لعلّ أجْلى تأويل لعبارة كارل ماركس الشهيرة:"هنا الوردة ، فلنرقص هنا"،هو تعليق الصحفي روبرت سيلفيربيرغ "ضع يدك حيث يكون فمك"،أي الإستجابة لإملاءات الواقع والضرورة،وهي الخصيصة اللصيقة أصلاً بالفكر الماركسي!
وبهذا المعنى فقد كان أمجد ناصر مخلصاً جدّاً لعنوان روايته"هنا الوردة"،فهو قد اقتطع شريحة أبطاله من فئة إجتماعيّة وحزبيّة ضيّقة،وحبسها في فضاء روايته،مديراً ظهره للمجتمع الواسع بباقي شرائحه وأطيافه وألوانه!
فأبطاله ينتمون إلى الشريحة الإجتماعية التي جاءت في ركاب المؤسس أو المؤسسين للمحميّة أو "الحامية" كما يطلق عليها الراوي،وارتبطت بهم مصلحيّاً ووظيفيّاً!
فماذا كانت دوافع هؤلاء الأبطال المتفرّدين بمواقفهم للتمرّد؟!لا يجيبنا الراوي على هذا السؤال مباشرةً، ولكنّه يترك لنا فرصة الإستنتاج،من كون هذه الشريحة تنتمي لطبقة المثقّفين الحالمين بمجتمع أكثر تحرّراً وعصريّة،من الناحيتين الإجتماعيّة والفكريّة،فالقيود الدينيّة الّتي توظّفها الحامية كغطاء،مضافاً إليها التضييق الفكري والسياسي، لا تتيح لهم ممارسة حياتهم بالطريقة التي يريدونها،كما لاتتيح لهم فرصة التعبير عن أفكارهم السياسيّة،أو تبَنّي نماذج تحررية تخدش وقار الحامية المصطنع وأطرها ومراجعها،التي حرصت على تثبيتها في الواقعين الإجتماعي والثقافي للحامية!
يفضح الراوي ذلك من خلال علاقات أبطاله النسائيّة التي تضرب عرض الحائط بالحشمة والتقاليد والمحرمات الدينية،وتمارس نزواتها من وراء الستار،بجموحٍ لا حدود لسقفه!
ومن هذا المنظور الثُّقبي الضيّق، فإن أقرب المخارج وأقصرها هو الإنتماء للحزب الشيوعي،باعتباره هو التنظيم الّذي رمز إليه الراوي، والّذي يتنفّس في الفضاء الأممي المزعوم، ليس خارج أجواء الدين والتقاليد فقط،ولكن أيضاً خارج الضغوط والتطلّعات القوميّة الملحّة باعتبارها أحلاماً برجوازيّة صغيرة،ولذا فالوردة التي يجب أن تقطف هي رأس النظام السياسي للحامية،لإقامة المملكة الحلم داخل حدود الحامية نفسها،باعتبارها الوردة الواقع، بعيداً عن الطوباويات القوميّة،التي يضجّ بها الواقع السياسي،وإذن فدعهم يرقصون هناك،ولنرقص نحن هنا!
هذه الرؤية هي الثُّقب الّذي يعاين هؤلاء الأبطال واقعهم من خلاله،وهي الرؤية ذاتها الّتي تبنّاها السياق الروائي،و هي رؤية ذهنيّة بحتة ،خارج دائر ة المعطيات الإجتماعية والسياسيّة الّتي تحاصر الحامية من كل صوب،وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة الحاضرة على كل صعيد، في الفضاء العربي الواسع ،أيّاً كانت هذه الحامية في الحقيقة! ،
!
ولكن هل هذا الإجتزاء الإجتماعي والسياسي مبرّر في السياقين الروائي والتاريخي؟!
لنجيب على هذا السؤال،دعونا ننزع عباءة الرمزية،ونخوض في الواقع السياسي العربي،على أرض الحامية أو الحاميات العربية،مسترشدين بإشارة الراوي نفسه،الّذي أدخلنا إلى هذا الواقع عبر بوّابة تفكك الإمبراطورية الأم،كما اشار بوضوح في سياقه أو مقدّمته الروائية!
