حتى تفهم استراتيجية الكاتب في قدراته للوصول إلى عقل المتلقي وذائقته، فإنه يحتاج بطبيعة الأمر إلى استخدام عدة طرق للاستحواذ على اهتمام المتلقي وخطفه من ذاته، بدءًا من بوابة المنجز ممثلاً بعنوانه الجاذب، ومعناه الذي يتيح للمتلقي سبر غور محتواه، وهو يجمع لغتين من لغات التأثير على المتلقي، لغة زهر الياسمين العَطِر الناشر للشذى المنعش، ولغة الابتسام التي تعد لغة التوادد والتقارب العالمية، مروراً إلى متن الكتاب الذي تم تشكيله بشكل فصول، مُنحت هي الأخرى مفاتيح وبوابات لعبورها، ومن ثم تلج المحتوى بخطوة الثبات وما يتداخل فيه من فنيات الكتابة الوجدانية التي لجأ إليها زياد جيوسي واختارها عن صميم قصد، لتكون للمتلقي مغترفاً في الوصول إلى ذائقته وغرْف مشاعر الإعجاب والتفاعل.
أول ما تلتقط من وجدانيات الكاتب جيوسي ذلك العشق المنتمي للوطن وتضاريسه، فيتعامل معه على أنه المعشوقة التي يأتيها وإلتياعه يُسابقة بكلِّ الشوق واللهفة حاملاً بالأعطافِ مشاعر وِدَادِهِ وانفعالِهِ، ليرتمي في أحضانِها وَلِهاً بإحساسِ عاشق، ويُراقص مدينته (رام الله) بكلّ الحبَّ، وبكثير ودادٍ وشوق يتذاوَبُ مع مسيل المداد ليُسجِّل ياسميناته الباسمة، ولرام الله في ضمير ووجدان الكاتب جيوسي مشاعر خاصة، هي ليست موطئ قدم لزائرٍ عابر يزورها بين حينٍ وحين، بالنسبة له؛ هي عبق تاريخ، وذكرى، وحكايات، واشتعالات صِبا، واشتغالات باح لها بعشق الأماكن، ومزارات تنقلاته في أرجاءِ الوطن، فصارت جميعها معشوقاته العديدة، يمارس فيها ومعها غراميات عاشق وطن!
وياسمينات باسمة.. هي همسات وجد؛ تُسجل يوميات الجيوسي وهو يمارس عشق اللحظات مع تضاريس الوطن، وقد لامسته منه مشاعر الوصال بأجمل خِصال، فراح يَبثهُ غزله وسحائب أشواقه، بحبٍّ يعبُرُ روحه كاليقين، ويتغلغل هوناً بخافقه كمعزوفة الحنين، كنقرات رشات الماء في الودق الخفيف، يرتدي مشاعراً دافئة بحشو رقيق ناعم، موجهاً إياها نحو لحظات التميز، بعمر الدقيقة والساعة والأيام حتى تقلب السنين، حنين الروح الذي ليس بعده احتمال حنين، كلّ شيء فيه يتمرد حنينا وأنيناً واشتياقاً بجنون عاشق ولهان، داهمته المشاعر في غفلة الغياب، لتقطف من روحه سنبلة المودة المثقلة نعيماً؛ بمنجل الاشتياق.. فيا له من اشتياق؟
والجيوسي لا يكتفي بقدرته على مناجاة طيف الحبيبة وإفراغ ما في جعبته مما يعتمل داخله من الشوق والهيام، وإنما يجعلها في الجانب الآخر تناطقه الهوى، وتعبر هي الأخرى عن وجدانياتها وعما يجول في مكنونها، فتراه يسكب العبارات والتركيبات اللغوية الرومانسية بكثير مشاعر، فهو يُعايش الطيْف كما يُعايش الحقيقة، ويُناطق نفسه وطيْفه كما الحوار المجدي في الحالة غير الافتراضية، فالطيف دوما في حالة اجتياح لروحه، يجتهد ليستحضر طيفه المُغرد عِشقاً كلّ حين، ويظلُّ عبق الياسمين هو سِحر تلك المشاعر الفياضة المتبادلة، فيرى طيفه الأسطوري ملكة خارقة الجمال مكتملة الأوصاف تفيض بالأنوثة، فيما يرى نفسه أميرها المتيم الهائم بها عشقاً ودلاً.
