لا تجعلني معتادة على هجرانك
كَوني إمرأة بَكَّائية
قد أصمت حيال موت فراشة
في صقيع حديقة تشرينية
سبعة أيامٍ بلياليها
وعاماً كاملاً من الكآبة
والله أعلم
كم عمراً من الصمت
وكم قرنٍ من الكآبة
إثر غيابك أُعاني
.
تَرَحل إذن..!
لعل عدم وجودك هنا
يُنسيني منك
أن حلول الشتاء يُريحني
يُسَكِّنُ عذاباتي
عذاب...
تلك الليلة
تركت بجنب مصباح سريري الأيسر رسالةً
بَغتةُ أخذتني الغَفوة
لُجَج بعادك أغرقتني في التوهان
جراءها لَم تسعفي الكلمات
قد تكون الغفوة أحياناً عفويةً
حين يعصف بنا دوّار الحنين
فيجرف جُلَّ الأشياء
وتتبدل الأدوار
حيث أنا, هي
وأنتَ هو
كان ذلك في الحلم
حيث حروف إسمكً
مثلما أبطال الروايات
باتت...
مُنذ زمنٍ
لَمْ يَخطر ببالي
أن أُخاطبك
أن أبوح لك ما في قلبي
كإشتياقي لقهوة مُرّة
كونسيرتا جديدة
ديوان قصائد نابضة
باقة ريحانة برية
مُناجات حَرّى
.
أمنحني زمناً
لنجلس معاً
ليكن باكراً في الصبح
حين تتمايل الأغصان رقصاً
بتغريدة الطيور الضاجة
او وقتما تتدفأ شواهق مركز المدينة
حين تميل شعاع الشمس...
إثر التباعد بيننا
أحسستُ بفقدان وجودي فيك
فقررت في مساء ما
أن أنساك تماماً
غيرت ما غيرتُ من لبسي
وأمام المِرآة واجهتُ نفسي
متأملةً خصلات شَعري
لَكَم هي مشوهة بعد غياب لمساتك
طليتُ شفتيَّ بلون كالح
أرتديت فستاني الأسود
دون أن أتعطر
او بالأحرى لم أستسغ فوحة عطري المرشوش
حول جيدي يُسنشق من قبل رجل...
كيف تَجَرأوا لإحراق روحك
اللعنة على دمهم و أصلهم
إذ هم ليسوا بشراً
وإنما هم الكُفرُ الأسود
اللعنة في وجودهم..
.
أغلقوا الحدود
لا تسمحوا بصدى وطأة أقدامهم
في وجه المدينة والسماء
حتى يد الموت والقدر
حيال هذه الجريمة النكراء بحقك
ترتجف
.
هدئي من رَوعك
يا مدينتي.. هلبجة
كيلا ينفطر قلب أُمي
أعلَمُ يا...
لا تسأل
من أين جئت وإلى أين أرحل
لا تسأل
من أكون وماذا علي أن أفعل
لا تقل هذا حرام وذاك حلال
هذا ممكن وذاك محال
إني يا هذا..
أحمل عقل الله الراجح في رأسي
وأنت غارق في اوهام اليأس
مازلت تتنافخ، تتحاجج
وتغض الطرف عما ارتكب اسلافك
من جرائم حرب وسفك دماء واحتلال
. . . . .
وجهك يا هذا.. يخيفني
صراخك...
ها أنت الآن أيها القرد القميء
يا آخر القرود العظماء
بعدما هبط غراب الحظ العاثر
على رأسك المنتفخ بالهرمونات الجنونية
أراك مبتسماً ملء شدقيك / cut
تطلق ضحكاتك البلهاء / cut
تتلاعب بصولجانك
كما يهز الكلب الاجرب ذيله / cut
مائة عام ونحن نضحك
مائة عام ونحن نندب
مائة عام ونحن نندم
مائة عام ونحن نتقلب...
