"لحظة ضعف"
زجّت برأسها نحوي،كاد أنفها يلامس أنفي،ببراءة كاملة قالت:أنظر،هذه هي عدساتي اللاصقة،هل تظنّ لونها أفضل أم لون عيني؟صبّت زرقة عينيها في عيني،ومسّت شفتيّ بشفتيها،بنعومة خاطفة،حرِصت أن تومض بكلّ إشعارات التعمّد!
تراجعت قليلاً دون أن تحوّل نظرتها عن عمق عيني،وكأنّها تقرأ الأثر الّذي أحدثته القبلة الصغيرة!
كانت مغتبطة جدّاً بما فَعَلتْه،تلك الجرأة التي استَخلَصَتْها من كلّ فرص العُمُر المهدرة، قُبلةٌ بهذه الكثافة ليس لها تفسيرٌ غيرذلك،كان صكّ استسلام وقّعته بفمها الصّغير،ووقّعتُه أنا بالقبول،أعقب تلك الحادثة الصّغيرة صمتٌ طويل،قَطعته فجأة لتعلن وكأنّها تذيع سرّاً:
-هل تصدّق؟ بعد كل تلك العزوبيّة الطويلة أفعل ذلك معك!وكأنني امرأة رخيصة،وكأنني فعلت ذلك آلاف المرّات!هل تصدّق أنها خطيئتي الأولى؟اولّ تفّاحة أقطفها!أولّ حماقة!أول جنحة ترتكبها امرأة مراهقة!ربما أردت أن أقيّدك بتلك القبلة،أن أجعلك ملكاً لي!خطر لي أنها طريق مختصرة ،أفضل من خاتم الزواج!وتضاحكت:
-هل تظن ذلك؟أم أنّك تظنني امرأة كاذبة!تريد خديناً للحظة!وتغلّف رغبتها بكل تلك الأعذار المصطنعة!
كنت معتصماً بصمتي ولم أقل شيئاً حتى اللحظة،أدارت وجهها نحوي،وحين لَمَحتْ ابتسامتي الوادعة،وتلك النظرة في عيني التي ليس لها إلا تفسيرٌ واحد:القبول غير المشروط،بكل ما كان يحدث،ابتسمت راضية وأعلنت بصخب:
-أخيراً وَجَدْتُ من يصدّق ما أقول،ولا يظنّ أنني أتلاعب به!عُذريتي التي احتفظْتُ بها بحرص بخيل،لم أكن لأمنحها لمن لا يستحق،لم أحفظها خوفاً من الخطيئة،بل ضننت بها إشفاقاً أن أدحرجها هكذا بين قدمي،من لا يُثمّنها،كنت أعتقد أن الله سبحانه يشفق على حرماني،وسيعذرني رُبّما لو سقطت في الخطيئة،أو زلّت قدمي في لحظة ضعف!
لا تظنّ أن دعمك لي وتشجيعك لكتاباتي ومحاضراتي،هو السبب،الكثيرون يتطوعون للشد على يدي!فأقف هناك على تلك العتبة،ولا أذهب مع أحدٍ لأبعد من ذلك!أتدري إنّه شيء غامض ذلك الّذي شدّني إليك،أنا لا أملك له تفسيراً،ولكنّه استحوذ علي لدرجة لم تترك لي خياراً،وقرّرت أن أقوم أنا بالمبادرة،فلم أكن أملك ترف الإنتظار الطويل وتردّد الرجال،خاصة وأنني رأيت صورة زوجتك وأولادك! لقد قرّرتُ أن أختطفك،ولكن على طريقتي وبسريّة تامّة،ودون أن أزعج أحداً!
كان طريقاً باتّجاهٍ واحد ،فكتبنا عقد زواج ٍ في المحكمة ،ولم أذهب إلى أبعد من ذلك ،وقلت دع الايّام تفعل ما تشاءُ....................وطب نفساً إذا حكم القضاءُ!
تمادت السنوات،وتمادت معها علاقتنا دون أن تخضع للإستجواب،لا من طرفنا ولا من طرف أحد!
وها هي تجيئني متأخّرةً و متّضعة،وكأنّها طائرةٌ عجوزٌتحُطّ في مهبطها للمرّة الأخيرة،ولن تعاود السّفر بعد اليوم،أمسَكَتْ بيدي وقالت وقد غلبتها العاطفة،وشرقت عيناها بالدموع وتهدّج صوتها:
لقد ائتمنتني على نفسي كل تلك السنوات،ولم يحدث أن استجوبتني ولو لمرّة واحدة،كنت أسافر وأعود وأرقد إلى جانبك بطمأنينة عابد،لو طلبْتَ منّي أن أستقيل وأجلس عند قدميك لفعلت،ولكنّك كنت أكرم من ذلك!
جرّت سحّاب حقيبتها،وجاست بيدها تخشخش بداخلها،وأخرجت ورقة العقد:
-ماذا نفعل بورقتك هذه؟وهل لا زال شهودك على قيد الحياة،أولئك الكتّاب العُزّاب،أراهن أنّهم قد تغيروا كثيراً!
