الفلسفة والتواصل أم الفلسفة أو التواصل؟
يَعتبر عمر مهيبل أن التواصل “موضع أشكلة من حيث الدلالة اللغوية، إذ أن هناك مفاهيم متعددة تتلامس معه ولا تنفصل عنه” . بعودتنا إلى اللغة العربية نجد أن مصطلح التواصل مشتق من المصدر الثلاثي وَصَلَ، ومن المعاني التي يذكرها ابن منظور في لسان العرب، نجد الوصْل وهو خلاف الفصل وضد الهجران، ثم الصلة، فنقول أن ليلة الوصل هي آخر ليلة في الشهر لاتصالها بالشهر الأخر، ثم اتصل الشيء بالشيء؛ أي لم ينقطع، ثم المواصلة والوصال وكلاهما يكون في العفاف والحب . وقد حاول الأستاذ جميل حمداوي استجماع هذه المعاني بقوله أن التواصل يفيد “الاتصال والصلة والترابط والالتئام والجمع والإبلاغ والانتهاء والإعلام” ، وهذه الدلالة العربية للمصطلح تشبه إلى حد بعيد دلالته الغربية التي تحيل إليها كلمة Communication.
أما من الناحية الاصطلاحية فالتواصل يدل على “عملية نقل المعلومات واستقبالها وتبادل الآراء والأفكار والقناعات والمشاعر بين الأفراد والجماعات وعبر الوسائط المتعددة” ، وأول من تحدث عنه هو عالم الرياضيات الأمريكي Norbert Wiener وطوره مهندسو الاتصالات من خلال فكرة نقل المعلومات اعتمادا على التكنولوجيا الجديدة، وكان مفهوم التواصل قد اغتنى قبل ذلك مع اللساني جاكوبسون الذي اعتبر أن وظيفة اللغة هي التواصل، وبذلك لم يعد التواصل مجرد ظاهرة لسانية “بل هو مفهوم يحيل على ظواهر إنسانية عديدة، سوسيولوجية، وسيكولوجية، سياسية، تربوية، ثقافية، وجمالية…” ، وبذلك نجد تشارل كولي يعرفه بكونه “الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور، إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان، ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات الجسم والحركات ونبرة الصوت والكلمات والكتابات والمطبوعات والقطارات والتلغراف والتلفون…” .
أما من وجهة نظر العلوم الإنسانية التواصل أساس الحياة الاجتماعية، فـــ Norbert sillamy يعرفه على أساس أنه “علاقة بين الأفراد” ، وهو ما عبر عنه أيضا Gustave flaubert بقوله: “إن الأنا هي الآخر: Le je et un autre ” . ويربطه بالإدراك وباللغة والحركات والإشارات وبكيفيات غير عقلانية مثل تواصل الشعور باللاشعور عند فرويد، والذي يعبر عنه بقوله “إن الذي تصمت شفتاه يتكلم بأطراف أصابعه” . وقد عرف السوسيولوجي الأمريكي هربرت ميد بقوله هو “تدخل للآخرين في تكوين الأنا والهوية وبنائها” . وعرفه قبل ذلك السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركايم بقوله “تفاعل داخل شبكة تتبادل أو تتقاسم فيها تصورات جماعية” .
• ما الذي يمكن أن يستنتج من خلال ما سبق؟
إن ما يمكن أن نخلص إليه لا يمكن أن يكون شيئا آخر غير تأكيد الاحتياط من التسرع في تقديم تعريف للتواصل، وهو ما عبر عنه جانين بودشون بقوله “لقد حذر كتاب بارزون منذ وقت بعيد وإلى الآن من خطورة تقديم تعريف مبكر للتواصل” . فهو مجال لتقاطع العديد من المباحث مثل “علم النفس وعلم الاجتماع وفلسفة اللغة واللسانيات والفلسفة السياسية والأنثروبولوجيا…” . ورغم ذلك يمكننا القول بناء على ما سبق، أن التواصل يتضمن كل معاني التلاقي والتفاعل، سواء النفسية أو الاجتماعية أو الفكرية وحتى الجسدية، وأنه يمكن أن يكون لفظيا يعتمد: الأصوات والمقاطع والكلمات والجمل، كما يمكن أن يكون غير لفظي يعتمد الإشارات والإيماءات والحركات، ومن ثمة فهو يتم عبر القناتين السمعية والبصرية، وهو ما عبر عنه الشاعر بقوله:
أشـــــارت بطـــــــرف العين خيفة أهلها إشــــارة مــذعـــــــور ولـم تـتــــــــكـلــم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحـبا وأهــلا وسهـلا بالحبـيب المتــــيــــــــم
رغم هذا لابد من الإشارة إلى أن التقدم في وضع تعريف للتواصل لا يمكن أن يتأتى بدون معرفة خصائص هذا الأخير ووظائفه ومعيقاته وأهم النظريات التي أنتجت حول كيفية تبلوره واقعيا، باعتبارها سبيلا لإخراج التعريف من القوة إلى الفعل.
إن هذا القلق المرافق للحديث عن التواصل يزداد ترسخا عندما ينظر إليه فلسفيا أو في علاقته بالفلسفة، بحيث تتجاوز المسألة حدود التعريف لترتبط بالعلاقة الكاملة بين المجالين من حيث الأغراض والمقاصد، فكيف يتجلى هذا القلق فلسفيا؟
فلسفة التواصل؟
إن الحديث عن الفلسفة بصيغة المفرد ووسمُها بالتواصل، أمر قد يكون مجحفا جداً، لأن هناك عددا كبيرا من الفلاسفة، أكدوا أن الحديث عن فلسفة للتواصل يشبه الحديث عن دائرة مربعة الشكل. بمعنى أنه يستحيل الجمع بينهما، بشكل يجعل من المشروع الحديث عن فلسفة للتواصل. وهذا التوجس هو ما دفعنا إلى إدخال الاستفهام على كلمتي عنوان الفصل، فنحن هنا لا نرغب لا في النفي ولا في الإثبات، وإنما نسعى فقط للمساءلة بما هي إنتاج مستقبلي.