في ثنايا كل تلك الكتب البراقة
الغليظة، الثمينة والمعتبرة رسمياً
كان هناك ثمة كتاب وحيد، مهلهل ومكفهّر
ذلك الكتاب المهلهل
كان قد أبطل كل الاكاذيب المنمقة
وأسقط كل تلك الاقنعة المزيفة
لرؤية الحقائق الكونية، كان بمثابة مرآة صافية
ولتصحيح المغالاة والاخطاء التاريخية، كان فرصة وافية
*****
ذلك الكتاب...
في مساء ما
مساء خريفي.. مثلما أُنوثتي
مفعم بأحاسيس لم يُسمع بها
ولا أحد تحدث عنها
أحاسيس زاخرة بألوان قُزحية
كاللتي تُرى من إنبعاث انفاس رجل جهنمي
يظهر فجأة..
سأعود
لمرة واحدة وحسب
.
سأعود..
قبل أن تعود العصافير
بأجنحتها المُتعَبة
هابطةً لأعشاشها
قبل مغيب الشمس
وخلو الشوارع من المارة
قبل إشتعال...
أحني برأسك قليلاً
وأدخل عبر بوابة الدار
بخشوع وجلال
كأنك تدخل مسجداً
او كنيسة
سَلّم على زهور حديقة الدار الزاهية
وأسأل عن أحوالها بنظرة حانية
ضع يدك على قلبك
متأملاً التميمة على واجهة الدار
بكل جدية و وقار
فإن النساء لايشبهن الرجال
إذ يؤمنن بوجود العيون الحاسدة
أقم الصلاة وأدعو خيراً
قبل زيارتك...
النجدة، النجدة..! يا رب العالمـــين
هنا ينقرض نصفي المضيء والجميل
بإسم جلالتك.. وأنت أرحم الراحمين
فتاح خطاب
في زمن وئد الكائنات الجميلة وسحق الزهور الملونة
وازدراء الفن والادب والفلسفة
إعلاءً لكلمة الله
في زمن حرق المكتبات...
حين أتمعن بعَينيّ أُمي
أُحس بظلها يطل على روحي
قبل طلوع الشمس
فأُدرِكُ تماماً
لِمَ كان عدد الأنبياء هائلاً
لِمَ تكون غالبية القتلى في الحرب
رجالاً
لِمَ كان الملحدون يُصلبون
ولِمَ يُرجَم الشيطان
لحد هذه اللحظة
لِمَ يُخلق الجَنينُ في ظُلمة رَحم المَرأة
لِمَ يتوجب على الرجل نكاح المرأة
ما الحكمة في...
كلما إنبلج الصُبح
دعوا هذي المرأةَ
على سجية التخيل بوجودها
أن تُشعل سيجارةً
مع رشفة قهوة الصبح
مثلها كمثل زهور السندأنة
المركونة في الظل
تقطر روحها شُعاعاً
بينما الشمس لاتُحس بوجودها
.
دعوا هذي المرأة
تتغنى بوحدتها
كلما حل المساء
مُحتضنةً السماء
مثلها كمثل عصفور مكسورة الأجنحة
إزداد...
خرج بلياتشو
من باطن الطبيعة الأم المثلى
وهو يضحك في العلن
رغم الداء والاعداء
ويبكي خفية
بصمت وإباء
***
نزل بلياتشو
مخّيراً والكتاب بين يديه يتجلى
كتاب تنبض فيه أبجديات الحياة
الحياة كما أبدعتها آلهة الخير والخصب والجمال ..
لم يمسها جنون البشرية
لم تقننها شرائع الجاهلية
لم تنل منها الشطحات...
أُنظري يا ماريا..
ليس لي الآن
حتى لو تخيلتُ سراً
في أن أتأنق بما يحلو لي
جمالآُ وتزينا
في أن اسرح والسيجار في شارع مليء بخطى الرياحين
وحيدة
مشرأبة الرأس نحو سماوات الله
أستنشق الهواء وزفير الموت
معاً
أُنظري يا ماريا..
ليس لي الآن
في أن أنام كما يحلو لي
أتناغم والحلم
تلك الأحلام الشفيفة الناعمة...