قراءة نقدية لمجموعة من لوحات الفنان كوهدار صلاح الدين (اسود وابيض الحفر على الخشب والينيليوم)
جوتيار تمر/ كوردستان
4/3/2016
يشكل فن الغرافيك عموما قيم جمالية فنية لا تجدها في اغلب الأعمال الفنية الأخرى، باعبتار ان الفنان من خلال هذا المجال الفني يستطيع أن يحقق الملامس المتعددة التي تعطي تأثيرات مختلفة، وذلك عن طريق استعمال ادواته المنوعة والمختلفة الأشكال، وعن طريق الأعماق والبروزات المتباينة التي تساعده في التعبير، ففن الغرافيك يقوم على تطبيق مجموعة من المبادئ والاشتغال على مجموعة من العناصر لخلق عمل فني تواصلي مرئي يرتكز إلى الصورة الثابتة ويتخذ شكلا مطبوعا أو معروضا على سطح ثنائي الأبعاد، الامر الذي يتطلب فضلاً عن ذلك قضية او اشكالية ترفد الفنان بالافكار التي من اجلها يلجأ الى استخدام أساليب متنوعة للإنشاء والجمع بين الرموز والصور أو الكلمات وذلك لخلق تمثيل مرئي للأفكار والرؤية. وقد فاقت معطيات هذا الفن كل معطيات الفنون الأخرى في مجال الإبداع والابتكار التكنيكي، وعلى هذا الاساس اعتمد الفنان كوهدار صلاح الدين على النمط الحفري التأسيسي لفن الغرافيكحيث ان اعماله الحفرية اقتصرت على اللونين الأبيض والأسود( الحفر على الخشب والينيليوم)، ، والتي من خلالها رصد احدى اهم الاشكاليات الموجودة على الساحة الدينية و الايديولوجية من حيث الجذور التاريخية، والتعميمات الحالية، والازدواجية الفقهية بتشريعاتها اللامفهومة والمسوغة حسب الاهواء والرغبات والتجمعات غير الموحدة، والتي تتشارك اغلبها في كون المرأة جسداً عورة، وليس على انها انسانة يحتفي بها في المحافل الابداعية، وقد جسدت لوحات الفنان كوهدار صلاح الدين هذه الحقائق بشكل مغاير عن السائد جريء في طرحه، وجريء في استقداماته الصورية وحتى في مقارناته، ومقارباته، التي مثلت القيم الوجودية التي تظهر عليها المرأة ضمن ايديولوجية هذه الجماعات الاسلامية، وبين تمظهرات المرأة في المجتمعات التي لاتحتكم الى الدين كشريعة فغلب على الاولى السواد القاتم، وعلى الثانية البياض الممغنط كأشارة رامزة لكنها رمزية تشي بمضمونها وهدفها.. كما ان الفنان من خلال خطوطه استطاع تعرية القيم الجمعية التي اربكت مفاهيم كثيرة حتى المفاهيم التي تعتمد الشرعية الزوجية، حسب مفهوم( النكاح ) فالوجود ملامحه ترسم من خلال الموجودات التي تحرك اسسه، ولايختلف اثنان على ان الانسان بكلا جنسيه يشكل المَعَلم الابرز في ظواهر هذا الوجود، حيث جُمعا تاريخياً ب( فوضى ) وجودية مغطاة بعناوين دينية وعرفية، خرجت ب( الزواج) من صورته الطبيعية الدالة على "الصنو" الوجودي الواقعي، الى صورة فقهية تدل على المشتري الشرعي الديني، وهنا برزت خطيئة المفهوم فتحولت الزوجية كمفهوم من مفردة وجدت واخذت شرعيتها من الطبيعة وقانونها كما يقول " عبدالزراق الجبران " والتي تدل اصلها على اثنينية متوائمة ومندمجة ذاتيا وطبيعياً، وحدة حقيقة في فاعليتها وخصوبتها، الى مفردة دينية تأخذ شرعيتها من الكاهن واحكامه، لتدل على اثنينية، أذِنَ لها الكاهن ان تكون واحداً ولكن بوحدة اعتبارية كاذبة، ليس لها اي حقيقة او وجود، اثنينية لايمكن لها ان تعرج لا في الفراش ولا في المصائب.. واعتقد بأن غالبية الحركات الاسلامية اخذت هذا المفهوم الكهنوتي الفقهي كي تبيح لشخوصها ما يمكن ان يتغطوا به ليغلوا في افعالهم الشهوانية التي تجعلهم منطقياً اقرب الى البهائمية في ممارستهم الجنسية من الانسانية