همنغواي من ناحية أخرى، بإلهام، وبشغف وجنون أقل نسبيًّا، لكن بصرامةٍ واضحة، يترك براغيه ظاهرة من الخارج كما في عربات السكك الحديدية. ربما لهذا السبب كان لفوكنر علاقة كبرى بروحي، في حين أن لهمنغواي التأثير الأكبر في مجال مهنتي.
تعرفته في الحال عندما لمحته يعبر مصادفةً مع زوجته ماري ويلزي شارع سان...
خرج القطار من داخل نفق الصخور الرملية المترجرجة، وراح يعبر مزارع الموز المتماثلة التي تكاد لا تنتهي. الهواء مال الى الرطوبة ولم يعد بالإمكان الإحساس بنسيم البحر البتة. هبة خانقة من الدخان عبرت نافذة العربة. على الطريق الضيق الموازي لسكة الحديد ثمة عربات تجرها ثيران محملة بـ»قروط» خضراء من الموز...
رجع الخادم إلى بيت سيده وهو يرتجف خوفاً. ــ سيدي ــ قال ــ لقد رأيتُ الموت في السوق وقد أومأ إليّ متوعّداً. قدم إليه السيد حصاناً ونقوداً وقال له: ــ اهربْ فوراً إلى سامراء. هرب الخادم. وفي وقت مبكر من المساء، التقى السيد في السوق بالموت. فقال له: ــ هذا الصباح أومأتَ إلى خادمي إيماءة توعّد...
بزغ يوم الاثنين دافئاً و بلا مطر .. و كالطير فتح " أوريليو اسكوفار " طبيب الأسنان غير المؤهل و المبكر في يقظته , عيادته في الساعة السادسة .. ثم أخرج بعض أسنان صناعية مازالت مركبة في قالب المصيص من الدولاب الزجاجي, و وضع على المنضدة مجموعة أدوات رتبها حسب الحجم .. كما لو كانت للعرض .. و كان يلبس...
هذا هو دون شك أحد الأسئلة الكثيرة التي كثيرًا ما توجّه إلى الروائي. ولدى المرء دوماً إجابة مرضية، تناسبُ من يوجه السؤال. لكن الأمر أبعد من ذلك: فمن المجدي محاولة الإجابة عنها لا لمتعة التنويع وحسب، كما يقال، وإنما لأنه يمكن الوصول من خلاله الى الحقيقة.
ولأن هناك أمراً مؤكداً على ما أظن، وهو أن...
في المقدمة الشيقة التي كتبها لرواية ‘الجميلات النائمات’ (1) للياباني ياسوناري كاواباتا، يختزل غابرييل غارسيا ماركيز أحداث الرواية على النحو التالي:
إنها ‘قصة منزل غريب في ضواحى طوكيو، يتردد إليه برجوازيون يدفعون أموالا طائلة للتمتع بالشكل الأكثر نقاء للحب الأخير: قضاء الليل وهم يتأملون الفتيات...
أسرار أخرى كثيرة، في ذلك الفندق المفرط في غرابته، لم يكن فهمها سهلاً على آنا ماجدلينا باتش. فعندما أشعلت سيجارة، انطلق جهاز إنذارٍ، بصفاراتٍ وأنوار، وجاءها صوت آمر يقول لها، بثلاث لغات، إن هذه الغرفة مخصصة لغير المدخنين، وهي الغرفة الوحيدة التي وجدتها شاغرة في ليلة المهرجانات تلك. وكان لا بد لها...
تحسست مينا طريقها في عتمة الفجر, ولبست ثوبها القصير الأكمام الذي كانت قد علقته في الليلة الماضية قرب الفراش, وجعلت تفتش في الصندوق الكبير عن الكُمَّين المنفصلين اللذين يكسوان الذراعين امتثالاً للواجب قبل الذهاب إلى الكنيسة.. ثم بحثت عنهما فوق المسامير المعلقة على الحائط وخلف الأبواب, حريصة في كل...
عندما وجد السيناتور أونيسمو سانشيز المرأة التي انتظرها طوال عمره، كان لا يزال أمامه ستة أشهر وأحد عشر يوماً قبل أن توافيه المنية. وكان قد التقاها في روزال دل فيري، وهي قرية متخيّلة، كانت تستخدم كرصيف ميناء سري لسفن المهربين في الليل، أما في وضح النهار، فكانت أشبه بمنفذ لا فائدة منه يفضي إلى...
كانت جميلة فاتنة ، رشيقة القوام ، وبشرتها ناعمة بلون الخبز ؛ عيناها مثل اللوز الأخضر و شعرها الأسود مسدول على كتفيها ؛ ذات هيئة أندونيسية ، كما قد تكون قادمة من بلاد الأنديز. كانت ترتدي لباسا ذا نسق خلاق ينم عن ذوق رفيع؛ سترة مصنوعة من فراء اللينكس ، قميصا من الحرير الخالص بأزهار متناسقة ،...
الإمساك بأرنب أسهل من الإمساك بقارئ.
بالرغم من أن الكاتب الكولومبي الشهير الراحل غابرييل غارثيا ماركيز (1927) لم يكن من محبي إسداء النصائح للكتاب، إلا أن الأديب الشاب أحمد ضيف، جمع ما يمكن اعتباره نصائح من خلال بحثه في إرث ماركيز، وترجمه ليهدي للكُتّاب 12 نصيحة، هي:
1 – هناك فارق بين أن تكتب...
تخيّلوا قرية صغيرة جداً، تعيش فيها سيدة مسنة مع ابنين اثنين، ابن في السابعة عشرة، وابنة أصغر منه في الرابعة عشرة. إنها تقدم وجبة الفطور لابنيها، ويلاحظان في وجهها ملامح قلق شديد. يسألها الابنان عمّا أصابها. فتجيبهما:
ــ لا أدري، لكنني استيقظت بإحساس أن شيئاً خطيراً جداً سيحدث في هذه القرية.
يضحك...
فجر الاثنين ، دافئ وغير ممطر. أوريليو أسكوفار، طبيب أسنان من دون شهادة، مبكر جدا في النهوض، فتح عيادته عند الساعة السادسة. تناول بضعة أسنان اصطناعية، مازالت موضوعة في قوالبها الكلسية، من علبة زجاجية ، ووضع مجموعة من الأدوات على الطاولة مرتبا إياها حسب حجمها كما لو كان يجهزها للعرض. كان يرتدي...
وصلنا إلي أريزو قبل منتصف النهار بقليل، وقضينا أزيد من ساعتين في البحث عن القصر الذي يدل علي عصر النهضة، الواقع في ذاك المكان الشاعري من القرية البدائية، والذي اشتراه الكاتب الفنزويلي ميغيل أوتيرو سيلفا. كان يوم أحد من أول أسبوع من شهر آب (أغسسطس)، حارا ومثيرا للأعصاب، ولم يكن من السهل مصادفة...
ظنّه الأطفال لمّا رأوه ، أول مرة ، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقترب منهم شيئا فشيئا. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صاريًا فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌ كبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ الشاطيء وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ و أليافَ المدوز و الأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم...