المقدمة
لا ريب في أن المصطلح أداةٌ توصيلية تواصلية للتعبير عن معنى أو فكرة أو موضوع في مجال اختصاص معيّن.. و هو لفظٌ موضوعي يتّسم بالوضوح و الضبط و الثبات و عدم الانزياح الدلالي، والمصطلح النقدي كغيره من المصطلحات اللغوية و الأدبية و البلاغية و العلمية يُصاغُ بواسطة آليات وطرائق أهمها النحت و الاشتقاق و التعريب و الترجمة...
إن من أكبر إشكالات المصطلح النقدي غياب التنسيق و التوفيق بين رؤى النقدة و الباحثين والعلماء، و لعلّ مردّ ذلك إلى تعدّد واضعي المصطلح واختلاف مناهلهم و ثقافاتهم، و كذا تمايز مصادر البيئة المعرفية الأولى التي انبجس من خلالها هذا المصطلح أو ذاك، و اللغة الأصلية التي وُضِعَ بها أول مرّة، كما أن تعدّد المدارس النقدية واختلاف المناهج الفكرية و تباعد التيارات الأدبية و اللغوية قد ضاعف من هذا الإشكال و أثار كثيراً من الجدل والشقاق والاختلاف و الخلاف بين المختصّين أنفسهم، لأجل ذلك طفق الدارسون الواعون يستبينون الخلل و يميطون اللثام ويوحّدون الرؤية؛ و ما هذا البحث إلا محاولة تتشبه بتلك الجهود الرائدة و الوعي الحصيف و الرأي الرشيد...
و لا شك في أن تراثنا النقدي الأدبي ثرٌّ بمصطلحاته التي بثّتها روح الحضارة العربية والإسلامية عهدئذ ، بيْد أن ثراء المصطلح يكمن في خلوده و استقراره و ثبات كينونته المعرفية التي تمثّلها حضارته.. و يُعدُّ الفعل الترجمي العالمي فعلا عملاقا حساسا في تفعيل التداولية النقدية ؛ وقد يبدو ناجحا في غالب الأحيان – على المستوى الغربي – بل بات عملاً جاداً يرسّخ الرؤية الترجمية في الساحة النقدية و يجليها، وحقلاً خصباً من الرؤى و الفُهوم التي من شأنها أن تسمو بهذه الخطى المشرئبّة إلى الوحدة والتوحد في معترك المصطلح النقدي وآفاقه ؛ وبالأخص على المستوى العربي ، و الحال هاته ، حال الغنى في المعجم الاصطلاحي وتعدد المؤسسات التي تُؤثلُه كمجامع اللغة و المراكز العلمية و المخابر و الجمعيات و الجهود الفردية تأليفاً و تخصيباً...
من أجل ذلك فإنه من المؤسف أن يظل الاجتهاد العربي طائشاً مذبذباً في متاهة دامسة كهالة تحيط بدائرة البحث الناجح الفاعل دون أن يستقر ذلك الاجتهاد في قراره المكين ويلج في تلك الدائرة.
من المسائل العالقة أيضا البحث عن السبل الجادة في توظيف المصطلحات النقدية من حيث وجودها في المدوّنة النقدية العربية و الغربية قديماً و حديثاً، مقابل غياب حركية التلقّي الناجحة، و بالأخصّ في الدراسات العربية المعاصرة.
ومن بين تلك النماذج المصطلحية: الأدبية، التحوّل، الإيقاع، المصطلح النقدي، التراث النقدي، ترجمة المصطلح النقدي ، توحيد المصطلح النقدي، قراءة المحدثين لمقاييس النقد القديم، منظومة التشظّي ومدوّنة التشرذم، انشطار التلقّي و تيه المتلقّي في مفازة المصطلح النقدي، المصطلح النقدي العربي وسراب الوحدة و التوحّد، المصطلح النقدي و فاعلية الحكمة النقدية لدى الدارسين العرب المحدثين و المعاصرين والشاعرية والشعرية... و الأدهى من ذلك هو وجوب حرص كل أطراف البحث العلمي على تحقيق الوحدة و التوحد عساها تبلغ إقناع الآخر لأنها معوزة فقيرة إذا لم تتجاوز حد الإبداع و التوحد إلى محور الترجمة و تبادل الفعل النقدي مع غيرها في أناة إنسانية و حكمة بالغة و رشاد طويل النفس.
و لعل هذه الدراسة ستبرز إسهامات البصمة النقدية العربية المعاصرة ، مؤكدة على آليات الإنجاح في توجيه المصطلح النقدي و نقده نحو مسار الحكمة العلمية و السدادية المنهجية و الأكاديمية التي تحفظ ماء التلقي والاستيعاب و التواصل عربيا و غربيا .
1- عتبة المصطلح و المفهوم بين التأصيل و الترجمة .
أردت من هذه العتبة المنهجية أن أمهد بالإطار العلمي العام للمصطلح و أقضيته ؛ و المشهور من المعلوم بسط الدارسين و الباحثين حقيقة المصطلح و تاريخه و علاقته باللغة و المعجم و الأدب و النقد وسائر المعارف ، و كذا خصائصه و آلياته و شروطه ومصادره و أعلامه و أهدافه و أنواعه ... وهلم جراً.
«يراد بالترجمة في المعاجم اللغوية معانٍ عدة، منها : التفسير والنقل والإيضاح. يقول ابن منظور المصري (ت 711 هـ): “الترجمان والترجمان : المفسر، وقد ترجمه وترجم عنه، … ويقال قد ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر”(3). وجاء في “المعجم الوسيط” : “ترجم الكلام : بينه ووضحه. وكلام غيره، وعنه : نقله من لغة إلى أخرى. ولفلان : ذكر ترجمته.” (4)
و يقصد بالترجمة في اصطلاح النقاد نقل نص من لغة ( لغة المصدر) إلى أخرى ( لغة هدف). يقول كاتفورد (J.C.Catford) معرفاً الترجمة: “أن يستبدل بمحتويات نص في لغة (لم) ما يقابلها من محتويات نص في لغة أخرى (له)”. (5) ويعرفها جون دوبوا (J.Dubois) و رفاقه في ” dictionnaire de linguistique” بما يأتي: (6)
“Traduire c’est énoncer dans une autre langage (ou langue cible) ce qui a été énoncé dans une autre langue source, en concervant les équivalences sémantiques et stylistiques.”
و يحدد الإنجليزيون مصطلح الترجمة بما يأتي: (7)
“Translation is the replacement of a text in one language by a representation of an equivalent text in a second language”.
و يهِمنا في هذا البحث أن نعرف ” بترجمة المصطلح” باعتبارها صورةً من صور النشاط الترجمي التي حظيت باحتفاء عدد من الباحثين في الوقت الحاضر. يقول الدكتور علي القاسمي: ” الترجمة هي نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية بمعناه لا بلفظه، فيتخيّر المترجم من الألفاظ العربية ما يقابل معنى المصطلح الأجنبي.”(8) و عمومًا يمكن أن نقول إن للترجمة مدلولين اثنين، مدلولا عاما/ واسعا، و مدلولا خاصا/ضيقا. فأما المدلولُ العام فيراد به ما ذكرناه سابقا؛ أي النقل من لغة إلى أخرى، و أما المدلول الخاص فهو ما ذكره الدكتور محمد مفتاح حين قال : “إن الترجمة- في معناها الخاص- تعني النقل من لغة منطلَق (أو مصدر) إلى لغة مستهدَفة (أو هدف) لإشباع حاجات معينة و بشروط خاصة”. (9) »
من أجل ذلك رأيت أنه من الثقل على ظل البحث و عيب التكرار أن استرسل في حشد ولو أدنى نسبة من عشر العشر فيما كتب و ذكر و عرض ؛ إذ الهدف الأكبر من هذه الدراسة معرفة الآليات المعرفية و المنهجية والعلمية و التقنية التي تنجح الترجمة الاصطلاحية في حقل النقد الأدبي و معرفة المفاعلات التي تنهض بالتوحيد و التعميم و الإجماع بين كل المستعملين لذلك المصطلح ، مع ربط كل هذا بالوظيفة التي هي الوسيلة في تحقيق المناهج النقدية الرائدة و القادرة على فتح أبواب النص الأدبي و كشف أسرار الخطاب .
لا شك أن النقاد يمثلون نوعا من أنواع أهل الاصطلاح و في هذا يقول العلامة ابن حزم الأندلسي « لابد لأهل كل علم و أهل كل صناعة من ألفاظ يختصون بها للتعبير عن مراداتهم و ليختصروا بها معاني كثيرة » كما يقول الإمام قدامة بن جعفر « و مع ما قدمته فإني لما كنت آخذا في استنباط معنى لم يسبق إليه من يصنع لمعانيه و فنونه المستنبطة أسماء تدل عليها احتجت أن أضع لم ليظهر من ذلك أسماء أخترعها ، وقد فعلت ذلك ، و الأسماء لا منازعة فيها إذ كانت علامات، فإن قنع بما وضعته و إلا فليخترع لها كل من أبى ما وضعته منها ما أحب ، فليس ينازع في ذلك »
ومنه فلا اعتبار لما يقع هنا وهناك لأهل المعارف الشتى حينما يكثر التجادل بينهم في أمور هامشية بعيدة عن الرسالة التي يجب أن يحققها الفعل الاصطلاحي في الحقل النقدي سواء أكان من جهة التوجيه أم الوصف أم التحليل أم التقويم ؛ و إنما عمدة الأمر أن يفقه أهل الاختصاص مدى بلوغ الرسالة الاصطلاحية منتهى الهدف .
والتفت بعض الدارسين إلى ضبط التعامل مع المصطلح النقدي في دراساتهم المبسوطة أو المختصرة كما شاع عن الدكتور عبد السلام المسدي وغيره ؛ وهو مصطلح خطير في استعماله ثم في تلقيه ذلك لأنه مصطلح ارتبط بتعدد المناهج و النظريات و القراءات ، وجميل أن نتبين نموذج أحد الدارسين بقوله متحدثا عن هذا السياق « إن القيمة الحقيقية لأي مصطلح لا تتحقق إلا بشرطين أحدهما التوحد ؛ و ثانيهما الشيوع و أعني التوحد : أن يكون لكل مفهوم اصطلاحي بشكل خاص لا يشاركه فيه سواه، و أن يكون لكل شكل اصطلاحي مفهوم واحد لا يتعداه ، أما إذا أصيبت اللغة الاصطلاحية بالترادف أو تعدد الدلالة فإنها تفسد و أعني بالشيوع انتشار المصطلح و دوراته في ميدان استعمال لأنه المصطلح لغة للتواصل بين المشتغلين به في ميدان خاص ؛ ومتى فقد هذا الشرط أصبح ذاتيا لا قيمة له » .
و لخص الدكتور علي القاسمي صفة المصطلح الجيد بشرطين :
« الأول : تمثيل كل مفهوم أو شيء بمصطلح مستقل
الثاني : عدم تمثيل المفهوم أو الشيء الواحد بأكثر من مصطلح واحد .
وهذان الشرطان ربما لا يتحققان في كثير من المصطلحات ، فهناك مصطلح واحد للدلالة على عدة أشياء ، وهناك أكثر من مصطلح للدلالة على شيء و احد . و يرجع ذلك إلى تعدد واضعي المصطلح و الاختلاف في الترجمة ، وهذا من مشكلات المصطلح في الوطن العربي.
و لابد أن يبذل اتحاد المجامع العربية جهدا كبيرا لتوحيد المصطلحات أو تقريبها ليصدر الباحثون و المترجمون عن منهج واحد لاستعمال المصطلحات »
والعمل المنهجي للمصطلحية علم قائم بذاته يحرص على برمجة المفهوم و الدلالة دقة و هدفا و وضوحا حتى لا يزيغ المتلقي وهو يستوعب هذا المصطلح أو ذاك ؛ من أجل ذلك يحسن بالمترجم أن يراعي حال المتلقين و احتمالات التأويل ، إذ الشرطان اللذان أثبتهما الأستاذ القاسمي من أبرز أدوات العملية الاصطلاحية الناجحة.
2-آليات إنجاح الترجمة المصطلحية في النقد الأدبي
التركيز على الترجمة في قول القاسمي ينم عن أن العملية التركيبية الجامعة بين صناعة المصطلح ثم ترجمته عملية أخطر وفي الحذر أدخل و بالتحوط آكد ؛وعليه فإن الشرط في توحيد المفاهيم يخفف من آفات التشظي الاصطلاحي وتعدد أبنيته وصوره من مستعمل إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر.
وههنا بعض الآلات المنهجية التي تمكننا من الرضا النفسي عن ترجماتنا:
1 آلية المعجم المفاهيمي المفصل للجهاز الاصطلاحي الشائع :
ومعنى هذا أن العقلاء في هذا الحقل عليهم الاكتفاء بتسريع هذا المنجز المهيأ الذائع في الدراسات وبين المتلقين ؛وذلك بوضع معاجم اصطلاحية تجمع ثم تحصر المادة الحاضرة للمصطلحات ، وببسط في مفاهيم ذلك المصطلح الواحد ومترجما أيضا ،حيث إن البسط يغني المستعمل والمتلقي على حد سواء في تلك العملية الواضحة ؛ كي لا يقع واضعو المعاجم الاصطلاحية النقدية في دواعي اللبس و التناقض و الغموض كحديث الأستاذ فاضل ثامر عن المصطلح الألسني و النقدي إذ يقول عن الثاني «... أما إذا انتقلنا إلى ميدان النقد الأدبي ، فلن يكون الحال أفضل مما هو عليه في ميدان اللسانيات بل يمكن القول أن الأمر يزداد اضطرابا بسبب حداثة معظم المصطلحات النقدية الحديثة التي ولدها الانفجار النقدي في ميدان الشعرية ونظرية الأدب منذ الستينات وحتى يومنا هذا ،قياسا للمصطلح اللساني الذي يزيد عمره على ذلك بكثير ويمتلك أصوله قبيل هذا القرن بزمن بعيد .ويمكن هنا أن نتوقف قليلا عند الوضع الراهن في ترجمة المصطلح السردي الحديث.
إشكالية ترجمة المصطلح السردي الحديث
على الرغم من حداثة علم السرد أو السردية narratology بالنسبة للنقد الأدبي الحديث، فلا يمكن عزل رصيده الاصطلاحي عما تراكم من رصيد اصطلاحي في مجال النقد الأدبي واللسانيات واللسانيات الاجتماعية أو ما يسمى ب(علم اللغة الاجتماعي) socio-linguistics واللسانيات النفسية أو ما يسمى ب(علم اللغة النفسي ) -linguistics psycho-وعلم السيمياء semiology.semiotics.وغير ذلك من العلوم والحقول المعرفية ذات الصلة بتطور هذا العلم.
وأول مشكلة يواجهها المترجم أو الناقد تتعلق بمصطلح السردية narratologyوجذره اللغوي narrate وقد استطاعت ندوة (السردية الأدبية) التي نظمها قسم اللغة العربية في كلية التربية بالجامعة المستنصرة عام 1992 أن تثير هذه الإشكالية سواء على مستوى ضبط المفهوم أو على مستوى ترجمة المصطلح نفسه .وقد اتسع الجدل فيما بعد فنشرت الصحف المحلية معالجات مهمة شارك فيها عدد من الباحثين والنقاد منهم د. علي جواد الطاهر ود.عبد الإله أحمد وكاتب هذا البحث . » ؛ وعليه فإن مهمة نقد النقد والدراسات الاصطلاحية قد عانت من تمادي هذا الخطر الذي يتهدد الدلالات الصحيحة للمصطلح النقدي المترجم ، ومنه فلا مفر من الضبط العاجل والإحكام الفوري لتجاوز التفلت الدلالي و التوصيلي لمسارات الوضع الاصطلاحي المترجم ، لأنه البوابة الحقيقية لتفاقم المشكلات على هذا الصعيد ‘ن من جهة التلقي أو النقد والتوجيه.
ولعل النقد السردي هو الذي أبرز هذا التضخم الترجمي الفج في مساحته وتعدد دلالاته بل تناقضها في عير قليل من الأحيان مما يربك المتلقي ويعطل التواصا الصحيح بين المبدعين والمتلقين والنقدة جميعا .
2 آلية تغليب ما يمليه الخطاب / النص على الناقد في اختيار المصطلح:
يجب أن يهجر ذلك الاتجاه من جهاز الاصطلاح إلى قراءة النص الأدبي ،لأن فيه إقحاما وإجحافا وتنحية عن الخط السليم في عملية التأويل ،والأصل أن ذخيرة الإبداع النصي هي التي تلهم الناقد معرفة الانتقاء المصطلحي في ضوء مفاهيمه الشتى التي تتعدد وقد تغمض وتتناقض!
3 آلية الأولوية في الإدراج الاصطلاحي:
جميل أن يتخير المستعمل الاصطلاحي منظومته المصطلحية تحت إمرة الأولوية ؛ حيث يدرج المصطلح الذي تتيسر ترجمته إلى أغلب اللغات حفاظا على سلامة النص النقدي الذي يمنح قراءة النص الأدبي مقاربة صحيحة سليمة .
4 آلية التبادل بين المستعملين العرب و الغربيين:
ليس الشرط ترجمة اجتهادات الغربيين(الآخر) وتعريبها لدينا فقط، بل يجب فتح سبقِنا إلى إدارة الوجهة الأخرى بترجمتنا الاصطلاحية من العربية إلى اللغات الأخرى ؛ كي يستوعب غيرنا حركتنا في الاصطلاح والترجمة بغاية إنسانية عالمية هادفة تتخطى القيود والحدود والعصبيات وما يشبه ذلك...
5 آلية نقد الترجمة الاصطلاحية:
وذاك يثري تلك العملية ويؤدي بها إلى التنمية والتطور الفاعلين ،لأن إعادة النظر والتصحيح والتوجيه فواعل ترتقي بالترجمة إلى مستويات أصلح وأنفع وأشمل استعمالا وشيوعا وتوصيلا ...
وكثيرا ما يعاني المترجمون في الحصول على الدقة و الإبانة و الإقناع علامة على جسامة هذه العملية المعرفية النقدية رغم أنها تنتسب إلى الموضوعية إذا ما قيست بالمعرفة الإبداعية الذاتية ؛ كقول القائل في هذا الشاهد العيان « وأرجو هنا أن أعترف بأنني عجزت عن الاهتداء إلى مقابلات ترضيني لكلمات شائعة جدا في النقد الأدبي منها:, ,allegory, baroque, grotesque
motif Ztypology, theme فاستعملتها بصيغتها الأجنبية. ومع أن »فن الشعر « اصطلاح شائع كرديف ل poetics إلا أنني عدت إلى البويطيقا لأن فن الشعر قد يوحي بالتوقف عند الشعر بينما ينسحب التعبير الأجنبي على فنون أدبية أخرى غير الشعر كما يبين ويليك نفسه في ثنايا الكتاب. »
وذاك دليل على الإحراج المنهجي الذي يعانيه المرسِل المترجم و هو ينقل المعلومة الاصطلاحية للمتلقين علاوة على ما يعانيه في مخبره المصطلحاتي وهو ينتخب المفردات التي تنسجم مع المفاهيم المطابقة لها.
وقريب من قريب ما ذهب إليه الدكتور ناصف في رؤيته الجديدة للنقد العرب وما يجب أن يكون عليه قوله « تعودنا أن ننظر إلى المصطلحات باعتبارها أدوات تملكنا ، لا نملكها ولا نصرفها. وغاب عنا شيء كثير في زحام السلطة اﻟﻤﺨادعة التي أعطيت لفكرة المصطلح. ومن المطلوب أن نفهم هذه السلطة باعتبارها توجيها لا تحديدا . إيماء لا تعريفا. تداخلا إلى جانب التمايز. يجب أن نتعلم كيف نمارس ذوب المصطلح كما تعلمنا كثيرا مع الأسف تحكم المصطلح. يحتاج المصطلح إلى السياق أكثر مما يحتاج السياق إلى المصطلح.
لننظر إلى كلمة مشهورة تبلغ حد الاصطلاح المتنوع الآفاق وهي كلمة »البيان « ، لقد وضعناها في إطار ضيق أقرب إلى الدلالة الاشتقاقية المبهمة. وربما استطعنا أن نفهمها في ضوء العلاقات بين معارف متنوعة يجتمع على تأليفها شعوب متضافرة أحيانا ، وربما تميزت هذه العلاقات بشيء من الصراع بين الجوانب النظرية أو العقلية المعروفة باسم علوم الأوائل من جهة وثقافة عربية قديمة ترتكز على ما نسميه قوة الكلمة من جهة ثانية. »
2- مُفاعِلات التوحد العربي و الانسجام مع الآخر : ( جدلية التوفيق بين بصمة الذات و التناغم مع الآخر )
إن الحديث عن المفاعلات التي تحمل العاملين على إنجاح الترجمة الاصطلاحية غير جديد اليوم ؛ فكم من دراسة و كتاب و مؤتمر و إجماع و جهود الفرد أو المراكز العلمية المتخصصة و مجامع اللغة و الجمعيات و سائر التوصيات و الاقتراحات... قد أدلت بدلوها في هذا البحر الخضم ، إلا أن المؤسف هو مرور الزمن و طيه طيا في قراءة المتلقين للمصطلح النقدي المترجم من خلال استعماله و توظيفه، و الأمر نفسه – بل و أشد أسفا – لدى المختصين المعنيين بتقويم ما وصل إليه الإنجاز الهائل لهذه الترجمة .
بناء على ذلك فإني ألح على تلك الآليات التي صدرتها من ذات قبل و غيرها من الاجتهادات الجريئة المستمرة ، ورغم ذلك فإنه لابد من تملي ما اقترحه غيرنا مثلما أكده الأستاذ فاضل ثامر بقوله « لقد أولت المجامع العلمية العربية منذ تأسيسها وكذلك مكتب تنسيق التعريب التابع للجامعة العربية منذ تأسيسه عام 1962 عناية خاصة بوضع المبادئ والمنهجيات الأساسية في اختيار المصطلحات العلمية ووضعها . وقد أقرت ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلحات العلمية الجديدة.التي نظمها مكتب تنسيق التعريب بالرباط عام 1981 مبادئ وأسسا مهمة منها:
1- ضرورة وجود مناسبة أو مشاركة أو مشابهة بين مدلول المصطلح اللغوي ومدلول الاصطلاحي ولا يشترط في المصطلح أن يستوعب كل معناه العلمي.
2- وضع مصطلح واحد للمفهوم العلمي الواحد ذي المضمون الواحد في الحقل الواحد
3- تجنب تعدد الدلالات للمصطلح في الحقل الواحد،وتفضيل اللفظ المختص على اللفظ المشترك.
4- استقراء وإحياء التراث العربي، وخاصة ما استعمل منه أو ما أستقر منه من مصطلحات علمية عربية صالحة للاستعمال الحديث وما ورد فيه من ألفاظ معربة.
5- مسايرة المنهج الدولي في اختيار المصطلحات العلمية(مثل مراعاة التقريب بين المصطلحات العربية والعالمية لتسهيل المقابلة بينهما للمشتغلين بالعلم والدارسين واشتراك المختصين والمستهلكين في وضع المصطلحات).
6- استخدام الوسائل اللغوية في توليد المصطلحات العلمية الجيدة بالأفضلية طبقا للترتيب التالي: التراث فالتوليد ( بما فيه من مجاز واشتقاق وتعريب ونحت)
7- تفضيل الكلمات العربية الفصيحة المتواترة على الكلمات المعربة.
8- تجنب الكلمات العامية إلا عند الاقتضاء بشرط أن تكون مشتركة بين لهجات عربية عديدة وان يشار إلى عاميتها بأن توضع بين قوسين مثلا.
9- تفضيل الصيغة الجزلة الواضحة ،وتجنب النافر والمحظور من الألفاظ.
10- تفضيل الكلمة التي تسمح بالاشتقاق على الكلمة التي لا تسمح به.
11- تفضيل الكلمة المقررة لأنها تساعد على تسهيل الاشتقاق والنسبة والإضافة والتثنية والجمع.
12- تفضيل الكلمة الدقيقة على الكلمة العامة أو المبهمة ومراعاة اتفاق المصطلح العربي من المدلول العلمي للمصطلح الأجنبي ،دون تقيد بالدلالة اللفظية للمصطلح الأجنبي.
13- في حالة المترادفات أو القريبة من الترادف تفضل اللفظة التي يوحى جذرها بالمفهوم الأصلي بصيغة أوضح.
14- تفضيل الكلمة الشائعة على الكلمة النادرة أو الغربية إلا إذا التبس معنى المصطلح العلمي بالمعنى الشائع المتداول لتلك الكلمة.
15- عند وجود ألفاظ مترادفة أو متقاربة في مدلولها ينبغي تحديد الدلالة العلمية الدقيقة لكل واحدة منها ،وانتقاء اللفظ العلمي الذي يقابلها.
16- مراعاة ما اتفق المختصون على استعماله من مصطلحات ودلالات علمية خاصة بهم ،معربة كانت أو مترجمة.
17- التعريب عند الحاجة ،وخاصة المصطلحات ذات الصيغة العالمية كالألفاظ ذات الأصل اليوناني أو اللاتيني أو أسماء العلماء المستعملة مصطلحات ،أو العناصر والمركبات الكيماوية.
18- عند تعريب الألفاظ الأجنبية يراعي ما يأتي :
أ- يرجح ما يسهل نطقه في رسم الألفاظ المعربة عند اختلاف نطقها في اللغات الأجنبية.
ب- التغيير في شكل اللفظ حتى يصبح موافقا للصيغة العربية ومستساغا.
ت- اعتبار المصطلح المعرب عربيا ،يخضع لقواعد اللغة ويجوز فيه الاشتقاق والنحت وتستخدم فيه أدوات البدء والإلحاق مع موافقته للصيغة العربية.
ث- تصويب الكلمات العربية التي حرفتها اللغات الأجنبية واستعمالها باعتماد أصلها الفصيح.
ج- ضبط المصطلحات عامة والمعرب منها خاصة بالشكل حرصا على صحة نطقه ودقة أدائه.»
فهذه القراءة تدعو الباحثين عن توظيف المناهج النقدية بمعية مصطلحات نقدية معربة ومترجمة تقترب من الصحة – ولو نسبيا – إلى إعادة ترتيب الجهود توفيقا بين تجاوز المكرور من الآراء وضعيفها و بين الجديد الفوري في تطبيق طريقة أسلم في إدارة تلك الترجمة النقدية بمصطلحات أدخل في الدقة و الفاعلية .
» إلا أنه قد أصبح واحداً من إشكاليات حركة الخطاب النقدي الأدبي العربية المعاصرة . أن من أهم إشكاليات المصطلح واستخدامه : (1) قصور الترجمة: على الرغم من ان الترجمة توصف بـ ( الخيانة ) ، إلا أنه من الطريف ، أو المحزن في الآن نفسه ، ونحن نقرأ عن حركة الترجمة في العصر العباسي إبان ازدهار الثقافة والحضارة العربيتين ، أن نستذكر أن بعض مترجمينا العرب الأقدمين ، وبسبب من سوء الترجمة ، قد أوقعوا حركة النقد الأدبي العربية - وقتذاك - في إشكالية كبيرة لم تتخلص منها حركة الخطاب النقدي الأدبي العربي إلا في عصرنا الحديث ، عندما أخطأ ( بشر بن متي ) في ترجمة بعض مصطلحات كتاب ( فن الشعر ) لأرسطو ، خاصة مصطلحي(التراجيديا والكوميديا ) اللذان ترجمهما بـ ( المديح والهجاء ) . ومن المسلم به تاريخيا ً ، أن أقطار وطننا العربي ، قد وقعت - في التاريخ المعاصر - تحت سيطرة الاستعمارين الفرنسي والبريطاني ، والجميع يعرف ما لثقافة هذين الاستعمارين من تأثير كبير على الثقافة العربية بصورة عامة ، فضلا ً عن ذلك ، فأن بُعد أو قرب هذا القطر أو ذاك من هذه الدولة الغربية ( الأوربية ) أو تلك ، قد اثر هو الآخر في استخدام لغة هذه الدولة أو تلك ، كما كان لتخرج أبناء هذا القطر العربي أو ذاك من جامعات غربية عديدة ومتنوعة ، له تأثيره أيضا ً في كل ما قلناه .. مما أقام عملية تثاقف كان لها تأثيرها السلبي الكبير في هذا المجال . أن عملية التثاقف القطرية - الأوربية هذه ، كانت احد الأسباب التي جعلت من ارتحال المصطلح ( ترجمته ) من تلك الدولة الغربية إلى هذا القطر العربي ، يختلف عنه لو ارتحل إلى قطر عربي آخر ، مما أفضى إلى نتائج غير سليمة ، وذات تأثير سلبي على استخدام المصطلح ، ومن ثم استخدام المنهج . يقول د. صلاح فضل ، عن الترجمات التي تمت في بلاد الشام للمناهج النقدية الحديثة ، وخاصة ( البنيوية ) : (( يظل هناك أمران يعوقان جديا ً إمكانية الإفادة الكاملة بها ، أولهما يتصل بلغة المترجم ، المعماة التي تغلب عليها العجمة والتراكيب الغربية ، ويعز التقاطها على القارئ المختص مما يجعله يتمنى لو تمكن منها بلغتها الأصلية ، وثانيهما يرتبط بعمليات النشر والتوزيع ، إذ تتدخل العوامل السياسية المتقلبة لتجعل الحصول على كتاب من دمشق أو بغداد أصعب على أهل مصر مثلا ً من طوكيو أو بكين )) (7). فضلا ً عن ذلك ، فقد أدى هذا القصور إلى بروز ظاهرتين هامتين من ظواهر استخدام المصطلح النقدي ، هما : أولا ً : اضطراب وعدم استقرار المصطلح النقدي عند الكثير من النقاد العرب ، مما أدى إلى (( سوء فهم تلك الدلالات وبالتالي قد يؤدي إلى خلق أحكام مضطربة وضبابية يكتنفها الغموض والجهل معا ً )) (8 ) . وهذا الاضطراب لم يكن سمة خاصة بالمصطلح فحسب ، وإنما هو واحد من سمات حركتنا الثقافية العربية عامة . ثانيا ً : غموض ، وعدم وضوح المصطلح . وهذا ناشئ عن (( سوء الترجمة حينا ً ، أو سوء استعماله حينا ً آخر ، فضلا ً عن الخلط والاضطراب بين المصطلحين العربي القديم الواضح الدلالة والاستقرار ، والغربي أو الأجنبي الذي يكتنفه الغموض وعدم وضوح الرؤية خاصة حين يطبق )) ( 9 ) . ويجرنا الغموض والاضطراب اللذين رافقا عملية ترجمة وتطبيق المصطلح الأجنبي ، إلى أحد أسباب قيام الأزمة في حركة الخطاب النقدي الأدبي العربي المعاصرة ، وهو إشكالية الفكر الأدبي العربي المعاصر «
وسأضرب أمثلة من المصطلحات النقدية والأدبية «شاهداً على هذه المراتب أو المنازل: منها:
1-"البويطيقيا" Doetics -لأرسطو- بدأت تقبلاً أي تعريباً ثم فجرّت عن طريق الترجمة إلى "فن الشعر" ثم صارت بعد تجريدها أي بعد صيانتها الأخيرة تعني "الشعرية".
2-Deviation: كانت "العدول" في مرحلة التقبل ثم فجرّت عن طريق الترجمة إلى "الخروج عن المألوف في اللغة" وصارت بعد تجريدها "الانزياح".
3-Prose Poem- تقبلّها الباحثون بأنها "الشعر المنثور" وفجرّوها (بنثر القصيدة) أو (النثر الشعري) ثم تجردت أخيراً إلى "قصيدة النثر".
4- Lyrical Poetnq: كانت (الليرك -تعريباً وتقبلاً) وصارت (الشعر الوجداني أو الذاتي) تفجيراً وترجمة واستقرت بعد التجريد على (الشعر الغنائي).
5-The Novel : هي (النوفل) تعريباً وفهماً ثم صارت بعد الترجمة والتفجير (القصة الطويلة) ثم استقرت (بالرواية) بعد التجريد.
6- Allegory: هي (الاليكورية) تعريباً وتقبّلاً ثم صارت (الاستعارة المؤسسة extended metaphor- بعد الترجمة والتفجير وغدت (المجاز أو القصة الرمزية) بعد التجريد.
7- ومن المصطلحات العامة في الصحافة على سبيل المثال: الـ Journal- فهي (الجرنال) تعريباً وتقبّلاً ثم تحولت إلى (الورقات اليومية) بعد الترجمة والتفجير واستقرت (الصحيفة) بعد التجريد.
إن هذه الكلمات ذوات المعنى الخاص تدخل في إطار علم المصطلح أو المصطلحية Terminology- هو العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها.. وهذا يعني الاطلاع العميق الجذور على طبيعة المفاهيم وتكوينها وخصائصها والعلاقات فيما بينها وطبيعة العلاقة بين المفهوم والشيء المخصوص وتعريفات المفهوم وكيفية تخصيص المصطلح للمفهوم والعكس بالعكس (د.علي القاسمي، مقدمة في علم المصطلح، الموسوعة الصغيرة دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1985، ص17، 18، 20، »
« وسائل تنسيق الترجمة في الوطن العربي:
على الرغم من الشكوى المستمرة في الدراسات والمؤتمرات من إشكالية تأسيس المصطلح النقدي الحديث، واقتراح التوصيات للحد من تأزم تلك الإشكالية منذ عام 1973 - حيث عقدت حلقة الترجمة في الكويت ـ ولغاية الآن، فإن جهة رسمية أو غير رسمية، لم تتقدم بعمل ببليوغرافي يرصد الدراسات المترجمة في الوطن العربي. لقد بذل محمد حسن باكلا جهوداً جبارة في (ببليوغرافيا الدراسات اللغوية) الذي صدر عن وزارة الإعلام في بغداد عام 1975، وكذلك عفيف عبد الرحمن في كتابه (مكتبة العصر الجاهلي وأدبه) الذي صدر عن دار الفكر في عمان عام 1987 فخصص مساحةً لدراسات المستشرقين في الشعر الجاهلي، وبذل عبد السلام المسدي جهوداً جبارة في رصد مراجع اللسانيات، ومراجع النقد في كتابين صدرا عن الدار العربية للكتاب في تونس عام 1998. ولكن هذه الكتب لم تكن أعمال المترجمين العرب هدفها الأول، فجاءت الدراسات المترجمة، وفق ذلك، قليلة العدد، وتغطي المساحات الزمنية التي سبقت سنوات نشر تلك الكتب. وقد جاء هذا الكتاب لسد فراغ، يمكن أن يسهم سده في تشكيل رؤية جديدة لتنسيق الترجمة، وتقييم المصطلحات المتداولة في النقد الأدبي واللغويات، والتي زجّت بها الترجمة إلى نقطة الإشكالية.
إن تعاملي مع الدراسات المترجمة في السنوات التسع الماضية، والملاحظات التي ذكرتها في القسم الثاني السابق حول جهود المترجمين العرب، يفرزان مجموعة من التوصيات لتنسيق الترجمة في الوطن العربي، وهي:
1- أن يحظى المصطلح النقدي باهتمام المؤتمرات والندوات الثقافية كما حظي بذلك المصطلح العلمي: فمؤتمر الجمعية الطبية المصرية الذي عُقد عام 1938 دعا إلى توحيد المصطلحات العربية للعلوم الطبية. ونصت المعاهدة الثقافية بين دول الجامعة العربية على توحيد المصطلحات العلمية، وأكد المؤتمر العلمي الأول المنعقد في الإسكندرية عام 1953ضرورة توحيد المصطلحات العلمية، وأخذ المؤتمر العلمي الثاني المنعقد في القاهرة عام 1955 على عاتقه مهمة توحيد الترجمة العربية للمصطلحات العلمية. وحظي المصطلح العلمي بمـكانة كبـيرة في مؤتمر التعـريب المنعـقد في الرباط 1961، والمؤتمر العلمي الخامس المنعقد في بغداد عام 1966.
ولعل ذلك الاهتمام المبكر بالمصطلح العلمي يفسر استقرار المصطلح العلمي إلى حد كبير بالقياس إلى المصطلح النقدي واللغوي الذي جاء الاهتمام به متأخراً، ووليد جهود كانت معظمها فردية.
