• لن نمل من تذكير إنسان العالم العربي الذي ما زال يرزح تحت وطأة تحالف السلطتين السياسية والدينية، بأن السبيل الوحيد للخروج من حالة التخلف التي يعاني منها عالمنا العربي يكمن في التحرر من الهيمنة والوصاية التي طوقته على مر العصور. فهذه الوصاية، التي امتدت عبر القرون، جعلت من الإنسان العربي مجرد كائن مهمل في عالم يشهد تطورًا غير مسبوق. في ذات الوقت الذي أصبح نظراؤه في العالم المتقدم هم مركز الحياة والكون، ليس بفضل الحظ أو الصدفة، بل بفضل مسار طويل من الكفاح المستمر بين قوى العقل المستنير والمعرفة من جهة، وقوى الأنظمة القديمة المتحجرة من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، نتوقف في هذا المقال عند حلقة محورية من تاريخ البشرية وذلك حينما تم اختراع آلة المطبعة التي ستغير شكل العالم إلى الأبد، حيث في تلك اللحظة التي كانت فيها المطبعة، أداة التنوير، ونقطة تحول جعلت الإنسان الذي سعى وراء المعرفة مركزًا للعالم، كان العالم الإسلامي يشهد تراجعًا مهولًا نتيجة انتصار قوى التخلف المعرفي التي عملت على إبقاء إنسانه في قاع الجهل والانغلاق.
اختراع المطبعة بين التنوير وظلام الاستبداد
على مر التاريخ، كانت المعرفة هي القوة التي تدفع الشعوب نحو التقدم، وكانت أدوات نشر هذه المعرفة من أهم عوامل النهضة الحضارية. فعندما اخترع يوهانس جوتنبرج المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر، دخلت أوروبا عصرًا جديدًا، حيث أُتيحت الأفكار لجماهير واسعة، وأصبح للعلم والتنوير أساس متين. وفي المقابل، كان رفض العالم الإسلامي للمطبعة علامة واضحة على انغلاق فكري طويل الأمد ساهم في تأخره عن ركب الحضارة.
المطبعة: المحرك الذي أعاد تشكيل العالم
كان للمطبعة دور جوهري في دفع أوروبا نحو عصر النهضة والتنوير. حيث جعل هذا الاختراع الكتب متاحة لجماهير كبيرة بعد أن كانت حكرًا على النخبة، مما أدى إلى انتشار الأفكار التي قادت إلى تغييرات جذرية. فَكُتُب مثل رينيه ديكارت، الذي دعا إلى العقلانية والتشكيك المنهجي، وأعمال جون لوك، الذي أسس لمفهوم الحقوق الفردية والحرية، وفولتير، الذي حارب الاستبداد السياسي والديني، كلها وصلت إلى جمهور واسع بفضل الطباعة.
كما أسهمت المطبعة في نشر أفكار جان جاك روسو، الذي دعا إلى المساواة والعقد الاجتماعي، ومونتسكيو، الذي قدم مفهوم فصل السلطات كأساس للحكم العادل. هذه الأفكار أسست لعصر التنوير الأوروبي، حيث بدأت المجتمعات تضع العقل والحرية في مركز اهتماماتها، مما أدى إلى انهيار القيود القديمة التي فرضتها الكنيسة والأنظمة المستبدة.
وبينما كانت أوروبا تعيش هذه الثورة الفكرية والمعرفية، كان العالم الإسلامي يرزح تحت عبء الجمود الفكري.
تحريم المطبعة: فتوى ضد المعرفة
وصلت المطبعة إلى الدولة العثمانية بعد وقت قصير من اختراعها، لكنها قوبلت برفض صارم. فلقد أصدر رجال الدين العثمانيون، فتاوى تحرّم استخدام المطبعة بحجة أنها "بدعة مضلة" تفسد اللغة العربية وتحمل خطر نشر الأفكار المخالفة للدين.
هذا الرفض لم يكن فقط نتاج جهل أو سوء تقدير، بل كان انعكاسًا لتحالف قوي بين رجال الدين والسلطة السياسية.
فلقد أصدر السلطان العثماني بايزيد الثاني فرماناً يحرم الطباعة على رعاياه المسلمين، في ذات الوقت الذي سمح لليهود والمسيحيين إنشاء مطابعهم داخل الدولة العثمانية شريطة عدم استعمال الحروف العربية. أما الأزهر فلقد أصدر بعض علمائه فتوى بتحريم طباعة الكتب الشرعية، بدعوى كونها تحرف العلوم.
