مقدمة :
تقوم الترجمة بفعل ثوري و تغييري مواز ٍ للفعل الكتابي، فهي تمنح اللغة و الفكر المنقولة إليهما الكثير من الحيوية و الخصوبة، تلك التي تساعد الثقافة الجديدة على التجدد و الاستمرار في الحالات الطبيعية او الانعطافات الكبيرة و المؤثرة في العديد من الأوضاع الاستثنائية.
تحاول هذه الورقة التطرق لأثر الترجمة على الفضاءات الفكرية الجديدة، التي تقوم بالتأثير فيها، بشكل ٍ مباشر و سريع او ربما بشكل ٍ غير مباشر و بطيء، يحتاج للكثير من الوقت و الجهد، وكيفية استقبال و تفاعل بعض السياقات المجتمعية في حين ان بعض المجتمعات لا تشعر بها الا نادرا ً، متخذا ً المثالية الألمانية كمثال على هذا التأثير في السياقات المجتمعية.
الثقافة العربية و التلقي الفلسفي :
في السنوات الأخيرة صدرت الكثير من الترجمات للغة العربية، في شتى المواضيع، بمستويات ٍ مختلفة، غير ان اهتمام هذه الورقة سينحصر على الترجمات الفلسفية تحديدا ً، حيث نجد ان اللغة العربية و بالتالي الثقافة العربية قد استقبلت أمهات الفلسفة الألمانية، منها على سبيل المثال لا الحصر ؛ “الكينونة و الزمان”( 1) للفيلسوف الالماني مارتن هيدجر (1889م-1976م) و التي صدرت في العام 2012م، و “رأس المال”( 2) للفيلسوف الالماني كارل ماركس (1818م-1883م) و التي صدرت في العام2013م بثلاثة أجزاء، و قبل ذلك “فينومينولوجيا الروح” ( 3) للفيلسوف الالماني هيجل (1770م-1831م) و التي صدرت في العام 2006م، و “نقد العقل الخالص”( ) للفيلسوف الالماني كانط (1724م-1804م) و التي صدرت في العام 2013م، وغيرها الكثير من الأعمال المؤثرة و المشابهة لها.
استُقبلت هذه الاعمال الفلسفية المؤسسة و غيرها، في الثقافة العربية المعُاصرة بنوع ٍ من الصمت الخجول، وكأن شيئا ً لم يكن، باستثناء ذلك الاحتفاء الرسمي بالكينونة و الزمان، و ربما يعود هذا الاستقبال الفاتر و الصامت للكثير من العوامل، من بينها :
1) الاحداث التي يمر بها العالم العربي في الفترة الاخيرة، من جهة، و عدم إنشغاله بالبحث الفلسفي من الجهة الاخرى و إهتمامه باليومي و الآني، الامر الذي أضعف إستقبالها، و قلل من أهميتها في السياق العربي المعاصر.
2) غير ان هذا الفتور في الاستقبال العربي للاعمال الفلسفية لا يعود للمرحلة المعاصرة ، بل يمتد لتلك الترجمات العربية القديمة، حيث نجد ذلك الحصار و النفي الذي تعرضت له الفلسفة الرشدية و الترجمات المختلفة للنصوص الاغريقية، وما تعرضت له من نسيان ٍ و إهمال كبيرين، وعدم محاولة ترجمتها من جديد حسب مقتضيات العصر و الثقافة الجديدة.
3) اضف لذلك فإن الفترة القائمة بين صدور العمل و بين ترجمته يساهم في توسيع الهوة بين فاعلية الأفكار المطروحة من جهة و بين إمكانية أدلجتها كما هو حاصل لدى الماركسية و العلمانية على سبيل المثال، من الجهة الاخرى، الامر الذي يجعل هذا الاستقبال فاترا ً، محاطا ً بالكثير من الوساوس و الشكوك. و هو ما يؤثر بشكل ٍ كبير، و مباشر، على التفاعل الفلسفي المؤمل، الامر الذي يؤدي الى إستمرار و تفاقم الفجوة الكبيرة و العميقة التي يعيشها العقل الاسلامي، مع بقية العقول الكونية.