ومن الإنصاف القول: إن مكتب تنسيق التعريب التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم قد سعى إلى توحيد المصطلحات بشكل عام منذ 1989 سعياً حثيثاً، فأصدر المعاجم الآتية:
ـ المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات 1989، المعجم الموحد لمصطلحات الفيزياء العامة والنووية 1989، المعجم الموحد لمصطلحات الرياضيات والفلك 1990، المعجم الموحد لمصطلحات الموسيقى 1992...
ولم يكتفِ بالنشر بصورة معاجم ورقية، بل أطلق من خلال موقعه على الإنترنت بنكَ المصطلحات الموحدة الذي يتألف رصيده من مواد المعاجم السابقة. وحافظ على عدم انقطاع مجلة )اللسان العربي( عن الصدور منذ عام 1964. هذه المجلة التي تعنى بنشر البحوث اللغوية والدراسات المتعلقة بقضايا المصطلح والترجمة والتعريب ومشروعات معاجم المصطلحات. ولكن نظرة سريعة إلى المعاجم السابقة، تؤكد أن الاهتمام ما يزال منصباً على المصطلح العلمي، فنصيب المصطلح اللغوي هو معجم واحد، بينما لا نجد للمصطلح النقدي نصيباً واحداً على الأقل.
وفي ظل غياب المعاجم اللغوية والنقدية الصادرة عن هيئات رسمية يأتي عملها نتيجة تنسيق ودراسة شمولية، كما هو الحال في المعاجم العلمية، أخذت جهود فردية، وجماعية المهمة نفسها، فنشرت عدة معاجم في النقد واللغة. وقد نشرت مكتبة لبنان في بيروت عدداً منها، وهي: معجم مصطلحات الأدب لمجدي وهبة عام 1975، ومعجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب لمجدي وهبة وكامل المهندس عام 1984، ومعجم مصطلحات علم اللغة الحديث عام 1983 لجماعة من الباحثين.
2- أن تتولى جهة رسمية في كل بلد عربي مسؤولية رصد الدراسات المترجمة، ومسؤولية انتقائها، ومتابعتها، وفهرستها، ولتكن هذه الجهة متفرعة من وزارات الثقافة العربية. وأن تتصل بجهة مركزية تزودها بما تم رصده وفهرسته. ويمكن في هذا السياق التعاون الفعال مع مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي التابع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الذي عُهد إليه بهذه المهمة عام 1973 ، وكانت أهدافه: يقوم المكتب بالمساهمة الفعالة في الجهود التي تبذل في الوطن العربي للعناية بقضايا اللغة العربية ومواكبتها لمتطلبات العصر، واستجابتها لمطالبه، وذلك عن طريق:
أ - تنسيق الجهود التي تبذل للتوسع في استعمال اللغة العربية في التدريس بجميع مراحل التعليم وأنواعه ومواده، وفي الأجهزة الثقافية ووسائل الإعلام المختلفة.
ب - تتبع حركة التعريب وتطور اللغة العربية العلمية والحضارية في الوطن العربي وخارجه بجميع الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، ونشرها أو التعريف بها.
ج - تنسيق الجهود التي تبذل لإغناء اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة ولتوحيد المصطلح العلمي والحضاري في الوطن العربي بكل الوسائل الممكنة.
د - الإعداد للمؤتمرات الدورية للتعريب.
ويقوم المكتب في سبيل تحقيق هذه الأهداف بما يلي:
أ - تتبع ما تنتهي إليه بحوث المجامع اللغوية والعلمية، وكذلك نشاطات العلماء والأدباء والمترجمين مما يمس مباشرة قضايا التعريب والمصطلح، وجمع ذلك كله وتنسيقه وتصنيفه تمهيداً للعرض على مؤتمرات التعريب.
ب - التعاون الوثيق مع المجامع اللغوية والهيئات والمنظمات التعليمية والعلمية والثقافية في البلاد العربية.
ج - الإعداد لعقد الندوات والحلقات الدراسية الخاصة ببرامج المكتب.
د - إصدار مجلة دورية لنشر نشاطات المكتب، ونتائج أعمال المؤتمرات والندوات التي يعقدها، إلى جانب البحوث اللغوية والمصطلحية وقضايا الترجمة التي تحتل مساحة كبيرة من حجمها.
هـ - نشر المعاجم التي تقرها مؤتمرات التعريب.
ومن الواضح أن أهداف المكتب ووسائل تحقيقها كفيلة بالحد من تكرار ترجمة أعمال نقدية ولغوية معينة، وكفيلة بحسر تنامي إشكالية المصطلح النقدي واللغوي. ولكن جانباً كبيراً من المسؤولية يُلقى على المترجمين أنفسهم؛ إذ ينشرون ترجماتهم دون العودة إلى المكتب للإفادة من تتبعه لحركة الترجمة في الوطن العربي.
إن تغييب المترجم للمرجعية في الترجمة أوجد حالة فوضى، ولعل هذا ما دعا الدكتور محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزي ومدير النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، والحائز على جائزة الدولة التقديرية في مصر عام 2002 إلى القول بعد معاينته للكتب المترجمة في معرض القاهرة الدولي للكتاب ـ وفقاً للمعلومات التي نقلها موقع الجزيرة نت في 4/2/ 2003 ـ : إن هناك فوضى في سوق النشر والترجمة إلى العربية تربك القارئ الذي يفاجأ بأكثر من ترجمة عربية للكتاب الواحد، وقد يكون سيئ الحظ إذا وقعت في يده ترجمة رديئة. ولعل هذا ما دعا أيضاً المنتدين في ملتقى النص بجدة في 17/3/2003 الذي شارك به 23 متخصصاً في اللغات والترجمة إلى المطالبة بتبني مشروع قومي للترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية وبالعكس، وإلى تحميل الجهات الرسمية مسؤولية عدم وجود مراكز عربية للترجمة على الرغم من الأهمية المتفاقمة لترجمة الكميات الهائلة من العلوم والنظريات عن لغات أخرى، وطالبوا هذه الجهات باتخاذ قرارات حاسمة في هذا الموضوع.
3- أن يوظّف المترجمون العرب معرفتهم باللغات الأخرى في ترجمة الدراسات العربية إلى تلك اللغات؛ فكثرة الدراسات اللغوية المترجمة عن الآخر لا تعني أننا أحدثنا تواصلاً ثقافيّـاً فعالاً معه، بل إن حاجتنا إلى تعرف الآخر ما لدينا هو الذي يجسّـر، بعد هذه الكثرة، التواصل بين الثقافات. وفي هذا السياق، تنبه الكتاب العرب في المؤتمر العام الثاني والعشرين للأدباء والكتاب العرب المنعقد في الجزائر 20-24 ديسمبر 2003 إلى هذه النقطة فعُقدت على هامش المؤتمر ندوة (العرب والترجمة وتحديات العصر)، تناولت حاجة العرب الماسة إلى تقديم إنتاجهم الفكري والإبداعي إلى الآخر، وتقديم صورتهم من خلال الفكر والإبداع خاصة أن ما يترجم من العربية إلى اللغات الأخرى أقل بكثير مما يترجم من اللغات الأخرى إلى العربية، إضافة إلى طرحها فكرة الشكوى من فوضى المصطلحات، وضعف الترجمة، والتشكيك في سلامة بعض الترجمات.
4- أن تأخذ مجامع اللغة العربية على عاتقها إصدار نشرات دورية، تُقيم فيها المصطلحات المستخدمة في الترجمة. وتكون هذه النشرات نواة لعمل معجمي متكامل. وقد خطت مجلة اللسان العربي خطوات رائدة تجاه هذه النواة، ويمكن أن تفيد المجامع العربية لتحقيق ذلك من البحوث القيمة المنشورة فيها.
5- أن تخصص مجلة في كل بلد عربي للترجمات في حقلي النقد واللغة، وتحظى مثل هذه المجلات بالتبادل بين الدول، وتوزيعها على الجامعات العربية. وقد خطت سوريا والعراق خطوات رائدة في هذا المجال، فقد خُصصت مجلة الآداب الأجنبية السورية لهذه الغاية، وخُصصت مجلة الثقافة الأجنبية العراقية للغاية ذاتها.
6- أن يلتزم المترجمون بوضع بيانات النشر الأصلية على أعمالهم المترجمة، أو تصوير الصفحة الأولى من الدراسة الأجنبية حيث تظهر تلك البيانات.
7- أن يراجع المترجمون حصيلتنا التراثية من المصطلحات في النقد واللغة، قبل تأسيس مصطلح أملته الترجمة الفورية للنص. وهذا يقتضي من الجهات الرسمية أن تعهد لعدد من المختصين مراجعة الترجمة قبل نشر الدراسة.
8- أن تقتني المكتبات العامة، ومكتبات الجامعات، ووزارات الثقافة الأعمال الببليوغرافية التي ترصد الدراسات المترجمة في الوطن العربي، وذلك للحد من ظاهرة تعدد الترجمات لدراسات معينة.
9- أن تُطبع بحوث المؤتمرات التي تتخذ من إشكالية المصطلح النقدي واللغوي محوراً لها، وتُعمم على الجهات الرسمية. لقد عُقدت بعد مؤتمر الكويت عام 1976 مؤتمرات كثيرة تعالج هذه الإشكالية، ولكن معظم بحوث هذه المؤتمرات لم يتجاوز تعميمها البقعة الجغرافية التي عُقدت بها. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، عقدت جامعة اليرموك في الأردن عام 1994 مؤتمر النقد الأدبي الخامس، وكان محوره المصطلح النقدي واللغوي، وقد شارك في أعمال المؤتمر نخبة من الباحثين والمفكرين العرب، وقدموا بحوثاً علمية جديرة بالاهتمام، وانتهوا إلى توصيات في غايـة الدقة للخروج من إشكالية المصطلح كتوصيات أحمد مطلوب التي تركزت حول وضع معجم نقدي حديث، ولكن بحوث هذا المؤتمر وتوصياته بقيت غير معممة على المستوى العربي على الرغم من النجاح الذي حققه انعقاد المؤتمر.
10- أن تتولى الجهات التي يُعهد إليها بدراسة المصطلح النقدي واللغوي في الدراسات المترجمة مسؤوليةَ الإفادة من الدراسات الجادة التي تدرس الواقع المصطلحي فتحلله وتقيمه. فهناك العديد من الدراسات التي تطرح موجهات علمية لمسيرة المصطلح النقدي واللغوي كدراسات أحمد مختار عمر التي ركزت على إنشاء مركز للمصطلحات الألسنية مزود بأحدث الأجهزة التي تساعد على التخزين والتصنيف والاستدعاء، ودراسات محمد رشاد الحمزاوي التي ركزت على ثلاث نقاط هي: التمييز بين التوحيد والتنميط ، والاستقراء والوصف، ومنهجية التنميط مفيداً في تطبيقها من مشروع راب الدولي العربي. إضافة إلى جهود أخرى بذلت لتوحيد المصطلح بشكل عام، كجهود ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلح العلمي العربي بالرباط 1981، وجهود علي القاسمي في الدعوة لإنشاء بنك المصطلحات المركزي في الوطن العربي، وجهود الباحثين في مؤتمر الترجمة في الوطن العربي الذي عقد في بيروت 2000 حيث دعا إلى إنشاء مؤسسة عربية للترجمة، وقد نشر أعماله مركز دراسات الوحدة العربية.
الخاتمة : نتائج و مقترحات و توصيات
1- اقتراح بناء منهجي لنظرية المعجم المفصل للمصطلح النقدي المترجم من خلال مؤتمر دولي ( عربي – أجنبي )؛ بإسهام كل الأطياف العلمية العالمية لتحقيق هذا الشأن .
2- التأكيد على آليات إنجاح ترجمة المصطلح النقدي ؛لأنها أبرز كافل لإنجاح شتى المناهج النقدية المعاصرة في مقاربة النص الأدبي .
3- التوصية بنشر نتائج البحوث في هذا الملتقى .
4- اقتراح فتح بنك إلكتروني في موقع إلكتروني بالجامعة؛ لكل المهتمين بالنقد الأدبي و مناهجه و اصطلاحاته باسم قسم اللغة في جامعة ورقلة ؛ أملا في فاتحة منهجية لصناعة المعجم النقدي الموحد .