من المعروف أن التواصل Communication كمفهوم وفد إلى الفلسفة من حقول معرفية مختلفة مثل علوم الإعلام واللسانيات، واحتضنه الفكر الفلسفي ليجعل منه “إشكالية جديدة تتصدر اهتماماته الراهنة” ، وهي إشكالية صارت أيضا موضع أشكلة، فليست هناك مادة معطاة في الفلسفة اسمها التواصل ماعدا محاولة هابرماس، وقد عبر هيدغر عن هذه الصعوبة بقوله “ينبغي فهم ظاهرة التواصل في معنى واسع وأنطولوجي” ، وهو القول الذي شرحه عمر مهيبل بقوله أن الفلاسفة لم يتكلموا عن التواصل بشكل مباشر، وإذا ما أردنا أن نبحث عنه ينبغي أن نمارس التأويل، بحيث يصير من خلاله باشلار متحدثا عن لا تواصلية المعارف، ويصير معه هيدغر في تأكيده لـ “أهمية العلاقة بين الكينونة والزمان يعني… وجود تواصل في إطار الزمان بين الكينونة والكائن… الإنسان لا يوجد ولا يمكنه أن يوجد ككائن تاريخي محقق في التاريخ إلا لكونه كائنا زمانيا ومتزمنا” .
إن مجموع الإشكالات التي يطرحها التواصل كمفهوم وكممارسة جعلته متأرجحا بين التبني فلسفيا أو الإبعاد، فهناك من الفلاسفة من يقول بوجود فلسفة للتواصل ويقر بوجود “تواصل معرفي منهجي بين الفلسفات المختلفة وبين أجزاء الفلسفة الواحدة، وبين الفلسفة ومحيطها الاجتماعي والتاريخي الذي أنتجت ووظفت في إطاره” ، وهناك من يرفض هذا القول وينفي وجود هذا التواصل. وهذا التأرجح بين النفي والإثبات هو أيضا تأرجح بين الإقرار بوجود فلسفة للتواصل ونفي هذا الوجود، وسنحاول فيما يلي إيضاح بعض المرتكزات التي دفعت الفريقين لاتخاذ هاذين الموقفين متخذين من جيل دولوز و يورغن هابرماس نموذجا.
1. جيل دولوز: الفلسفة أو التواصل.
يذهب جيل دولوز إلى أن الفلسفة اليوم تواجه خصوما أكثر شراسة من السفسطائيين على عهد سقراط وأفلاطون وهم “الاتصال، والإعلاميات وعلم التسويق” ، فالفلسفة حسب جيل دولوز إبداع للمفاهيم وهو ما يعبر عنه قائلا “إن للفلسفة وظيفة تضل راهنية كليا ألا وهي إبداع المفاهيم” ، وهذه المهمة تحاول أن تستولي عليها هذه المجالات، وهي لا تعمل من خلالها في الحقيقة سوى على ترويج السلعة وتأكيد المصلحة، فالفلسفة “تتموضع على الطرف النقيض من الاتصال لأن هذا الأخير لا ينتج مفاهيم Concepts، بل عموميات Universaux أو كليات يراد منها إرساء قواعد للسيطرة” .
إن دولوز يقر بشكل صريح أن الفلسفة ليست “اتصالا ولا تواصلا لأنها فكر لا وجهة نظر أو محادثة أو لغو… إن غاية الاتصال Media التسويق والبيع، ومرمى التواصل Communication التوافق المؤدي إلى التنازل” ، وبذلك فالفلسفة مقاومة لكوجيطو السلعة ومقاومة للتفاهم والتوافق والتواصل، فحسبه “يراد تأسيس التفاهم والتوافق ولكن التوافق قاعدة مثالية للرأي لا علاقة لها بالفلسفة” ، فليس الرأي من الفلسفة في شيء، بل هو عدة أشباه الفلاسفة والمثقفين، فللمثقف رأي في كل شيء، والحال أن الفلسفة منذ لحظة انبثاقها في بلاد الإغريق موقعت نفسها كنقيض للرأي والدوكسا.
إن الفلسفة حسب دولوز لا يمكن أن تكون تواصلا ولا اتصالا، فإما الفلسفة وإما التواصل، ولا وجود لفلسفة التواصل، وهذا طرح يدافع عنه إلى أخر رمق، بحيث نجده يرد على الإدعاء القائل بحاجة الفلسفة إلى الجمهور لكي تثبت وجودها، حيث لا يتأتى لها هذا الإثبات إلا باستجابتها للاتصال والتواصل، قائلا أن الفلسفة عبر تاريخها لم تكن بحاجة إلى جمهور فهي فكر يحيا كتنظيم سري، وهي أشبه بقارورة رُميت في البحر فلا يُدرى إلى أين مستقرها. فالمفاهيم التي هي خلاصة إنتاج الفلسفة، لا تنتج بالتواصل والحوار بل بقوة الإرادة والفكر، فالمفهوم لا يعثر عليه جاهزا، كما أنه مركب ومتعدد، وينتج في بساط المحايثة بما هو مجال لتبلور المشكلات، إن المفهوم تعدد وحركة، والحقيقة لا يمكن أن تكون حوارية أو تواصلية، فهي “غير برهانية ولا إحالية ولا تطابقية في ذاتها بل هي إنتاجية وإبداعية، أي أن الحقيقة ليست معطى سابقا أو قاعدة عامة نسعى للتماهي معها… بل هي مفعول الفكرة والمفهوم… باعتبارهما اصطناعا لإمكان مستقبلي في الحياة” .
