في رحلة الإنسان عبر الحياة، تتشكل قناعاته من خلال التجارب التي يعيشها والبيئات التي تحيط به. تلك القناعات، التي تبدأ من وعي بسيط مستمد من البيئة المحلية، تتطور مع الزمن إلى مفاهيم أعمق تستند إلى التأمل والتجربة الشخصية.
يمكن أن تكون نشأة الفرد في قرية هادئة مليئة بالطبيعة، أو مدينة صاخبة مليئة بالتحدّيات، عاملاً مؤثرًا في تشكيل وعيه. ولكنّ الأمر يتجاوز الجغرافيا، ليصل إلى الأخلاق والاختيارات الفردية؛ فمن الممكن أن يكون الفرد إنسانًا ذا مبادئ وأخلاق، أو شخصًا يغرق في ممارسات سلبية مثل السرقة أو التلاعب، وفقًا لقراراته وخياراته. هذه الجدلية بين الكينونة والمعنى هي محور كتاب "الكينونة والمعنى" الذي يقدّمه أوس حسن، حيث يضيء فيه على الأسئلة العميقة المتعلقة بوجود الإنسان، مستعينًا بأفكار الفلاسفة الوجوديين.
ينطلق الكتاب من نقطة أساسية، وهي أنّ الكينونة ليست مجرّد وجود، بل هي الوعي بذلك الوجود. يستعرض أوس حسن آراء العديد من الفلاسفة الذين تطرقوا لهذه المفاهيم، مثل جان بول سارتر، ومارتن هايدغر، الذين يعتبرون أنّ الوجود ليس مجرّد حقيقة فيزيائية، بل هو حالة إدراك وتفاعل مع العالم. يميّز هايدغر، على سبيل المثال، بين "الموجود"و"الوجود". فالموجود يشير إلى الأشياء ذات الطبيعة الثابتة، مثل الجمادات والنباتات، بينما الوجود يُخصص للكائنات الواعية التي تمتلك
القدرة على التفكير في ذاتها وإدراك وجودها في هذا العالم. من هذا المنطلق، يعتبر الوعي هو الركيزة التي تمنح الإنسان تفرّده عن باقي الكائنات.
كيركيغورد، أحد الرواد الأوائل في الفلسفة الوجودية، يُعرّف الوجود على أنه القدرة على التفكير بحرية وتحمل مسؤولية ذلك التفكير. يشير الكاتب إلى أنّ كيركيغورد يرى في الفزع العميق حالة ضرورية لتحفيز الإنسان على استكشاف ذاته والوصول إلى قرارات حاسمة تحدّد مساره. هذا الفزع، وإن بدا سلبيًا، إلّا أنه يقود الفرد إلى حالة من الوضوح التي تمكّنه من التحرر من القيود الزائفة، ويجعله يتحمّل مسؤولية حياته بالكامل.
دوستويفسكي، رغم الجدل حول كونه فيلسوفًا وجوديًا، يظهر في الكتاب كشخصية تستحقّ التأمل. يجادل المؤلف بأنّ دوستويفسكي قدّم تحليلات نفسية عميقة تتناول الهواجس والخوف والذنب، وهو ما ينسجم مع الطرح الوجودي. في رواياته، نجد الإنسان في صراع دائم مع نفسه ومع العالم، حيث يبحث عن الخلاص والهدف وسط اضطراباته الداخلية. هذا الصراع يتجلّى في أعماله، مثل: "الجريمة والعقاب"، حيث يواجه البطل تداعيات قراراته وتأثيرها على معنوياته وهويته.
أما فريدريك نيتشه، فهو شخصية محورية أخرى تناولها الكتاب. يقدّم نيتشه مفهوم "إرادة القوة" كإطار لفهم الوجود. يرى نيتشه أنّ الإنسان يجب أن يتجاوز قيود الأخلاق التقليدية وأن يسعى لإيجاد قيمه الخاصة. يُبرز الكاتب كيف أنّ نيتشه، رغم عدم انتمائه رسميًا للوجودية، ترك أثرًا عميقًا على فلاسفة مثل سارتر وكامو الذين استلهموا من أفكاره حول الحرية الفردية والتمرد على القيود المجتمعية.
يُخصّص الكتاب مساحة كبيرة لمناقشة فلسفة سارتر، الذي يُعتبر أحد أعمدة الفكر الوجودي. يقول سارتر إن "وجود الإنسان يسبق ماهيته"، بمعنى أنّ الإنسان ليس لديه جوهر مُحدّد مسبقًا، بل يكتسب ماهيته من خلال أفعاله واختياراته. الحرية هي جوهر الفلسفة السارترية، لكنّها حرية مشوبة بالمسؤولية. يشير الكاتب إلى أنّ سارتر لا يرى في الوجودية دعوة للفوضى أو الإلحاد، بل يعتبرها طريقة لإعادة تأكيد الإنسان على دوره كصانع للقيم. سقوط فكرة الله في الفكر السارتري لا يعني انهيار الأخلاق، بل يدعو الإنسان إلى أن يكون هو المسؤول عن صياغة قيمه الخاصة في عالم يفتقد الثوابت.
يتناول أوس حسن أيضًا فلسفة ألبير كامو التي تمثل نقطة التقاء بين العبث والتمرد. كامو يرى أنّ الحياة في جوهرها عبثية، وأنّ الإنسان يجد نفسه في مواجهة عالم غير منطقي لا يوفر أيّ إجابات واضحة. لكنه لا يدعو إلى الاستسلام لهذه العبثية، بل يدعو إلى التمرّد عليها من خلال خلق المعنى الشخصي. مقولة كامو الشهيرة "إذا استطاع المرء أن يقول مرة واحدة فقط: هذا واضح، فسيتم إنقاذ كلّ شيء" تعكس تفاؤله بأنّ الإنسان قادر على تجاوز العبث إذا ما تمكن من إيجاد معنى لحياته.
يركز الكتاب أيضًا على نقد كولن ولسون للفلسفة الوجودية. يرى ولسون أنّ بعض الفلاسفة الوجوديين انغمسوا في التشاؤم والعدمية، مما أدى إلى انحراف الفلسفة عن هدفها الأصلي. يعتقد ولسون أنّ الفلسفة يجب أن تكون وسيلة لتحفيز الإنسان على تحسين حياته وتوسيع آفاقه بدلًا من الانغماس في اليأس. ينتقد ولسون النزعة التعقيدية لبعض الفلاسفة الذين جعلوا الفلسفة تبدو بعيدة عن الواقع، ويقترح العودة إلى منهج أبسط وأكثر ارتباطًا بالحياة اليومية.
العلاج بالمعنى، الذي يُعدّ من أبرز جوانب الكتاب، يُبرز الجانب العملي للفلسفة الوجودية. يقتبس الكاتب من فيكتور فرانكل الذي يرى أنّ الإنسان، حتى في أقسى الظروف، يستطيع أن يجد معنى لحياته. العلاج بالمعنى يعتمد على تمكين الفرد من استكشاف قيمه وأهدافه الخاصة، مما يساعده على تجاوز القلق والألم. يشير الكاتب إلى أنّ إيجاد المعنى لا يتطلب ظروفًا مثالية، بل يمكن أن يكون نتيجة لتحدّيات وصراعات الفرد مع نفسه ومع العالم.
الوجودية، كما يصورها الكتاب، ليست مجرد فلسفة نظرية تتحدث عن القلق والعدم، بل هي أداة لفهم الذات والعالم. الكينونة، بما تحمله من معانٍ تتعلّق بالوعي والحرية والمسؤولية، ليست حالة ثابتة بل عملية مستمرة من التحول والنمو. البحث عن المعنى هو ما يميّز الإنسان، وهو ما يدفعه إلى تجاوز حدود ذاته والتفاعل مع الآخرين ومع الكون بأسره.
في نهاية المطاف، يبرز كتاب "الكينونة والمعنى" كرحلة فلسفية تأخذ القارئ في رحلة داخلية لاستكشاف ذاته وتحدّياته. يقدّم الكاتب أوس حسن رؤية متكاملة تجمع بين التحليل الفلسفي والواقع الإنساني، مما يجعل الكتاب مصدر إلهام لكلّ من يسعى لفهم أعمق لحياته ولمعنى وجوده. الفلسفة الوجودية، رغم كلّ جدليّاتها وانتقاداتها، تظلّ واحدة من أكثر المدارس الفكرية تأثيرًا على فهم الإنسان لنفسه وللعالم من حوله. هذا الكتاب، بمحتواه العميق وشموليته، ليس مجرد تأمل فلسفي، بل هو دعوة لإعادة التفكير في أسئلة الحياة الكبرى وتجديد العلاقة بين الكينونة والمعنى.
