مستنسخة قصة ليون ، وهذا فرح عظيم لي ، وكلما استنسخ شيئاً أعيش في عالم كامل من الأفكار والانطباعات الجديدة ". وبعد شهرين تكتب :" ظل ليون يكتب هذا الشتاء بأسره ، وكان طوال هذه المدة منشغلاً تطفر الدموع من عينيه ، ويغلي قلبه ، أعتقد أن قصته هذه ستكون عظيمة " .
موضوع الحرب والسلم ، هو مصير البشرية التي تتخبط في نشوة الحرب العجيبة وفوضويتها .
في يومياته يكتب الطبيب الذي رافق تولستوي عن الساعات الأخيرة من حياته :" قبل منتصف الليل جلس بسرعة بعد أن بذل كل ما يملك من قوة . كان يتألم ويتنفس بصعوبة قال في صوت مختنق : إنني خائف أن أموت.. إن ذلك يدعو الى الاشمئزاز ، من الصعب جداً أن تموت يجب على المرء أن يعيش كما يشاء الله ، " .
في ذكرى ميلاده ماذا قرأت لتولستوي ؟
علي حسين