وقد اظهر الفنان في احدى لوحاته هذه الحقيقة بجدلية اتسمت بالسواد القاتم كمدلول نابع من اليأس في ان يتغير الحال وفق المنظومة التي يعمل فيها هولاء، ومن خلال هذا المنطلق استطاع الفنان كوهدار صلاح الدين من التقاط هذه الفسحة النابعة من الايديولوجيات الفعالة في التاريخية الدينية وبالاخص الاسلامية كي يحفر من خلال رسوماته وخطوطه التشكيلية العميقة على جدران الواقع رؤاه ورؤيته وموقفه من هكذا احكام كهنوتية تطمس معالم الوجود الانسان الوجودي، وتحيله الى اداة غريزية تبحث عن ممرات اشباعية ليجد الانسان الديني نفسه محملاً بالكثير من الشهوة والتي لاتجد غير المرأة مصباً مقنعاً لها.
من هذا المنطلق اتت الحفريات التي تبناها الفنان كوهدار صلاح الدين لترسم الخطوط العريضة لهذه الايديولوجية" الدينية/ الفقهية" لاسيما رصده العميق للواقع العياني والمتمثل بتنظيم داعش الاسلامي الذي حول تعاليمه تحت شعار ديني لاهوتي فقهي تشريعي الى"شهوة جنسية" استغلها أتباعه المحرومين والمهووسين لتصبح سلاحاً رهيباً في الفتك بكل القيم الانسانية داخل المجتمعات التي تنتشر فيها، فانتشرت عمليات الاغتصاب وبيع النساء بالمزاد العلني والتي مثلها الفنان من خلال لوحة السواد الاعظم والسلاسل التي قيدت بها وكأنها دابة، ولقد جسدت تلك اللوحة الواقع بكل تمفصلاته واستطاع الفنان من خلال ابراز المعالم السوداوية والقيود ان يجسد الحالة بتوافقية تعطي الانبطاع العام حول ماهية المشكلة وتجذراتها من جهة، وان ينقلنا عبر خطوطه العريضة الى المشهد التمثيلي على خشبة المسرح الواقعي العياني وابدع في رسم خطوطه والنهج الذي اتبعه، فضلاً عن اجادته في فضح عمليات النكاح الجماعي، والتي جسدها الفنان في لوحاته بصورة مباشرة يتخللها بعض اللمحات الحفرية الرامزة القائمة على الاداة التعبيرية باعتبارها تحيل البصريات الى مادة ذهنية تلازمية تفتعل في اللاوعي اهتزازاً يجعل من الوعي يحضر الصور الترابطية من الواقع الديني ليمزج الوانها وخطوطها بتلك المنطمسة في اللاوعي فتتحول الى لوحات ناطقة بكل تمفصلاتها بالشبقية الدينية التي يتبعها هذا التنظيم والذي يستمد تعاليمه من الفسحات التي تركها الاسلام.. فضلاً عن تلك المقاربات الفرويدية التي استطاع الفنان من خلالها ان يفرض بعض اللمحات المقارنية بين الايديولوجيات النابعة تعاليمها من الدين " الاسلامي " واخرى من قوانين وضعية بشرية تجعل من المتلقي يعيش ضمن مساحاتها التخيلية واقعاً اخراً للوجود البشري بعيداً عن المعيات الكهنوتية والتي جعلت من وجود المرأة جماعاً وليس اجتماعاً، فاصبحت في الدين فرجاً ليس لها في التاريخ الاسلامي تاريخاً الا في جسدها، سواء أكانت جارية ام سبية.. دون اية اعتبارات انسانية لهذا الكائن البشري الذي يحمل من الغرائزية ما يحمله الرجل، وقد مثلت تلك اللوحات باستدلالاتها الواضحة الواقع السايكولوجي للمرأة، والايحاءات والايماءات التي يمكن ان يتبناها المشاهد عبر المساحات التي تركها الفنان للتأمل، حيث ان الخطوط التي اتبعها الفنان جاءت تلازمية غير منفرد بصورة الشهوة الداخلية للمرأة فحسب، انما رافقها القيدية التي تمثلت بالايحاءات البارزة على شكل منارات تمثل الايديولوجية الاسلامية باعتبارها قيدت المرأة بتلك الصورة فجلعت غرائزها تتحول الى سلاح فتاك داخلياً واحالتها الى اسيرة لواقعها المقيد والباحث عن انفراجات وحريات تجعلها تعيش واقعها وممارساتها بشكل طبيعي وعفوي.