مهما يكن الامر، فإن هذا التلقي للأعمال الفلسفية في الثقافة العربية، من الناحية الزمنية و الأيديولوجية، يطرح أمامنا مجال المقارنة بين هذا التلقي و التلقي الحاصل في ثقافات أخرى، للأعمال الفلسفية بشكل ٍ عام و المثالية الالمانية بشكل ٍ خاص، مما يجعل الترجمة ليست عملية مجانية او عشوائية، بل هي في الكثير من الاحيان حدثا ً فلسفيا ً عظيما ً و مؤسسا ً، في نفس الوقت، بالمعنى الذي طرحه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (1930م -2004م) في حديثه عن احداث 11 سبتمبر 2001م، من حيث ان “الحدث العظيم يجب ان يكون طارئا ً و مباغتا ً لدرجة انه يجعل أفق المفهوم نفسه يهتز”( 4)، فالترجمة بهذا المعنى حدث فاصل، تؤسس لأنماط جديدة من الفهم و التفكير، و ارتياد الآفاق و المواضيع، و طارئة على المتلقي و ذلك لجدتها و حداثتها عليه، فهي تفعل مفاعيلها العميقة فيه، و تمنحه زوايا جديدة للرؤية، و تُغير الكثير من المسارات الفردية و الجماعية، ذلك انها بمثابة دفعات جديدة، و غير مألوفة، جاءت من ثقافات أخرى، ليتم إستضافتها، و لتمنح الثقافىة الجديدة دماء فكرية جديدة.
الحدث و التلقي المباشر :
في العام 1781م اصدر الفيلسوف الالماني كانط (1724م-1804م) الطبعة الاولى من “نقد العقل المحض”، و صدرت الطبعة الثانية عام 1787م، و في الاعوام القريبة اللاحقة لهذا العمل / الحدث، تمت ترجمته و الكثير من الاعمال في سياق المثالية الالمانية للكثير من اللغات، و العديد من الثقافات، كالانجليزية و الفرنسية و الايطالية و البولونية و الفنلدنية و غيرها، حيث نجد ان “النشرة الانجليزية الاولى لنقد العقل الخالص او المحض قد صدرت عام 1813م” ( 5) أي بعد فترة ليست بالطويلة إجمالا، بينما نجد ان اسكوتلندا قد “تقبّلت كانط بروحية أعمق مما تقبلته به أنجلترا” (نفسه، ص983)، ففي العام 1764م صدر بحث عن “فكر الانسان حول مبادئ العقل السليم” (نفسه ) و هو ما يتقاطع الى حد ٍ كبير مع التفكير الكانطي.
بالاضافة لهذه الترجمات و غيرها في الكثير من اللغات المذكورة سابقا ً، و التي امتدت الى لغات اضافية أخرى، خارج القارة الاوروبية، فإننا نجد نشوء و تكّون ما يشبه التيارات و التيارات المضادة لهذا النمط من التفكير، خارج اللغة الأم لهذه الأعمال، مثل ذلك التفاعل الكبير الذي حدث في الثقافة الفرنسية بدءا ً من العام 1804م، حيث تمت ترجمة كتاب “التاريخ المقارن لأنساق الفلسفة من حيث مبادئ المعارف الانسانية” الذي يتضمن عرضا ً “ثري المضمون للفلسفة الكنطية و لتطورات الفلسفة النقدية الأخرى” (نفسه، ص996).
من الواضح من خلال الكثير من الشواهد المذكورة هنا، او تلك التي لم يتم التطرق إليها، بأن حركة الترجمة المتأخرة عن تأليف العمل، تفقده الكثير من الراهنية، و الأهمية، ففي الوقت الذي من المحتمل ان يثير العمل الكثير من النقاش و الجدل في لغته الاصلية إبان صدوره، فإننا نجد بأن الزمن و الفكر قد تجاوزا العديد من الأفكار المحورية المطروحة فيه، مما يجعله لا يثير الكثير من النقاش في اللغة المترجم لها.مما يجعلنا امام ضرورة مراعاة البُعد الزمني للأفكار و التطور التاريخي لها، و هو البُعد المفقود الى حد ٍ كبير، بالاضافة للانسداد التاريخي الذي تعيشه الكثير من الثقافات، ومن ضمنها الثقافة العربية المعُاصرة، الامر الذي يجعل الترجمة تفقد الكثير من فاعليتها، و راهنيتها، غير ان هذا لا يقلل بأي حال ٍ من الاحوال من ضرورتها، و أهميتها، الآنية و المستقبلية على حد ٍ سواء.
