في مقالة سابقة تحدثت عن الأفكار في الشعر وكان الكلام لا عن الأفكار الغائبة التي لم تلتم بعد وتتضح ويسمونها بالأفكار المنحلّة ولكن الأفكار التي امتلكت حضوراً وقدرة استقطاب. أي عن الأفكار الفلسفية او الايديولوجية أو التي تعبر عن اتجاهات أو مركزيات. الموضوع - إذن لنا - في النص نمطان من الأفكار ، أفكار متحللة، لم تتبلور أو لم تتخذ نمطاُ او شكلاً فهي غائبة في النص وهي أصلاً في داخل الكاتب، وأفكار الكتابة النمطية مما هي فلسفية وسياسية وهي الأفكار التي يدور حولها وعنها الكلام.
النوع الاول من الافكار أولاً صعب تحديد عددها لأنها غير مرئية في النص ولا مقروءة وليس لها أشكال أو ذوات مكتملة بعد . ثانياً هي ملكيات فردية خاصة ربما هي صانعة شخصية وصانعة مزاج لكن لايراها ولا يعترف بها الدارسون، اللهم إلا النفسانيين حدساً أو افتراضاً ودونما تحديد .هي ضمن لا مرئيات الإنسان الغائبة فيه ، ذاكرة وروحاً وتركيب ذات.
واذا وجدنا بين النفسانيين من يحاول يرى او يستنتج، فثمة دارسون آخرون لايعترفون بها ولا بأية أفكار من هذه وبحجة إن الإنسان إنما يتعامل بالكلمات أي بالأصوات، فلا دلالة للأفكار أصلاً. واولاء مدرسة معروفة.
لكن هذا أمر لغوي لساني، هو أقرب للدرس النظري. وتبقى للإنسان خزانة أفكار لاعدد لها تسري فيه وتكتمل شخصيته وداخله الإنساني بها. وإذ تعذر تحديد أشكال هذه الأفكار فلا يتعذر تلمس تأثيراتها وتبلور بعضها ضمن ظروف خاصة. لكنها عموماً تبقى تؤثر ولا تُرى. وهذا التفكير الاخير هو وراء تشكل الكلمات ، فالكلمات في رأي، حاملة افكاراً بلورتها وحددت شكلها اللفظي تلك الاحتياجات التي وراءها ذلك النوع الغائب الذي لايرى من الأفكار. وتعدد معاني الكلمة مما يؤكد ذلك. يؤكد اختلاف الحاجات والأفكار في حال الغياب وعدم اكتمال النمط او الاشكال. ولعل ما اشار له الجاحظ من ان المعاني والافكار على قارعة الطريق إنما قصد المعاني والأفكار التي تبلورت وعرفت وصار عليها بين الناس اتفاق وبقي التشوق لحضورها او انتقالها لهم ليروها. فليس هي وحدها تنتقل ولكن جمالها واكتمالها بجمال العبارة. والفكرة الاخيرة صارت موضع اهتمام، بل حقلَ تخصصٍ بالاسلوب والأفكار ولنا كتب موضوعة ومترجمة في هذا الباب.
شغل مفكرون بمفهوم الجمال ومفهوم الذوق فهما مفهومان غائمان حتى الآن . هذان تعذر تفسيرهما إلا بصلتهما بتلك الأفكار الغائبة المتحللة غير مكتملة الشكل أو النمط. فماهو خاص وملك لأنسان غير تلك التي لأنسان آخر. كذلك هو الإحساس بالجمال والميول العاطفية ومخفيات المشاعر في الكتابة.