-لم يتغير فيهم شيء باستثناء الشيب الذي وخط رؤوسهم والخطوط التي غزت وجوههم،ولا زال زواجي الثاني الّذي أخفيته عن زوجتي، مصدر تندّرٍ لهم:
يقولون لولا أنّهم أناسٌ طيبون لا بتزّوني مقابل ذلك،ويتضاحكون،ولا يخطر لأحدٍ منهم أن ينعطف عن عزوبيّته المزمنة،ويتّخذ قراراً بالزّواج!
-أتذكر يا عزيزي حين قلت لي:يجب أن يكون هناك خطٌ فاصل بين الحرام والحلال؟لقد كنت على حقٍ تماماً،وهذا ما كان مبعث طمأنينتي إلى جانبك ،دون أن أشعر بالذّنب،كنت أؤدي دوري الطبيعي كزوجة،ولا أسرق شيئاً من أحد!
-بهجة!
-نعم يا حبيبي!
-لماذا لم تحملي كل تلك السنوات،هل كنت تأخذين الموانع من ورائي،انا لم أسألك،تركتك تفعلين ما يريحك!
يرتسم ظلُّ قاتم على وجهها،وتصمت طويلاً قبل أن تشرع بالبوح:
-قالت لي طبيبتي أنّني لا استطيع الإنجاب،تَرَكْتُ الأمور عند هذا الحد،ولم أشأ أن اُدخِل إلى حياتك همّاً جديداً!
ربما كان ذلك من لطف الله،وإلا لجرّ ذلك علينا إشكالاتٍ فوق قدرتنا على الإحتمال والمواجهة،وعليك أنت بالذّات !
-الله لطيفٌ في كل الأحوال يا عزيزتي،في العطاء والمنع،وهو لطيفٌ بالجميع بك وبهم ،لطفه يسع الجميع،ولا يضيقُ بأحد ،على أية حال ربّما لن تتوقّف الأمور عند هذا الحد،لقد تطوّر العلم كثيراً في السنوات الأخيرة،ولا ضير أن نحاول مرّةً أخرى،ونعرضك على طبيبةٍ أخرى،من الجيل الجديد،فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس!
وتُعقّب بهجة:
-كلام الله أبلغ إذ يقول:يا أيُّها الّذين آمنوا لا تقنطوا من رحمة الله!في الحياة دائماً متّسع،فلماذا نضيُّقها على انفسنا إِذَنْ ما دامت أبواب الله مفتوحةٌ لنا دائماً؟!
نزار حسين راشد
nana817 on
زجّت برأسها نحوي،كاد أنفها يلامس أنفي،ببراءة كاملة قالت:أنظر،هذه هي عدساتي اللاصقة،هل تظنّ لونها أفضل أم لون عيني؟صبّت زرقة عينيها في عيني،ومسّت شفتيّ بشفتيها،بنعومة خاطفة،حرِصت أن تومض بكلّ إشعارات التعمّد!
تراجعت قليلاً دون أن تحوّل نظرتها عن عمق عيني،وكأنّها تقرأ الأثر الّذي أحدثته القبلة الصغيرة!
كانت مغتبطة جدّاً بما فَعَلتْه،تلك الجرأة التي استَخلَصَتْها من كلّ فرص العُمُر المهدرة، قُبلةٌ بهذه الكثافة ليس لها تفسيرٌ غيرذلك،كان صكّ استسلام وقّعته بفمها الصّغير،ووقّعتُه أنا بالقبول،أعقب تلك الحادثة الصّغيرة صمتٌ طويل،قَطعته فجأة لتعلن وكأنّها تذيع سرّاً:
-هل تصدّق؟ بعد كل تلك العزوبيّة الطويلة أفعل ذلك معك!وكأنني امرأة رخيصة،وكأنني فعلت ذلك آلاف المرّات!هل تصدّق أنها خطيئتي الأولى؟اولّ تفّاحة أقطفها!أولّ حماقة!أول جنحة ترتكبها امرأة مراهقة!ربما أردت أن أقيّدك بتلك القبلة،أن أجعلك ملكاً لي!خطر لي أنها طريق مختصرة ،أفضل من خاتم الزواج!وتضاحكت:
-هل تظن ذلك؟أم أنّك تظنني امرأة كاذبة!تريد خديناً للحظة!وتغلّف رغبتها بكل تلك الأعذار المصطنعة!
كنت معتصماً بصمتي ولم أقل شيئاً حتى اللحظة،أدارت وجهها نحوي،وحين لَمَحتْ ابتسامتي الوادعة،وتلك النظرة في عيني التي ليس لها إلا تفسيرٌ واحد:القبول غير المشروط،بكل ما كان يحدث،ابتسمت راضية وأعلنت بصخب:
-أخيراً وَجَدْتُ من يصدّق ما أقول،ولا يظنّ أنني أتلاعب به!عُذريتي التي احتفظْتُ بها بحرص بخيل،لم أكن لأمنحها لمن لا يستحق،لم أحفظها خوفاً من الخطيئة،بل ضننت بها إشفاقاً أن أدحرجها هكذا بين قدمي،من لا يُثمّنها،كنت أعتقد أن الله سبحانه يشفق على حرماني،وسيعذرني رُبّما لو سقطت في الخطيئة،أو زلّت قدمي في لحظة ضعف!
