علي حسين - غواية القراءة.. ما الذي يجعل هؤلاء مختلفين عنّا ؟! | 8 |

تتم كتابة الكتب من أجل تأكيد وحدة البشر وبالتالي الدفاع عن أنفسنا أمام الوجه الآخر القاسي للوجود: الزوال والنسيان.

ستيفان ريفايج

لم أكن أعرف معنى هذه العبارة التي وضعها صاحب المكتبة في إطار أنيق فوق رأسه، ولا أعرف شيئا عن صاحبها"المتنبي".وكنت أحاول أن استوضح معنى"وخير جليس في الزمان كتاب"، ومن هو هذا المتنبي الذي قال هذه الأبيـــات:
أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ
وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ

وعرفت بعد ذلك ومتأخراً إن المقصود بهذه الأبيات هو الشاعر نفسه الذي لم أفهم آنذاك لماذا يُعظم نفسه ويجلها بهذا الشكل :
وَإنّي لنَجْمٌ تَهْتَدي صُحبَتي بِهِ إذا حالَ مِنْ دونِ النّجومِ سَحَابُ

لن أنسى أول كتاب قرأته عن المتنبي، ليس كتاباً لطه حسين ولا لمحمود شاكر و لا العقاد، فآنذاك لم أكن أسمع بواحد من هؤلاء، والذي لفت نظري في الكتاب هو غلافه الذي كان عبارة عن لوحة ملونة لرجل يرتدي الغترة البيضاء والعقال وتبدو ملامح وجهه صارمة، كان الكتاب بعنوان"المتنبي شاعر العرب"وصدر ضمن سلسلة بعنوان"الناجحون"وقد وضع القائمون على السلسلة عبارة تلخص الغاية من أصدر مثل هذا الكتب :"إنّ النجاح يجرّ النجاح، فتعرّف إذاً إلى الناجحين يسهل عليك تحقيق النجاح".وفتحت الكتاب وقرأت ووجدتني أواصل القراءة وبلغت النهاية في يوم واحد.. ووجدتني أمام أمر عجيب، فالمتنبي الذي يقول لنا ناشروا الكتاب إنه أحد الناجحين لم ينجح في حياته، لم يتزوج المرأة التي أحبها، ولم يحصل على الراحة والاستقرار، ومات في النهاية مقتولاً.. فأين هو النجاح؟.
بعد سنوات حصلت على نسخة من ديوان المتنبي، وكانت نسخة قديمة صادرة عن لجنة التاليف والترجمة، وقد حققها وشرحها عبد الوهاب عزام وهو باحث ومفكر مصري قدَّم طائفةً متنوِّعةً من الأبحاث في الأدب والتاريخ والتصوف. وأصدر في الثلاثينيات واحداً من أجمل كتبه بعنوان"ذكرى ابي الطيب المتنبي"، في ذلك الوقت وانا اتتبع خطوات المتنبي كنت أشعر أن نوعا من القلق الممتع بدأ يساورني، إذ رحت أدرك إنني متورط في مغامرة مختلفة عن المغامرات التي عرفتها من خلال الكتب. واكتشفت وأنا أتابع قراءة ما كتب عن المتنبي، إن الأعمال الادبية العظيمة تستلزم حكايات غير عادية حولها، فقد نسجت سيراً سحرية حول المتنبي الإنسان والشاعر والتي استمرت حتى بعد موته. يكتب البرتو مانغويل إن الاعمال الاستثنائية في الأدب أو الفن تسبغ على أصحابها مسحة من القوة والسحر والغموض، فلايزال اليونانيون يعتقدون أن هوميروس الذي كَتب الالياذة والاوديسة، لايمكن أن يكون من البشر.يخبرنا الايطالي جيوفاني بوكاتشو مؤلف الكتاب المذهل"الديكاميرون"إن أبناء شاعر ايطاليا الكبير دانتي :"شعروا بالحنق لأن الرب لم يعط والدهم دانتي وقتاً اضافياً ليمكل عمله الشعري الكوميديا الإلهية،وفي إحدى الليالي رأى أصغر أبناء دانتي والده يقترب منه في الحلم مرتدياً عباءة بيضاء، فبادره الأبن سائلا هل كان مايزال حياً؟ ليجيبه دانتي بأنه حي، انما في الحياة الحقيقية وليس في عالمنا. عند ذاك، سأله اأبن هل كان قد أتم الكوميديا الالهية، لتأتي الإجابة بـ (نعم لقد اتممتها).بعد ذلك أصطحب دانتي ابنه الى غرفة نومه القديمة حيث وضع يده على تجويف مغطى بحصيرة على الحائط وقال (هنا ما كنت تبحث عنه طويلاً) وعندما استيقظ الأبن هرع واحضر أحد تلامذة دانتي ليكتشفا معاً وجود ذلك المكان الذي احتوى على أوراق قديمة، تبين فيما بعد إنها الاناشيد الاخيرة من الكوميديا الالهية والتي قيل أن أبياتها الأخيرة.
يكتب دانيال بناك في كتابه"متعة القراءة"إن القراء العاديين لايحفلون كثيراً بالضوابط الرسمية للتحقيب الزمني، فهم عادة ما يرتبون تسلسل قراءاتهم ومحاوراتهم في ضوء العصور والحدود الثقافية. ومثلما كنت أنا الشاب أحاول أن اختصر الحقب الزمنية للتقرب من المتنبي الذي كان يبحث عن المجد والرفعة والمغامرات حتى إن صديقه ابو الفتح عثمان بن جني يرثي بقصيدة جاء فيها
فاذهب عليك المجد ما قلقت
خوض الركائب بالاكوار والشُعب.