نحن نواجه نتائج عملية – أحياناً لتلك الاختلافات، تلك المخزونات الفردية فبعض يكون لهما صدى ووقع اكثر من غيرها مع تشابه الدلالتين وقد اختلف البلاغيون في تقدير سلامة حضور هذه الكلمة في النص أكثر من رديفتها ووجد آخرون منهم تقديراً آخر. صعب تفسير كل شيء بما اعتدنا عليه من مفهومات. فهذه أفكار تبلورت واكتملت وصارت مشتركة بما اعتدنا عليه من دلالات وتلك غائبة. نحن نرى الأشكال البشرية لكن لا نرى جينات الاوصاف والمزايا.هذا مثل بسيط لكنه نافع هنا ويمكن أن نجد فيه شبهاً بتلك الأفكار غير المتضحة المنحلة أو الخافية فينا. كل المحاولات لم تؤد الى نتائج مرضية وظل الاختلاف في الفهم الإنساني . فللازمنة والامكنة والبيئات ، مؤثرات لا لأنها مؤثرات خارجية ولكن لأنها مكونات حياة أيضاً. ومكونات الحياة ومؤثراتها مكونات أفكار أيضاً. ابتعاداً من هذه الى الأفكار النمطية – الفلسفية او الايديولوحية، واجه دارسون مشكلة قلق القناعة واختلافاتها، ولماذا بعض يموت من أجلها وبعض يتركها بعد تبنٍ طويل.
إن تعابير ضعف أو خيانة أو تطور ثقافة، تظل تعابير يومية سائدة لكن غير مهمة كثيراً في الدرس. اليوم يمكن أن نعزوها لمدى الانسجام مع خزين الأفكار اللامرئية والمختلفة من واحد لآخر.
وبهذا يرتفع مستوى الدرس كما يرتفع مستوى احترام انسانية الإنسان ونكون انتبهنا الى أن الفرد ليس هذا الذي نراه ولكن ذلك الذي يحركه اللامرئي ويحدد شخصيته ومذاقه ومعناه. وبهذا التعليل نكون قد أكدنا على فهم جديد للإنسان كما لمجده أو خطاياه... وربما كانت الاتجاهات التربوية الحديثة محاولات إعادة تكوين بالنسبة للأطفال والصبيان. وهي أدوات ووسائل تنبيه للكبار لضرورة الاهتمام بالواقع المعيشي وشروطه لأنه يكون أفكاراً لا نراها. على اية حال هو انتباه نسبي أو إقرار بالداخل الإنساني الذي يعمل ولا يُرى... هو محاولة فهم، هي واحدة من محاولات ..
* نقلا عن جريدة المدى
النوع الاول من الافكار أولاً صعب تحديد عددها لأنها غير مرئية في النص ولا مقروءة وليس لها أشكال أو ذوات مكتملة بعد . ثانياً هي ملكيات فردية خاصة ربما هي صانعة شخصية وصانعة مزاج لكن لايراها ولا يعترف بها الدارسون، اللهم إلا النفسانيين حدساً أو افتراضاً ودونما تحديد .هي ضمن لا مرئيات الإنسان الغائبة فيه ، ذاكرة وروحاً وتركيب ذات.
واذا وجدنا بين النفسانيين من يحاول يرى او يستنتج، فثمة دارسون آخرون لايعترفون بها ولا بأية أفكار من هذه وبحجة إن الإنسان إنما يتعامل بالكلمات أي بالأصوات، فلا دلالة للأفكار أصلاً. واولاء مدرسة معروفة.