وللقهوة في ميزان الكاتب جيوسي قدر عالي من الأهمية، رفيقته التي لا تغيب عندما يتلألأ أكسير الانسكاب من كأس الحروف، ولا تقوى نفسه عنها مغارب الغياب، نبيذ صباحاته ومساءاته وكل وقت تغبطهُ في سلواها الأزمان، لدرجة أنه كثيراً ما يَصفها في كتابهِ على أنها من مُكملات لحظات السعادة حين تلتحف روحه ببرزخ التعمد في دفئها، بل فيها يعثر على سر الحياة وفلسفة الرؤى في آفاق البهجة، من شأنها أن ترفع منسوب جودة المزاج، بحيث تمنح اللحظة طعم البهاء والرومانسية، فلشربها هي الأخرى طقوس وحكاية، تُسكبُ بموصلات الروح غدق الأنس، وسطوع الألق، وفخامة التمازج، وكأنها تفتح العقل لتلقي أبهة الإحساس باللحظة، حتى أننا نستشعره يحصي عدد النبضات في شريان الطيف المتوهج بالإحساس.
تكرار مصطلح التحليق عند الجيوسي دلالة واضحة على ما ترسخ في يقين الكاتب من سمو المكانة التي يرغب الارتفاع إليها مع محبوبته، والتي يواصل الهمة في بثها لوعاته وهمساته ونبضات خافقه، كما يستمر في تبليغها كلّ ما شابَهُ من لوعات، وما غنمت في روحه منْ مكانةٍ سامية، فالروح لها ظمأى، ولحبها عطشى، ولودادِها يُعايش الحلم مستجدياً وصلها كل حين، وهو يحمل بين جنباته قلباً مدججاً بالرفاه والحب والحنين.
وكذلك تكرار وصف الأماكن والأشياء بالكرمية عند الجيوسي لهي دلالة على ربط هذه الأشياء بجمالية معرشات الكروم وعنبها العسلي يتدلى كقطوف المجوهرات المتلألئة التي تمثل للكاتب منتهى الخير الوفير مع جمال الطبيعة الخضراء التي تلهب العقل بالإبداع والتفكير الايجابي، لأنها تعبئ النفس البشرية بالايجاب من الشعور، وتُريح النفس، وتُرخي الأعصاب.. كمثل: رُبى كرمية، ومدينة كرمية، ولحظات كرمية، وبستان كرمي، وساحرة كرمية، وغيرها كثير يتكئ عليها الكاتب في دلالته بالوصف لمنحها صفة وفرة الفيض، إذا الكرمية التي يعنيها الكاتب إن هي إلا لطائف ربانية في خلق الله العظيم للكون، وما يشتمل عليه من خير كثير وجمال فاخر.
ولصومعة الكاتب موقع أثير في نفسه فهي مكان عيشه، وجلوسه، وأنسه، وشاهدة انسكباته، حيث يجد راحته بين أشيائه الخاصة، ووسائل اشباعاته العقلية الكامنة ككاتب وباحث وموثق، ففضاء الكاتب في الغالب يكون حيزه الأثير الذي يوفر له كل أسباب تدفق ابداعاته، فهو وطنه الصغير ومحتواه الكبير حيث يعثر فيه على دالته مما يطمح الوصول إليه في عمله الكتابي، فالكاتب هنا يصف صومعته بكل وصف باتع مملوء بالنور والبخور، تكاد تنشده لروعته حتى الطيور، متجلياً بروائع ما تتجاذبه داخله تلويحات مشاعر الطلاوة، وتنتابة إلى عوالم طيفه العبور .
ومن البداهة أن تتملك نفس الكاتب السعادة داخل صومعته، حيث يعثر في زواياها على قدراته في العمل الخلاق، غير منسلخ عن تراثه الموروث العريق، ورموزه التي تعيش في كنف وطن عزيز حبيب يئن تحت سطوة الاحتلال، وليلج ذاكرته القديمة والجديدة على حد سواء، يشهدها تتحرك معاه وترافقه كيفما اتجه، وعبق القرية يُعَشعِش في عقله وخياله وواقعه المُعاش، فهو يرى في قريتِهِ ودارِهِ القديمة خاتمة المطاف، ومحطته الأخيرة الزاخرة بالمحبة والأسرار.
فالمبدعون بالعادة يميلون نحو التقوقع في زواياهم الأثيرة التي تفتح لهم بوابات الإبداع على مصراعيها، فالكاتب زياد جيوسي ليس ممن يترك الأشياء خلفه ولا يوليها اهتمامه، وإنما يمنحها فسحة من بحثه التاريخي في الأماكن القديمة والمتروكة دون توثيق لائق، تشده قرى بلاده ومدنها على ما احتوتها من أماكن هجرها أهلها وبانوها، وتركوا في زواياها قصصاً وأسراراً وأحداثاً جسام.
فزياد جيوسي ممن هوى الوطن وأوفى إليه حقه، بأن منحة ما تبقى من عمره، ليوثق الأماكن بالصورة والخبر، فالكاتب يمتلك في مدادِهِ شُعباً من وجدانيات يلجها بثبات واثق الخُطى، ليس ليعيش عاطفة هوجاء يخطها بمداد الأشواق، بل ليجعلها مدخله إلى الهدف الأسمى والأجل.