يخبرنا كُتاب سيرة دانتي اليجيري ان مذنباً ظهر في سماء مدينة فلورنسا ليله السابع من آب عام 1264،وقد اعتبر سكان فلورنسا ظهور هذا المذنب دلالة على مجيء إنسان عظيم، وبعد شهور قليلة وفي أيار من عام 1265 ولد طفل للسنيور اليجبرو اسماه دورانتي، والذي اختصر الى دانتي. كان طفلاً بائساً، فقد والدته وهو في الخامسة عشرة من عمره وتوفي والده بعدها سنوات قليلة، كانت ملامح وجهه تضفي عليه مسحة من الحزن، في صباه تعرف على فتاة جميلة اسمها بياتريس ابنة أحد أثرياء فلورنسا، كان كلما ينظر اليها يظن إنها ليست من سكان هذا الكوكب، بل هي ملاك هبط من السماء، وتشاء الظروف أن تغيب بياتريس سنوات لتظهر من جديد، يكتب دانتي في يومياته :"كانت سائرة عبر الشارع، وفجأة لفت ناظريها الى البقعة التي كنت واقفاً عليها وأنا على أشد ما أكون من الارتباك والحياء، وفي أدب جم لا تمحي سمته، تلطفت عليّ بابتسامة محتشمة".
هكذا كانت بداية قصة الحب.كان دانتي يعرف أن حبه لبياتريس لا أمل منه، فقد كان قصير القامة، مقوس الأنف، تبدو على وجهه ملامج التعب، والأكثر من هذا كان فقيراً ومغموراً، ويتذكر كيف كانت الفتيات يسخرن من تقاطيع وجهه وخجله.. لكن ذات يوم يقرر أن يجعل من حبه لبياتريس التي ماتت بعد زواجها من أحد الاثرياء، دافعاً لأن يكتب ملحمته الشهيرة"الكوميديا الإلهية".
يؤكد الكثير من الدارسين لحياة أبي الطيب المتنبي أنه هام عشقاً بخولة أخت سيف الدولة الحمداني، وأن هناك الكثير من القصائد التي بث من خلالها هذا الحب :
كَتَمْتُ حُبّكِ حتى منكِ تكرمَةً
ثمّ اسْتَوَى فيهِ إسراري وإعْلاني
***********

إن قراءة الكتب الجيدة هي بمثابة محادثة مع أفضل الشخصيات من القرون الماضية.

