محمد إسعاف النشاشبي - النيف في العدد

في مقالة (أبو العلا المعري) في الرسالة الغراء 604 في الحاشية رويت هذا الخبر في (الموشح):

(نظر يعقوب الكندي في شعر أبي تمام فقال: هذا رجل يموت قبل حينه، لأنه حمل على كيانه بالفكر. ويقال: إن أبا تمام مات لنيف وثلاثين سنة)

فقال لي في القاهرة عالم كبير: (لثلاثين سنة ونيف)

فقلت: هذا ما جاء في (لسان العرب) - عنيت المعجم - ولكن المبرد في (الكامل) في مواضع كثيرة قدم هذا المؤخر. ومثله غيره من الأدباء وكتاب السير والمؤرخين والعلماء. والذي ورد في (الموشح) هو كلام الإمام المرزباني لا ريب فيه، ولا تبديل وقد بعثني تنبيه ذلك العالم على إملاء هذه الأحرف.

لم تجئ (النيف) مع العدد - حسب ظني - في كلام جاهلي أو إسلامي متقدم، فهي في هذا الاستعمال إسلامية متأخرة أو مولدة متقدمة. وإذا صاحبت قولاً جاهلياً أو إسلامياً متقدماً فقل: أنه مصوغ أو مبدل أو هو من عند راوية المحدث. ذكر المسعودي في (المروج) هذه الجمل من خطبة منسوبة إلى علي (رضى الله عنه): (وقد زعمت قريش أن أبن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحروب. تربت أيديهم! وهل فيهم أشد مراساً لها مني، لقد نهضت فيها وما بلغت الثلاثين، وها أنا ذا قد أريت على نيف وستين)

ورواية الرضي في (المجموعة النهجية) (وها أنا ذا قد ذرفت على الستين)، ورواية المبرد في (الكامل): (ولقد نيفت اليوم على الستين)

فإن قال الإمام ما قال فليس هناك إلا (ذرفت أو نيفت على الستين) فاعرف ذلك ولا تثق بما روى المسعودي.

لم يقل ابن دريد في كتابه (جمهرة اللغة) - وهو أقدم معجم بعد العين - في النيف إلا هذا (النيف الزيادة من قولهم نيفت على السبعين أي زدت عليها) ولم يزد. . .

ولم يحدث سيبويه في (الكتاب) ولا ابن سيده في (المخصص) في تلكم اللفظة في باب العدد بشيء.

يقول الجوهري في صحاحه: (النيف الزيادة، يخفف ويشدد، وأصله من الواو، يقال: عشرة ونيف ومائة ونيف)

وقال اللسان: (الأزهري: يقال: هذه مائة ونيف - وبتشديد الياء - أي زيادة، وعوام الناس يخففون ويقولون ونيف، وهو لحن عند الفصحاء. الأصمعي: النيف والنيف كميت وميت. قال اللحياني: يقال: عشرون ونيف ومائة ونيف وألف ونيف، ولا يقال إلا بعد عقد.

وفي (المصباح): قال أبو العباس: الذي حصلناه من أقاويل حذاق البصريين والكوفيين أن النيف من واحد إلى ثلاثة، والبضع من أربع إلى تسع، ولا يقال نيف إلا بعد عقد نحو عشرة ونيف ومائة ونيف وألف ونيف.

وفي (همع الهوامع): هما - يعني البضع والبضعة - من ثلاث إلى تسع، وبذلك فارقه النيف فإنه من واحد وفارقه أيضاً في أنه يكون للمذكر والمؤنث بغير هاء.

فالنيف كما يستدل مما أورده الجوهري والأزهري واللحاني والفيومي - تتأخر ولا تتقدم، تعطف على العدد، ولا يعطف عليها. وقد قدم المبرد فقال في كامله (رغبة الآمل ج3 ص181:. . . فقال الحسن ونحن إذ ذاك نجري على نيف وسبعين ألف ملاح. ومثل ذلك في ج 4 ص 197 وج 7 ص 244 وفي ج 8 ص 95 وأنا أروى هذا الخبر بكامله إكراماً لبطولة المهلب وبنيه ورجاله وبطولة قوم شجعان يقول شاعرهم وقائدهم:

ألا أيها الباغي البراز تقربن ... أساقك بالموت الزعاف المقشبا

فما في تساقي الموت في الحرب سبه ... على شاربيه فاسقني منه واشربا

قال أبو العباس:

وجه الحجاج إلى المهلب رجلين أحدهما من كلب، والآخر من سليم يستحثانه بالقتال، فقال المهلب متمثلاً:

ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم

وقال ليزيد: حركهم، فحركهم فتهايجوا وذلك في قرية من قرى إصطخر، فحمل رجل من الخوارج على رجل من أصحاب المهلب فطعنه فشك فخذه بالسرج، فقال المهلب للسلمي والكلبي: كيف نقاتل قوماً هذا طعنهم! وحمل يزيد عليهم، وقد جاء الرقاد، وهو من فرسان المهلب على فرس له أدهم وبه نيف وعشرون جراحة، وقد وضع عليها القطن، فلما حمل يزيد ولى الجمع، وحماهم فارسان، فقال يزيد لقيس الخشني: من لهذين؟ قال: أنا. فحمل عليهما، فعطف عليه أحدهما، فطعنه قيس الخشنى فصرعه، وحمل عليه الآخر فعانقه، فسقطاً جميعاً إلى الأرض، فصاح قيس الخشني: اقتلونا جميعاً. فحملت خيل هؤلاء وخيل هؤلاء فحجزوا بينهما، فإذا معانقة امرأة، فقال قيس مستحيياً، فقال له يزيد: أما أنت فبارزتها على أنها رجل، فقالت: أرأيت لو قتلت، أما كان يقال قتلته امرأة.

ولم يناقش العلامة المرصفي في (رغبة الآمل) صاحب (الكامل) في موضع من المواضع الأربعة في حين أنه نبه على أشياء غير قليلة في كتابه.

والحريري الذي اعتاد تخطئه الصواب في (درته) لم يغلط إلا من خفف النيف.

وقال أبو بكر الخوارزمي في إحدى رسائله (ص132 مطبعة الجوائب): في نيف وسبعين من جماعة شيعة.

ومثل هذا الاستعمال في مروج الذهب ج 2 ص 195 وج 3 ص 58.

وفي تاريخ الطبري ج11 ص 212.

ومثله في (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) ج1 ص 216 وج 2 ص141 وج 4 ص215 وج 16 ص219 وج 17 ص231 وج 18 ص81.

ومثله في (معاهد التنصيص) ج1 ص102 وج 2 ص116 و182 وفي (كليات أبي البقاء) ص360.

ذلكم ما جاء في مصنفات القوم، وقد نزل النيف في أقواله حيث نزل. وإنا لنستبعد تبديل ناسخين فيها. فما الذي حملهم على تقديم الزيادة على المزيد عليه؟

هل قاسوا النيف على البضع في بعض حالاته فقالوه، أو استخفوا هذا التركيب فمشوه. وهل عليهم فيما أتوه من حرج؟

وهل نؤخر نحن معشر العرب في هذا الزمان أو نقدم. .؟

محمد إسعاف النشاشيبي



مجلة الرسالة - العدد 616
بتاريخ: 23 - 04 - 1945

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...