كلّ حبلٍ ينقطع إلا حبلَ الأدب، إذ مهما شددناه عاد الى الارتخاء؛ ولا رخاءَ لحبلِ مَن تشتدُّ به الظنون وتوتِّر حسَّه الخطوب وتشغله مشكلاتُ الخطاب، من بين يديه، وعِبر نظَرِه، وخلفَه.
كيف لا، والأدبُ ممارسةُ حياة، وسبيلُ سَفَر، من الداخل للخارج، ومن الخارج للداخل؛ وكان هذا الحبلُ دليلاً في متاهة...
يقول الكاتب النمساوي بيتر هندكه (نوبل ٢٠١٩) في أحد حواراته (المجموعة في كتاب من ترجمة إسكندر حبش، دار خطوط وظلال، ٢٠٢١): "ما أن نبدأ الكتابة حتى نجد أنها تريد شيئاً آخر؛ لا ترغب الكتابة في أن نعطي كلّ شيء".
ومقابل غوته الذي كان يمتلك "غريزة ألا يقدّم كلّ شيء" فإنّ كتّاباً ألماناً مثل كلايست...
الجسرُ مَعبرٌ ومَسرَد، ذهابٌ وارتداد؛ علاقةٌ ذات طرفين متقاربين او متباعدين؛ ما أن تبدأ لغتُها بالاشتقاق والتصحيف، حتى تتولّد من الكلمة الراكزة على دعائم ثابتة عشراتُ المعابر الفرعية: "سرج، رجس، سجر".. وكلّ منها لفظة منزوعة من سرديات الرمال والمياه والنيران. فالجسر يسير أحياناً بأقدام عابريه،...
(الأحلام ستظهر رغم أنفها ولن تفلت من اليقظة. سنلتقي بها خلسة) _ عبد الرحمن طهمازي_ تمرين على اليقين
مهما كانت المواعيد محتّمة في حياة اليقظة، فإنّ لقاءات الآخِرة أهمّ وأكثر حتماً وصراحة. لم ألتقِ بِمن أحسَبُهم معلّمي "الجزيرة المفقودة"، أولئك المنفيّين من أروقة المدارس والمعاهد والأكاديميات...
من الثيمات المفقودة في سرديتنا العراقية الثيمةُ السياسية، التي طال افتقادها منذ ظهورها الأول في قصص محمود أحمد السيد وذي النون أيوب وعبد الرزاق الشيخ علي، في الربع الأول من القرن العشرين، ثم اشتدادها وسيادتها في روايات فاضل العزاوي وياسين حسين وعبد الرحمن الربيعي وفؤاد التكرلي، في منتصف ستينيات...
طالما نظرنا للربيع فصلاً ليقظة الجسد قبل الشعور باندحاره الوشيك؛ صحوةً للفكر بعد خمول القراطيس وعُطل المعاجم وفتنة التواريخ. ونستطيع أن نضيف الى هاتين اليقظتين، يقظة الطبيعة المتسيّدة صفحةً جديدة في كتاب الوباء الأسطوري. وليس في هذا الزفاف المثلّث، المساق دورياً، غير استعادةٍ محض من أجل استكمال...
إزاء خطاب الزيارة المأمولة لبابا الفاتيكان فرنسيس، يستقبل العراقيون قداستَه بخطاب يجرُّ وراءه ذيولَ التودّد المزيف والعاطفة المتذلّلة؛ ونقيضه خطاب آخر يحمل روح الشكّ المتأصل في العروق الموروثة من عداء أكبر امبراطوريتين مشرقيّتين: الإسلامية العثمانية والأرثوذكسية الرومانية. لقد مضت عهود سُحِقت...
ينعقد مجلسُ الحُكم في ميسوبتاميا، منذ زمن غير معروف، بأعضائه المؤبدين، خلف الزجاج السميك، المتّسخ بلمسات الجماهير الغاضبة، التي اعتادت محاصرة الموقع الرئاسيّ في خريف كل عام منذ عشرين عاماً.