إن دولوز يرفض الاتصال والتواصل، ويجنح إلى الفلسفة والاختلاف، مما يجسد وعيه بخطورة التواصل والحوار عندما يستثمر ميتافيزيقيا في إطار بعد تذاوتي، فالحوار “يسعى لتأسيس أفق بينذاتي لا يراهن لا على الاختلاف ولا على نسبية الحقيقة، بل إنه يسعى لنفي كل اختلاف… وفي حالة ما إذا أبقى على وضعية الاختلاف… يعتبر حوار فاشلا… إنه فرصة لاستعادة المطلق في النسبي واللامتناهي في المتناهي والوحدة في التعدد” .
2. يورغن هابرماس: الفلسفة والتواصل.
بفضل هابرماس أصبح مفهوم التواصل مفهوما مركزيا في الفلسفة المعاصرة، فمن خلاله سيحاول “تغيير البراديغم من فلسفة الوعي إلى فلسفة التواصل” ، كما سيحاول تجاوز براديغم الصراع الذي أسست له الماركسية، فمن المقولات التي أهملها ماركس هناك مقولة “التفاعل Interaction أو النشاط التواصلي كتفاعل اجتماعي” ، كما سيعتبر هابرماس أن فلاسفة الاختلاف “بالرغم من نقدهم الكلي للحداثة وللعقل فإنهم لم يخرجوا من حيز الذات” ، في حين أن غاية العقل التواصلي هي “أن يجنح العقل الكامن فيه إلى التزاوج والتذاوت المؤدي إلى التفاهم وتداخل الحقائق” ، هكذا فإن هابرماس على خلاف دولوز، يتبنى مفهوم التواصل ويحاول أن يؤسس من خلاله عقلانية تواصلية تؤكد “دور التواصل في عقلنة وتحديث المجتمع في إطار فضاء عمومي، يضمن الحوار والمناقشة وسيادة روح الديمقراطية والتفاهم” ، ولكنه يضع هذا المفهوم في تعارض مع مفهوم الاتصال موفقا بذلك طرح دولوز حول هذا الأخير، فلاتصال حسب هابرماس قد يعيق التواصل بما هو شرعنة لـ “المعايير التي من شأنها تحقيق التفاهم Entente” ، بحيث يخفي نزوعا حول التسلط وإشاعة المغالطات، وهيمنة منطق الربح والمال وثقافة التسلية التي تؤدي إلى تشتيت الإرادة السياسية وتغييبها من داخل الفضاء العمومي، فالاتصال ومجموع الآلات الإعلامية Machines de l’information يخضعان لمنطق العرض والطلب، وهو ما عبر عنه هابرماس قائلا “تخضع وسائل الاتصال إلى ضغط متزايد فيما يخص الاختيارات التي يتم إجراؤها من وجهة نظر العرض مثلما من وجهة نظر الطلب” ، كما أنها تعطي الأولوية للمصلحة على حساب الصدق، وتجعل الرأي العام يقاس بالأعداد لا بسلطة أفضل حجة والانخراط المبرر عقلانيا، كما أنها لا تؤسس للبينذاتية.
لقد حاول هابرماس من خلال استرشاده بمفهوم التواصل تأسيس الفضاء العمومي باعتباره “فضاء الديمقراطية والحرية والتسامح ونبذ العنف المادي ونبد العقائد المتحجرة والايديولوجيات الخانقة وكل ما له صلة بالحقائق المطلقة” ، من خلال إفراغه من الهيمنة الأداتية للعقل، وتعويضها بهيمنة تواصلية، أو ما يسميه هابرماس بالسلطة التواصلية، التي هي سلطة التفاعل بين أفراد الشعب داخل الفضاء العمومي كفضاء سياسي.
هكذا يتضح من خلال ما سبق أن الحديث عن وجود فلسفة للتواصل لا يُرَافق بكل ذلك الاطمئنان الذي يُتَصور لأول وهلة، فجيل دولوز يعتبرهما ضدان، لكننا نُأخذ عليه فهمه للتواصل تذاوتيا، بحيث يغفل كونه حوارا للأنا مع نفسه أيضا. فهو لا يدرك أن التواصل قد يكون قصديا وقد يكون غير قصدي، وقد يكون ذاتيا أو مع الغير، كما يمكن أن يكون مبني على الموافقة مثلما قد ينبني على الاختلاف، وهو ما عبر عنه بول فاتسلافيك بقوله أنه لا يمكننا إلا أن نتواصل On ne peut pas ne pas communiqué . أما هابرماس فيعي إمكانية تبلور التواصل كمونولوغ وكفعل للذات الواحدة، وينتقد هذه الإمكانية باعتبارها مجسدة للوصايا وضرب من أضرب العنف.
إن الدراسات الفلسفية للتواصل على قلتها لا تأخذه كما هو، بل تطرح باتجاهه موقفا قبل الإقبال عليه أو رفضه، مما يجعل بحث إشكالية التواصل يتسم بنوع من الاستقلالية عن الفلسفة، بحيث يجسد التواصل حقلا خاصا له مفاهيمه الخاصة وخصائصه ونظرياته وإطاره المنهجي والنظري بما هو تفاعل بين مختلف العلوم البيولوجية والإنسانية. وحضور الفلسفة في هذا السياق يفهم بحمولاتها الإعتقادية التاريخية والتي مفادها، أن الفلسفة علم كلي يخترق كل المجالات، حتى وهي ترفض هذا الاختراق مثل ما حصل مع جيل دولوز، وهذا من باب مكر الفلسفة والتي تحاول البقاء من خلال أضدادها.
______
عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، دار العلوم العربية، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي: بيروت – الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1426 هـ / 2005 م، ص: 15.
راجع: عبد الرحيم تمحري، تقنيات التواصل والتعبير، منشورات مجلة علوم التربية، العدد 8، الطبعة الأولى 2007، ص: 11 و 12.
جميل حمداوي، التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والتربوي، مجلة علوم التربية، العدد 13، ص: 53.
عبد الرزاق الدواي، الفلسفة في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة، عالم الفكر، العدد 2، أكتوبر – ديسمبر 2012، ص: 190.