وإذن فنحن أمام الواقع القومي العربي، بكلّ عوراته ومزاياه وتناقضاته،الواقع الّذي تشظّى إلى دولٍ قطرية وإلى حركات وأحزاب،تحاول لأم ما تشظّى وإعادته إلى التكامل المأمول إلا أنها تصطدم بواقع الأنظمة السياسية التي أصبح حلمها الوحيد كرسي الحكم،وحوّلت الأحلام القوميّة الكبيرة والمباديء،إلى ديكوراتٍ وزينة تحيط بها كراسيها وتخصفها على عريها وسوآتها!
السوآت التي لا يكشفها أكثر من الدولة النشاز "إسرائيل" التي تقبع على مقربة، قارعةً آذان هذه الأنظمة بذكرى خطيئاتها!فالثورة القومية الميمونة عوضاً عن أن تحررنا ،جلبت لنا هذا العار والداء العضال!
ولكن أبطال "ناصر" غافلون عن كلّ ذلك،فقد حصروا همهم في تغيير نظام الحفيد الّذي تولى عرش الحامية،بعيداً عن ذلك الهم الوطني والقومي المؤرق، بل تجاهلوه أوحوّلوه أو حوّله الراوي ذاته،بميتافورية عجيبة،إلى همٍّ طبقي مُدّعى أو مركّب على وعي إجتماعي وسياسي طاريء!
فهل سقطت الرواية نفسها في هنة التجاهل والإجتزاء،أم أن أبطالها أنفسهم،هُمُ الّذين التصقوا بهمّهم القريب،رافعين شعار :هنا الوردة،الّذي جعله الراوي عنواناً لروايته؟!
هذا هو السؤال الكبير الّذي عالجه أمجد ناصر على طريقة "هنا الوردة" أو دعنا نهتمّ بالآني والرّاهن بالنسبة لنا كأشخاص،ونترك ما عداه فهو لا يعنينا!
فهل هناك في واقعنا السياسي الراهن بكافّة مراحله،ما يوازي هذه الرؤيا،او يمثّلها أو يبرّرها؟!أم أنّ الراوي قد ركّب لنا فضاءً روائيّاً وأطلق فيه أحداثه وشخوصه وقدّها على مقاس العنوان ،في لحظة افتتان بهذا الفتح الماركسي،الّذي تتبّع مسيلاً جانبيّاً شحيحاً،مستدبراً عرض النهر الهادر الّذي يصمّ خريره الآذان وتزهر على صدره الفسيح حديقةٌ من أزهار اللوتس!
نزار حسين راشد
o
o
o
o
وبهذا المعنى فقد كان أمجد ناصر مخلصاً جدّاً لعنوان روايته"هنا الوردة"،فهو قد اقتطع شريحة أبطاله من فئة إجتماعيّة وحزبيّة ضيّقة،وحبسها في فضاء روايته،مديراً ظهره للمجتمع الواسع بباقي شرائحه وأطيافه وألوانه!
فأبطاله ينتمون إلى الشريحة الإجتماعية التي جاءت في ركاب المؤسس أو المؤسسين للمحميّة أو "الحامية" كما يطلق عليها الراوي،وارتبطت بهم مصلحيّاً ووظيفيّاً!
فماذا كانت دوافع هؤلاء الأبطال المتفرّدين بمواقفهم للتمرّد؟!لا يجيبنا الراوي على هذا السؤال مباشرةً، ولكنّه يترك لنا فرصة الإستنتاج،من كون هذه الشريحة تنتمي لطبقة المثقّفين الحالمين بمجتمع أكثر تحرّراً وعصريّة،من الناحيتين الإجتماعيّة والفكريّة،فالقيود الدينيّة الّتي توظّفها الحامية كغطاء،مضافاً إليها التضييق الفكري والسياسي، لا تتيح لهم ممارسة حياتهم بالطريقة التي يريدونها،كما لاتتيح لهم فرصة التعبير عن أفكارهم السياسيّة،أو تبَنّي نماذج تحررية تخدش وقار الحامية المصطنع وأطرها ومراجعها،التي حرصت على تثبيتها في الواقعين الإجتماعي والثقافي للحامية!
يفضح الراوي ذلك من خلال علاقات أبطاله النسائيّة التي تضرب عرض الحائط بالحشمة والتقاليد والمحرمات الدينية،وتمارس نزواتها من وراء الستار،بجموحٍ لا حدود لسقفه!