ديكارت

كل قارئ يطرح أسئلة بهدف إثارة النقاش، وكنت مثل طفل أسأل بعض الاساتذة من رواد المكتبة عن أبي الطيب المتنبي، وذات يوم في منتصف السبعينيات كنت جالساً في المكتبة وفي يدي نسخة من ديوان المتنبي، أجيب على استفسارات زبائن المكتبة، عندما اقترب مني الدكتور جلال الخياط، وكان آنذاك استاذاً جامعياً لامعاً ينشر في الصحف والمجلات مقالات عن الشعر والأدب الحديث، وحين لمح ديوان المتنبي في يدي ابتسم وقال لي وهو يشجعني
- تقرأ المتنبي إذن
• اخذت اتمتم بعبارات غير مفهومة، لكتنني في النهاية قلت باضطراب : نعم أقرأ في ديوانه رغم انني لا أفهم الكثير من الأبيات.
بدت على ملامح وجهه ابتسامة مشفوعة بالحنان وهو يقول
- لا بأس كلنا بدأنا هكذا مع الأيام ستفهم أكثر بعد أن تقرأ ما كتب عن المتنبي وقبل أن ينهي محاورته معي سألته سؤالاً كان يشغل بالي ترى لماذا أطلق أبي الطيب على نفسه لقب المتنبي
نظر إلي، ثم قال : هل لديكم في المكتبة كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي
قلت نعم إنه بثمانية أجزاء وبتحقيق عبود الشالجي
ذهبت باتجاه الرف الذي يضم الكتاب فأشار الخياط الى الجزء الرابع من الكتاب فسحبته لأسلمه إليه، فتح صفحات الكتاب وأخذ يقرأ : يقول التنوخي :"كان يتردد في نفسي أن اسأل أبا الطيب المتنبي عن تنبيه والسبب فيه، وهل ذلك أسم وقع عليه على سبيل اللقب، وقلت له ذات يوم أريد أن أسالك عن شيء في نفسي منذ سنين، وكنت أستحي خطابك فيه من كثرة من كان يحضرك ببغداد، وقد خلونا الآن، ولابد أن أسالك فيه، وكان بين يدي جزء من شعره فيه كتاب شعر ابي الطيب المتنبي
فقال وهل تريد أن تسألني عن سبب هذا؟! وجعل يده فوق الكتابة التي هي المتنبي، فقلت : نعم. فقال هنا شيء كان في الحداثة أوجبته صبابة، فما رأيت تلميحاً ألطف من هذا"
بعد أن وضع الكتاب في مكانه، إلتفت اليّ الدكتور جلال الخياط وهو يقول : إن رواية التنوخي تقترح علينا عدة خيارات حول سبب لقب المتنبي أولاً، فهو قد يكون لقباً بسيطاً كما ذكر التنوخي، أو يكون كما قال ابن جني وهو من أصدقاء المتنبي المقربين وكان قد أخبره انه حصل على لقبه هذا بسبب بيت من اوائل شعره : أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود". والمتنبي هنا يريد أن يقول لنا إنه مثل النبي صالح الذي لم يكن مقبولاً في قومه.
العام 1937 يصدر الدكتور طه حسين كتابه"مع المتنبي"ونجده منذ الصفحات الاولى يبدي عدم إعجابه بالشاعر، كان طه حسين يقضي إجازته الصيفية في فرنسا عام 1936 وبالقرب من جبال الألب قرر ان يكتب عن المتنبي رغم أنه :"ليس المتنبي من أحبْ الشعراء إلي، ولعله بعيد كل البعد عن أن يبلغ من نفسي منزلة الحب و الإيثار، ولقد أتى عليّ حين من الدهر لم يكن يخطر ببالي إني ساعتني بالمتنبي أو أطيل صحبته"ونعرف ان طه حسين في ذلك الوقت قرأ كتاب المستشرق الفرنسي ريجيس بلاشير"ابو الطيب المتنبي – دراسة في التاريخ الأدبي"والذي صدر عام 1935، وقد ترجم الكتاب الى العربية من قبل الدكتور ابراهيم الكيلاني وصدر عام 1975. ونجد طه حسين بعد أن ينتهي من قراءة كتاب بلاشير يقرر ان يدخل في السجال عن المتنبي :"لم أجد بأساً في أن أقطع على نفسي لذة الحياة في فرنسا بين هذه الربى الجميلة وفي هذا الجو الحلو، لم أجد بأساً بأن أثقل على نفسي اثناء هذا كله بالتحدث إلى المتنبي والتحدث عنه".