وبهذا تحولت لوحات كوهدار صلاح الدين الى حقل لعناصر بصرية متعددة، حيث تتجاوز جسد المرأة المعذب داخل البؤرة الاساسية، لتترك المساحات الباقية لانفعالات تجريدية مطعمة بمذاقات تشخيصية معاصرة، تتحرر اكثر من التاريخ الديني وتتأثرا بالفن المينيمالي، بحيث نلاخظ ان إلاشارات أو المفردات في اللوحات تأخذ حضورها أو معناها من تجاوراتها في سياق اللوحة نفسها، وهي بالتالي دلالة على الوحدة المعرفية أو النفسية التي ينطلق منها الرسام، فليس سهلاً التعبير بأقل الإشارات في اللوحة، لأن الفنان عندها يكثف المعرفة أو الشعور إلى رمز، والاشتغال بالرمز ليس دليلاً على الخواء ، انما يعتبر الجدل الذي يؤكد على حيوية الفن.. فعلى الرغم من التشقف الظاهر في الخطوط والاشكال التي تبناها الفنان، الا انها مجملاً محملة بدلالات سيكولوجية ونقدية حادة وعميقة في آن واحد، ولايخفى على متابع بانها منجزة باسلوب متقن تختلط فيه تقنيات الحفر والتجريد.. وهي معاصرة في اسلوبيتها، وليست في فكرتها، تظهر بارتجالات خطية عنيفة، حولت الكثير من القضايا النابعة من التشريع الاسلامي الى عناصر من تأليف المزاج التجريدي غير المقيد بتعريف واحد.
وعبر تلك الخطوط والمزج اللوني المتشقف الابيض والاسود استطاع الفنان كوهدار صلاح الدين ان يؤثث العوالم المتعلقة بالمراة " الجسد " في الايديولوجيات الدينية ضمن تشكيلات غرافيكية متقنة سواء من خلال تقنية الحفر ، او ابداعية الربط بين ما هو ذهني وما هو تصويري، ولا يختلف اثنان بأن فن الغرافيك يصنف ضمن أكثر الفنون التشكيلية وضوحا والتزاما بالقواعد ألإنشائيه التي تؤسس لعمل فني ناجح وذلك لأنه يعتمد على التخطيط الذي يرتبط بمجموعة من الأسس والقواعد التي قد تعبر الحدود والمساحات، ومن جانب اخر فإن فن الغرافيك يتطلب عملية إجرائية معينة تتكون من خطوات محددة تودي إلى هذا المنتج الإبداعي، وهذه الخطوات أتت بعد تعريف الفنان لمشكلة معينة( المرأة / الجسد) ولايوجد سبيل لحلها إلا من خلال وضعها في قالب فني يقاس بمجموعة من الأسس والقواعد وبمدى تحققها فيه.
ولربما المأخذ الوحيد الذي يمكنني ان اوجهه للفنان، هو ظهور الصبغة الواحدة على اغلب اللوحات، فبالرغم من اتساع الرقعة الايديولوجية وضخامة حجم الاشكالية التي اشتغل عليها الفنان إلا أن المسحة الواحدة كانت مسيطرة على اغلب اللوحات.. حتى ان بعضها لو دمجت لكانت تعبر عن وحدة مضوعية مترابطة.. اي بمفهوم نقدي التدوير والتكرار ظهر من حيث تناول الموضوعة ضمن انموذجة جدلية متشعبة، كان بالامكان دمج بعضها من وجهة نظري.