عبد الحق منصف، التواصل في المجال التربوي ورهانات التحديث على المستوى الجهوي، مجلة عالم التربية، البرنامج الإستعجالي أو الإصلاح في منظومة التربية والتكوين، العدد 19، ص: 234.
جميل حمداوي، التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والتربوي، مرجع سابق، ص: 53.
Norbert Sillamy. Dictionnaire de la psychologie, Paris Larousse, Ed de 1981, matière : communication.
عبد الرحيم تمحري، تقنيات التواصل والتعبير، مرجع سابق، ص: 14.
جميل حمداوي، التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والتربوي، مرجع سابق، ص: 63.
محمد عبد السلام الأشهب، أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013، ص: 11.
جانين بوديشن، ما هو التواصل؟، ترجمة عبد العالي المريني، فكر ونقد، العدد 88، أبريل 2007، ص : 73.
جانين بوديشن، ما هو التواصل؟، مرجع سابق، ص: 70.
محمد عبد السلام الأشهب، أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس، مرجع سابق، ص: 11.
المصطفى عمراني، أنظمة التواصل اللساني وغير اللساني، مجلة علوم التربية، العدد 13، ص: 85.
عبد الرزاق الدواي، الفلسفة في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة، مرجع سابق، ص: 180.
Martin heidegger, Etre et temps, Traduit de l’allemand par françois vesin, d’ après les travaux de R. Bochen et A. de waelhems, Editions Gallimard, Paris 1986, P : 162.
نقلا عن: عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، مرجع سابق.
عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، مرجع سابق، ص: 21.
عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، مرجع سابق، ص: 27.
عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 261.
Gilles Deleuze, Qu’est ce que la philosophie?, Paris, Minuit, P: 186.
نقلا عن: عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق.
عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 261.
عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 262.
Gilles Deleuze, Qu’est ce que la philosophie?, Paris, Minuit, P: 118.
نقلا عن: عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق.
عادل حد جامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2012، ص: 160.
عبد الصمد الكباص، في احتمالية نقد جدري للفكر التشميلي: عدمية المعنى واستعادة الطفرة، فكر ونقد، العدد 4، ديسمبر 1997، ص: 89.
محمد عبد السلام الأشهب، أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس، مرجع سابق، ص: 35.
حسن مصدق، فلسفة التواصل في عصر التقنية: يورغن هابرماس في مواجهة كارل ماركس ومارتن هايدغر، فكر ونقد، السنة السابعة، العدد 66، فبراير 2005، ص: 25.
محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة: نموذج هابرماس، إفريقيا الشرق، الطبعة الثانية 1998، ص: 240.
حسن مصدق، فلسفة التواصل في عصر التقنية: يورغن هابرماس في مواجهة كارل ماركس ومارتن هايدغر، مرجع سابق، ص: 38.
تناول هابرماس هذه القضايا في كتاباته:
• Moral et communication.
• Théorie de l’agir communicationnel.
• Logique des sciences sociales et autres essais.
• De l’étique de la discussion.
عز الدين الخطابي، في الحاجة إلى عقلانية تواصلية وحجاجية، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 272.
عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 265.
J. Habermas, Droit et démocratie entre faits et normes, Paris, Gallimard 1997, P:. 404
نقلا عن: عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق.
عز الدين الخطابي، في الحاجة إلى عقلانية تواصلية وحجاجية، ضمن: رهانات
الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 275.
_______
مراجع الفصل الحادي و العشرين المعتمدة مباشرة
o جانين بوديشن، ما هو التواصل، ترجمة عبد العالي المريني، فكر ونقد، العدد 88، أبريل 2007.
o جميل حمداوي، التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والتربوي، مجلة علوم التربية، العدد 13.
o حسن مصدق، فلسفة التواصل في عصر التقنية: يورغن هابرماس في مواجهة كارل ماركس ومارتن هايدغر، فكر ونقد، السنة السابعة، العدد 66، فبراير 2005.
o عادل حد جامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2012.
o عبد الحق منصف، التواصل في المجال التربوي ورهانات التحديث على المستوى الجهوي، مجلة عالم التربية، البرنامج الإستعجالي أو الإصلاح في منظومة التربية والتكوين، العدد 19.
o عبد الرحيم تمحري، تقنيات التواصل والتعبير، منشورات مجلة علوم التربية، العدد 8، الطبعة الأولى 2007.
o عبد الرزاق الدواي، الفلسفة في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة، عالم الفكر، العدد 2، أكتوبر – ديسمبر 2012.
o عبد الصمد الكباص، في احتمالية نقد جدري للفكر التشميلي: عدمية المعنى واستعادة الطفرة، فكر ونقد، العدد 4، ديسمبر 1997.
o عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، تنسيق محمد المصباحي، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 165، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة الأمنية 1431 هـ / 2010 م.
o عز الدين الخطابي، في الحاجة إلى عقلانية تواصلية وحجاجية، رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، تنسيق محمد المصباحي، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 165، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة الأمنية 1431 هـ / 2010 م.
o عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، دار العلوم العربية، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي: بيروت – الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1426 هـ / 2005 م.
o محمد عبد السلام الأشهب، أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013.
o محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة: نموذج هابرماس، إفريقيا الشرق، الطبعة الثانية 1998.
o المصطفى عمراني، أنظمة التواصل اللساني وغير اللساني، مجلة علوم التربية، العدد 13.
المعتمدة بوساطة
o Gilles Deleuze, Qu’ est ce que la philosophie?, Paris, Minuit.
o J. Habermas, Droit et démocratie entre faits et normes, Paris, Gallimard 1997.
o Martin heidegger, Etre et temps, Traduit de l’allemand par françois vesin, d’ après les travaux de R. Bochen et A. de waelhems, Editions Gallimard, Paris 1986.
o Norbert Sillamy. Dictionnaire de la psychologie, Paris Larousse, Ed de 1981.