خاتمة :
لا شك ان الترجمة بشكل ٍ عام تعتبر بمثابة مهماز لا غنى عنه للتثاقف الحضاري، و منح الثقافات البشرية المختلفة الكثير من أسس التقارب فيما بينها، بُغية الوصول للعوامل و الشروط المشتركة، غير ان هذا لا يعني بأن للترجمة دور سحري، وخارق للعادة، بل هي تقع ضمن الإمكانيات البشرية التي يستخدمها الانسان للخروج من عزلته الانطولوجية، و الدخول في عوالم جديدة عليه، و مجهولة في نفس الوقت، تمنحه الكثير من الإمكانيات التي لم تكن بحوزته سابقا ً، و المعارف التي ربما لم تخطر على باله قبل حدوث الترجمة. بهذا المعنى فهي ضرورية، لاختراق حاجز التضخم الذاتي من حيث ان الآخرين يمتلكون الكثير من المعارف و الإمكانيات التي تجعلهم يقفون على قدم المساواة مع الذات، بل وربما في الكثير من الاحيان تصبح الترجمة أداة لوضع الذات في موضعها الفعلي و المناسب، بعيدا ً عن التعملق و التقزيم.
الهوامش:
1- إلياده، ميرتشيا، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ترجمة سعود المولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007 ص41.
2 -كانط، عمانوئيل، الدين في حدود مجرد العقل، ت فتحي المسكيني، دار جداول، بيروت، 2012، ص 54 .
3 – هيجل، جورج، تاريخ الفلسفة، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، المكتبة الهيجلية، المؤلفات، مج 3، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997،، ص294.
4 – هيجل، جورج، موسوعة العلوم الفلسفية، إمام عبد الفتاح إمام، المكتبة الهيجلية، المؤلفات، مج2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.ص 49 .
5 – انظر: أوتو، رودولف، فكرة القدسي، التقصي عن العامل غير العقلاني في فكرة الإلهي وعن علاقته بالعامل العقلاني، دار المعارف الحكمية، 2010، ص 32-33 المقدمة.
تقوم الترجمة بفعل ثوري و تغييري مواز ٍ للفعل الكتابي، فهي تمنح اللغة و الفكر المنقولة إليهما الكثير من الحيوية و الخصوبة، تلك التي تساعد الثقافة الجديدة على التجدد و الاستمرار في الحالات الطبيعية او الانعطافات الكبيرة و المؤثرة في العديد من الأوضاع الاستثنائية.
تحاول هذه الورقة التطرق لأثر الترجمة على الفضاءات الفكرية الجديدة، التي تقوم بالتأثير فيها، بشكل ٍ مباشر و سريع او ربما بشكل ٍ غير مباشر و بطيء، يحتاج للكثير من الوقت و الجهد، وكيفية استقبال و تفاعل بعض السياقات المجتمعية في حين ان بعض المجتمعات لا تشعر بها الا نادرا ً، متخذا ً المثالية الألمانية كمثال على هذا التأثير في السياقات المجتمعية.
الثقافة العربية و التلقي الفلسفي :
في السنوات الأخيرة صدرت الكثير من الترجمات للغة العربية، في شتى المواضيع، بمستويات ٍ مختلفة، غير ان اهتمام هذه الورقة سينحصر على الترجمات الفلسفية تحديدا ً، حيث نجد ان اللغة العربية و بالتالي الثقافة العربية قد استقبلت أمهات الفلسفة الألمانية، منها على سبيل المثال لا الحصر ؛ “الكينونة و الزمان”( 1) للفيلسوف الالماني مارتن هيدجر (1889م-1976م) و التي صدرت في العام 2012م، و “رأس المال”( 2) للفيلسوف الالماني كارل ماركس (1818م-1883م) و التي صدرت في العام2013م بثلاثة أجزاء، و قبل ذلك “فينومينولوجيا الروح” ( 3) للفيلسوف الالماني هيجل (1770م-1831م) و التي صدرت في العام 2006م، و “نقد العقل الخالص”( ) للفيلسوف الالماني كانط (1724م-1804م) و التي صدرت في العام 2013م، وغيرها الكثير من الأعمال المؤثرة و المشابهة لها.