جوتيار تمر/ كوردستان
4/3/2016
يشكل فن الغرافيك عموما قيم جمالية فنية لا تجدها في اغلب الأعمال الفنية الأخرى، باعبتار ان الفنان من خلال هذا المجال الفني يستطيع أن يحقق الملامس المتعددة التي تعطي تأثيرات مختلفة، وذلك عن طريق استعمال ادواته المنوعة والمختلفة الأشكال، وعن طريق الأعماق والبروزات المتباينة التي تساعده في التعبير، ففن الغرافيك يقوم على تطبيق مجموعة من المبادئ والاشتغال على مجموعة من العناصر لخلق عمل فني تواصلي مرئي يرتكز إلى الصورة الثابتة ويتخذ شكلا مطبوعا أو معروضا على سطح ثنائي الأبعاد، الامر الذي يتطلب فضلاً عن ذلك قضية او اشكالية ترفد الفنان بالافكار التي من اجلها يلجأ الى استخدام أساليب متنوعة للإنشاء والجمع بين الرموز والصور أو الكلمات وذلك لخلق تمثيل مرئي للأفكار والرؤية. وقد فاقت معطيات هذا الفن كل معطيات الفنون الأخرى في مجال الإبداع والابتكار التكنيكي، وعلى هذا الاساس اعتمد الفنان كوهدار صلاح الدين على النمط الحفري التأسيسي لفن الغرافيكحيث ان اعماله الحفرية اقتصرت على اللونين الأبيض والأسود( الحفر على الخشب والينيليوم)، ، والتي من خلالها رصد احدى اهم الاشكاليات الموجودة على الساحة الدينية و الايديولوجية من حيث الجذور التاريخية، والتعميمات الحالية، والازدواجية الفقهية بتشريعاتها اللامفهومة والمسوغة حسب الاهواء والرغبات والتجمعات غير الموحدة، والتي تتشارك اغلبها في كون المرأة جسداً عورة، وليس على انها انسانة يحتفي بها في المحافل الابداعية، وقد جسدت لوحات الفنان كوهدار صلاح الدين هذه الحقائق بشكل مغاير عن السائد جريء في طرحه، وجريء في استقداماته الصورية وحتى في مقارناته، ومقارباته، التي مثلت القيم الوجودية التي تظهر عليها المرأة ضمن ايديولوجية هذه الجماعات الاسلامية، وبين تمظهرات المرأة في المجتمعات التي لاتحتكم الى الدين كشريعة فغلب على الاولى السواد القاتم، وعلى الثانية البياض الممغنط كأشارة رامزة لكنها رمزية تشي بمضمونها وهدفها.. كما ان الفنان من خلال خطوطه استطاع تعرية القيم الجمعية التي اربكت مفاهيم كثيرة حتى المفاهيم التي تعتمد الشرعية الزوجية، حسب مفهوم( النكاح ) فالوجود ملامحه ترسم من خلال الموجودات التي تحرك اسسه، ولايختلف اثنان على ان الانسان بكلا جنسيه يشكل المَعَلم الابرز في ظواهر هذا الوجود، حيث جُمعا تاريخياً ب( فوضى ) وجودية مغطاة بعناوين دينية وعرفية، خرجت ب( الزواج) من صورته الطبيعية الدالة على "الصنو" الوجودي الواقعي، الى صورة فقهية تدل على المشتري الشرعي الديني، وهنا برزت خطيئة المفهوم فتحولت الزوجية كمفهوم من مفردة وجدت واخذت شرعيتها من الطبيعة وقانونها كما يقول " عبدالزراق الجبران " والتي تدل اصلها على اثنينية متوائمة ومندمجة ذاتيا وطبيعياً، وحدة حقيقة في فاعليتها وخصوبتها، الى مفردة دينية تأخذ شرعيتها من الكاهن واحكامه، لتدل على اثنينية، أذِنَ لها الكاهن ان تكون واحداً ولكن بوحدة اعتبارية كاذبة، ليس لها اي حقيقة او وجود، اثنينية لايمكن لها ان تعرج لا في الفراش ولا في المصائب.. واعتقد بأن غالبية الحركات الاسلامية اخذت هذا المفهوم الكهنوتي الفقهي كي تبيح لشخوصها ما يمكن ان يتغطوا به ليغلوا في افعالهم الشهوانية التي تجعلهم منطقياً اقرب الى البهائمية في ممارستهم الجنسية من الانسانية وقد اظهر الفنان في احدى لوحاته هذه الحقيقة