* نقلا عن ثقافات
يَعتبر عمر مهيبل أن التواصل “موضع أشكلة من حيث الدلالة اللغوية، إذ أن هناك مفاهيم متعددة تتلامس معه ولا تنفصل عنه” . بعودتنا إلى اللغة العربية نجد أن مصطلح التواصل مشتق من المصدر الثلاثي وَصَلَ، ومن المعاني التي يذكرها ابن منظور في لسان العرب، نجد الوصْل وهو خلاف الفصل وضد الهجران، ثم الصلة، فنقول أن ليلة الوصل هي آخر ليلة في الشهر لاتصالها بالشهر الأخر، ثم اتصل الشيء بالشيء؛ أي لم ينقطع، ثم المواصلة والوصال وكلاهما يكون في العفاف والحب . وقد حاول الأستاذ جميل حمداوي استجماع هذه المعاني بقوله أن التواصل يفيد “الاتصال والصلة والترابط والالتئام والجمع والإبلاغ والانتهاء والإعلام” ، وهذه الدلالة العربية للمصطلح تشبه إلى حد بعيد دلالته الغربية التي تحيل إليها كلمة Communication.
أما من الناحية الاصطلاحية فالتواصل يدل على “عملية نقل المعلومات واستقبالها وتبادل الآراء والأفكار والقناعات والمشاعر بين الأفراد والجماعات وعبر الوسائط المتعددة” ، وأول من تحدث عنه هو عالم الرياضيات الأمريكي Norbert Wiener وطوره مهندسو الاتصالات من خلال فكرة نقل المعلومات اعتمادا على التكنولوجيا الجديدة، وكان مفهوم التواصل قد اغتنى قبل ذلك مع اللساني جاكوبسون الذي اعتبر أن وظيفة اللغة هي التواصل، وبذلك لم يعد التواصل مجرد ظاهرة لسانية “بل هو مفهوم يحيل على ظواهر إنسانية عديدة، سوسيولوجية، وسيكولوجية، سياسية، تربوية، ثقافية، وجمالية…” ، وبذلك نجد تشارل كولي يعرفه بكونه “الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور، إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان، ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات الجسم والحركات ونبرة الصوت والكلمات والكتابات والمطبوعات والقطارات والتلغراف والتلفون…” .
أما من وجهة نظر العلوم الإنسانية التواصل أساس الحياة الاجتماعية، فـــ Norbert sillamy يعرفه على أساس أنه “علاقة بين الأفراد” ، وهو ما عبر عنه أيضا Gustave flaubert بقوله: “إن الأنا هي الآخر: Le je et un autre ” . ويربطه بالإدراك وباللغة والحركات والإشارات وبكيفيات غير عقلانية مثل تواصل الشعور باللاشعور عند فرويد، والذي يعبر عنه بقوله “إن الذي تصمت شفتاه يتكلم بأطراف أصابعه” . وقد عرف السوسيولوجي الأمريكي هربرت ميد بقوله هو “تدخل للآخرين في تكوين الأنا والهوية وبنائها” . وعرفه قبل ذلك السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركايم بقوله “تفاعل داخل شبكة تتبادل أو تتقاسم فيها تصورات جماعية” .
• ما الذي يمكن أن يستنتج من خلال ما سبق؟
إن ما يمكن أن نخلص إليه لا يمكن أن يكون شيئا آخر غير تأكيد الاحتياط من التسرع في تقديم تعريف للتواصل، وهو ما عبر عنه جانين بودشون بقوله “لقد حذر كتاب بارزون منذ وقت بعيد وإلى الآن من خطورة تقديم تعريف مبكر للتواصل” . فهو مجال لتقاطع العديد من المباحث مثل “علم النفس وعلم الاجتماع وفلسفة اللغة واللسانيات والفلسفة السياسية والأنثروبولوجيا…” . ورغم ذلك يمكننا القول بناء على ما سبق، أن التواصل يتضمن كل معاني التلاقي والتفاعل، سواء النفسية أو الاجتماعية أو الفكرية وحتى الجسدية، وأنه يمكن أن يكون لفظيا يعتمد: الأصوات والمقاطع والكلمات والجمل، كما يمكن أن يكون غير لفظي يعتمد الإشارات والإيماءات والحركات، ومن ثمة فهو يتم عبر القناتين السمعية والبصرية، وهو ما عبر عنه الشاعر بقوله:
أشـــــارت بطـــــــرف العين خيفة أهلها إشــــارة مــذعـــــــور ولـم تـتــــــــكـلــم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحـبا وأهــلا وسهـلا بالحبـيب المتــــيــــــــم
رغم هذا لابد من الإشارة إلى أن التقدم في وضع تعريف للتواصل لا يمكن أن يتأتى بدون معرفة خصائص هذا الأخير ووظائفه ومعيقاته وأهم النظريات التي أنتجت حول كيفية تبلوره واقعيا، باعتبارها سبيلا لإخراج التعريف من القوة إلى الفعل.
إن هذا القلق المرافق للحديث عن التواصل يزداد ترسخا عندما ينظر إليه فلسفيا أو في علاقته بالفلسفة، بحيث تتجاوز المسألة حدود التعريف لترتبط بالعلاقة الكاملة بين المجالين من حيث الأغراض والمقاصد، فكيف يتجلى هذا القلق فلسفيا؟
فلسفة التواصل؟
إن الحديث عن الفلسفة بصيغة المفرد ووسمُها بالتواصل، أمر قد يكون مجحفا جداً، لأن هناك عددا كبيرا من الفلاسفة، أكدوا أن الحديث عن فلسفة للتواصل يشبه الحديث عن دائرة مربعة الشكل. بمعنى أنه يستحيل الجمع بينهما، بشكل يجعل من المشروع الحديث عن فلسفة للتواصل. وهذا التوجس هو ما دفعنا إلى إدخال الاستفهام على كلمتي عنوان الفصل، فنحن هنا لا نرغب لا في النفي ولا في الإثبات، وإنما نسعى فقط للمساءلة بما هي إنتاج مستقبلي.
