لا يعثر ميشال فوكو لنفسه على موقع بعينه ضمن تاريخ الفلسفة المعهود. لقد ظلّ يشعر أنه "خارج السرب"، بل إنّه كان يحسّ أنه بعيد عن كلّ الأشكال التي كرستها ممارسة إنتاج الخطاب في الثقافة الغربية، وأنه لم يبق عليه إلا أن يولّد خطابات مضادة، ويتحوّل إلى "حفّار" وإلى "صانع متفجرات": "أنا خبير متفجرات...
كتب هايدغر في "تجربة الفكر": "يظل الأقدم في كل ما هو قديم يلاحقنا، ولا بد أن يدركنا". تفيد هذه الملاحقة مفهوما معينا عن التاريخ لاينحل إلى مجرد حركة صيرورة تقدمية يتجاوز فيها اللاحق السابق، وإنما يغدو، على العكس من ذلك، حركة حاضر يمتد بعيدا نحو الماضي، ولا يكون تذكرا له فحسب، وإنما تنبؤا...
✍️ هذا السؤال طُرح في تاريخ الفلسفة، وقد طرح على وجه الخصوص في الفكر الألماني بصيغ متنوعة، ابتداءً من أواسط القرن الثامن عشر، حيث غدا الفلاسفة أساتذةً، وحيث أصبحت الفلسفة تُعلَّم في الجامعات. وسنقتصر هنا على إجابتين تبدوان على طرفي نقيض: إجابة كانط، ثم إجابة هيجل.
إجابة كانط معروفة من شدة...
يهاجم جيل دولوز بعنف ساخر أولئك الذين يجعلون من الكتابة استعادة لذكرياتهم الشخصية. وهو يعتقد أن الكتابة ليست هي أن تحكي ذكرياتك وأسفارك ومغامراتك العاطفية وأمراضك وأحزانك وأحلامك وأوهامك. "أن تبالغ في الواقعية أو التخييل، فالأمر سيّان: في الحالتين كلتيهما، يتعلق الأمر بحكاية بابا-ماما، والبنية...
يقدم لنا هذا الكتاب حوارات مع نخبة منتقاة من المفكرين العرب. فهو يشكل، بمعنى ما، زبدة الفكر العربي، ويبلور أهم القضايا التي تشغله، ومجمل الصعوبات التي يواجهها، ونبذة عن التطلعات التي يرمي إليها.
وقبل أن نحاول عرض أهم القضايا الفكرية التي تشغل أذهان مفكرينا، والتي يمكن أن نستخلصها من هذه...
على هذا السؤال «الوقح»، نعلم أن هايدغر كان قد ردّ بجواب أكثر «وقاحة» في محاضراته التي جمعت في كتاب «ما هذا الذي نسميه تفكيرًا؟» حيث أكد: «العلم لا يفكّر». وقد علّق على ذلك بقوله: «إن هذه العبارة: “العلم لا يفكر”، التي خلّفت كثيرًا من الضجيج إثر نطقي بها، تعني أن العلم لا يشتغل في إطار الفلسفة،...
«لا بُدَّ مع ذلك أن يسمع الإنسان أقاويل المختلفين في كلِّ شيء يفحص عنه، إن كان يجب أن يكون من أهل الحق». أبو الوليد بن رشد
نستطيع أن نقول إنَّ ابن رشد فيلسوف “الفصل” بلا منازع. فهو يرى أوَّلاً في شخصه “شخصَّيتين ثقافيَّتين” متمايزتين: الفيلسوف والفقيه، ثمَّ هو ينادي بالفصل بين ما للعلماء «أهل...
يؤكد جاك دريدا بأن الإثنولوجيا (علم الأعراق) لم تتمكن من أن تُولد كعلم إلا لحظة اهتزت أسس الثقافة الأوروبية. "فليس من قبيل الصدفة إذن أن يكون نقد نزعة التمركز العرقي حول الذات، وهو الشرط الأساس لقيام الإثنولوجيا، معاصرًا، فكريًّا وتاريخيًّا، لتقويض تاريخ الميتافيزيقا. فهما معا ينتميان إلى العصر...
سيكون من قبيل الابتسار الجزم بأن المفهوم الفلسفي للانفصال، يرجع أساسًا إلى الأبحاث الإبيستمولوجية المعاصرة وما صاحبها من إعادة النظر في تواريخ العلوم، عند غاستون باشلار خاصة. فيكفي أن نعود بأذهاننا إلى التحولات التي سنتها مدرسة الحوليات في مجال التاريخ، بكتابات مارك بلوك بداية لنتأكد من ذلك...
ما الذي نجنيه عندما نصفّي الحساب نهائيا، أو نتوهّم أنّنا قد صفّينا الحساب نهائيّا مع الفيلسوف، وأنّنا “كشفنا حقيقته” و”وضعناه في محلّه” و”أغلقنا” دونه الأبواب كلّها، فأجبنا عن الأسئلة جميعها، تلك التي يطرحها، أو تلك التي تطرح بصدده؟ ربّما لن نكون قد عملنا بذلك، على أقل تقدير، إلا على إغلاق...
صرح جيل دولوز ذات مرة معجباً بعبارة لتوينبي: «إن الرحّل هم المعمرون، إنهم رحّل لأنهم يرفضون أن يرحلوا بعيداً». الرحلة والخروج إذن، إقامة لا تنقطع. على هذا النحو ستكون علاقة المفكر الفرنسي بتاريخ الفلسفة، ستربطه بهذا التاريخ محاولات لا متناهية للـ"الخروج"، الخروج عن منطق تاريخ الفلسفة، وقلب...
قبل حوالي عقدين من الزّمن، كنت طالباً للفلسفة في مدينة الرباط بالمغرب، لم أكن مواظباً على حضور الدّروس كما كان ينبغي، فقد كنت أمضي معظم الوقت، بين الحركة الطلابية التي كانت تعرف وقتها موجتها اليسارية الأخيرة، وبين المركز الثقافي الرّوسي حيث كنت أوزّع أنشطتي الموازية بين العزف على آلة البيانو،...
ينطلق باشلار من التأكيد على أن الفكر يسلك في بنائه للمعرفة العلمية مسالك متعثرة ودروبًا ملتوية وطرقًا غير مباشرة. إن كانت فلسفات العلم التقليدية، في صيغتها الوضعية خاصة، تعد المعرفة العلمية امتدادًا للمعرفة العادية، فتكتفي بأن تنصح الدارس بـ "الإصغاء لما تقوله الطبيعة"، وتحدّد الموضوعية بأنها...
كتب هايدغر في "تجربة الفكر": "يظل الأقدم في كل ما هو قديم يلاحقنا، ولا بد أن يدركنا". تفيد هذه الملاحقة مفهوما معينا عن التاريخ لاينحل إلى مجرد حركة صيرورة تقدمية يتجاوز فيها اللاحق السابق، وإنما يغدو، على العكس من ذلك، حركة حاضر يمتد بعيدا نحو الماضي، ولا يكون تذكرا له فحسب، وإنما تنبؤا...
يعطي ميشيل فوكو كبير أهمية لنص كانط "ما هي الأنوار؟"، فإضافة إلى أنه تحدث عنه أكثر من مرة، فإنه يعتبره نصّا فريدا من نوعه اعتبارا بأنه النصّ الفلسفيّ الذي تُطرح فيه مسألة الحاضر لأول مرة: ما الذي يحدث الآن؟ ما هو هذا الآن الذي يحدد اللحظة التي أكتب فيها؟ هذا، في نظر فوكو، سؤال لم يتقدم في تاريخ...