يمكن أن تكون نشأة الفرد في قرية هادئة مليئة بالطبيعة، أو مدينة صاخبة مليئة بالتحدّيات، عاملاً مؤثرًا في تشكيل وعيه. ولكنّ الأمر يتجاوز الجغرافيا، ليصل إلى الأخلاق والاختيارات الفردية؛ فمن الممكن أن يكون الفرد إنسانًا ذا مبادئ وأخلاق، أو شخصًا يغرق في ممارسات سلبية مثل السرقة أو التلاعب، وفقًا لقراراته وخياراته. هذه الجدلية بين الكينونة والمعنى هي محور كتاب "الكينونة والمعنى" الذي يقدّمه أوس حسن، حيث يضيء فيه على الأسئلة العميقة المتعلقة بوجود الإنسان، مستعينًا بأفكار الفلاسفة الوجوديين.
ينطلق الكتاب من نقطة أساسية، وهي أنّ الكينونة ليست مجرّد وجود، بل هي الوعي بذلك الوجود. يستعرض أوس حسن آراء العديد من الفلاسفة الذين تطرقوا لهذه المفاهيم، مثل جان بول سارتر، ومارتن هايدغر، الذين يعتبرون أنّ الوجود ليس مجرّد حقيقة فيزيائية، بل هو حالة إدراك وتفاعل مع العالم. يميّز هايدغر، على سبيل المثال، بين "الموجود"و"الوجود". فالموجود يشير إلى الأشياء ذات الطبيعة الثابتة، مثل الجمادات والنباتات، بينما الوجود يُخصص للكائنات الواعية التي تمتلك
القدرة على التفكير في ذاتها وإدراك وجودها في هذا العالم. من هذا المنطلق، يعتبر الوعي هو الركيزة التي تمنح الإنسان تفرّده عن باقي الكائنات.
كيركيغورد، أحد الرواد الأوائل في الفلسفة الوجودية، يُعرّف الوجود على أنه القدرة على التفكير بحرية وتحمل مسؤولية ذلك التفكير. يشير الكاتب إلى أنّ كيركيغورد يرى في الفزع العميق حالة ضرورية لتحفيز الإنسان على استكشاف ذاته والوصول إلى قرارات حاسمة تحدّد مساره. هذا الفزع، وإن بدا سلبيًا، إلّا أنه يقود الفرد إلى حالة من الوضوح التي تمكّنه من التحرر من القيود الزائفة، ويجعله يتحمّل مسؤولية حياته بالكامل.
دوستويفسكي، رغم الجدل حول كونه فيلسوفًا وجوديًا، يظهر في الكتاب كشخصية تستحقّ التأمل. يجادل المؤلف بأنّ دوستويفسكي قدّم تحليلات نفسية عميقة تتناول الهواجس والخوف والذنب، وهو ما ينسجم مع الطرح الوجودي. في رواياته، نجد الإنسان في صراع دائم مع نفسه ومع العالم، حيث يبحث عن الخلاص والهدف وسط اضطراباته الداخلية. هذا الصراع يتجلّى في أعماله، مثل: "الجريمة والعقاب"، حيث يواجه البطل تداعيات قراراته وتأثيرها على معنوياته وهويته.
أما فريدريك نيتشه، فهو شخصية محورية أخرى تناولها الكتاب. يقدّم نيتشه مفهوم "إرادة القوة" كإطار لفهم الوجود. يرى نيتشه أنّ الإنسان يجب أن يتجاوز قيود الأخلاق التقليدية وأن يسعى لإيجاد قيمه الخاصة. يُبرز الكاتب كيف أنّ نيتشه، رغم عدم انتمائه رسميًا للوجودية، ترك أثرًا عميقًا على فلاسفة مثل سارتر وكامو الذين استلهموا من أفكاره حول الحرية الفردية والتمرد على القيود المجتمعية.