ولم يكتف طه حسين بالحديث عن طمع المتنبي واستغراقه في المديح وإنما وصل به الأمر أن يكتب إن المتنبي خدع نفسه كما خدع المحيطين به فيقول :"والذي أريد أن أصل إليه من هذا الحديث الطويل، هو أن المتنبي قد ظن بنفسه غير ما كان عليه، وما أكثر ما يخدع الناس عن أنفسهم، ولكن الغريب إن المتنبي لم يخدع نفسه وحدها وإنما خدع معها كثير من الناس، فظنوا به الفلسفة وهو ليس من الفلسفة في شيء وظنوا به الحرية والكرامة، وليس هو من هذا كله بشيء، وإنما هو رجل من أهل زمانه لم يتميز منهم بأخلاقه، وإنما أمتاز منهم بلسانه".
ويذهب طه حسين الى نقطة أبعد حين يشكك بنسب المتنبي فهو يقول :"مولد المتنبى كان شاذاً، والمتنبى أدرك هذا الشذوذ وتأثر به فى سيرته كلها"، ويستند عميد الأدب العربى فى رأيه على أنه إذا قرأت ديوان أبى الطيب مستأنياً متمهلاً لا تجد فيه ذكراً لأبيه، وإنك تجده لم يمدحه ولم يفخر به، ولم يرثه ولم يظهر الحزن عليه حين مات، وهذا كافٍ فى تشكيك العلماء في نسبه، وهو كافٍ في اليقين بأن «المتنبى» لم يعرف أباه.
وقد أثار هذا الرأي العديد من الباحثين، وكان واحد منهم تلميذاً لطه حسين، وهو محمود محمد شاكر الذي كان قد أصدر عام 1936 كتابه عن المتنبي ولم يكن آنذاك معروفاً بين النقاد والادباء، ويخبرنا شاكر إنه ألف كتاب المتنبي بتكليف من مجلة المقتطف التي أرادت الاحتفال بألفية الشاعر، وقد صدرت المجلة آنذاك وهي لاتحمل في صفحاتها سوى كتاب المتنبي لمحمود شاكر مع تقديم من رئيس التحرير يقول فيه :"هذا العدد من المقتطف يختلف عن كل عدد صادر منذ سنتين إلى يومنا هذا، فهو في موضوع واحد ولكاتب واحد"
وفي الكتاب يحاول شاكر أن يبحث عن أصل المتنبي فيخبرنا بأنه شريف علوي وليس ابن سقاء في الكوفة كما تقول معظم المصادر، وإنه أي المتنبي تعلم مع الأشراف في مكاتب العلم.
عندما صدر كتاب طه حسين عن المتنبي عام 1937، قرر محمود شاكر أن يواجه استاذه فكتب عدة مقالات تحولت فيما بعد الى كتاب ضخم بعنوان"المتنبي.. في الطريق الى ثقافتنا"، ونجد شاكر يتعجب مما يذكره طه حسين متسائلا:"أيكون لزاما على كل شاعر أن يمدح أباه، وأن يفخر به، وأن يرثيه، فإن لم يفعل الشاعر ذلك فهو شاعر لا يعرف أباه؟، إنى أجد من الشعراء من فخر بأبيه، وأجد منهم كثيراً لا يعد كثرة من لم يفخر بأبيه ولا ذكره في شعره، أفكل هؤلاء لم يكن يعرف أباه، ولا يثبت نسبه لضعفه وخسته؟".
ثم يخبرنا شاكر في مقدمة كتابه الجديد إنه"عاش مع المتنبي زمناً وكتب عنه كتاباً متواضعا في 170 صفحة نشره المقتطف"عام 1936"فمن حق المتنبي علي أن أقرأ ما كتب عنه الدكتور طه وغير الدكتور طه، وكما أنه من حق نفسي عليّ أن أضع التاريخ في موضعه الذي أرخته به معدة الفلك".
وفي كتابه يناقش محمود شاكر قضية النبوة التي ألصقت بالمتنبي، فيخبرنا أن الشاعر لم يدع النبوة كما زعموا. بل اعتبر أن هذه النبوة هي مما افتعل افتعالاً وأقحم في خلال الأخبار التي ذكر فيها أنه أدعى نسبه العلوي.
*******