بجدلية اتسمت بالسواد القاتم كمدلول نابع من اليأس في ان يتغير الحال وفق المنظومة التي يعمل فيها هولاء، ومن خلال هذا المنطلق استطاع الفنان كوهدار صلاح الدين من التقاط هذه الفسحة النابعة من الايديولوجيات الفعالة في التاريخية الدينية وبالاخص الاسلامية كي يحفر من خلال رسوماته وخطوطه التشكيلية العميقة على جدران الواقع رؤاه ورؤيته وموقفه من هكذا احكام كهنوتية تطمس معالم الوجود الانسان الوجودي، وتحيله الى اداة غريزية تبحث عن ممرات اشباعية ليجد الانسان الديني نفسه محملاً بالكثير من الشهوة والتي لاتجد غير المرأة مصباً مقنعاً لها.
من هذا المنطلق اتت الحفريات التي تبناها الفنان كوهدار صلاح الدين لترسم الخطوط العريضة لهذه الايديولوجية" الدينية/ الفقهية" لاسيما رصده العميق للواقع العياني والمتمثل بتنظيم داعش الاسلامي الذي حول تعاليمه تحت شعار ديني لاهوتي فقهي تشريعي الى"شهوة جنسية" استغلها أتباعه المحرومين والمهووسين لتصبح سلاحاً رهيباً في الفتك بكل القيم الانسانية داخل المجتمعات التي تنتشر فيها، فانتشرت عمليات الاغتصاب وبيع النساء بالمزاد العلني والتي مثلها الفنان من خلال لوحة السواد الاعظم والسلاسل التي قيدت بها وكأنها دابة، ولقد جسدت تلك اللوحة الواقع بكل تمفصلاته واستطاع الفنان من خلال ابراز المعالم السوداوية والقيود ان يجسد الحالة بتوافقية تعطي الانبطاع العام حول ماهية المشكلة وتجذراتها من جهة، وان ينقلنا عبر خطوطه العريضة الى المشهد التمثيلي على خشبة المسرح الواقعي العياني وابدع في رسم خطوطه والنهج الذي اتبعه، فضلاً عن اجادته في فضح عمليات النكاح الجماعي، والتي جسدها الفنان في لوحاته بصورة مباشرة يتخللها بعض اللمحات الحفرية الرامزة القائمة على الاداة التعبيرية باعتبارها تحيل البصريات الى مادة ذهنية تلازمية تفتعل في اللاوعي اهتزازاً يجعل من الوعي يحضر الصور الترابطية من الواقع الديني ليمزج الوانها وخطوطها بتلك المنطمسة في اللاوعي فتتحول الى لوحات ناطقة بكل تمفصلاتها بالشبقية الدينية التي يتبعها هذا التنظيم والذي يستمد تعاليمه من الفسحات التي تركها الاسلام.. فضلاً عن تلك المقاربات الفرويدية التي استطاع الفنان من خلالها ان يفرض بعض اللمحات المقارنية بين الايديولوجيات النابعة تعاليمها من الدين " الاسلامي " واخرى من قوانين وضعية بشرية تجعل من المتلقي يعيش ضمن مساحاتها التخيلية واقعاً اخراً للوجود البشري بعيداً عن المعيات الكهنوتية والتي جعلت من وجود المرأة جماعاً وليس اجتماعاً، فاصبحت في الدين فرجاً ليس لها في التاريخ الاسلامي تاريخاً الا في جسدها، سواء أكانت جارية ام سبية.. دون اية اعتبارات انسانية لهذا الكائن البشري الذي يحمل من الغرائزية ما يحمله الرجل، وقد مثلت تلك اللوحات باستدلالاتها الواضحة الواقع السايكولوجي للمرأة، والايحاءات والايماءات التي يمكن ان يتبناها المشاهد عبر المساحات التي تركها الفنان للتأمل، حيث ان الخطوط التي اتبعها الفنان جاءت تلازمية غير منفرد بصورة الشهوة الداخلية للمرأة فحسب، انما رافقها القيدية التي تمثلت بالايحاءات البارزة على شكل منارات تمثل الايديولوجية الاسلامية باعتبارها قيدت المرأة بتلك الصورة فجلعت غرائزها تتحول الى سلاح فتاك داخلياً واحالتها الى اسيرة لواقعها المقيد والباحث عن انفراجات وحريات تجعلها تعيش واقعها وممارساتها بشكل طبيعي وعفوي.