ومن هذا المنظور الثُّقبي الضيّق، فإن أقرب المخارج وأقصرها هو الإنتماء للحزب الشيوعي،باعتباره هو التنظيم الّذي رمز إليه الراوي، والّذي يتنفّس في الفضاء الأممي المزعوم، ليس خارج أجواء الدين والتقاليد فقط،ولكن أيضاً خارج الضغوط والتطلّعات القوميّة الملحّة باعتبارها أحلاماً برجوازيّة صغيرة،ولذا فالوردة التي يجب أن تقطف هي رأس النظام السياسي للحامية،لإقامة المملكة الحلم داخل حدود الحامية نفسها،باعتبارها الوردة الواقع، بعيداً عن الطوباويات القوميّة،التي يضجّ بها الواقع السياسي،وإذن فدعهم يرقصون هناك،ولنرقص نحن هنا!
هذه الرؤية هي الثُّقب الّذي يعاين هؤلاء الأبطال واقعهم من خلاله،وهي الرؤية ذاتها الّتي تبنّاها السياق الروائي،و هي رؤية ذهنيّة بحتة ،خارج دائر ة المعطيات الإجتماعية والسياسيّة الّتي تحاصر الحامية من كل صوب،وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة الحاضرة على كل صعيد، في الفضاء العربي الواسع ،أيّاً كانت هذه الحامية في الحقيقة! ،
!
ولكن هل هذا الإجتزاء الإجتماعي والسياسي مبرّر في السياقين الروائي والتاريخي؟!
لنجيب على هذا السؤال،دعونا ننزع عباءة الرمزية،ونخوض في الواقع السياسي العربي،على أرض الحامية أو الحاميات العربية،مسترشدين بإشارة الراوي نفسه،الّذي أدخلنا إلى هذا الواقع عبر بوّابة تفكك الإمبراطورية الأم،كما اشار بوضوح في سياقه أو مقدّمته الروائية!
وإذن فنحن أمام الواقع القومي العربي، بكلّ عوراته ومزاياه وتناقضاته،الواقع الّذي تشظّى إلى دولٍ قطرية وإلى حركات وأحزاب،تحاول لأم ما تشظّى وإعادته إلى التكامل المأمول إلا أنها تصطدم بواقع الأنظمة السياسية التي أصبح حلمها الوحيد كرسي الحكم،وحوّلت الأحلام القوميّة الكبيرة والمباديء،إلى ديكوراتٍ وزينة تحيط بها كراسيها وتخصفها على عريها وسوآتها!
السوآت التي لا يكشفها أكثر من الدولة النشاز "إسرائيل" التي تقبع على مقربة، قارعةً آذان هذه الأنظمة بذكرى خطيئاتها!فالثورة القومية الميمونة عوضاً عن أن تحررنا ،جلبت لنا هذا العار والداء العضال!
ولكن أبطال "ناصر" غافلون عن كلّ ذلك،فقد حصروا همهم في تغيير نظام الحفيد الّذي تولى عرش الحامية،بعيداً عن ذلك الهم الوطني والقومي المؤرق، بل تجاهلوه أوحوّلوه أو حوّله الراوي ذاته،بميتافورية عجيبة،إلى همٍّ طبقي مُدّعى أو مركّب على وعي إجتماعي وسياسي طاريء!
فهل سقطت الرواية نفسها في هنة التجاهل والإجتزاء،أم أن أبطالها أنفسهم،هُمُ الّذين التصقوا بهمّهم القريب،رافعين شعار :هنا الوردة،الّذي جعله الراوي عنواناً لروايته؟!
هذا هو السؤال الكبير الّذي عالجه أمجد ناصر على طريقة "هنا الوردة" أو دعنا نهتمّ بالآني والرّاهن بالنسبة لنا كأشخاص،ونترك ما عداه فهو لا يعنينا!
فهل هناك في واقعنا السياسي الراهن بكافّة مراحله،ما يوازي هذه الرؤيا،او يمثّلها أو يبرّرها؟!أم أنّ الراوي قد ركّب لنا فضاءً روائيّاً وأطلق فيه أحداثه وشخوصه وقدّها على مقاس العنوان ،في لحظة افتتان بهذا الفتح الماركسي،الّذي تتبّع مسيلاً جانبيّاً شحيحاً،مستدبراً عرض النهر الهادر الّذي يصمّ خريره الآذان وتزهر على صدره الفسيح حديقةٌ من أزهار اللوتس!
نزار حسين راشد
o
o
o
o