د. محمد الأمين خلادي
الجامعة الإفريقية العقيد أحمد دراية ـ أدرار
لا ريب في أن المصطلح أداةٌ توصيلية تواصلية للتعبير عن معنى أو فكرة أو موضوع في مجال اختصاص معيّن.. و هو لفظٌ موضوعي يتّسم بالوضوح و الضبط و الثبات و عدم الانزياح الدلالي، والمصطلح النقدي كغيره من المصطلحات اللغوية و الأدبية و البلاغية و العلمية يُصاغُ بواسطة آليات وطرائق أهمها النحت و الاشتقاق و التعريب و الترجمة...
إن من أكبر إشكالات المصطلح النقدي غياب التنسيق و التوفيق بين رؤى النقدة و الباحثين والعلماء، و لعلّ مردّ ذلك إلى تعدّد واضعي المصطلح واختلاف مناهلهم و ثقافاتهم، و كذا تمايز مصادر البيئة المعرفية الأولى التي انبجس من خلالها هذا المصطلح أو ذاك، و اللغة الأصلية التي وُضِعَ بها أول مرّة، كما أن تعدّد المدارس النقدية واختلاف المناهج الفكرية و تباعد التيارات الأدبية و اللغوية قد ضاعف من هذا الإشكال و أثار كثيراً من الجدل والشقاق والاختلاف و الخلاف بين المختصّين أنفسهم، لأجل ذلك طفق الدارسون الواعون يستبينون الخلل و يميطون اللثام ويوحّدون الرؤية؛ و ما هذا البحث إلا محاولة تتشبه بتلك الجهود الرائدة و الوعي الحصيف و الرأي الرشيد...
و لا شك في أن تراثنا النقدي الأدبي ثرٌّ بمصطلحاته التي بثّتها روح الحضارة العربية والإسلامية عهدئذ ، بيْد أن ثراء المصطلح يكمن في خلوده و استقراره و ثبات كينونته المعرفية التي تمثّلها حضارته.. و يُعدُّ الفعل الترجمي العالمي فعلا عملاقا حساسا في تفعيل التداولية النقدية ؛ وقد يبدو ناجحا في غالب الأحيان – على المستوى الغربي – بل بات عملاً جاداً يرسّخ الرؤية الترجمية في الساحة النقدية و يجليها، وحقلاً خصباً من الرؤى و الفُهوم التي من شأنها أن تسمو بهذه الخطى المشرئبّة إلى الوحدة والتوحد في معترك المصطلح النقدي وآفاقه ؛ وبالأخص على المستوى العربي ، و الحال هاته ، حال الغنى في المعجم الاصطلاحي وتعدد المؤسسات التي تُؤثلُه كمجامع اللغة و المراكز العلمية و المخابر و الجمعيات و الجهود الفردية تأليفاً و تخصيباً...
من أجل ذلك فإنه من المؤسف أن يظل الاجتهاد العربي طائشاً مذبذباً في متاهة دامسة كهالة تحيط بدائرة البحث الناجح الفاعل دون أن يستقر ذلك الاجتهاد في قراره المكين ويلج في تلك الدائرة.
من المسائل العالقة أيضا البحث عن السبل الجادة في توظيف المصطلحات النقدية من حيث وجودها في المدوّنة النقدية العربية و الغربية قديماً و حديثاً، مقابل غياب حركية التلقّي الناجحة، و بالأخصّ في الدراسات العربية المعاصرة.
ومن بين تلك النماذج المصطلحية: الأدبية، التحوّل، الإيقاع، المصطلح النقدي، التراث النقدي، ترجمة المصطلح النقدي ، توحيد المصطلح النقدي، قراءة المحدثين لمقاييس النقد القديم، منظومة التشظّي ومدوّنة التشرذم، انشطار التلقّي و تيه المتلقّي في مفازة المصطلح النقدي، المصطلح النقدي العربي وسراب الوحدة و التوحّد، المصطلح النقدي و فاعلية الحكمة النقدية لدى الدارسين العرب المحدثين و المعاصرين والشاعرية والشعرية... و الأدهى من ذلك هو وجوب حرص كل أطراف البحث العلمي على تحقيق الوحدة و التوحد عساها تبلغ إقناع الآخر لأنها معوزة فقيرة إذا لم تتجاوز حد الإبداع و التوحد إلى محور الترجمة و تبادل الفعل النقدي مع غيرها في أناة إنسانية و حكمة بالغة و رشاد طويل النفس.
و لعل هذه الدراسة ستبرز إسهامات البصمة النقدية العربية المعاصرة ، مؤكدة على آليات الإنجاح في توجيه المصطلح النقدي و نقده نحو مسار الحكمة العلمية و السدادية المنهجية و الأكاديمية التي تحفظ ماء التلقي والاستيعاب و التواصل عربيا و غربيا .
1- عتبة المصطلح و المفهوم بين التأصيل و الترجمة .
أردت من هذه العتبة المنهجية أن أمهد بالإطار العلمي العام للمصطلح و أقضيته ؛ و المشهور من المعلوم بسط الدارسين و الباحثين حقيقة المصطلح و تاريخه و علاقته باللغة و المعجم و الأدب و النقد وسائر المعارف ، و كذا خصائصه و آلياته و شروطه ومصادره و أعلامه و أهدافه و أنواعه ... وهلم جراً.
«يراد بالترجمة في المعاجم اللغوية معانٍ عدة، منها : التفسير والنقل والإيضاح. يقول ابن منظور المصري (ت 711 هـ): “الترجمان والترجمان : المفسر، وقد ترجمه وترجم عنه، … ويقال قد ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر”(3). وجاء في “المعجم الوسيط” : “ترجم الكلام : بينه ووضحه. وكلام غيره، وعنه : نقله من لغة إلى أخرى. ولفلان : ذكر ترجمته.” (4)
و يقصد بالترجمة في اصطلاح النقاد نقل نص من لغة ( لغة المصدر) إلى أخرى ( لغة هدف). يقول كاتفورد (J.C.Catford) معرفاً الترجمة: “أن يستبدل بمحتويات نص في لغة (لم) ما يقابلها من محتويات نص في لغة أخرى (له)”. (5) ويعرفها جون دوبوا (J.Dubois) و رفاقه في ” dictionnaire de linguistique” بما يأتي: (6)
“Traduire c’est énoncer dans une autre langage (ou langue cible) ce qui a été énoncé dans une autre langue source, en concervant les équivalences sémantiques et stylistiques.”
و يحدد الإنجليزيون مصطلح الترجمة بما يأتي: (7)
“Translation is the replacement of a text in one language by a representation of an equivalent text in a second language”.
و يهِمنا في هذا البحث أن نعرف ” بترجمة المصطلح” باعتبارها صورةً من صور النشاط الترجمي التي حظيت باحتفاء عدد من الباحثين في الوقت الحاضر. يقول الدكتور علي القاسمي: ” الترجمة هي نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية بمعناه لا بلفظه، فيتخيّر المترجم من الألفاظ العربية ما يقابل معنى المصطلح الأجنبي.”(8) و عمومًا يمكن أن نقول إن للترجمة مدلولين اثنين، مدلولا عاما/ واسعا، و مدلولا خاصا/ضيقا. فأما المدلولُ العام فيراد به ما ذكرناه سابقا؛ أي النقل من لغة إلى أخرى، و أما المدلول الخاص فهو ما ذكره الدكتور محمد مفتاح حين قال : “إن الترجمة- في معناها الخاص- تعني النقل من لغة منطلَق (أو مصدر) إلى لغة مستهدَفة (أو هدف) لإشباع حاجات معينة و بشروط خاصة”. (9) »
من أجل ذلك رأيت أنه من الثقل على ظل البحث و عيب التكرار أن استرسل في حشد ولو أدنى نسبة من عشر العشر فيما كتب و ذكر و عرض ؛ إذ الهدف الأكبر من هذه الدراسة معرفة الآليات المعرفية و المنهجية والعلمية و التقنية التي تنجح الترجمة الاصطلاحية في حقل النقد الأدبي و معرفة المفاعلات التي تنهض بالتوحيد و التعميم و الإجماع بين كل المستعملين لذلك المصطلح ، مع ربط كل هذا بالوظيفة التي هي الوسيلة في تحقيق المناهج النقدية الرائدة و القادرة على فتح أبواب النص الأدبي و كشف أسرار الخطاب .
لا شك أن النقاد يمثلون نوعا من أنواع أهل الاصطلاح و في هذا يقول العلامة ابن حزم الأندلسي « لابد لأهل كل علم و أهل كل صناعة من ألفاظ يختصون بها للتعبير عن مراداتهم و ليختصروا بها معاني كثيرة » كما يقول الإمام قدامة بن جعفر « و مع ما قدمته فإني لما كنت آخذا في استنباط معنى لم يسبق إليه من يصنع لمعانيه و فنونه المستنبطة أسماء تدل عليها احتجت أن أضع لم ليظهر من ذلك أسماء أخترعها ، وقد فعلت ذلك ، و الأسماء لا منازعة فيها إذ كانت علامات، فإن قنع بما وضعته و إلا فليخترع لها كل من أبى ما وضعته منها ما أحب ، فليس ينازع في ذلك »
ومنه فلا اعتبار لما يقع هنا وهناك لأهل المعارف الشتى حينما يكثر التجادل بينهم في أمور هامشية بعيدة عن الرسالة التي يجب أن يحققها الفعل الاصطلاحي في الحقل النقدي سواء أكان من جهة التوجيه أم الوصف أم التحليل أم التقويم ؛ و إنما عمدة الأمر أن يفقه أهل الاختصاص مدى بلوغ الرسالة الاصطلاحية منتهى الهدف .
والتفت بعض الدارسين إلى ضبط التعامل مع المصطلح النقدي في دراساتهم المبسوطة أو المختصرة كما شاع عن الدكتور عبد السلام المسدي وغيره ؛ وهو مصطلح خطير في استعماله ثم في تلقيه ذلك لأنه مصطلح ارتبط بتعدد المناهج و النظريات و القراءات ، وجميل أن نتبين نموذج أحد الدارسين بقوله متحدثا عن هذا السياق « إن القيمة الحقيقية لأي مصطلح لا تتحقق إلا بشرطين أحدهما التوحد ؛ و ثانيهما الشيوع و أعني التوحد : أن يكون لكل مفهوم اصطلاحي بشكل خاص لا يشاركه فيه سواه، و أن يكون لكل شكل اصطلاحي مفهوم واحد لا يتعداه ، أما إذا أصيبت اللغة الاصطلاحية بالترادف أو تعدد الدلالة فإنها تفسد و أعني بالشيوع انتشار المصطلح و دوراته في ميدان استعمال لأنه المصطلح لغة للتواصل بين المشتغلين به في ميدان خاص ؛ ومتى فقد هذا الشرط أصبح ذاتيا لا قيمة له » .
و لخص الدكتور علي القاسمي صفة المصطلح الجيد بشرطين :
« الأول : تمثيل كل مفهوم أو شيء بمصطلح مستقل
الثاني : عدم تمثيل المفهوم أو الشيء الواحد بأكثر من مصطلح واحد .
وهذان الشرطان ربما لا يتحققان في كثير من المصطلحات ، فهناك مصطلح واحد للدلالة على عدة أشياء ، وهناك أكثر من مصطلح للدلالة على شيء و احد . و يرجع ذلك إلى تعدد واضعي المصطلح و الاختلاف في الترجمة ، وهذا من مشكلات المصطلح في الوطن العربي.
و لابد أن يبذل اتحاد المجامع العربية جهدا كبيرا لتوحيد المصطلحات أو تقريبها ليصدر الباحثون و المترجمون عن منهج واحد لاستعمال المصطلحات »
والعمل المنهجي للمصطلحية علم قائم بذاته يحرص على برمجة المفهوم و الدلالة دقة و هدفا و وضوحا حتى لا يزيغ المتلقي وهو يستوعب هذا المصطلح أو ذاك ؛ من أجل ذلك يحسن بالمترجم أن يراعي حال المتلقين و احتمالات التأويل ، إذ الشرطان اللذان أثبتهما الأستاذ القاسمي من أبرز أدوات العملية الاصطلاحية الناجحة.