استُقبلت هذه الاعمال الفلسفية المؤسسة و غيرها، في الثقافة العربية المعُاصرة بنوع ٍ من الصمت الخجول، وكأن شيئا ً لم يكن، باستثناء ذلك الاحتفاء الرسمي بالكينونة و الزمان، و ربما يعود هذا الاستقبال الفاتر و الصامت للكثير من العوامل، من بينها :
1) الاحداث التي يمر بها العالم العربي في الفترة الاخيرة، من جهة، و عدم إنشغاله بالبحث الفلسفي من الجهة الاخرى و إهتمامه باليومي و الآني، الامر الذي أضعف إستقبالها، و قلل من أهميتها في السياق العربي المعاصر.
2) غير ان هذا الفتور في الاستقبال العربي للاعمال الفلسفية لا يعود للمرحلة المعاصرة ، بل يمتد لتلك الترجمات العربية القديمة، حيث نجد ذلك الحصار و النفي الذي تعرضت له الفلسفة الرشدية و الترجمات المختلفة للنصوص الاغريقية، وما تعرضت له من نسيان ٍ و إهمال كبيرين، وعدم محاولة ترجمتها من جديد حسب مقتضيات العصر و الثقافة الجديدة.
3) اضف لذلك فإن الفترة القائمة بين صدور العمل و بين ترجمته يساهم في توسيع الهوة بين فاعلية الأفكار المطروحة من جهة و بين إمكانية أدلجتها كما هو حاصل لدى الماركسية و العلمانية على سبيل المثال، من الجهة الاخرى، الامر الذي يجعل هذا الاستقبال فاترا ً، محاطا ً بالكثير من الوساوس و الشكوك. و هو ما يؤثر بشكل ٍ كبير، و مباشر، على التفاعل الفلسفي المؤمل، الامر الذي يؤدي الى إستمرار و تفاقم الفجوة الكبيرة و العميقة التي يعيشها العقل الاسلامي، مع بقية العقول الكونية.
مهما يكن الامر، فإن هذا التلقي للأعمال الفلسفية في الثقافة العربية، من الناحية الزمنية و الأيديولوجية، يطرح أمامنا مجال المقارنة بين هذا التلقي و التلقي الحاصل في ثقافات أخرى، للأعمال الفلسفية بشكل ٍ عام و المثالية الالمانية بشكل ٍ خاص، مما يجعل الترجمة ليست عملية مجانية او عشوائية، بل هي في الكثير من الاحيان حدثا ً فلسفيا ً عظيما ً و مؤسسا ً، في نفس الوقت، بالمعنى الذي طرحه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (1930م -2004م) في حديثه عن احداث 11 سبتمبر 2001م، من حيث ان “الحدث العظيم يجب ان يكون طارئا ً و مباغتا ً لدرجة انه يجعل أفق المفهوم نفسه يهتز”( 4)، فالترجمة بهذا المعنى حدث فاصل، تؤسس لأنماط جديدة من الفهم و التفكير، و ارتياد الآفاق و المواضيع، و طارئة على المتلقي و ذلك لجدتها و حداثتها عليه، فهي تفعل مفاعيلها العميقة فيه، و تمنحه زوايا جديدة للرؤية، و تُغير الكثير من المسارات الفردية و الجماعية، ذلك انها بمثابة دفعات جديدة، و غير مألوفة، جاءت من ثقافات أخرى، ليتم إستضافتها، و لتمنح الثقافىة الجديدة دماء فكرية جديدة.
الحدث و التلقي المباشر :
في العام 1781م اصدر الفيلسوف الالماني كانط (1724م-1804م) الطبعة الاولى من “نقد العقل المحض”، و صدرت الطبعة الثانية عام 1787م، و في الاعوام القريبة اللاحقة لهذا العمل / الحدث، تمت ترجمته و الكثير من الاعمال في سياق المثالية الالمانية للكثير من اللغات، و العديد من الثقافات، كالانجليزية و الفرنسية و الايطالية و البولونية و الفنلدنية و غيرها، حيث نجد ان “النشرة الانجليزية الاولى لنقد العقل الخالص او المحض قد صدرت عام 1813م” ( 5) أي بعد فترة ليست بالطويلة إجمالا، بينما نجد ان اسكوتلندا قد “تقبّلت كانط بروحية أعمق مما تقبلته به أنجلترا” (نفسه، ص983)، ففي العام 1764م صدر بحث عن “فكر الانسان حول مبادئ العقل السليم” (نفسه ) و هو ما يتقاطع الى حد ٍ كبير مع التفكير الكانطي.