من المعروف أن التواصل Communication كمفهوم وفد إلى الفلسفة من حقول معرفية مختلفة مثل علوم الإعلام واللسانيات، واحتضنه الفكر الفلسفي ليجعل منه “إشكالية جديدة تتصدر اهتماماته الراهنة” ، وهي إشكالية صارت أيضا موضع أشكلة، فليست هناك مادة معطاة في الفلسفة اسمها التواصل ماعدا محاولة هابرماس، وقد عبر هيدغر عن هذه الصعوبة بقوله “ينبغي فهم ظاهرة التواصل في معنى واسع وأنطولوجي” ، وهو القول الذي شرحه عمر مهيبل بقوله أن الفلاسفة لم يتكلموا عن التواصل بشكل مباشر، وإذا ما أردنا أن نبحث عنه ينبغي أن نمارس التأويل، بحيث يصير من خلاله باشلار متحدثا عن لا تواصلية المعارف، ويصير معه هيدغر في تأكيده لـ “أهمية العلاقة بين الكينونة والزمان يعني… وجود تواصل في إطار الزمان بين الكينونة والكائن… الإنسان لا يوجد ولا يمكنه أن يوجد ككائن تاريخي محقق في التاريخ إلا لكونه كائنا زمانيا ومتزمنا” .
إن مجموع الإشكالات التي يطرحها التواصل كمفهوم وكممارسة جعلته متأرجحا بين التبني فلسفيا أو الإبعاد، فهناك من الفلاسفة من يقول بوجود فلسفة للتواصل ويقر بوجود “تواصل معرفي منهجي بين الفلسفات المختلفة وبين أجزاء الفلسفة الواحدة، وبين الفلسفة ومحيطها الاجتماعي والتاريخي الذي أنتجت ووظفت في إطاره” ، وهناك من يرفض هذا القول وينفي وجود هذا التواصل. وهذا التأرجح بين النفي والإثبات هو أيضا تأرجح بين الإقرار بوجود فلسفة للتواصل ونفي هذا الوجود، وسنحاول فيما يلي إيضاح بعض المرتكزات التي دفعت الفريقين لاتخاذ هاذين الموقفين متخذين من جيل دولوز و يورغن هابرماس نموذجا.
1. جيل دولوز: الفلسفة أو التواصل.
يذهب جيل دولوز إلى أن الفلسفة اليوم تواجه خصوما أكثر شراسة من السفسطائيين على عهد سقراط وأفلاطون وهم “الاتصال، والإعلاميات وعلم التسويق” ، فالفلسفة حسب جيل دولوز إبداع للمفاهيم وهو ما يعبر عنه قائلا “إن للفلسفة وظيفة تضل راهنية كليا ألا وهي إبداع المفاهيم” ، وهذه المهمة تحاول أن تستولي عليها هذه المجالات، وهي لا تعمل من خلالها في الحقيقة سوى على ترويج السلعة وتأكيد المصلحة، فالفلسفة “تتموضع على الطرف النقيض من الاتصال لأن هذا الأخير لا ينتج مفاهيم Concepts، بل عموميات Universaux أو كليات يراد منها إرساء قواعد للسيطرة” .
إن دولوز يقر بشكل صريح أن الفلسفة ليست “اتصالا ولا تواصلا لأنها فكر لا وجهة نظر أو محادثة أو لغو… إن غاية الاتصال Media التسويق والبيع، ومرمى التواصل Communication التوافق المؤدي إلى التنازل” ، وبذلك فالفلسفة مقاومة لكوجيطو السلعة ومقاومة للتفاهم والتوافق والتواصل، فحسبه “يراد تأسيس التفاهم والتوافق ولكن التوافق قاعدة مثالية للرأي لا علاقة لها بالفلسفة” ، فليس الرأي من الفلسفة في شيء، بل هو عدة أشباه الفلاسفة والمثقفين، فللمثقف رأي في كل شيء، والحال أن الفلسفة منذ لحظة انبثاقها في بلاد الإغريق موقعت نفسها كنقيض للرأي والدوكسا.
إن الفلسفة حسب دولوز لا يمكن أن تكون تواصلا ولا اتصالا، فإما الفلسفة وإما التواصل، ولا وجود لفلسفة التواصل، وهذا طرح يدافع عنه إلى أخر رمق، بحيث نجده يرد على الإدعاء القائل بحاجة الفلسفة إلى الجمهور لكي تثبت وجودها، حيث لا يتأتى لها هذا الإثبات إلا باستجابتها للاتصال والتواصل، قائلا أن الفلسفة عبر تاريخها لم تكن بحاجة إلى جمهور فهي فكر يحيا كتنظيم سري، وهي أشبه بقارورة رُميت في البحر فلا يُدرى إلى أين مستقرها. فالمفاهيم التي هي خلاصة إنتاج الفلسفة، لا تنتج بالتواصل والحوار بل بقوة الإرادة والفكر، فالمفهوم لا يعثر عليه جاهزا، كما أنه مركب ومتعدد، وينتج في بساط المحايثة بما هو مجال لتبلور المشكلات، إن المفهوم تعدد وحركة، والحقيقة لا يمكن أن تكون حوارية أو تواصلية، فهي “غير برهانية ولا إحالية ولا تطابقية في ذاتها بل هي إنتاجية وإبداعية، أي أن الحقيقة ليست معطى سابقا أو قاعدة عامة نسعى للتماهي معها… بل هي مفعول الفكرة والمفهوم… باعتبارهما اصطناعا لإمكان مستقبلي في الحياة” .
إن دولوز يرفض الاتصال والتواصل، ويجنح إلى الفلسفة والاختلاف، مما يجسد وعيه بخطورة التواصل والحوار عندما يستثمر ميتافيزيقيا في إطار بعد تذاوتي، فالحوار “يسعى لتأسيس أفق بينذاتي لا يراهن لا على الاختلاف ولا على نسبية الحقيقة، بل إنه يسعى لنفي كل اختلاف… وفي حالة ما إذا أبقى على وضعية الاختلاف… يعتبر حوار فاشلا… إنه فرصة لاستعادة المطلق في النسبي واللامتناهي في المتناهي والوحدة في التعدد” .