2-آليات إنجاح الترجمة المصطلحية في النقد الأدبي
التركيز على الترجمة في قول القاسمي ينم عن أن العملية التركيبية الجامعة بين صناعة المصطلح ثم ترجمته عملية أخطر وفي الحذر أدخل و بالتحوط آكد ؛وعليه فإن الشرط في توحيد المفاهيم يخفف من آفات التشظي الاصطلاحي وتعدد أبنيته وصوره من مستعمل إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر.
وههنا بعض الآلات المنهجية التي تمكننا من الرضا النفسي عن ترجماتنا:
1 آلية المعجم المفاهيمي المفصل للجهاز الاصطلاحي الشائع :
ومعنى هذا أن العقلاء في هذا الحقل عليهم الاكتفاء بتسريع هذا المنجز المهيأ الذائع في الدراسات وبين المتلقين ؛وذلك بوضع معاجم اصطلاحية تجمع ثم تحصر المادة الحاضرة للمصطلحات ، وببسط في مفاهيم ذلك المصطلح الواحد ومترجما أيضا ،حيث إن البسط يغني المستعمل والمتلقي على حد سواء في تلك العملية الواضحة ؛ كي لا يقع واضعو المعاجم الاصطلاحية النقدية في دواعي اللبس و التناقض و الغموض كحديث الأستاذ فاضل ثامر عن المصطلح الألسني و النقدي إذ يقول عن الثاني «... أما إذا انتقلنا إلى ميدان النقد الأدبي ، فلن يكون الحال أفضل مما هو عليه في ميدان اللسانيات بل يمكن القول أن الأمر يزداد اضطرابا بسبب حداثة معظم المصطلحات النقدية الحديثة التي ولدها الانفجار النقدي في ميدان الشعرية ونظرية الأدب منذ الستينات وحتى يومنا هذا ،قياسا للمصطلح اللساني الذي يزيد عمره على ذلك بكثير ويمتلك أصوله قبيل هذا القرن بزمن بعيد .ويمكن هنا أن نتوقف قليلا عند الوضع الراهن في ترجمة المصطلح السردي الحديث.
إشكالية ترجمة المصطلح السردي الحديث
على الرغم من حداثة علم السرد أو السردية narratology بالنسبة للنقد الأدبي الحديث، فلا يمكن عزل رصيده الاصطلاحي عما تراكم من رصيد اصطلاحي في مجال النقد الأدبي واللسانيات واللسانيات الاجتماعية أو ما يسمى ب(علم اللغة الاجتماعي) socio-linguistics واللسانيات النفسية أو ما يسمى ب(علم اللغة النفسي ) -linguistics psycho-وعلم السيمياء semiology.semiotics.وغير ذلك من العلوم والحقول المعرفية ذات الصلة بتطور هذا العلم.
وأول مشكلة يواجهها المترجم أو الناقد تتعلق بمصطلح السردية narratologyوجذره اللغوي narrate وقد استطاعت ندوة (السردية الأدبية) التي نظمها قسم اللغة العربية في كلية التربية بالجامعة المستنصرة عام 1992 أن تثير هذه الإشكالية سواء على مستوى ضبط المفهوم أو على مستوى ترجمة المصطلح نفسه .وقد اتسع الجدل فيما بعد فنشرت الصحف المحلية معالجات مهمة شارك فيها عدد من الباحثين والنقاد منهم د. علي جواد الطاهر ود.عبد الإله أحمد وكاتب هذا البحث . » ؛ وعليه فإن مهمة نقد النقد والدراسات الاصطلاحية قد عانت من تمادي هذا الخطر الذي يتهدد الدلالات الصحيحة للمصطلح النقدي المترجم ، ومنه فلا مفر من الضبط العاجل والإحكام الفوري لتجاوز التفلت الدلالي و التوصيلي لمسارات الوضع الاصطلاحي المترجم ، لأنه البوابة الحقيقية لتفاقم المشكلات على هذا الصعيد ‘ن من جهة التلقي أو النقد والتوجيه.
ولعل النقد السردي هو الذي أبرز هذا التضخم الترجمي الفج في مساحته وتعدد دلالاته بل تناقضها في عير قليل من الأحيان مما يربك المتلقي ويعطل التواصا الصحيح بين المبدعين والمتلقين والنقدة جميعا .
2 آلية تغليب ما يمليه الخطاب / النص على الناقد في اختيار المصطلح:
يجب أن يهجر ذلك الاتجاه من جهاز الاصطلاح إلى قراءة النص الأدبي ،لأن فيه إقحاما وإجحافا وتنحية عن الخط السليم في عملية التأويل ،والأصل أن ذخيرة الإبداع النصي هي التي تلهم الناقد معرفة الانتقاء المصطلحي في ضوء مفاهيمه الشتى التي تتعدد وقد تغمض وتتناقض!
3 آلية الأولوية في الإدراج الاصطلاحي:
جميل أن يتخير المستعمل الاصطلاحي منظومته المصطلحية تحت إمرة الأولوية ؛ حيث يدرج المصطلح الذي تتيسر ترجمته إلى أغلب اللغات حفاظا على سلامة النص النقدي الذي يمنح قراءة النص الأدبي مقاربة صحيحة سليمة .
4 آلية التبادل بين المستعملين العرب و الغربيين:
ليس الشرط ترجمة اجتهادات الغربيين(الآخر) وتعريبها لدينا فقط، بل يجب فتح سبقِنا إلى إدارة الوجهة الأخرى بترجمتنا الاصطلاحية من العربية إلى اللغات الأخرى ؛ كي يستوعب غيرنا حركتنا في الاصطلاح والترجمة بغاية إنسانية عالمية هادفة تتخطى القيود والحدود والعصبيات وما يشبه ذلك...
5 آلية نقد الترجمة الاصطلاحية:
وذاك يثري تلك العملية ويؤدي بها إلى التنمية والتطور الفاعلين ،لأن إعادة النظر والتصحيح والتوجيه فواعل ترتقي بالترجمة إلى مستويات أصلح وأنفع وأشمل استعمالا وشيوعا وتوصيلا ...
وكثيرا ما يعاني المترجمون في الحصول على الدقة و الإبانة و الإقناع علامة على جسامة هذه العملية المعرفية النقدية رغم أنها تنتسب إلى الموضوعية إذا ما قيست بالمعرفة الإبداعية الذاتية ؛ كقول القائل في هذا الشاهد العيان « وأرجو هنا أن أعترف بأنني عجزت عن الاهتداء إلى مقابلات ترضيني لكلمات شائعة جدا في النقد الأدبي منها:, ,allegory, baroque, grotesque
motif Ztypology, theme فاستعملتها بصيغتها الأجنبية. ومع أن »فن الشعر « اصطلاح شائع كرديف ل poetics إلا أنني عدت إلى البويطيقا لأن فن الشعر قد يوحي بالتوقف عند الشعر بينما ينسحب التعبير الأجنبي على فنون أدبية أخرى غير الشعر كما يبين ويليك نفسه في ثنايا الكتاب. »
وذاك دليل على الإحراج المنهجي الذي يعانيه المرسِل المترجم و هو ينقل المعلومة الاصطلاحية للمتلقين علاوة على ما يعانيه في مخبره المصطلحاتي وهو ينتخب المفردات التي تنسجم مع المفاهيم المطابقة لها.
وقريب من قريب ما ذهب إليه الدكتور ناصف في رؤيته الجديدة للنقد العرب وما يجب أن يكون عليه قوله « تعودنا أن ننظر إلى المصطلحات باعتبارها أدوات تملكنا ، لا نملكها ولا نصرفها. وغاب عنا شيء كثير في زحام السلطة اﻟﻤﺨادعة التي أعطيت لفكرة المصطلح. ومن المطلوب أن نفهم هذه السلطة باعتبارها توجيها لا تحديدا . إيماء لا تعريفا. تداخلا إلى جانب التمايز. يجب أن نتعلم كيف نمارس ذوب المصطلح كما تعلمنا كثيرا مع الأسف تحكم المصطلح. يحتاج المصطلح إلى السياق أكثر مما يحتاج السياق إلى المصطلح.
لننظر إلى كلمة مشهورة تبلغ حد الاصطلاح المتنوع الآفاق وهي كلمة »البيان « ، لقد وضعناها في إطار ضيق أقرب إلى الدلالة الاشتقاقية المبهمة. وربما استطعنا أن نفهمها في ضوء العلاقات بين معارف متنوعة يجتمع على تأليفها شعوب متضافرة أحيانا ، وربما تميزت هذه العلاقات بشيء من الصراع بين الجوانب النظرية أو العقلية المعروفة باسم علوم الأوائل من جهة وثقافة عربية قديمة ترتكز على ما نسميه قوة الكلمة من جهة ثانية. »
2- مُفاعِلات التوحد العربي و الانسجام مع الآخر : ( جدلية التوفيق بين بصمة الذات و التناغم مع الآخر )
إن الحديث عن المفاعلات التي تحمل العاملين على إنجاح الترجمة الاصطلاحية غير جديد اليوم ؛ فكم من دراسة و كتاب و مؤتمر و إجماع و جهود الفرد أو المراكز العلمية المتخصصة و مجامع اللغة و الجمعيات و سائر التوصيات و الاقتراحات... قد أدلت بدلوها في هذا البحر الخضم ، إلا أن المؤسف هو مرور الزمن و طيه طيا في قراءة المتلقين للمصطلح النقدي المترجم من خلال استعماله و توظيفه، و الأمر نفسه – بل و أشد أسفا – لدى المختصين المعنيين بتقويم ما وصل إليه الإنجاز الهائل لهذه الترجمة .
بناء على ذلك فإني ألح على تلك الآليات التي صدرتها من ذات قبل و غيرها من الاجتهادات الجريئة المستمرة ، ورغم ذلك فإنه لابد من تملي ما اقترحه غيرنا مثلما أكده الأستاذ فاضل ثامر بقوله « لقد أولت المجامع العلمية العربية منذ تأسيسها وكذلك مكتب تنسيق التعريب التابع للجامعة العربية منذ تأسيسه عام 1962 عناية خاصة بوضع المبادئ والمنهجيات الأساسية في اختيار المصطلحات العلمية ووضعها . وقد أقرت ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلحات العلمية الجديدة.التي نظمها مكتب تنسيق التعريب بالرباط عام 1981 مبادئ وأسسا مهمة منها:
1- ضرورة وجود مناسبة أو مشاركة أو مشابهة بين مدلول المصطلح اللغوي ومدلول الاصطلاحي ولا يشترط في المصطلح أن يستوعب كل معناه العلمي.
2- وضع مصطلح واحد للمفهوم العلمي الواحد ذي المضمون الواحد في الحقل الواحد
3- تجنب تعدد الدلالات للمصطلح في الحقل الواحد،وتفضيل اللفظ المختص على اللفظ المشترك.
4- استقراء وإحياء التراث العربي، وخاصة ما استعمل منه أو ما أستقر منه من مصطلحات علمية عربية صالحة للاستعمال الحديث وما ورد فيه من ألفاظ معربة.
5- مسايرة المنهج الدولي في اختيار المصطلحات العلمية(مثل مراعاة التقريب بين المصطلحات العربية والعالمية لتسهيل المقابلة بينهما للمشتغلين بالعلم والدارسين واشتراك المختصين والمستهلكين في وضع المصطلحات).
6- استخدام الوسائل اللغوية في توليد المصطلحات العلمية الجيدة بالأفضلية طبقا للترتيب التالي: التراث فالتوليد ( بما فيه من مجاز واشتقاق وتعريب ونحت)
7- تفضيل الكلمات العربية الفصيحة المتواترة على الكلمات المعربة.
8- تجنب الكلمات العامية إلا عند الاقتضاء بشرط أن تكون مشتركة بين لهجات عربية عديدة وان يشار إلى عاميتها بأن توضع بين قوسين مثلا.
9- تفضيل الصيغة الجزلة الواضحة ،وتجنب النافر والمحظور من الألفاظ.
10- تفضيل الكلمة التي تسمح بالاشتقاق على الكلمة التي لا تسمح به.
11- تفضيل الكلمة المقررة لأنها تساعد على تسهيل الاشتقاق والنسبة والإضافة والتثنية والجمع.
12- تفضيل الكلمة الدقيقة على الكلمة العامة أو المبهمة ومراعاة اتفاق المصطلح العربي من المدلول العلمي للمصطلح الأجنبي ،دون تقيد بالدلالة اللفظية للمصطلح الأجنبي.
