(الجزء الثالث)
1
الفُرجة التي يصنع ويْلاتها اليوم الأشرار، ليست مجانية، بل تدفعها كل شعوب العالم باهظاً، سواء من خلال اختلاق الضرائب أو غلاء الأسعار !
2
لا أعرف هل الصورة في قلب المقال، مُجرّد إشهار يلطِّف من هوْل انفجار القنبلة النووية، أمْ ترويجٌ لمواد تنظيف الملابس، أم رسالة كما يجب أن تكون المرأة قوية بكامل الإغراء في السراء والضّرّاء، لكن يبدو أن مثل هذه الصور، تُخدّرنا أو تُهيئُنا سلفا، لِتقبُّل الحرب بالعواطف الجيّاشة للحب، فما أحوج البشرية لجرعات قوية من البلاهة، هي الوحيدة التي تجعلنا ننْساق سعداء إلى حتفنا في حرب عالمية ثالثة، ونحن نتلو: إلى ربِّك يومئذ المساق !
3
وما القصة القصيرة إلا لقطة، تستدعي لاقتناصها خفة القطة!
4
يُقال بلغتنا الدّارجة ما معناه، من لا يعرفك مصيره بسوء المعاملة أن يخسرك للأبد، والأفظع أن تسرقك السكين من الوريد إلى الوريد، ممّنْ لا يُساورك شك أنهم أهل ثقة في الدار الكبيرة، وكيف لا تضع قلبكَ عوض كل العنب في سلّة واحدة، وتهديه لمن يرتدي مسوح الثقافة كالرهبان، تحسبه ملاكا وهو بكلِّ الأقنعة شيطان !
5
المُنْعطف التّاريخي الذي نعيشُه اليوم، يلْبَسُنا بالمقلوب كالمِعطف !
6
حتى الإشتغال الثقافي يمكن اعتباره كدحا، واسأل العارفين أيهما الأشق، الحفر بالفأس في أرض صماء، أو الحفر بالقلم في بياض ورقة خرساء، والكدح الثقافي يتعارض مع التملق، وأفظع المخلوقات، مثقف طفيلي يستغل منصب الضمير، فبينما غيره يكدح مُجترحا الأفكار، يهرول هو ليجني من أقصر الطرق الثمار !
7
مع كل ما يحْدِق بنا من كل جانب، الاستمرار في الحياة، هو في حدِّ ذاته انتصار، دون حاجة للتَّدافُع بالمناكب!
8
التّحْديق للبعيد يجعل الأعين تتسع، أما التركيز على الصغائر، فيجعل النّظرة تضيق !
9
يُعاكِسها في الشارع بأجمل الغَزَل، بينما في البيت يُقارعُها برأي مُعاكس، فإما قتيل أو قاتل، وما أكثر ما يُدوِّخُها بالقول المعسول الذي يستسلمُ له النحل:»حين تجد النبتة حضنا دافئاً كالذي وجدتهُ حوّاء في آدم من تراب، ليس مُهمّاً أن تُبْدع، ولكن الأهم أن تورق وتُونِع، وتطرح من كل الثّمرات صبياناً وبناتاً إلى آخر الكتاب«!
10
من وجد منكم شاعرا حقيقيا فليكتب عنه للتاريخ، فنحن نعيش في أرذل عصر، حيث الإدعاء أصبح تجارة رائجة يديرها المداويخ!
11
القُرّاء ذلك الصوت الآخر الذي يُترجم صمتنا حين ننتهي من الكتابة، أحد هؤلاء القرّاء الأعزاء، ألمح إلى موجتين تفعيليتين، ما أكثر ما أركبهما في البر والبحر بأغلب نصوصي الشعرية، أذكر أني أجبتهُ حائراً من خارج القصيدة:»هل هي كذلك فعلا، يا لهذا النص الشعري الذي يخلق بحره في غفلة عن الجميع، ربما لأنه يحاكي سرعة دقات قلب الشاعر حين يرى جمالها، أو ربما يريد أن يتدارك صورة مجنونة قبل أن تعود إلى رشدها، تعال نسأل الأخفش الأوسط، فهو الذي تمرّد على المُتقارب وابتلانا بإيقاع الجاز«!
12
نقول بدارجتنا التي أجدها أكثر سخرية في بعض المواضع، فلان (جَا فيه البْلانْ)، والبلان باللغة الفرنسية هو le plan الذي يعني (المُخطّط)، وقد رأينا بحسرة المشهد الرهيب الذي تناقلته في الأيام الأخيرة، وسائل التواصل الاجتماعي، من المدينة القديمة للدار البيضاء، سُكان لا حول لهم ولا قوّة، جاء فيهم مُخطط الإفراغ من بيوتهم التي عمروها لأعمار طوال عبر الأجيال، لا أحد يستطيع أن يداري في نفسه الحريق، وهو ينظر لأطفال وشيوخ واهنين، أصبحوا بين ليلة وضحاها، بدون مأوى على قارعة الطريق، إلى متى سيبقى المُواطن الضعيف، آخر من يستحق التفكير في مُخطط يُهندس مستقبل المدينة، كان الأجدر تقييم حجْم الضَّرر قبل الإقدام على سحق البشر، ولم يُبالغ الناس حين قالوا، إن بشاعة بعض الصور المُتناقلة من رعب المكان، جعلتهم لا يُفرِّقون بين كازا والجحيم المُندلع في غzة !
..................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 28 نونبر 2024.