عواقب غياب المطبعة عن العالم الإسلامي
أدى غياب المطبعة إلى عواقب وخيمة على المجتمعات الإسلامية، أبرزها:
1. الجمود الفكري: ظلت المعرفة في العالم الإسلامي محصورة بين النخبة، ما أدى إلى تراجع الحركة الفكرية، في الوقت الذي شهدت فيه أوروبا ثورة معرفية بفضل الطباعة.
2. التأخر العلمي: حُرِم العلماء المسلمون من الاستفادة من الكتب الأوروبية الحديثة، مما جعل العالم الإسلامي يتخلف عن التطورات العلمية.
3. العزلة الثقافية: ظل العالم الإسلامي معزولًا عن التطورات الفكرية التي اجتاحت أوروبا، مما أدى إلى اتساع الفجوة الحضارية بين الجانبين.
رجال الدين ومعارضة الابتكار
لم يكن تحريم المطبعة سوى حلقة واحدة في سلسلة طويلة من معارضة رجال الدين للابتكار. في وقت لاحق، وُوجهت تقنيات مثل التلغراف والكهرباء وصولا للتلفاز وحتى الإنترنت وغير ذلك مما يصعب عده برفض ديني مماثل.
إن رجال الدين يرون في كل ابتكار تهديدًا لسلطتهم، حيث إن نشر المعرفة يعني بكل تأكيد إعطاء الأفراد أدوات للتفكير النقدي، مما يؤدي حتما إلى تراجع الهيمنة الدينية والسياسية على المجتمع.
دروس النهضة الأوروبية
كانت المطبعة رمزًا للتحرر من القيود الفكرية، وأداة لإعادة تشكيل المجتمعات. بفضلها، استطاعت أوروبا أن تحقق تقدمًا هائلًا، حيث تم الفصل بين الدين والسياسة، وأصبح العلم في مقدمة الأولويات.
لكن في العالم الإسلامي، كان رفض المطبعة يعكس أزمة أعمق، وهي الانغلاق الفكري والجمود الذي فرضه تحالف رجال الدين مع السلطة السياسية.
نحو مستقبل أكثر إشراقًا
إن أزمة المطبعة ليست مجرد قصة تاريخية، بل درس مستمر يجب أن يُستفاد منه. فلا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ما لم يتحرر من القيود التي تفرضها القوى التقليدية. إن الدين يجب أن يكون مصدر إلهام روحي وأخلاقي، لا أداة للسيطرة على العقول.
نستطيع أن نقول جازمين أنه فقط عندما يتبنى العالم الإسلامي الانفتاح على العلم والابتكار، يمكنه أن يستعيد دوره الحضاري ويعود للمساهمة في تقدم البشرية.
وفي هذا السياق، نتوقف في هذا المقال عند حلقة محورية من تاريخ البشرية وذلك حينما تم اختراع آلة المطبعة التي ستغير شكل العالم إلى الأبد، حيث في تلك اللحظة التي كانت فيها المطبعة، أداة التنوير، ونقطة تحول جعلت الإنسان الذي سعى وراء المعرفة مركزًا للعالم، كان العالم الإسلامي يشهد تراجعًا مهولًا نتيجة انتصار قوى التخلف المعرفي التي عملت على إبقاء إنسانه في قاع الجهل والانغلاق.
اختراع المطبعة بين التنوير وظلام الاستبداد
على مر التاريخ، كانت المعرفة هي القوة التي تدفع الشعوب نحو التقدم، وكانت أدوات نشر هذه المعرفة من أهم عوامل النهضة الحضارية. فعندما اخترع يوهانس جوتنبرج المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر، دخلت أوروبا عصرًا جديدًا، حيث أُتيحت الأفكار لجماهير واسعة، وأصبح للعلم والتنوير أساس متين. وفي المقابل، كان رفض العالم الإسلامي للمطبعة علامة واضحة على انغلاق فكري طويل الأمد ساهم في تأخره عن ركب الحضارة.
المطبعة: المحرك الذي أعاد تشكيل العالم
كان للمطبعة دور جوهري في دفع أوروبا نحو عصر النهضة والتنوير. حيث جعل هذا الاختراع الكتب متاحة لجماهير كبيرة بعد أن كانت حكرًا على النخبة، مما أدى إلى انتشار الأفكار التي قادت إلى تغييرات جذرية. فَكُتُب مثل رينيه ديكارت، الذي دعا إلى العقلانية والتشكيك المنهجي، وأعمال جون لوك، الذي أسس لمفهوم الحقوق الفردية والحرية، وفولتير، الذي حارب الاستبداد السياسي والديني، كلها وصلت إلى جمهور واسع بفضل الطباعة.