وبهذا تحولت لوحات كوهدار صلاح الدين الى حقل لعناصر بصرية متعددة، حيث تتجاوز جسد المرأة المعذب داخل البؤرة الاساسية، لتترك المساحات الباقية لانفعالات تجريدية مطعمة بمذاقات تشخيصية معاصرة، تتحرر اكثر من التاريخ الديني وتتأثرا بالفن المينيمالي، بحيث نلاخظ ان إلاشارات أو المفردات في اللوحات تأخذ حضورها أو معناها من تجاوراتها في سياق اللوحة نفسها، وهي بالتالي دلالة على الوحدة المعرفية أو النفسية التي ينطلق منها الرسام، فليس سهلاً التعبير بأقل الإشارات في اللوحة، لأن الفنان عندها يكثف المعرفة أو الشعور إلى رمز، والاشتغال بالرمز ليس دليلاً على الخواء ، انما يعتبر الجدل الذي يؤكد على حيوية الفن.. فعلى الرغم من التشقف الظاهر في الخطوط والاشكال التي تبناها الفنان، الا انها مجملاً محملة بدلالات سيكولوجية ونقدية حادة وعميقة في آن واحد، ولايخفى على متابع بانها منجزة باسلوب متقن تختلط فيه تقنيات الحفر والتجريد.. وهي معاصرة في اسلوبيتها، وليست في فكرتها، تظهر بارتجالات خطية عنيفة، حولت الكثير من القضايا النابعة من التشريع الاسلامي الى عناصر من تأليف المزاج التجريدي غير المقيد بتعريف واحد.
وعبر تلك الخطوط والمزج اللوني المتشقف الابيض والاسود استطاع الفنان كوهدار صلاح الدين ان يؤثث العوالم المتعلقة بالمراة " الجسد " في الايديولوجيات الدينية ضمن تشكيلات غرافيكية متقنة سواء من خلال تقنية الحفر ، او ابداعية الربط بين ما هو ذهني وما هو تصويري، ولا يختلف اثنان بأن فن الغرافيك يصنف ضمن أكثر الفنون التشكيلية وضوحا والتزاما بالقواعد ألإنشائيه التي تؤسس لعمل فني ناجح وذلك لأنه يعتمد على التخطيط الذي يرتبط بمجموعة من الأسس والقواعد التي قد تعبر الحدود والمساحات، ومن جانب اخر فإن فن الغرافيك يتطلب عملية إجرائية معينة تتكون من خطوات محددة تودي إلى هذا المنتج الإبداعي، وهذه الخطوات أتت بعد تعريف الفنان لمشكلة معينة( المرأة / الجسد) ولايوجد سبيل لحلها إلا من خلال وضعها في قالب فني يقاس بمجموعة من الأسس والقواعد وبمدى تحققها فيه.
ولربما المأخذ الوحيد الذي يمكنني ان اوجهه للفنان، هو ظهور الصبغة الواحدة على اغلب اللوحات، فبالرغم من اتساع الرقعة الايديولوجية وضخامة حجم الاشكالية التي اشتغل عليها الفنان إلا أن المسحة الواحدة كانت مسيطرة على اغلب اللوحات.. حتى ان بعضها لو دمجت لكانت تعبر عن وحدة مضوعية مترابطة.. اي بمفهوم نقدي التدوير والتكرار ظهر من حيث تناول الموضوعة ضمن انموذجة جدلية متشعبة، كان بالامكان دمج بعضها من وجهة نظري.