لا تظنّ أن دعمك لي وتشجيعك لكتاباتي ومحاضراتي،هو السبب،الكثيرون يتطوعون للشد على يدي!فأقف هناك على تلك العتبة،ولا أذهب مع أحدٍ لأبعد من ذلك!أتدري إنّه شيء غامض ذلك الّذي شدّني إليك،أنا لا أملك له تفسيراً،ولكنّه استحوذ علي لدرجة لم تترك لي خياراً،وقرّرت أن أقوم أنا بالمبادرة،فلم أكن أملك ترف الإنتظار الطويل وتردّد الرجال،خاصة وأنني رأيت صورة زوجتك وأولادك! لقد قرّرتُ أن أختطفك،ولكن على طريقتي وبسريّة تامّة،ودون أن أزعج أحداً!
كان طريقاً باتّجاهٍ واحد ،فكتبنا عقد زواج ٍ في المحكمة ،ولم أذهب إلى أبعد من ذلك ،وقلت دع الايّام تفعل ما تشاءُ....................وطب نفساً إذا حكم القضاءُ!
تمادت السنوات،وتمادت معها علاقتنا دون أن تخضع للإستجواب،لا من طرفنا ولا من طرف أحد!
وها هي تجيئني متأخّرةً و متّضعة،وكأنّها طائرةٌ عجوزٌتحُطّ في مهبطها للمرّة الأخيرة،ولن تعاود السّفر بعد اليوم،أمسَكَتْ بيدي وقالت وقد غلبتها العاطفة،وشرقت عيناها بالدموع وتهدّج صوتها:
لقد ائتمنتني على نفسي كل تلك السنوات،ولم يحدث أن استجوبتني ولو لمرّة واحدة،كنت أسافر وأعود وأرقد إلى جانبك بطمأنينة عابد،لو طلبْتَ منّي أن أستقيل وأجلس عند قدميك لفعلت،ولكنّك كنت أكرم من ذلك!
جرّت سحّاب حقيبتها،وجاست بيدها تخشخش بداخلها،وأخرجت ورقة العقد:
-ماذا نفعل بورقتك هذه؟وهل لا زال شهودك على قيد الحياة،أولئك الكتّاب العُزّاب،أراهن أنّهم قد تغيروا كثيراً!
-لم يتغير فيهم شيء باستثناء الشيب الذي وخط رؤوسهم والخطوط التي غزت وجوههم،ولا زال زواجي الثاني الّذي أخفيته عن زوجتي، مصدر تندّرٍ لهم:
يقولون لولا أنّهم أناسٌ طيبون لا بتزّوني مقابل ذلك،ويتضاحكون،ولا يخطر لأحدٍ منهم أن ينعطف عن عزوبيّته المزمنة،ويتّخذ قراراً بالزّواج!
-أتذكر يا عزيزي حين قلت لي:يجب أن يكون هناك خطٌ فاصل بين الحرام والحلال؟لقد كنت على حقٍ تماماً،وهذا ما كان مبعث طمأنينتي إلى جانبك ،دون أن أشعر بالذّنب،كنت أؤدي دوري الطبيعي كزوجة،ولا أسرق شيئاً من أحد!
-بهجة!
-نعم يا حبيبي!
-لماذا لم تحملي كل تلك السنوات،هل كنت تأخذين الموانع من ورائي،انا لم أسألك،تركتك تفعلين ما يريحك!
يرتسم ظلُّ قاتم على وجهها،وتصمت طويلاً قبل أن تشرع بالبوح:
-قالت لي طبيبتي أنّني لا استطيع الإنجاب،تَرَكْتُ الأمور عند هذا الحد،ولم أشأ أن اُدخِل إلى حياتك همّاً جديداً!
ربما كان ذلك من لطف الله،وإلا لجرّ ذلك علينا إشكالاتٍ فوق قدرتنا على الإحتمال والمواجهة،وعليك أنت بالذّات !
-الله لطيفٌ في كل الأحوال يا عزيزتي،في العطاء والمنع،وهو لطيفٌ بالجميع بك وبهم ،لطفه يسع الجميع،ولا يضيقُ بأحد ،على أية حال ربّما لن تتوقّف الأمور عند هذا الحد،لقد تطوّر العلم كثيراً في السنوات الأخيرة،ولا ضير أن نحاول مرّةً أخرى،ونعرضك على طبيبةٍ أخرى،من الجيل الجديد،فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس!
وتُعقّب بهجة:
-كلام الله أبلغ إذ يقول:يا أيُّها الّذين آمنوا لا تقنطوا من رحمة الله!في الحياة دائماً متّسع،فلماذا نضيُّقها على انفسنا إِذَنْ ما دامت أبواب الله مفتوحةٌ لنا دائماً؟!
نزار حسين راشد
nana817 on