يُخصّص الكتاب مساحة كبيرة لمناقشة فلسفة سارتر، الذي يُعتبر أحد أعمدة الفكر الوجودي. يقول سارتر إن "وجود الإنسان يسبق ماهيته"، بمعنى أنّ الإنسان ليس لديه جوهر مُحدّد مسبقًا، بل يكتسب ماهيته من خلال أفعاله واختياراته. الحرية هي جوهر الفلسفة السارترية، لكنّها حرية مشوبة بالمسؤولية. يشير الكاتب إلى أنّ سارتر لا يرى في الوجودية دعوة للفوضى أو الإلحاد، بل يعتبرها طريقة لإعادة تأكيد الإنسان على دوره كصانع للقيم. سقوط فكرة الله في الفكر السارتري لا يعني انهيار الأخلاق، بل يدعو الإنسان إلى أن يكون هو المسؤول عن صياغة قيمه الخاصة في عالم يفتقد الثوابت.
يتناول أوس حسن أيضًا فلسفة ألبير كامو التي تمثل نقطة التقاء بين العبث والتمرد. كامو يرى أنّ الحياة في جوهرها عبثية، وأنّ الإنسان يجد نفسه في مواجهة عالم غير منطقي لا يوفر أيّ إجابات واضحة. لكنه لا يدعو إلى الاستسلام لهذه العبثية، بل يدعو إلى التمرّد عليها من خلال خلق المعنى الشخصي. مقولة كامو الشهيرة "إذا استطاع المرء أن يقول مرة واحدة فقط: هذا واضح، فسيتم إنقاذ كلّ شيء" تعكس تفاؤله بأنّ الإنسان قادر على تجاوز العبث إذا ما تمكن من إيجاد معنى لحياته.
يركز الكتاب أيضًا على نقد كولن ولسون للفلسفة الوجودية. يرى ولسون أنّ بعض الفلاسفة الوجوديين انغمسوا في التشاؤم والعدمية، مما أدى إلى انحراف الفلسفة عن هدفها الأصلي. يعتقد ولسون أنّ الفلسفة يجب أن تكون وسيلة لتحفيز الإنسان على تحسين حياته وتوسيع آفاقه بدلًا من الانغماس في اليأس. ينتقد ولسون النزعة التعقيدية لبعض الفلاسفة الذين جعلوا الفلسفة تبدو بعيدة عن الواقع، ويقترح العودة إلى منهج أبسط وأكثر ارتباطًا بالحياة اليومية.
العلاج بالمعنى، الذي يُعدّ من أبرز جوانب الكتاب، يُبرز الجانب العملي للفلسفة الوجودية. يقتبس الكاتب من فيكتور فرانكل الذي يرى أنّ الإنسان، حتى في أقسى الظروف، يستطيع أن يجد معنى لحياته. العلاج بالمعنى يعتمد على تمكين الفرد من استكشاف قيمه وأهدافه الخاصة، مما يساعده على تجاوز القلق والألم. يشير الكاتب إلى أنّ إيجاد المعنى لا يتطلب ظروفًا مثالية، بل يمكن أن يكون نتيجة لتحدّيات وصراعات الفرد مع نفسه ومع العالم.
الوجودية، كما يصورها الكتاب، ليست مجرد فلسفة نظرية تتحدث عن القلق والعدم، بل هي أداة لفهم الذات والعالم. الكينونة، بما تحمله من معانٍ تتعلّق بالوعي والحرية والمسؤولية، ليست حالة ثابتة بل عملية مستمرة من التحول والنمو. البحث عن المعنى هو ما يميّز الإنسان، وهو ما يدفعه إلى تجاوز حدود ذاته والتفاعل مع الآخرين ومع الكون بأسره.
في نهاية المطاف، يبرز كتاب "الكينونة والمعنى" كرحلة فلسفية تأخذ القارئ في رحلة داخلية لاستكشاف ذاته وتحدّياته. يقدّم الكاتب أوس حسن رؤية متكاملة تجمع بين التحليل الفلسفي والواقع الإنساني، مما يجعل الكتاب مصدر إلهام لكلّ من يسعى لفهم أعمق لحياته ولمعنى وجوده. الفلسفة الوجودية، رغم كلّ جدليّاتها وانتقاداتها، تظلّ واحدة من أكثر المدارس الفكرية تأثيرًا على فهم الإنسان لنفسه وللعالم من حوله. هذا الكتاب، بمحتواه العميق وشموليته، ليس مجرد تأمل فلسفي، بل هو دعوة لإعادة التفكير في أسئلة الحياة الكبرى وتجديد العلاقة بين الكينونة والمعنى.