2. يورغن هابرماس: الفلسفة والتواصل.
بفضل هابرماس أصبح مفهوم التواصل مفهوما مركزيا في الفلسفة المعاصرة، فمن خلاله سيحاول “تغيير البراديغم من فلسفة الوعي إلى فلسفة التواصل” ، كما سيحاول تجاوز براديغم الصراع الذي أسست له الماركسية، فمن المقولات التي أهملها ماركس هناك مقولة “التفاعل Interaction أو النشاط التواصلي كتفاعل اجتماعي” ، كما سيعتبر هابرماس أن فلاسفة الاختلاف “بالرغم من نقدهم الكلي للحداثة وللعقل فإنهم لم يخرجوا من حيز الذات” ، في حين أن غاية العقل التواصلي هي “أن يجنح العقل الكامن فيه إلى التزاوج والتذاوت المؤدي إلى التفاهم وتداخل الحقائق” ، هكذا فإن هابرماس على خلاف دولوز، يتبنى مفهوم التواصل ويحاول أن يؤسس من خلاله عقلانية تواصلية تؤكد “دور التواصل في عقلنة وتحديث المجتمع في إطار فضاء عمومي، يضمن الحوار والمناقشة وسيادة روح الديمقراطية والتفاهم” ، ولكنه يضع هذا المفهوم في تعارض مع مفهوم الاتصال موفقا بذلك طرح دولوز حول هذا الأخير، فلاتصال حسب هابرماس قد يعيق التواصل بما هو شرعنة لـ “المعايير التي من شأنها تحقيق التفاهم Entente” ، بحيث يخفي نزوعا حول التسلط وإشاعة المغالطات، وهيمنة منطق الربح والمال وثقافة التسلية التي تؤدي إلى تشتيت الإرادة السياسية وتغييبها من داخل الفضاء العمومي، فالاتصال ومجموع الآلات الإعلامية Machines de l’information يخضعان لمنطق العرض والطلب، وهو ما عبر عنه هابرماس قائلا “تخضع وسائل الاتصال إلى ضغط متزايد فيما يخص الاختيارات التي يتم إجراؤها من وجهة نظر العرض مثلما من وجهة نظر الطلب” ، كما أنها تعطي الأولوية للمصلحة على حساب الصدق، وتجعل الرأي العام يقاس بالأعداد لا بسلطة أفضل حجة والانخراط المبرر عقلانيا، كما أنها لا تؤسس للبينذاتية.
لقد حاول هابرماس من خلال استرشاده بمفهوم التواصل تأسيس الفضاء العمومي باعتباره “فضاء الديمقراطية والحرية والتسامح ونبذ العنف المادي ونبد العقائد المتحجرة والايديولوجيات الخانقة وكل ما له صلة بالحقائق المطلقة” ، من خلال إفراغه من الهيمنة الأداتية للعقل، وتعويضها بهيمنة تواصلية، أو ما يسميه هابرماس بالسلطة التواصلية، التي هي سلطة التفاعل بين أفراد الشعب داخل الفضاء العمومي كفضاء سياسي.
هكذا يتضح من خلال ما سبق أن الحديث عن وجود فلسفة للتواصل لا يُرَافق بكل ذلك الاطمئنان الذي يُتَصور لأول وهلة، فجيل دولوز يعتبرهما ضدان، لكننا نُأخذ عليه فهمه للتواصل تذاوتيا، بحيث يغفل كونه حوارا للأنا مع نفسه أيضا. فهو لا يدرك أن التواصل قد يكون قصديا وقد يكون غير قصدي، وقد يكون ذاتيا أو مع الغير، كما يمكن أن يكون مبني على الموافقة مثلما قد ينبني على الاختلاف، وهو ما عبر عنه بول فاتسلافيك بقوله أنه لا يمكننا إلا أن نتواصل On ne peut pas ne pas communiqué . أما هابرماس فيعي إمكانية تبلور التواصل كمونولوغ وكفعل للذات الواحدة، وينتقد هذه الإمكانية باعتبارها مجسدة للوصايا وضرب من أضرب العنف.
إن الدراسات الفلسفية للتواصل على قلتها لا تأخذه كما هو، بل تطرح باتجاهه موقفا قبل الإقبال عليه أو رفضه، مما يجعل بحث إشكالية التواصل يتسم بنوع من الاستقلالية عن الفلسفة، بحيث يجسد التواصل حقلا خاصا له مفاهيمه الخاصة وخصائصه ونظرياته وإطاره المنهجي والنظري بما هو تفاعل بين مختلف العلوم البيولوجية والإنسانية. وحضور الفلسفة في هذا السياق يفهم بحمولاتها الإعتقادية التاريخية والتي مفادها، أن الفلسفة علم كلي يخترق كل المجالات، حتى وهي ترفض هذا الاختراق مثل ما حصل مع جيل دولوز، وهذا من باب مكر الفلسفة والتي تحاول البقاء من خلال أضدادها.
______
عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، دار العلوم العربية، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي: بيروت – الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1426 هـ / 2005 م، ص: 15.
راجع: عبد الرحيم تمحري، تقنيات التواصل والتعبير، منشورات مجلة علوم التربية، العدد 8، الطبعة الأولى 2007، ص: 11 و 12.
جميل حمداوي، التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والتربوي، مجلة علوم التربية، العدد 13، ص: 53.
عبد الرزاق الدواي، الفلسفة في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة، عالم الفكر، العدد 2، أكتوبر – ديسمبر 2012، ص: 190.
عبد الحق منصف، التواصل في المجال التربوي ورهانات التحديث على المستوى الجهوي، مجلة عالم التربية، البرنامج الإستعجالي أو الإصلاح في منظومة التربية والتكوين، العدد 19، ص: 234.