أمامي نسخة من كتاب"الكوميديا الالهية"لدانتي قام بترجمته الدكتور حسن عثمان الذي يخبرنا إنه كرس أكثر من 25 عاماً من حياته لدراسة دانتي وترجمة ملحمته، وكيف إنه سافر الى إيطاليا وانكلترا وامريكا ليبحث في مكتباها عما كتب عن شاعر ايطاليا الكبير، ونكتشف مع حسن عثمان ان الكلمات كانت سلاح دانتي لانجاز رحلته من الجحيم الى الفردوس. يكتب الشاعر الانكليزي ت إس إليوت:"إن العالم الحديث منقسم بين دانتي وشكسبير، وليس ثمة ثالث بينهما". وكنت مثل اي قارئ مبتدئ أتوهم إن قراءة الكوميديا الالهية عمل سهل اشبه بقراءة إلياذة هوميروس او إنياذة فيرجل، فاذا بي أجد نفسي أمام عمل أدبي ضخم به اشارات للآداب الكلاسيكية وعلم اللاهوت في العصور الوسطى والشؤون السياسية الإيطالية والكثير من القضايا الأدبية التي ما يزال الباحثون يتجادلون يختلفون حولها. فنحن أمام قصيدة ملحميّة تتألف من 14 ألف سطر شعري تقريبًا تصف رحلة دانتي بين الجحيم والمطهر والفردوس. تبدأ القصّة باستيقاظ دانتي من نوم عميق وهو تائه في غابة مظلمة. وبعد عدة محاولات فاشلة في الهروب يلتقي دانتي بالشاعر فيرجيل، الذي بدوره يخبر دانتي بأنّ الطريق الوحيدة للخروج هي بالعبور من مركز الأرض مرورًا بالجحيم. فيقود فيرجيل دانتي عبر الجحيم فيشاهد فيها مشاهد مرعبة من العذاب ويلتقي فيها بالعديد من الشخصيات التي ذُكرت في الكتاب المقدس والآداب الكلاسيكية. وتنتهي الرحلة في الجحيم بلقاء مع إبليس ثم يهربان من هناك وينتقلان إلى المطهر. يصعد الإثنان جبل المطهر ويلتقيان بأولئك الذين ينتظرون الذهاب إلى الفردوس في رحلة تطهرهم. وهنا أيضا يلتقي دانتي بشخصيات حقيقية وخيالية كلّ منها له حكاية يخبرها. وقرب ذورة جبل المطهر يغيّر دانتي مرشده في الرحلة ويتابع نحو الفردوس وصولًا إلى رؤية الرب.
كتب دانتي الكوميديا الإلهية وهو في المنفى بعيداً عن مدينته المحبوبة فلورنسا. ولذا نجد موضوعي المنفى والخلاص يتكرران كثيراً في الملحمة. كما يظهر العديد من أصدقاء دانتي السياسيين في القصيدة في أجزائها المختلفة. أما شخصية بياتريس التي ظهرت في القصيدة فهي شخصية الفتاة التي احبها في الصغر وعشقها في فترة الشباب وقد ماتت وكان عمرها 24 عامًا لتظهر في الملحمة في قصيدته ممثّلة لكل ما هو خيّر وجليل.
وتعد الكوميديا الالهية، من نواح عديدة، قصيدة حب تمتدح جمال بياتريس الأخلاقي، وقدرتها على الوصول بدانتي إلى رؤية الخير الأعظم، إذ إنها تقوده، في رحلته حتى يلتقي بأرواح المباركين. ويقف دانتي في بهجة ونشوة، ويتفهم في ختام ذلك كله، الحقيقة النهائية للحياة، وما يعنيه الكون.
كتب دانتي الكوميديا الالهية تعويضاً عن حياته التي عانى فيها الشقاء، فهذا الانسان المطارد، الممقوت، خلق عالماً رحب به وصادقه ولرفع من شأنه، وأدخله عالم العظماء، مثله مثل ابي الطيب المتنبي الذي هزم وقتل في عالم الملوك والامراء والحساد، لكنه انتصر في عالم الفكر والشعر.
بعد وفاة المتنبي بخمسين عاماً قرر ابو العلاء المعري أن يجمع شعره ويشرحه في ديوان ضخم أسماه"معجز أحمد"، وبعد خمسمائة عام من وفاة دانتي زار الشاعر بايرون قبره ليركع أمام الضريح ويبكي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...