وكالعابر للضفة الأخرى للقلب تأتي الولادة بمخاض رحيم..ولادة حب منتظر سخي الاشتهاء، ولد ذات مساء يصهل به الشعر وتترنم به أوتار العزف والغناء، وإذا الروح تبرأ من كل الجراح، حين العمر يهديها شطراً من زمن السعادة، وإذا شرايين القلب تقطرُ شعورها وميضاً يُضيء سماء الوجود، ليختار كاتبنا أنْ يتبعَ نبض أحساسه بهذا العِشق الذي شقّ عن قلبه ظلمة الماضي، فليس مِنْ شيءٍ قادرٍ على أنْ يَسُدّ عنه أنفاس الحياة وهي تمنحه وعد الحُلم بعد طول صيام، وحين تتحقق الأحلام يضرب القلب طبول النصر في استعراض قصيدة (ساحرة الشفاه الكرمية) وأنوثة صارخة تنادي أنفاس عشقه لوطن يحلم به حراً طليقاً.
هي واحة فرح مخضرة وجد نفسه يُحلّق بين أفنانها بشوق متلهف غير صبور؛ لطالما انتظرها، بل بحث عنها دون تعب ولا كلل، حتى الصخر نبش في جلمودِهِ وحفر ملامحها المتخيَّلة على صلادته، وكان القمر دوماً شاهدهُ يرقبُ لهفته ويتابع خطواته، فحين تبتسم له الحياة تشرق شمسه المضيئة بسطوع عجيب، فهل تراه ذلك المتسمر على حدس الروح على مذبح العشق العاصف، ليتطهر بابتسامة محبوبته من رحلة شتاته العصيبة؟..
هي وحدها من تستطيع أنْ تروي ظمأه؛ وتعالجُ تشقق شفتيه، وهي الوحيدة التي لطالما تمنى أنْ يقف أمامها كالآلهة لينثني لها خشوعاً واعتمالاً، فيا لخالقٍ أبدَع في خلقها فجمَّل كل ما فيها حتى العُمق، إلى قاع روحها العابقة بسحر الخلود.. أتراها ولدتْ له ولأجله؟.. وانتظرت على مشارف سنينها العجاف لتقول لنفسها: نعم ها قد وصلت غيمة غيثي التي أبغي وأريد؟!
وكلما تقدمتُ بالمطالعة في أعماق متن مؤلف الجيوسي، أجدني بلا سيطرة مني أتحول لطير محلّق في فضاءات ليست كأيِّ فضاءات، مفتوحة هي إلى ما لا نهاية في امتداد الضوء، أضواءٌ تناديك بصوتٍ حانٍ، وتشدك منْ تلابيبك أنْ أقبل وعانق دفء حروفي بفضولِ منْ يَنشدَ العُبور إلى تراتيل الوصال، لتجتاحك مشاعر مِنْ نور تُلهِبُ عقلك بغراميات عاشق، عشق مدينته رام الله بقدر عشق طيفه الأنثوي الذي راح يَسكبُ له الكثير مِنْ أفكاره وغزلياته وبوح ليله ونهاره، ومع مطلع كلّ نهار تجد عاشق رام الله؛ يفتحُ عيون يقظته على تفاصيل المدينة ليعانقها بوجدِ عاشقٍ ولهٍ، يُبعثِر أسفارهِ في فضاء المدينة، فنراه يتقلب بين عشقين مجنونين، عشق رام الله وعشق طيفه الأسطوري حتى لنكاد نسمع لنبض قلبه طرقاً عالياً يوقف رحيل الشمس من شروقها حتى غروبها ليُحملها رسائل وداده وانسكاباته، فكيف لعاشقٍ ولهٍ لا تأخذه ريشته إلى عرين التضاريس ليُمارس معها كتاباته مع بوح الذات للذات.
لكنه لا يني يربط ذلك العشق المجنون بين حبين لا ثالث لهما إلا الوطن الأم الذي يستحوذ على كيانه حتى العمق، وأحلامه تعفر داخله بالرغبة الجامحة بتحريره وفك قيده، وإطلاق أجنحة طيره عبر فيافيه وسهوله وجباله ووديانه، ليستنشق هواءه وعبق أزهاره وأشجاره عله يلقى أنثاه التي لطالما انتظرها، وأخيراً وجدها في طيفه الملازم لحظات تدفق مشاعره.
والجيوسي لا يخفي سره فهو يخبرنا أنّ معشوقته هي أنثى كنعانية فلسطينية الوشم، مهرة برية لم تروض بَعد، تطلقُ عطرها ياسميناً يعربش صدرها وقامتها، فيحرسها بروحه ووجدانه، ويطعمها هواه، ويشبعها بقبلاته، فقد اشتعل بعشقها واشتعلت بعشقه حتى تمازجا روحاً وحياة ومشاعر، ويجدُ أنّ القهوة التي تشاركه عشقه تمتزجُ على شفتيهما بطعم القبلة اللذيذة، وحكاياهما معاً في معاناة وطن استبدل مناضلوه البندقية بالعصا، وتقزموا ببطاقة انتماء لنظام احتلال، وبقليل من تسهيلات لا تصنع لهم حرية، ولا تمنحهم حتى حق انتماء حقيقي، يعيشان توجع وطن اغتُصب مرتين، مرة بقوة السلاح وأخرى بسحر الوعود الهزيلة، والاتفاقيات المنحازة.