13- في حالة المترادفات أو القريبة من الترادف تفضل اللفظة التي يوحى جذرها بالمفهوم الأصلي بصيغة أوضح.
14- تفضيل الكلمة الشائعة على الكلمة النادرة أو الغربية إلا إذا التبس معنى المصطلح العلمي بالمعنى الشائع المتداول لتلك الكلمة.
15- عند وجود ألفاظ مترادفة أو متقاربة في مدلولها ينبغي تحديد الدلالة العلمية الدقيقة لكل واحدة منها ،وانتقاء اللفظ العلمي الذي يقابلها.
16- مراعاة ما اتفق المختصون على استعماله من مصطلحات ودلالات علمية خاصة بهم ،معربة كانت أو مترجمة.
17- التعريب عند الحاجة ،وخاصة المصطلحات ذات الصيغة العالمية كالألفاظ ذات الأصل اليوناني أو اللاتيني أو أسماء العلماء المستعملة مصطلحات ،أو العناصر والمركبات الكيماوية.
18- عند تعريب الألفاظ الأجنبية يراعي ما يأتي :
أ- يرجح ما يسهل نطقه في رسم الألفاظ المعربة عند اختلاف نطقها في اللغات الأجنبية.
ب- التغيير في شكل اللفظ حتى يصبح موافقا للصيغة العربية ومستساغا.
ت- اعتبار المصطلح المعرب عربيا ،يخضع لقواعد اللغة ويجوز فيه الاشتقاق والنحت وتستخدم فيه أدوات البدء والإلحاق مع موافقته للصيغة العربية.
ث- تصويب الكلمات العربية التي حرفتها اللغات الأجنبية واستعمالها باعتماد أصلها الفصيح.
ج- ضبط المصطلحات عامة والمعرب منها خاصة بالشكل حرصا على صحة نطقه ودقة أدائه.»
فهذه القراءة تدعو الباحثين عن توظيف المناهج النقدية بمعية مصطلحات نقدية معربة ومترجمة تقترب من الصحة – ولو نسبيا – إلى إعادة ترتيب الجهود توفيقا بين تجاوز المكرور من الآراء وضعيفها و بين الجديد الفوري في تطبيق طريقة أسلم في إدارة تلك الترجمة النقدية بمصطلحات أدخل في الدقة و الفاعلية .
» إلا أنه قد أصبح واحداً من إشكاليات حركة الخطاب النقدي الأدبي العربية المعاصرة . أن من أهم إشكاليات المصطلح واستخدامه : (1) قصور الترجمة: على الرغم من ان الترجمة توصف بـ ( الخيانة ) ، إلا أنه من الطريف ، أو المحزن في الآن نفسه ، ونحن نقرأ عن حركة الترجمة في العصر العباسي إبان ازدهار الثقافة والحضارة العربيتين ، أن نستذكر أن بعض مترجمينا العرب الأقدمين ، وبسبب من سوء الترجمة ، قد أوقعوا حركة النقد الأدبي العربية - وقتذاك - في إشكالية كبيرة لم تتخلص منها حركة الخطاب النقدي الأدبي العربي إلا في عصرنا الحديث ، عندما أخطأ ( بشر بن متي ) في ترجمة بعض مصطلحات كتاب ( فن الشعر ) لأرسطو ، خاصة مصطلحي(التراجيديا والكوميديا ) اللذان ترجمهما بـ ( المديح والهجاء ) . ومن المسلم به تاريخيا ً ، أن أقطار وطننا العربي ، قد وقعت - في التاريخ المعاصر - تحت سيطرة الاستعمارين الفرنسي والبريطاني ، والجميع يعرف ما لثقافة هذين الاستعمارين من تأثير كبير على الثقافة العربية بصورة عامة ، فضلا ً عن ذلك ، فأن بُعد أو قرب هذا القطر أو ذاك من هذه الدولة الغربية ( الأوربية ) أو تلك ، قد اثر هو الآخر في استخدام لغة هذه الدولة أو تلك ، كما كان لتخرج أبناء هذا القطر العربي أو ذاك من جامعات غربية عديدة ومتنوعة ، له تأثيره أيضا ً في كل ما قلناه .. مما أقام عملية تثاقف كان لها تأثيرها السلبي الكبير في هذا المجال . أن عملية التثاقف القطرية - الأوربية هذه ، كانت احد الأسباب التي جعلت من ارتحال المصطلح ( ترجمته ) من تلك الدولة الغربية إلى هذا القطر العربي ، يختلف عنه لو ارتحل إلى قطر عربي آخر ، مما أفضى إلى نتائج غير سليمة ، وذات تأثير سلبي على استخدام المصطلح ، ومن ثم استخدام المنهج . يقول د. صلاح فضل ، عن الترجمات التي تمت في بلاد الشام للمناهج النقدية الحديثة ، وخاصة ( البنيوية ) : (( يظل هناك أمران يعوقان جديا ً إمكانية الإفادة الكاملة بها ، أولهما يتصل بلغة المترجم ، المعماة التي تغلب عليها العجمة والتراكيب الغربية ، ويعز التقاطها على القارئ المختص مما يجعله يتمنى لو تمكن منها بلغتها الأصلية ، وثانيهما يرتبط بعمليات النشر والتوزيع ، إذ تتدخل العوامل السياسية المتقلبة لتجعل الحصول على كتاب من دمشق أو بغداد أصعب على أهل مصر مثلا ً من طوكيو أو بكين )) (7). فضلا ً عن ذلك ، فقد أدى هذا القصور إلى بروز ظاهرتين هامتين من ظواهر استخدام المصطلح النقدي ، هما : أولا ً : اضطراب وعدم استقرار المصطلح النقدي عند الكثير من النقاد العرب ، مما أدى إلى (( سوء فهم تلك الدلالات وبالتالي قد يؤدي إلى خلق أحكام مضطربة وضبابية يكتنفها الغموض والجهل معا ً )) (8 ) . وهذا الاضطراب لم يكن سمة خاصة بالمصطلح فحسب ، وإنما هو واحد من سمات حركتنا الثقافية العربية عامة . ثانيا ً : غموض ، وعدم وضوح المصطلح . وهذا ناشئ عن (( سوء الترجمة حينا ً ، أو سوء استعماله حينا ً آخر ، فضلا ً عن الخلط والاضطراب بين المصطلحين العربي القديم الواضح الدلالة والاستقرار ، والغربي أو الأجنبي الذي يكتنفه الغموض وعدم وضوح الرؤية خاصة حين يطبق )) ( 9 ) . ويجرنا الغموض والاضطراب اللذين رافقا عملية ترجمة وتطبيق المصطلح الأجنبي ، إلى أحد أسباب قيام الأزمة في حركة الخطاب النقدي الأدبي العربي المعاصرة ، وهو إشكالية الفكر الأدبي العربي المعاصر «
وسأضرب أمثلة من المصطلحات النقدية والأدبية «شاهداً على هذه المراتب أو المنازل: منها:
1-"البويطيقيا" Doetics -لأرسطو- بدأت تقبلاً أي تعريباً ثم فجرّت عن طريق الترجمة إلى "فن الشعر" ثم صارت بعد تجريدها أي بعد صيانتها الأخيرة تعني "الشعرية".
2-Deviation: كانت "العدول" في مرحلة التقبل ثم فجرّت عن طريق الترجمة إلى "الخروج عن المألوف في اللغة" وصارت بعد تجريدها "الانزياح".
3-Prose Poem- تقبلّها الباحثون بأنها "الشعر المنثور" وفجرّوها (بنثر القصيدة) أو (النثر الشعري) ثم تجردت أخيراً إلى "قصيدة النثر".
4- Lyrical Poetnq: كانت (الليرك -تعريباً وتقبلاً) وصارت (الشعر الوجداني أو الذاتي) تفجيراً وترجمة واستقرت بعد التجريد على (الشعر الغنائي).
5-The Novel : هي (النوفل) تعريباً وفهماً ثم صارت بعد الترجمة والتفجير (القصة الطويلة) ثم استقرت (بالرواية) بعد التجريد.
6- Allegory: هي (الاليكورية) تعريباً وتقبّلاً ثم صارت (الاستعارة المؤسسة extended metaphor- بعد الترجمة والتفجير وغدت (المجاز أو القصة الرمزية) بعد التجريد.
7- ومن المصطلحات العامة في الصحافة على سبيل المثال: الـ Journal- فهي (الجرنال) تعريباً وتقبّلاً ثم تحولت إلى (الورقات اليومية) بعد الترجمة والتفجير واستقرت (الصحيفة) بعد التجريد.
إن هذه الكلمات ذوات المعنى الخاص تدخل في إطار علم المصطلح أو المصطلحية Terminology- هو العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها.. وهذا يعني الاطلاع العميق الجذور على طبيعة المفاهيم وتكوينها وخصائصها والعلاقات فيما بينها وطبيعة العلاقة بين المفهوم والشيء المخصوص وتعريفات المفهوم وكيفية تخصيص المصطلح للمفهوم والعكس بالعكس (د.علي القاسمي، مقدمة في علم المصطلح، الموسوعة الصغيرة دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1985، ص17، 18، 20، »
« وسائل تنسيق الترجمة في الوطن العربي:
على الرغم من الشكوى المستمرة في الدراسات والمؤتمرات من إشكالية تأسيس المصطلح النقدي الحديث، واقتراح التوصيات للحد من تأزم تلك الإشكالية منذ عام 1973 - حيث عقدت حلقة الترجمة في الكويت ـ ولغاية الآن، فإن جهة رسمية أو غير رسمية، لم تتقدم بعمل ببليوغرافي يرصد الدراسات المترجمة في الوطن العربي. لقد بذل محمد حسن باكلا جهوداً جبارة في (ببليوغرافيا الدراسات اللغوية) الذي صدر عن وزارة الإعلام في بغداد عام 1975، وكذلك عفيف عبد الرحمن في كتابه (مكتبة العصر الجاهلي وأدبه) الذي صدر عن دار الفكر في عمان عام 1987 فخصص مساحةً لدراسات المستشرقين في الشعر الجاهلي، وبذل عبد السلام المسدي جهوداً جبارة في رصد مراجع اللسانيات، ومراجع النقد في كتابين صدرا عن الدار العربية للكتاب في تونس عام 1998. ولكن هذه الكتب لم تكن أعمال المترجمين العرب هدفها الأول، فجاءت الدراسات المترجمة، وفق ذلك، قليلة العدد، وتغطي المساحات الزمنية التي سبقت سنوات نشر تلك الكتب. وقد جاء هذا الكتاب لسد فراغ، يمكن أن يسهم سده في تشكيل رؤية جديدة لتنسيق الترجمة، وتقييم المصطلحات المتداولة في النقد الأدبي واللغويات، والتي زجّت بها الترجمة إلى نقطة الإشكالية.
إن تعاملي مع الدراسات المترجمة في السنوات التسع الماضية، والملاحظات التي ذكرتها في القسم الثاني السابق حول جهود المترجمين العرب، يفرزان مجموعة من التوصيات لتنسيق الترجمة في الوطن العربي، وهي:
1- أن يحظى المصطلح النقدي باهتمام المؤتمرات والندوات الثقافية كما حظي بذلك المصطلح العلمي: فمؤتمر الجمعية الطبية المصرية الذي عُقد عام 1938 دعا إلى توحيد المصطلحات العربية للعلوم الطبية. ونصت المعاهدة الثقافية بين دول الجامعة العربية على توحيد المصطلحات العلمية، وأكد المؤتمر العلمي الأول المنعقد في الإسكندرية عام 1953ضرورة توحيد المصطلحات العلمية، وأخذ المؤتمر العلمي الثاني المنعقد في القاهرة عام 1955 على عاتقه مهمة توحيد الترجمة العربية للمصطلحات العلمية. وحظي المصطلح العلمي بمـكانة كبـيرة في مؤتمر التعـريب المنعـقد في الرباط 1961، والمؤتمر العلمي الخامس المنعقد في بغداد عام 1966.
ولعل ذلك الاهتمام المبكر بالمصطلح العلمي يفسر استقرار المصطلح العلمي إلى حد كبير بالقياس إلى المصطلح النقدي واللغوي الذي جاء الاهتمام به متأخراً، ووليد جهود كانت معظمها فردية.