بالاضافة لهذه الترجمات و غيرها في الكثير من اللغات المذكورة سابقا ً، و التي امتدت الى لغات اضافية أخرى، خارج القارة الاوروبية، فإننا نجد نشوء و تكّون ما يشبه التيارات و التيارات المضادة لهذا النمط من التفكير، خارج اللغة الأم لهذه الأعمال، مثل ذلك التفاعل الكبير الذي حدث في الثقافة الفرنسية بدءا ً من العام 1804م، حيث تمت ترجمة كتاب “التاريخ المقارن لأنساق الفلسفة من حيث مبادئ المعارف الانسانية” الذي يتضمن عرضا ً “ثري المضمون للفلسفة الكنطية و لتطورات الفلسفة النقدية الأخرى” (نفسه، ص996).
من الواضح من خلال الكثير من الشواهد المذكورة هنا، او تلك التي لم يتم التطرق إليها، بأن حركة الترجمة المتأخرة عن تأليف العمل، تفقده الكثير من الراهنية، و الأهمية، ففي الوقت الذي من المحتمل ان يثير العمل الكثير من النقاش و الجدل في لغته الاصلية إبان صدوره، فإننا نجد بأن الزمن و الفكر قد تجاوزا العديد من الأفكار المحورية المطروحة فيه، مما يجعله لا يثير الكثير من النقاش في اللغة المترجم لها.مما يجعلنا امام ضرورة مراعاة البُعد الزمني للأفكار و التطور التاريخي لها، و هو البُعد المفقود الى حد ٍ كبير، بالاضافة للانسداد التاريخي الذي تعيشه الكثير من الثقافات، ومن ضمنها الثقافة العربية المعُاصرة، الامر الذي يجعل الترجمة تفقد الكثير من فاعليتها، و راهنيتها، غير ان هذا لا يقلل بأي حال ٍ من الاحوال من ضرورتها، و أهميتها، الآنية و المستقبلية على حد ٍ سواء.
خاتمة :
لا شك ان الترجمة بشكل ٍ عام تعتبر بمثابة مهماز لا غنى عنه للتثاقف الحضاري، و منح الثقافات البشرية المختلفة الكثير من أسس التقارب فيما بينها، بُغية الوصول للعوامل و الشروط المشتركة، غير ان هذا لا يعني بأن للترجمة دور سحري، وخارق للعادة، بل هي تقع ضمن الإمكانيات البشرية التي يستخدمها الانسان للخروج من عزلته الانطولوجية، و الدخول في عوالم جديدة عليه، و مجهولة في نفس الوقت، تمنحه الكثير من الإمكانيات التي لم تكن بحوزته سابقا ً، و المعارف التي ربما لم تخطر على باله قبل حدوث الترجمة. بهذا المعنى فهي ضرورية، لاختراق حاجز التضخم الذاتي من حيث ان الآخرين يمتلكون الكثير من المعارف و الإمكانيات التي تجعلهم يقفون على قدم المساواة مع الذات، بل وربما في الكثير من الاحيان تصبح الترجمة أداة لوضع الذات في موضعها الفعلي و المناسب، بعيدا ً عن التعملق و التقزيم.
الهوامش:
1- إلياده، ميرتشيا، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ترجمة سعود المولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007 ص41.
2 -كانط، عمانوئيل، الدين في حدود مجرد العقل، ت فتحي المسكيني، دار جداول، بيروت، 2012، ص 54 .
3 – هيجل، جورج، تاريخ الفلسفة، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، المكتبة الهيجلية، المؤلفات، مج 3، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997،، ص294.
4 – هيجل، جورج، موسوعة العلوم الفلسفية، إمام عبد الفتاح إمام، المكتبة الهيجلية، المؤلفات، مج2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.ص 49 .
5 – انظر: أوتو، رودولف، فكرة القدسي، التقصي عن العامل غير العقلاني في فكرة الإلهي وعن علاقته بالعامل العقلاني، دار المعارف الحكمية، 2010، ص 32-33 المقدمة.