والجيوسي يُحوِّل رؤياه مع أنثاه لحوار رومانسي متبادل بينه وبين المعشوقة التي ساكنته حياته، وأقامت معه في صومعتهِ الصغيرة أسفل المبنى الكبير، حيث وجد فيها عالمة المتخيل في أعماق شعوره، عثر فيها على حدائقه السرية التي أذهلت العشاق وتاهوا على أسوارها، فيبثها حبه لحظة أنْ يُطوِّقها بساعدية ويجول مجاهلها وهضابها ويغيب في أنحائها سياحته الأجمل.
هذا العشق الساري عبر أوردته، الحب اللابد في أعماق نفسه الولهة، هذا العالم اللازوردي الذي يتحوطه ليس حلماً، ليس وهماً، إنه تدفق وجداني حقيقي، لا هي بالسيرة الذاتية، ولا هي بأساطير يتردد صداها في أعماق الذات لينتشلها هوناً، بل هي مشاعر شفافة متدفقة مبهرة الرؤية، ولسانٌ ناطقٌ يُترجمُ إحساس ونبض ووجد، هي مضاجعة حروف تجري رخوة سلسبيلاً لا تعترضها أي عقبات، تُسجِّلُ نبضاً، تسكبُ دفقاً، تُمارس رقصاً أثيرياً مُعبراً حالماً، يُحلّق من خلاله في ملكوت أحاسيس تُقبلُ كالموج المتلاحق لتذوي في نهاية المطاف بسكون وهدوء على رمل الشاطئ وتبلل خده بشوق من وصل منتهاه.
فالعِشق عند زياد جيوسي حالة طفولة مُكتملة، يَتشبثُ من خلالِهِا بمفتاح الحياة ناشداً سعادته القصوى في بيت مكنونه، طفلٌ ما زال يحملُ في أعماقهِ الحنين لأنثى هي من تمنحه الحياة كما الأم الرؤوم، فالرجل لا يترك صدر أمه إلا ليعاوده ذات الحنين إياه من جديد، ليرتمي على صدر محبوبته فيعود في حضنها ذاك الطفل المُهاجر الذي ينشد مكمن أمن نفسه وراحتها، فيبثها غرامه وهيامه، ويَفردُ بين يديها سِقام ولعه واشتياقه وانسجامه، لينبثق في داخله ربيعاً يَفيضُ زهره في أعطاف روحه، ويُناثِرُ الطلح مع الريح لواقِحاً عِذاباً، ويموجُ الحِسُّ في لجة عقله وقلبه، ويفتحُ للنبض بصيرة عاشق يَخِرُّ في حضرة أنثاهُ مُسبحا خاشعاً، طفلٌ يتجلى بالعبادة ويُساكِنُ أمنه ومُناه.
فاخلع نعليك أيها المتلقي ها هنا، واعبر إلى متن منجز زياد جيوسي بقدمك اليمنى، ولا تخشَ شيئا ولا تُبادرك الأفكار المُسبقة، فستجد نفسك تدخل عرين عاشق وَلِه، يتماهى مع مشاعر جميلة تتدفق بانسياب جميل، وبأفكار يتجمل عزفها بكل نوتات الحس والذوق الجميل، حسٌ ينبض، ونبضٌ يعبق بأريج ربيع دائم تخال نفسك تلِجُ جنته المحفوفة بكلِّ الروعة والإثارة، وأنت موقن على أنك مقبلٌ على التمازج مع موجوداته.
ولاستشهد هنا بعشق نزار قباني الذي حدد لنفسه القرار واتخذه بكل إصرار، وعمد إلى شروحاته متخذا لنفسه معها الحوار، على غرار كاتبنا هنا الأديب زياد جيوسي
إنّي عشِقْتُكِ.. واتَّخذْتُ قَرَاري
فلِمَنْ أُقدِّمُ - يا تُرى - أَعْذَاري
لا سلطةً في الحُبِّ.. تعلو سُلْطتي
فالرأيُ رأيي.. والخيارُ خِياري
هذه أحاسيسي.. فلا تتدخَّلي
أرجوكِ، بين البَحْرِ والبَحَّارِ..