ومن الإنصاف القول: إن مكتب تنسيق التعريب التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم قد سعى إلى توحيد المصطلحات بشكل عام منذ 1989 سعياً حثيثاً، فأصدر المعاجم الآتية:
ـ المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات 1989، المعجم الموحد لمصطلحات الفيزياء العامة والنووية 1989، المعجم الموحد لمصطلحات الرياضيات والفلك 1990، المعجم الموحد لمصطلحات الموسيقى 1992...
ولم يكتفِ بالنشر بصورة معاجم ورقية، بل أطلق من خلال موقعه على الإنترنت بنكَ المصطلحات الموحدة الذي يتألف رصيده من مواد المعاجم السابقة. وحافظ على عدم انقطاع مجلة )اللسان العربي( عن الصدور منذ عام 1964. هذه المجلة التي تعنى بنشر البحوث اللغوية والدراسات المتعلقة بقضايا المصطلح والترجمة والتعريب ومشروعات معاجم المصطلحات. ولكن نظرة سريعة إلى المعاجم السابقة، تؤكد أن الاهتمام ما يزال منصباً على المصطلح العلمي، فنصيب المصطلح اللغوي هو معجم واحد، بينما لا نجد للمصطلح النقدي نصيباً واحداً على الأقل.
وفي ظل غياب المعاجم اللغوية والنقدية الصادرة عن هيئات رسمية يأتي عملها نتيجة تنسيق ودراسة شمولية، كما هو الحال في المعاجم العلمية، أخذت جهود فردية، وجماعية المهمة نفسها، فنشرت عدة معاجم في النقد واللغة. وقد نشرت مكتبة لبنان في بيروت عدداً منها، وهي: معجم مصطلحات الأدب لمجدي وهبة عام 1975، ومعجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب لمجدي وهبة وكامل المهندس عام 1984، ومعجم مصطلحات علم اللغة الحديث عام 1983 لجماعة من الباحثين.
2- أن تتولى جهة رسمية في كل بلد عربي مسؤولية رصد الدراسات المترجمة، ومسؤولية انتقائها، ومتابعتها، وفهرستها، ولتكن هذه الجهة متفرعة من وزارات الثقافة العربية. وأن تتصل بجهة مركزية تزودها بما تم رصده وفهرسته. ويمكن في هذا السياق التعاون الفعال مع مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي التابع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الذي عُهد إليه بهذه المهمة عام 1973 ، وكانت أهدافه: يقوم المكتب بالمساهمة الفعالة في الجهود التي تبذل في الوطن العربي للعناية بقضايا اللغة العربية ومواكبتها لمتطلبات العصر، واستجابتها لمطالبه، وذلك عن طريق:
أ - تنسيق الجهود التي تبذل للتوسع في استعمال اللغة العربية في التدريس بجميع مراحل التعليم وأنواعه ومواده، وفي الأجهزة الثقافية ووسائل الإعلام المختلفة.
ب - تتبع حركة التعريب وتطور اللغة العربية العلمية والحضارية في الوطن العربي وخارجه بجميع الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، ونشرها أو التعريف بها.
ج - تنسيق الجهود التي تبذل لإغناء اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة ولتوحيد المصطلح العلمي والحضاري في الوطن العربي بكل الوسائل الممكنة.
د - الإعداد للمؤتمرات الدورية للتعريب.
ويقوم المكتب في سبيل تحقيق هذه الأهداف بما يلي:
أ - تتبع ما تنتهي إليه بحوث المجامع اللغوية والعلمية، وكذلك نشاطات العلماء والأدباء والمترجمين مما يمس مباشرة قضايا التعريب والمصطلح، وجمع ذلك كله وتنسيقه وتصنيفه تمهيداً للعرض على مؤتمرات التعريب.
ب - التعاون الوثيق مع المجامع اللغوية والهيئات والمنظمات التعليمية والعلمية والثقافية في البلاد العربية.
ج - الإعداد لعقد الندوات والحلقات الدراسية الخاصة ببرامج المكتب.
د - إصدار مجلة دورية لنشر نشاطات المكتب، ونتائج أعمال المؤتمرات والندوات التي يعقدها، إلى جانب البحوث اللغوية والمصطلحية وقضايا الترجمة التي تحتل مساحة كبيرة من حجمها.
هـ - نشر المعاجم التي تقرها مؤتمرات التعريب.
ومن الواضح أن أهداف المكتب ووسائل تحقيقها كفيلة بالحد من تكرار ترجمة أعمال نقدية ولغوية معينة، وكفيلة بحسر تنامي إشكالية المصطلح النقدي واللغوي. ولكن جانباً كبيراً من المسؤولية يُلقى على المترجمين أنفسهم؛ إذ ينشرون ترجماتهم دون العودة إلى المكتب للإفادة من تتبعه لحركة الترجمة في الوطن العربي.
إن تغييب المترجم للمرجعية في الترجمة أوجد حالة فوضى، ولعل هذا ما دعا الدكتور محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزي ومدير النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، والحائز على جائزة الدولة التقديرية في مصر عام 2002 إلى القول بعد معاينته للكتب المترجمة في معرض القاهرة الدولي للكتاب ـ وفقاً للمعلومات التي نقلها موقع الجزيرة نت في 4/2/ 2003 ـ : إن هناك فوضى في سوق النشر والترجمة إلى العربية تربك القارئ الذي يفاجأ بأكثر من ترجمة عربية للكتاب الواحد، وقد يكون سيئ الحظ إذا وقعت في يده ترجمة رديئة. ولعل هذا ما دعا أيضاً المنتدين في ملتقى النص بجدة في 17/3/2003 الذي شارك به 23 متخصصاً في اللغات والترجمة إلى المطالبة بتبني مشروع قومي للترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية وبالعكس، وإلى تحميل الجهات الرسمية مسؤولية عدم وجود مراكز عربية للترجمة على الرغم من الأهمية المتفاقمة لترجمة الكميات الهائلة من العلوم والنظريات عن لغات أخرى، وطالبوا هذه الجهات باتخاذ قرارات حاسمة في هذا الموضوع.
3- أن يوظّف المترجمون العرب معرفتهم باللغات الأخرى في ترجمة الدراسات العربية إلى تلك اللغات؛ فكثرة الدراسات اللغوية المترجمة عن الآخر لا تعني أننا أحدثنا تواصلاً ثقافيّـاً فعالاً معه، بل إن حاجتنا إلى تعرف الآخر ما لدينا هو الذي يجسّـر، بعد هذه الكثرة، التواصل بين الثقافات. وفي هذا السياق، تنبه الكتاب العرب في المؤتمر العام الثاني والعشرين للأدباء والكتاب العرب المنعقد في الجزائر 20-24 ديسمبر 2003 إلى هذه النقطة فعُقدت على هامش المؤتمر ندوة (العرب والترجمة وتحديات العصر)، تناولت حاجة العرب الماسة إلى تقديم إنتاجهم الفكري والإبداعي إلى الآخر، وتقديم صورتهم من خلال الفكر والإبداع خاصة أن ما يترجم من العربية إلى اللغات الأخرى أقل بكثير مما يترجم من اللغات الأخرى إلى العربية، إضافة إلى طرحها فكرة الشكوى من فوضى المصطلحات، وضعف الترجمة، والتشكيك في سلامة بعض الترجمات.
4- أن تأخذ مجامع اللغة العربية على عاتقها إصدار نشرات دورية، تُقيم فيها المصطلحات المستخدمة في الترجمة. وتكون هذه النشرات نواة لعمل معجمي متكامل. وقد خطت مجلة اللسان العربي خطوات رائدة تجاه هذه النواة، ويمكن أن تفيد المجامع العربية لتحقيق ذلك من البحوث القيمة المنشورة فيها.
5- أن تخصص مجلة في كل بلد عربي للترجمات في حقلي النقد واللغة، وتحظى مثل هذه المجلات بالتبادل بين الدول، وتوزيعها على الجامعات العربية. وقد خطت سوريا والعراق خطوات رائدة في هذا المجال، فقد خُصصت مجلة الآداب الأجنبية السورية لهذه الغاية، وخُصصت مجلة الثقافة الأجنبية العراقية للغاية ذاتها.
6- أن يلتزم المترجمون بوضع بيانات النشر الأصلية على أعمالهم المترجمة، أو تصوير الصفحة الأولى من الدراسة الأجنبية حيث تظهر تلك البيانات.
7- أن يراجع المترجمون حصيلتنا التراثية من المصطلحات في النقد واللغة، قبل تأسيس مصطلح أملته الترجمة الفورية للنص. وهذا يقتضي من الجهات الرسمية أن تعهد لعدد من المختصين مراجعة الترجمة قبل نشر الدراسة.
8- أن تقتني المكتبات العامة، ومكتبات الجامعات، ووزارات الثقافة الأعمال الببليوغرافية التي ترصد الدراسات المترجمة في الوطن العربي، وذلك للحد من ظاهرة تعدد الترجمات لدراسات معينة.
9- أن تُطبع بحوث المؤتمرات التي تتخذ من إشكالية المصطلح النقدي واللغوي محوراً لها، وتُعمم على الجهات الرسمية. لقد عُقدت بعد مؤتمر الكويت عام 1976 مؤتمرات كثيرة تعالج هذه الإشكالية، ولكن معظم بحوث هذه المؤتمرات لم يتجاوز تعميمها البقعة الجغرافية التي عُقدت بها. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، عقدت جامعة اليرموك في الأردن عام 1994 مؤتمر النقد الأدبي الخامس، وكان محوره المصطلح النقدي واللغوي، وقد شارك في أعمال المؤتمر نخبة من الباحثين والمفكرين العرب، وقدموا بحوثاً علمية جديرة بالاهتمام، وانتهوا إلى توصيات في غايـة الدقة للخروج من إشكالية المصطلح كتوصيات أحمد مطلوب التي تركزت حول وضع معجم نقدي حديث، ولكن بحوث هذا المؤتمر وتوصياته بقيت غير معممة على المستوى العربي على الرغم من النجاح الذي حققه انعقاد المؤتمر.
10- أن تتولى الجهات التي يُعهد إليها بدراسة المصطلح النقدي واللغوي في الدراسات المترجمة مسؤوليةَ الإفادة من الدراسات الجادة التي تدرس الواقع المصطلحي فتحلله وتقيمه. فهناك العديد من الدراسات التي تطرح موجهات علمية لمسيرة المصطلح النقدي واللغوي كدراسات أحمد مختار عمر التي ركزت على إنشاء مركز للمصطلحات الألسنية مزود بأحدث الأجهزة التي تساعد على التخزين والتصنيف والاستدعاء، ودراسات محمد رشاد الحمزاوي التي ركزت على ثلاث نقاط هي: التمييز بين التوحيد والتنميط ، والاستقراء والوصف، ومنهجية التنميط مفيداً في تطبيقها من مشروع راب الدولي العربي. إضافة إلى جهود أخرى بذلت لتوحيد المصطلح بشكل عام، كجهود ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلح العلمي العربي بالرباط 1981، وجهود علي القاسمي في الدعوة لإنشاء بنك المصطلحات المركزي في الوطن العربي، وجهود الباحثين في مؤتمر الترجمة في الوطن العربي الذي عقد في بيروت 2000 حيث دعا إلى إنشاء مؤسسة عربية للترجمة، وقد نشر أعماله مركز دراسات الوحدة العربية.
الخاتمة : نتائج و مقترحات و توصيات
1- اقتراح بناء منهجي لنظرية المعجم المفصل للمصطلح النقدي المترجم من خلال مؤتمر دولي ( عربي – أجنبي )؛ بإسهام كل الأطياف العلمية العالمية لتحقيق هذا الشأن .
2- التأكيد على آليات إنجاح ترجمة المصطلح النقدي ؛لأنها أبرز كافل لإنجاح شتى المناهج النقدية المعاصرة في مقاربة النص الأدبي .
3- التوصية بنشر نتائج البحوث في هذا الملتقى .
4- اقتراح فتح بنك إلكتروني في موقع إلكتروني بالجامعة؛ لكل المهتمين بالنقد الأدبي و مناهجه و اصطلاحاته باسم قسم اللغة في جامعة ورقلة ؛ أملا في فاتحة منهجية لصناعة المعجم النقدي الموحد .
د. محمد الأمين خلادي
الجامعة الإفريقية العقيد أحمد دراية ـ أدرار