يتراءى أعضاء المجلس وهم يحكّون جِلودَهم المتقرّنة كلحاء شجرة معمَّرة، بمخالب أظفارهم المعقوفة، كان لقمان...
في اتصال هاتفي نادر، ظُهر هذا اليوم، مع الدكتور مالك المطلبي، ناقشنا مسائل كثيرة، منها مسألة الهامش الذي يتسع ليصبح متناً عريضاً بشروط خاصة. لماذا كانت نصوصنا مضغوطة في هامش "حر" من أجل دفع شكوك المتن المتاح على وسعه تحت ظلّ رقابة سلطوية شديدة ومحاسبة اجتماعية من جهة ثانية (قبل سقوط النظام...
يُشار الى مجتمعات العالم الثالث/ المجهول، بأنها ضحيّة الثالوث الخرافي: الجهل والفقر والمرض، غير أنّ للأثفية الاخيرة في أنثربولوجيا المناطق الاستوائية والصحراوية اسطورةً متأصلة في دراسات المستكشفين، مقرونةً بأشهى الطبخات وأجمل الأكلات الحرّيفة (كتُب ليفي شتراوس مثلا). ولا يكاد يخلو جسدٌ جميل من...
(إلى منى أنيس)
نشرت صحف الأيام السالفة صورتَيْ عالمٍ لغوي وشاعر كلاسيكي في ساعات ما قبل الرحيل عن عالمنا، وكانا قبل هذه الساعات يرفدان الأحياءَ بصحيح القول ونافع الشعر. كانت المغادرة المحتّمة خطأ نحوياً لا يمكن تفاديه، وبيتاً من الشعر لا يُقرأ إلا بالتأسي على قوةٍ انفرط خيالُها وكلّت قدماها عن...
(مشاركة مع محمد سهيل أحمد)
على عكس "بيت" مهدي عيسى الصقر الفخم على "دجلة"، فإنّ عدسة الرحالة مدام ديلافوا تحتفظ بإطلالة هذا البيت الطينيّ الصغير على صفحة نهر بَصريّ canal، مغمورٍ بظلال السَّعف. بقيَ دجلة الكبير شاهداً على هجرة "الصقر" الى بغداد، ستينيات القرن الماضي، وعلى أحداثٍ عنيفة تلَت...
جيلان: جيلٌ انتهى بانسداد الممر التاريخي للمستقبل، وضياعِ الأمل في بداية جديدة.. وجيلٌ ابتدأ بعبثِ البدايات، والوثبةِ القاتلة على حاجز النهايات. جيلانِ متعاقبان في صورة معلّقة على ستارة الزمن الرمادي.
(أدعوكم إلى تمرين افتراضي لكتابة قصة على الشبكة، واعلموا أنّ المناخ صيفيٌّ حار..)
أتذكرُ...
لطالما نظرنا للربيع فصلاً ليقظة الجسد قبل الشعور. صحوة الفكر بعد خمول القراطيس وعُطل المعاجم وفتنة التواريخ. ونستطيع أن نضيف الى هاتين اليقظتين، يقظة الطبيعة المتسيّدة صفحةً جديدة في كتاب الوباء الأسطوري. وليس في هذا الزفاف، المساق دورياً، غير استعادة محض من أجل استكمال أركان هويةٍ مُضعضَعة،...
خارج أرض الأحياء، المشغولين بتفاصيل يومهم المضجرة، يسير موكبٌ صغير بأفرادهِ وهواجسه: قافلة متمهلة، باتجاه مجهول..
عن هذا الموكب المرسوم برؤية استشراقية، كتبتُ في تسعينيات الحصر والقهر، عن شطر من أشطار الصحراء المحيطة ببصرياثا. تسربت القافلةُ من لوحة للرسام الفرنسي جان ليون جيروم (١٨٢٤- ١٩٠٤)...