ظلِّي على أرض الحياد.. فإنَّني
سأزيدُ إصراراً على إصرارِ
ماذا أَخافُ؟ أنا الشّرائعُ كلُّها
وأنا المحيطُ.. وأنتِ من أنهاري
وأنا النّساءُ، جَعَلْتُهُنَّ خواتماً
بأصابعي.. وكواكباً بِمَدَاري
خَلِّيكِ صامتةً.. ولا تتكلَّمي
فأنا أُديرُ مع النّساء حواري
وأنا الذي أُعطي مراسيمَ الهوى
للواقفاتِ أمامَ باب مَزاري
وأنا أُرتِّبُ دولتي.. وخرائطي
وأنا الذي أختارُ لونَ بحاري
وأنا أُقرِّرُ مَنْ سيدخُلُ جنَّتي
وأنا أُقرِّرُ منْ سيدخُلُ ناري
أول ما تلتقط من وجدانيات الكاتب جيوسي ذلك العشق المنتمي للوطن وتضاريسه، فيتعامل معه على أنه المعشوقة التي يأتيها وإلتياعه يُسابقة بكلِّ الشوق واللهفة حاملاً بالأعطافِ مشاعر وِدَادِهِ وانفعالِهِ، ليرتمي في أحضانِها وَلِهاً بإحساسِ عاشق، ويُراقص مدينته (رام الله) بكلّ الحبَّ، وبكثير ودادٍ وشوق يتذاوَبُ مع مسيل المداد ليُسجِّل ياسميناته الباسمة، ولرام الله في ضمير ووجدان الكاتب جيوسي مشاعر خاصة، هي ليست موطئ قدم لزائرٍ عابر يزورها بين حينٍ وحين، بالنسبة له؛ هي عبق تاريخ، وذكرى، وحكايات، واشتعالات صِبا، واشتغالات باح لها بعشق الأماكن، ومزارات تنقلاته في أرجاءِ الوطن، فصارت جميعها معشوقاته العديدة، يمارس فيها ومعها غراميات عاشق وطن!
وياسمينات باسمة.. هي همسات وجد؛ تُسجل يوميات الجيوسي وهو يمارس عشق اللحظات مع تضاريس الوطن، وقد لامسته منه مشاعر الوصال بأجمل خِصال، فراح يَبثهُ غزله وسحائب أشواقه، بحبٍّ يعبُرُ روحه كاليقين، ويتغلغل هوناً بخافقه كمعزوفة الحنين، كنقرات رشات الماء في الودق الخفيف، يرتدي مشاعراً دافئة بحشو رقيق ناعم، موجهاً إياها نحو لحظات التميز، بعمر الدقيقة والساعة والأيام حتى تقلب السنين، حنين الروح الذي ليس بعده احتمال حنين، كلّ شيء فيه يتمرد حنينا وأنيناً واشتياقاً بجنون عاشق ولهان، داهمته المشاعر في غفلة الغياب، لتقطف من روحه سنبلة المودة المثقلة نعيماً؛ بمنجل الاشتياق.. فيا له من اشتياق؟
والجيوسي لا يكتفي بقدرته على مناجاة طيف الحبيبة وإفراغ ما في جعبته مما يعتمل داخله من الشوق والهيام، وإنما يجعلها في الجانب الآخر تناطقه الهوى، وتعبر هي الأخرى عن وجدانياتها وعما يجول في مكنونها، فتراه يسكب العبارات والتركيبات اللغوية الرومانسية بكثير مشاعر، فهو يُعايش الطيْف كما يُعايش الحقيقة، ويُناطق نفسه وطيْفه كما الحوار المجدي في الحالة غير الافتراضية، فالطيف دوما في حالة اجتياح لروحه، يجتهد ليستحضر طيفه المُغرد عِشقاً كلّ حين، ويظلُّ عبق الياسمين هو سِحر تلك المشاعر الفياضة المتبادلة، فيرى طيفه الأسطوري ملكة خارقة الجمال مكتملة الأوصاف تفيض بالأنوثة، فيما يرى نفسه أميرها المتيم الهائم بها عشقاً ودلاً.
وللقهوة في ميزان الكاتب جيوسي قدر عالي من الأهمية، رفيقته التي لا تغيب عندما يتلألأ أكسير الانسكاب من كأس الحروف، ولا تقوى نفسه عنها مغارب الغياب، نبيذ صباحاته ومساءاته وكل وقت تغبطهُ في سلواها الأزمان، لدرجة أنه كثيراً ما يَصفها في كتابهِ على أنها من مُكملات لحظات السعادة حين تلتحف روحه ببرزخ التعمد في دفئها، بل فيها يعثر على سر الحياة وفلسفة الرؤى في آفاق البهجة، من شأنها أن ترفع منسوب جودة المزاج، بحيث تمنح اللحظة طعم البهاء والرومانسية، فلشربها هي الأخرى طقوس وحكاية، تُسكبُ بموصلات الروح غدق الأنس، وسطوع الألق، وفخامة التمازج، وكأنها تفتح العقل لتلقي أبهة الإحساس باللحظة، حتى أننا نستشعره يحصي عدد النبضات في شريان الطيف المتوهج بالإحساس.