لكن هذا أمر لغوي لساني، هو أقرب للدرس النظري. وتبقى للإنسان خزانة أفكار لاعدد لها تسري فيه وتكتمل شخصيته وداخله الإنساني بها. وإذ تعذر تحديد أشكال هذه الأفكار فلا يتعذر تلمس تأثيراتها وتبلور بعضها ضمن ظروف خاصة. لكنها عموماً تبقى تؤثر ولا تُرى. وهذا التفكير الاخير هو وراء تشكل الكلمات ، فالكلمات في رأي، حاملة افكاراً بلورتها وحددت شكلها اللفظي تلك الاحتياجات التي وراءها ذلك النوع الغائب الذي لايرى من الأفكار. وتعدد معاني الكلمة مما يؤكد ذلك. يؤكد اختلاف الحاجات والأفكار في حال الغياب وعدم اكتمال النمط او الاشكال. ولعل ما اشار له الجاحظ من ان المعاني والافكار على قارعة الطريق إنما قصد المعاني والأفكار التي تبلورت وعرفت وصار عليها بين الناس اتفاق وبقي التشوق لحضورها او انتقالها لهم ليروها. فليس هي وحدها تنتقل ولكن جمالها واكتمالها بجمال العبارة. والفكرة الاخيرة صارت موضع اهتمام، بل حقلَ تخصصٍ بالاسلوب والأفكار ولنا كتب موضوعة ومترجمة في هذا الباب.
شغل مفكرون بمفهوم الجمال ومفهوم الذوق فهما مفهومان غائمان حتى الآن . هذان تعذر تفسيرهما إلا بصلتهما بتلك الأفكار الغائبة المتحللة غير مكتملة الشكل أو النمط. فماهو خاص وملك لأنسان غير تلك التي لأنسان آخر. كذلك هو الإحساس بالجمال والميول العاطفية ومخفيات المشاعر في الكتابة.
نحن نواجه نتائج عملية – أحياناً لتلك الاختلافات، تلك المخزونات الفردية فبعض يكون لهما صدى ووقع اكثر من غيرها مع تشابه الدلالتين وقد اختلف البلاغيون في تقدير سلامة حضور هذه الكلمة في النص أكثر من رديفتها ووجد آخرون منهم تقديراً آخر. صعب تفسير كل شيء بما اعتدنا عليه من مفهومات. فهذه أفكار تبلورت واكتملت وصارت مشتركة بما اعتدنا عليه من دلالات وتلك غائبة. نحن نرى الأشكال البشرية لكن لا نرى جينات الاوصاف والمزايا.هذا مثل بسيط لكنه نافع هنا ويمكن أن نجد فيه شبهاً بتلك الأفكار غير المتضحة المنحلة أو الخافية فينا. كل المحاولات لم تؤد الى نتائج مرضية وظل الاختلاف في الفهم الإنساني . فللازمنة والامكنة والبيئات ، مؤثرات لا لأنها مؤثرات خارجية ولكن لأنها مكونات حياة أيضاً. ومكونات الحياة ومؤثراتها مكونات أفكار أيضاً. ابتعاداً من هذه الى الأفكار النمطية – الفلسفية او الايديولوحية، واجه دارسون مشكلة قلق القناعة واختلافاتها، ولماذا بعض يموت من أجلها وبعض يتركها بعد تبنٍ طويل.
إن تعابير ضعف أو خيانة أو تطور ثقافة، تظل تعابير يومية سائدة لكن غير مهمة كثيراً في الدرس. اليوم يمكن أن نعزوها لمدى الانسجام مع خزين الأفكار اللامرئية والمختلفة من واحد لآخر.
وبهذا يرتفع مستوى الدرس كما يرتفع مستوى احترام انسانية الإنسان ونكون انتبهنا الى أن الفرد ليس هذا الذي نراه ولكن ذلك الذي يحركه اللامرئي ويحدد شخصيته ومذاقه ومعناه. وبهذا التعليل نكون قد أكدنا على فهم جديد للإنسان كما لمجده أو خطاياه... وربما كانت الاتجاهات التربوية الحديثة محاولات إعادة تكوين بالنسبة للأطفال والصبيان. وهي أدوات ووسائل تنبيه للكبار لضرورة الاهتمام بالواقع المعيشي وشروطه لأنه يكون أفكاراً لا نراها. على اية حال هو انتباه نسبي أو إقرار بالداخل الإنساني الذي يعمل ولا يُرى... هو محاولة فهم، هي واحدة من محاولات ..
* نقلا عن جريدة المدى