كما أسهمت المطبعة في نشر أفكار جان جاك روسو، الذي دعا إلى المساواة والعقد الاجتماعي، ومونتسكيو، الذي قدم مفهوم فصل السلطات كأساس للحكم العادل. هذه الأفكار أسست لعصر التنوير الأوروبي، حيث بدأت المجتمعات تضع العقل والحرية في مركز اهتماماتها، مما أدى إلى انهيار القيود القديمة التي فرضتها الكنيسة والأنظمة المستبدة.
وبينما كانت أوروبا تعيش هذه الثورة الفكرية والمعرفية، كان العالم الإسلامي يرزح تحت عبء الجمود الفكري.
تحريم المطبعة: فتوى ضد المعرفة
وصلت المطبعة إلى الدولة العثمانية بعد وقت قصير من اختراعها، لكنها قوبلت برفض صارم. فلقد أصدر رجال الدين العثمانيون، فتاوى تحرّم استخدام المطبعة بحجة أنها "بدعة مضلة" تفسد اللغة العربية وتحمل خطر نشر الأفكار المخالفة للدين.
هذا الرفض لم يكن فقط نتاج جهل أو سوء تقدير، بل كان انعكاسًا لتحالف قوي بين رجال الدين والسلطة السياسية.
فلقد أصدر السلطان العثماني بايزيد الثاني فرماناً يحرم الطباعة على رعاياه المسلمين، في ذات الوقت الذي سمح لليهود والمسيحيين إنشاء مطابعهم داخل الدولة العثمانية شريطة عدم استعمال الحروف العربية. أما الأزهر فلقد أصدر بعض علمائه فتوى بتحريم طباعة الكتب الشرعية، بدعوى كونها تحرف العلوم.
عواقب غياب المطبعة عن العالم الإسلامي
أدى غياب المطبعة إلى عواقب وخيمة على المجتمعات الإسلامية، أبرزها:
1. الجمود الفكري: ظلت المعرفة في العالم الإسلامي محصورة بين النخبة، ما أدى إلى تراجع الحركة الفكرية، في الوقت الذي شهدت فيه أوروبا ثورة معرفية بفضل الطباعة.
2. التأخر العلمي: حُرِم العلماء المسلمون من الاستفادة من الكتب الأوروبية الحديثة، مما جعل العالم الإسلامي يتخلف عن التطورات العلمية.
3. العزلة الثقافية: ظل العالم الإسلامي معزولًا عن التطورات الفكرية التي اجتاحت أوروبا، مما أدى إلى اتساع الفجوة الحضارية بين الجانبين.
رجال الدين ومعارضة الابتكار
لم يكن تحريم المطبعة سوى حلقة واحدة في سلسلة طويلة من معارضة رجال الدين للابتكار. في وقت لاحق، وُوجهت تقنيات مثل التلغراف والكهرباء وصولا للتلفاز وحتى الإنترنت وغير ذلك مما يصعب عده برفض ديني مماثل.
إن رجال الدين يرون في كل ابتكار تهديدًا لسلطتهم، حيث إن نشر المعرفة يعني بكل تأكيد إعطاء الأفراد أدوات للتفكير النقدي، مما يؤدي حتما إلى تراجع الهيمنة الدينية والسياسية على المجتمع.
دروس النهضة الأوروبية
كانت المطبعة رمزًا للتحرر من القيود الفكرية، وأداة لإعادة تشكيل المجتمعات. بفضلها، استطاعت أوروبا أن تحقق تقدمًا هائلًا، حيث تم الفصل بين الدين والسياسة، وأصبح العلم في مقدمة الأولويات.
لكن في العالم الإسلامي، كان رفض المطبعة يعكس أزمة أعمق، وهي الانغلاق الفكري والجمود الذي فرضه تحالف رجال الدين مع السلطة السياسية.
نحو مستقبل أكثر إشراقًا
إن أزمة المطبعة ليست مجرد قصة تاريخية، بل درس مستمر يجب أن يُستفاد منه. فلا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ما لم يتحرر من القيود التي تفرضها القوى التقليدية. إن الدين يجب أن يكون مصدر إلهام روحي وأخلاقي، لا أداة للسيطرة على العقول.
نستطيع أن نقول جازمين أنه فقط عندما يتبنى العالم الإسلامي الانفتاح على العلم والابتكار، يمكنه أن يستعيد دوره الحضاري ويعود للمساهمة في تقدم البشرية.