تكرار مصطلح التحليق عند الجيوسي دلالة واضحة على ما ترسخ في يقين الكاتب من سمو المكانة التي يرغب الارتفاع إليها مع محبوبته، والتي يواصل الهمة في بثها لوعاته وهمساته ونبضات خافقه، كما يستمر في تبليغها كلّ ما شابَهُ من لوعات، وما غنمت في روحه منْ مكانةٍ سامية، فالروح لها ظمأى، ولحبها عطشى، ولودادِها يُعايش الحلم مستجدياً وصلها كل حين، وهو يحمل بين جنباته قلباً مدججاً بالرفاه والحب والحنين.
وكذلك تكرار وصف الأماكن والأشياء بالكرمية عند الجيوسي لهي دلالة على ربط هذه الأشياء بجمالية معرشات الكروم وعنبها العسلي يتدلى كقطوف المجوهرات المتلألئة التي تمثل للكاتب منتهى الخير الوفير مع جمال الطبيعة الخضراء التي تلهب العقل بالإبداع والتفكير الايجابي، لأنها تعبئ النفس البشرية بالايجاب من الشعور، وتُريح النفس، وتُرخي الأعصاب.. كمثل: رُبى كرمية، ومدينة كرمية، ولحظات كرمية، وبستان كرمي، وساحرة كرمية، وغيرها كثير يتكئ عليها الكاتب في دلالته بالوصف لمنحها صفة وفرة الفيض، إذا الكرمية التي يعنيها الكاتب إن هي إلا لطائف ربانية في خلق الله العظيم للكون، وما يشتمل عليه من خير كثير وجمال فاخر.
ولصومعة الكاتب موقع أثير في نفسه فهي مكان عيشه، وجلوسه، وأنسه، وشاهدة انسكباته، حيث يجد راحته بين أشيائه الخاصة، ووسائل اشباعاته العقلية الكامنة ككاتب وباحث وموثق، ففضاء الكاتب في الغالب يكون حيزه الأثير الذي يوفر له كل أسباب تدفق ابداعاته، فهو وطنه الصغير ومحتواه الكبير حيث يعثر فيه على دالته مما يطمح الوصول إليه في عمله الكتابي، فالكاتب هنا يصف صومعته بكل وصف باتع مملوء بالنور والبخور، تكاد تنشده لروعته حتى الطيور، متجلياً بروائع ما تتجاذبه داخله تلويحات مشاعر الطلاوة، وتنتابة إلى عوالم طيفه العبور .
ومن البداهة أن تتملك نفس الكاتب السعادة داخل صومعته، حيث يعثر في زواياها على قدراته في العمل الخلاق، غير منسلخ عن تراثه الموروث العريق، ورموزه التي تعيش في كنف وطن عزيز حبيب يئن تحت سطوة الاحتلال، وليلج ذاكرته القديمة والجديدة على حد سواء، يشهدها تتحرك معاه وترافقه كيفما اتجه، وعبق القرية يُعَشعِش في عقله وخياله وواقعه المُعاش، فهو يرى في قريتِهِ ودارِهِ القديمة خاتمة المطاف، ومحطته الأخيرة الزاخرة بالمحبة والأسرار.
فالمبدعون بالعادة يميلون نحو التقوقع في زواياهم الأثيرة التي تفتح لهم بوابات الإبداع على مصراعيها، فالكاتب زياد جيوسي ليس ممن يترك الأشياء خلفه ولا يوليها اهتمامه، وإنما يمنحها فسحة من بحثه التاريخي في الأماكن القديمة والمتروكة دون توثيق لائق، تشده قرى بلاده ومدنها على ما احتوتها من أماكن هجرها أهلها وبانوها، وتركوا في زواياها قصصاً وأسراراً وأحداثاً جسام.
فزياد جيوسي ممن هوى الوطن وأوفى إليه حقه، بأن منحة ما تبقى من عمره، ليوثق الأماكن بالصورة والخبر، فالكاتب يمتلك في مدادِهِ شُعباً من وجدانيات يلجها بثبات واثق الخُطى، ليس ليعيش عاطفة هوجاء يخطها بمداد الأشواق، بل ليجعلها مدخله إلى الهدف الأسمى والأجل.
وكالعابر للضفة الأخرى للقلب تأتي الولادة بمخاض رحيم..ولادة حب منتظر سخي الاشتهاء، ولد ذات مساء يصهل به الشعر وتترنم به أوتار العزف والغناء، وإذا الروح تبرأ من كل الجراح، حين العمر يهديها شطراً من زمن السعادة، وإذا شرايين القلب تقطرُ شعورها وميضاً يُضيء سماء الوجود، ليختار كاتبنا أنْ يتبعَ نبض أحساسه بهذا العِشق الذي شقّ عن قلبه ظلمة الماضي، فليس مِنْ شيءٍ قادرٍ على أنْ يَسُدّ عنه أنفاس الحياة وهي تمنحه وعد الحُلم بعد طول صيام، وحين تتحقق الأحلام يضرب القلب طبول النصر في استعراض قصيدة (ساحرة الشفاه الكرمية) وأنوثة صارخة تنادي أنفاس عشقه لوطن يحلم به حراً طليقاً.
هي واحة فرح مخضرة وجد نفسه يُحلّق بين أفنانها بشوق متلهف غير صبور؛ لطالما انتظرها، بل بحث عنها دون تعب ولا كلل، حتى الصخر نبش في جلمودِهِ وحفر ملامحها المتخيَّلة على صلادته، وكان القمر دوماً شاهدهُ يرقبُ لهفته ويتابع خطواته، فحين تبتسم له الحياة تشرق شمسه المضيئة بسطوع عجيب، فهل تراه ذلك المتسمر على حدس الروح على مذبح العشق العاصف، ليتطهر بابتسامة محبوبته من رحلة شتاته العصيبة؟..
هي وحدها من تستطيع أنْ تروي ظمأه؛ وتعالجُ تشقق شفتيه، وهي الوحيدة التي لطالما تمنى أنْ يقف أمامها كالآلهة لينثني لها خشوعاً واعتمالاً، فيا لخالقٍ أبدَع في خلقها فجمَّل كل ما فيها حتى العُمق، إلى قاع روحها العابقة بسحر الخلود.. أتراها ولدتْ له ولأجله؟.. وانتظرت على مشارف سنينها العجاف لتقول لنفسها: نعم ها قد وصلت غيمة غيثي التي أبغي وأريد؟!
وكلما تقدمتُ بالمطالعة في أعماق متن مؤلف الجيوسي، أجدني بلا سيطرة مني أتحول لطير محلّق في فضاءات ليست كأيِّ فضاءات، مفتوحة هي إلى ما لا نهاية في امتداد الضوء، أضواءٌ تناديك بصوتٍ حانٍ، وتشدك منْ تلابيبك أنْ أقبل وعانق دفء حروفي بفضولِ منْ يَنشدَ العُبور إلى تراتيل الوصال، لتجتاحك مشاعر مِنْ نور تُلهِبُ عقلك بغراميات عاشق، عشق مدينته رام الله بقدر عشق طيفه الأنثوي الذي راح يَسكبُ له الكثير مِنْ أفكاره وغزلياته وبوح ليله ونهاره، ومع مطلع كلّ نهار تجد عاشق رام الله؛ يفتحُ عيون يقظته على تفاصيل المدينة ليعانقها بوجدِ عاشقٍ ولهٍ، يُبعثِر أسفارهِ في فضاء المدينة، فنراه يتقلب بين عشقين مجنونين، عشق رام الله وعشق طيفه الأسطوري حتى لنكاد نسمع لنبض قلبه طرقاً عالياً يوقف رحيل الشمس من شروقها حتى غروبها ليُحملها رسائل وداده وانسكاباته، فكيف لعاشقٍ ولهٍ لا تأخذه ريشته إلى عرين التضاريس ليُمارس معها كتاباته مع بوح الذات للذات.
لكنه لا يني يربط ذلك العشق المجنون بين حبين لا ثالث لهما إلا الوطن الأم الذي يستحوذ على كيانه حتى العمق، وأحلامه تعفر داخله بالرغبة الجامحة بتحريره وفك قيده، وإطلاق أجنحة طيره عبر فيافيه وسهوله وجباله ووديانه، ليستنشق هواءه وعبق أزهاره وأشجاره عله يلقى أنثاه التي لطالما انتظرها، وأخيراً وجدها في طيفه الملازم لحظات تدفق مشاعره.
والجيوسي لا يخفي سره فهو يخبرنا أنّ معشوقته هي أنثى كنعانية فلسطينية الوشم، مهرة برية لم تروض بَعد، تطلقُ عطرها ياسميناً يعربش صدرها وقامتها، فيحرسها بروحه ووجدانه، ويطعمها هواه، ويشبعها بقبلاته، فقد اشتعل بعشقها واشتعلت بعشقه حتى تمازجا روحاً وحياة ومشاعر، ويجدُ أنّ القهوة التي تشاركه عشقه تمتزجُ على شفتيهما بطعم القبلة اللذيذة، وحكاياهما معاً في معاناة وطن استبدل مناضلوه البندقية بالعصا، وتقزموا ببطاقة انتماء لنظام احتلال، وبقليل من تسهيلات لا تصنع لهم حرية، ولا تمنحهم حتى حق انتماء حقيقي، يعيشان توجع وطن اغتُصب مرتين، مرة بقوة السلاح وأخرى بسحر الوعود الهزيلة، والاتفاقيات المنحازة.