جميل حمداوي، التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والتربوي، مرجع سابق، ص: 53.
Norbert Sillamy. Dictionnaire de la psychologie, Paris Larousse, Ed de 1981, matière : communication.
عبد الرحيم تمحري، تقنيات التواصل والتعبير، مرجع سابق، ص: 14.
جميل حمداوي، التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والتربوي، مرجع سابق، ص: 63.
محمد عبد السلام الأشهب، أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013، ص: 11.
جانين بوديشن، ما هو التواصل؟، ترجمة عبد العالي المريني، فكر ونقد، العدد 88، أبريل 2007، ص : 73.
جانين بوديشن، ما هو التواصل؟، مرجع سابق، ص: 70.
محمد عبد السلام الأشهب، أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس، مرجع سابق، ص: 11.
المصطفى عمراني، أنظمة التواصل اللساني وغير اللساني، مجلة علوم التربية، العدد 13، ص: 85.
عبد الرزاق الدواي، الفلسفة في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة، مرجع سابق، ص: 180.
Martin heidegger, Etre et temps, Traduit de l’allemand par françois vesin, d’ après les travaux de R. Bochen et A. de waelhems, Editions Gallimard, Paris 1986, P : 162.
نقلا عن: عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، مرجع سابق.
عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، مرجع سابق، ص: 21.
عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، مرجع سابق، ص: 27.
عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 261.
Gilles Deleuze, Qu’est ce que la philosophie?, Paris, Minuit, P: 186.
نقلا عن: عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق.
عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 261.
عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 262.
Gilles Deleuze, Qu’est ce que la philosophie?, Paris, Minuit, P: 118.
نقلا عن: عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق.
عادل حد جامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2012، ص: 160.
عبد الصمد الكباص، في احتمالية نقد جدري للفكر التشميلي: عدمية المعنى واستعادة الطفرة، فكر ونقد، العدد 4، ديسمبر 1997، ص: 89.
محمد عبد السلام الأشهب، أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس، مرجع سابق، ص: 35.
حسن مصدق، فلسفة التواصل في عصر التقنية: يورغن هابرماس في مواجهة كارل ماركس ومارتن هايدغر، فكر ونقد، السنة السابعة، العدد 66، فبراير 2005، ص: 25.
محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة: نموذج هابرماس، إفريقيا الشرق، الطبعة الثانية 1998، ص: 240.
حسن مصدق، فلسفة التواصل في عصر التقنية: يورغن هابرماس في مواجهة كارل ماركس ومارتن هايدغر، مرجع سابق، ص: 38.
تناول هابرماس هذه القضايا في كتاباته:
• Moral et communication.
• Théorie de l’agir communicationnel.
• Logique des sciences sociales et autres essais.
• De l’étique de la discussion.
عز الدين الخطابي، في الحاجة إلى عقلانية تواصلية وحجاجية، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 272.
عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 265.
J. Habermas, Droit et démocratie entre faits et normes, Paris, Gallimard 1997, P:. 404
نقلا عن: عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، ضمن: رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق.
عز الدين الخطابي، في الحاجة إلى عقلانية تواصلية وحجاجية، ضمن: رهانات
الفلسفة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص: 275.
_______
مراجع الفصل الحادي و العشرين المعتمدة مباشرة
o جانين بوديشن، ما هو التواصل، ترجمة عبد العالي المريني، فكر ونقد، العدد 88، أبريل 2007.
o جميل حمداوي، التواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والتربوي، مجلة علوم التربية، العدد 13.
o حسن مصدق، فلسفة التواصل في عصر التقنية: يورغن هابرماس في مواجهة كارل ماركس ومارتن هايدغر، فكر ونقد، السنة السابعة، العدد 66، فبراير 2005.
o عادل حد جامي، فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2012.
o عبد الحق منصف، التواصل في المجال التربوي ورهانات التحديث على المستوى الجهوي، مجلة عالم التربية، البرنامج الإستعجالي أو الإصلاح في منظومة التربية والتكوين، العدد 19.
o عبد الرحيم تمحري، تقنيات التواصل والتعبير، منشورات مجلة علوم التربية، العدد 8، الطبعة الأولى 2007.
o عبد الرزاق الدواي، الفلسفة في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة، عالم الفكر، العدد 2، أكتوبر – ديسمبر 2012.
o عبد الصمد الكباص، في احتمالية نقد جدري للفكر التشميلي: عدمية المعنى واستعادة الطفرة، فكر ونقد، العدد 4، ديسمبر 1997.
o عبد العالي معزوز، الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة والميديا، رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، تنسيق محمد المصباحي، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 165، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة الأمنية 1431 هـ / 2010 م.
o عز الدين الخطابي، في الحاجة إلى عقلانية تواصلية وحجاجية، رهانات الفلسفة العربية المعاصرة، تنسيق محمد المصباحي، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 165، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة الأمنية 1431 هـ / 2010 م.
o عمر مهيبل، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية، دار العلوم العربية، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي: بيروت – الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1426 هـ / 2005 م.
o محمد عبد السلام الأشهب، أخلاقيات المناقشة في فلسفة التواصل لهابرماس، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013.
o محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة: نموذج هابرماس، إفريقيا الشرق، الطبعة الثانية 1998.
o المصطفى عمراني، أنظمة التواصل اللساني وغير اللساني، مجلة علوم التربية، العدد 13.
المعتمدة بوساطة
o Gilles Deleuze, Qu’ est ce que la philosophie?, Paris, Minuit.
o J. Habermas, Droit et démocratie entre faits et normes, Paris, Gallimard 1997.
o Martin heidegger, Etre et temps, Traduit de l’allemand par françois vesin, d’ après les travaux de R. Bochen et A. de waelhems, Editions Gallimard, Paris 1986.
o Norbert Sillamy. Dictionnaire de la psychologie, Paris Larousse, Ed de 1981.
* نقلا عن ثقافات