1
الفُرجة التي يصنع ويْلاتها اليوم الأشرار، ليست مجانية، بل تدفعها كل شعوب العالم باهظاً، سواء من خلال اختلاق الضرائب أو غلاء الأسعار !
2
لا أعرف هل الصورة في قلب المقال، مُجرّد إشهار يلطِّف من هوْل انفجار القنبلة النووية، أمْ ترويجٌ لمواد تنظيف الملابس، أم رسالة كما يجب أن تكون المرأة قوية بكامل الإغراء في السراء والضّرّاء، لكن يبدو أن مثل هذه الصور، تُخدّرنا أو تُهيئُنا سلفا، لِتقبُّل الحرب بالعواطف الجيّاشة للحب، فما أحوج البشرية لجرعات قوية من البلاهة، هي الوحيدة التي تجعلنا ننْساق سعداء إلى حتفنا في حرب عالمية ثالثة، ونحن نتلو: إلى ربِّك يومئذ المساق !
3
وما القصة القصيرة إلا لقطة، تستدعي لاقتناصها خفة القطة!
4
يُقال بلغتنا الدّارجة ما معناه، من لا يعرفك مصيره بسوء المعاملة أن يخسرك للأبد، والأفظع أن تسرقك السكين من الوريد إلى الوريد، ممّنْ لا يُساورك شك أنهم أهل ثقة في الدار الكبيرة، وكيف لا تضع قلبكَ عوض كل العنب في سلّة واحدة، وتهديه لمن يرتدي مسوح الثقافة كالرهبان، تحسبه ملاكا وهو بكلِّ الأقنعة شيطان !
5
المُنْعطف التّاريخي الذي نعيشُه اليوم، يلْبَسُنا بالمقلوب كالمِعطف !
6
حتى الإشتغال الثقافي يمكن اعتباره كدحا، واسأل العارفين أيهما الأشق، الحفر بالفأس في أرض صماء، أو الحفر بالقلم في بياض ورقة خرساء، والكدح الثقافي يتعارض مع التملق، وأفظع المخلوقات، مثقف طفيلي يستغل منصب الضمير، فبينما غيره يكدح مُجترحا الأفكار، يهرول هو ليجني من أقصر الطرق الثمار !
7
مع كل ما يحْدِق بنا من كل جانب، الاستمرار في الحياة، هو في حدِّ ذاته انتصار، دون حاجة للتَّدافُع بالمناكب!
8
التّحْديق للبعيد يجعل الأعين تتسع، أما التركيز على الصغائر، فيجعل النّظرة تضيق !
9
يُعاكِسها في الشارع بأجمل الغَزَل، بينما في البيت يُقارعُها برأي مُعاكس، فإما قتيل أو قاتل، وما أكثر ما يُدوِّخُها بالقول المعسول الذي يستسلمُ له النحل:»حين تجد النبتة حضنا دافئاً كالذي وجدتهُ حوّاء في آدم من تراب، ليس مُهمّاً أن تُبْدع، ولكن الأهم أن تورق وتُونِع، وتطرح من كل الثّمرات صبياناً وبناتاً إلى آخر الكتاب«!
10
من وجد منكم شاعرا حقيقيا فليكتب عنه للتاريخ، فنحن نعيش في أرذل عصر، حيث الإدعاء أصبح تجارة رائجة يديرها المداويخ!
11
القُرّاء ذلك الصوت الآخر الذي يُترجم صمتنا حين ننتهي من الكتابة، أحد هؤلاء القرّاء الأعزاء، ألمح إلى موجتين تفعيليتين، ما أكثر ما أركبهما في البر والبحر بأغلب نصوصي الشعرية، أذكر أني أجبتهُ حائراً من خارج القصيدة:»هل هي كذلك فعلا، يا لهذا النص الشعري الذي يخلق بحره في غفلة عن الجميع، ربما لأنه يحاكي سرعة دقات قلب الشاعر حين يرى جمالها، أو ربما يريد أن يتدارك صورة مجنونة قبل أن تعود إلى رشدها، تعال نسأل الأخفش الأوسط، فهو الذي تمرّد على المُتقارب وابتلانا بإيقاع الجاز«!
12
نقول بدارجتنا التي أجدها أكثر سخرية في بعض المواضع، فلان (جَا فيه البْلانْ)، والبلان باللغة الفرنسية هو le plan الذي يعني (المُخطّط)، وقد رأينا بحسرة المشهد الرهيب الذي تناقلته في الأيام الأخيرة، وسائل التواصل الاجتماعي، من المدينة القديمة للدار البيضاء، سُكان لا حول لهم ولا قوّة، جاء فيهم مُخطط الإفراغ من بيوتهم التي عمروها لأعمار طوال عبر الأجيال، لا أحد يستطيع أن يداري في نفسه الحريق، وهو ينظر لأطفال وشيوخ واهنين، أصبحوا بين ليلة وضحاها، بدون مأوى على قارعة الطريق، إلى متى سيبقى المُواطن الضعيف، آخر من يستحق التفكير في مُخطط يُهندس مستقبل المدينة، كان الأجدر تقييم حجْم الضَّرر قبل الإقدام على سحق البشر، ولم يُبالغ الناس حين قالوا، إن بشاعة بعض الصور المُتناقلة من رعب المكان، جعلتهم لا يُفرِّقون بين كازا والجحيم المُندلع في غzة !
..................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 28 نونبر 2024.