والجيوسي يُحوِّل رؤياه مع أنثاه لحوار رومانسي متبادل بينه وبين المعشوقة التي ساكنته حياته، وأقامت معه في صومعتهِ الصغيرة أسفل المبنى الكبير، حيث وجد فيها عالمة المتخيل في أعماق شعوره، عثر فيها على حدائقه السرية التي أذهلت العشاق وتاهوا على أسوارها، فيبثها حبه لحظة أنْ يُطوِّقها بساعدية ويجول مجاهلها وهضابها ويغيب في أنحائها سياحته الأجمل.
هذا العشق الساري عبر أوردته، الحب اللابد في أعماق نفسه الولهة، هذا العالم اللازوردي الذي يتحوطه ليس حلماً، ليس وهماً، إنه تدفق وجداني حقيقي، لا هي بالسيرة الذاتية، ولا هي بأساطير يتردد صداها في أعماق الذات لينتشلها هوناً، بل هي مشاعر شفافة متدفقة مبهرة الرؤية، ولسانٌ ناطقٌ يُترجمُ إحساس ونبض ووجد، هي مضاجعة حروف تجري رخوة سلسبيلاً لا تعترضها أي عقبات، تُسجِّلُ نبضاً، تسكبُ دفقاً، تُمارس رقصاً أثيرياً مُعبراً حالماً، يُحلّق من خلاله في ملكوت أحاسيس تُقبلُ كالموج المتلاحق لتذوي في نهاية المطاف بسكون وهدوء على رمل الشاطئ وتبلل خده بشوق من وصل منتهاه.
فالعِشق عند زياد جيوسي حالة طفولة مُكتملة، يَتشبثُ من خلالِهِا بمفتاح الحياة ناشداً سعادته القصوى في بيت مكنونه، طفلٌ ما زال يحملُ في أعماقهِ الحنين لأنثى هي من تمنحه الحياة كما الأم الرؤوم، فالرجل لا يترك صدر أمه إلا ليعاوده ذات الحنين إياه من جديد، ليرتمي على صدر محبوبته فيعود في حضنها ذاك الطفل المُهاجر الذي ينشد مكمن أمن نفسه وراحتها، فيبثها غرامه وهيامه، ويَفردُ بين يديها سِقام ولعه واشتياقه وانسجامه، لينبثق في داخله ربيعاً يَفيضُ زهره في أعطاف روحه، ويُناثِرُ الطلح مع الريح لواقِحاً عِذاباً، ويموجُ الحِسُّ في لجة عقله وقلبه، ويفتحُ للنبض بصيرة عاشق يَخِرُّ في حضرة أنثاهُ مُسبحا خاشعاً، طفلٌ يتجلى بالعبادة ويُساكِنُ أمنه ومُناه.
فاخلع نعليك أيها المتلقي ها هنا، واعبر إلى متن منجز زياد جيوسي بقدمك اليمنى، ولا تخشَ شيئا ولا تُبادرك الأفكار المُسبقة، فستجد نفسك تدخل عرين عاشق وَلِه، يتماهى مع مشاعر جميلة تتدفق بانسياب جميل، وبأفكار يتجمل عزفها بكل نوتات الحس والذوق الجميل، حسٌ ينبض، ونبضٌ يعبق بأريج ربيع دائم تخال نفسك تلِجُ جنته المحفوفة بكلِّ الروعة والإثارة، وأنت موقن على أنك مقبلٌ على التمازج مع موجوداته.
ولاستشهد هنا بعشق نزار قباني الذي حدد لنفسه القرار واتخذه بكل إصرار، وعمد إلى شروحاته متخذا لنفسه معها الحوار، على غرار كاتبنا هنا الأديب زياد جيوسي
إنّي عشِقْتُكِ.. واتَّخذْتُ قَرَاري
فلِمَنْ أُقدِّمُ - يا تُرى - أَعْذَاري
لا سلطةً في الحُبِّ.. تعلو سُلْطتي
فالرأيُ رأيي.. والخيارُ خِياري
هذه أحاسيسي.. فلا تتدخَّلي
أرجوكِ، بين البَحْرِ والبَحَّارِ..
ظلِّي على أرض الحياد.. فإنَّني
سأزيدُ إصراراً على إصرارِ
ماذا أَخافُ؟ أنا الشّرائعُ كلُّها
وأنا المحيطُ.. وأنتِ من أنهاري
وأنا النّساءُ، جَعَلْتُهُنَّ خواتماً
بأصابعي.. وكواكباً بِمَدَاري
خَلِّيكِ صامتةً.. ولا تتكلَّمي
فأنا أُديرُ مع النّساء حواري
وأنا الذي أُعطي مراسيمَ الهوى
للواقفاتِ أمامَ باب مَزاري
وأنا أُرتِّبُ دولتي.. وخرائطي
وأنا الذي أختارُ لونَ بحاري
وأنا أُقرِّرُ مَنْ سيدخُلُ جنَّتي
وأنا أُقرِّرُ منْ سيدخُلُ ناري